هل أميركا مستعدة للصدمة النفطية القادمة؟
فريدريك دبليو. كيلي
هل يمكن لانخفاض بنسبة 4 في المئة في عرض النفط اليومي العالمي أن يؤدي إلى ارتفاع سعره إلى ما يزيد عن120 دولاراً للبرميل خلال أيام معدودة فحسب؟ هذا ما يقوله بعض خبراء أسواق النفط. وفيما لو صحت تكهناتهم, فإننا سنكون مواجهين باحتمال حدوث موجة صدمة نفطية عاتية, في وسعها إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد القومي للولايات المتحدة الأميركية. ومن شأن ارتفاع سريع كهذا لتكلفة الوقود, أن يلقى بتأثيرات سلبية للغاية, تهدد الأسس التي يقوم عليها ازدهار الاقتصاد الأميركي برمته. والشاهد أن الاتجاهات النفطية العالمية السائدة الآن, بما تشير إليه من ارتفاع في حجم الاستهلاك, وانخفاض في سعة إنتاج الاحتياطي النفطي, مقترنة بارتفاع معدلات عدم الاستقرار في كبريات الدول المنتجة للنفط... تشير جميعها إلى ترجيح احتمال حدوث صدمة بسبب انخفاض العرض النفطي. غير أنه من المؤسف أن الحوار القومي حول الطاقة هنا في أميركا, كثيراً ما ينم عن سوء فهم بالغ لديناميات سوق النفط العالمي الجارية الآن. وعلى الرغم من النداءات المطالبة باستقلالنا في جانب الطاقة, فالحقيقة هي أن النفط سلعة طحلبية عالمية, بما يعني أن أي تطورات أو أحداث تقع في أي بقعة من بقاع العالم, تكون لها تأثيراتها على العرض والطلب النفطيين, ومن ثم تكون لها تأثيرات مشابهة على المستهلكين أينما كانوا. ومن هنا يمكن القول إن تعرض دولة ما لصدمة أسعار الوقود, إنما يتوقف على معدل استهلاكها للوقود, ودون أن تتأثر كثيراً بالتناسب بين النفط المستورد وذلك المنتج محلياً. والحقيقة أيضاً أن تعويلنا الحالي على النفط, إنما يلقى بتأثيراته السالبة على قدرتنا العسكرية, في ذات الوقت الذي يعضد فيه شوكة أعدائنا الاستراتيجيين, ويقوض جهودنا الرامية إلى دعم حلفائنا الديمقراطيين. وكما نعلم فإن الولايات المتحدة الأميركية تنفق موارد عسكرية ضخمة سنوياً, في حماية أمن شبكاتنا القومية الخاصة بإنتاج وتوزيع النفط, في ذات الوقت الذي نحرص فيه على تأمين حصولنا على إمدادات النفط من المناطق الرئيسية المنتجة له. ولا شك أن هذا التشتيت للقوات والموارد المالية، يقلل كثيراً من قدراتنا العسكرية على التصدي لمهام الحرب ضد الإرهاب وغيرها من الأولويات الدفاعية الأخرى. وبالنظر إلى التداعيات المدمرة المحتمل نشوؤها من جراء الأزمة النفطية, فها قد حان الوقت لارتفاع أصوات جديدة, لا سيما تلك المنسوبة إلى قادة الأعمال والاستثمار والمتقاعدين من مسؤولي الأمن القومي. والمقصود هنا انضمام هذه الأصوات إلى الدعوة الهادفة لخفض الحكومة لمعدل استهلاكها النفطي. وفي هذا تشير خبراتي الشخصية المباشرة– سواء المتعلق منها بإدارة شركة دولية للنقليات والمواصلات, أم إشرافي على تأسيس قيادة عسكرية مركزية أميركية مستقلة في الشرق الأوسط- إلى ما يعزز القناعة بأن إفراط أميركا في اعتمادها على النفط, يمثل تهديداً مرفوضاً لأمننا القومي وازدهارنا. وفي غضون الأشهر القليلة المقبلة، سوف أشارك في تولي رئاسة المجلس القيادي لأمن الطاقة, وهو ثمرة جديدة لجهد جبار بذله مدراء وقادة الاستثمارات وعدد من الضباط المتقاعدين, بهدف تطوير استراتيجية قومية لخفض معدل اعتمادنا الحالي على النفط. وعلى الرغم من تباين المشارب والخلفيات التي ينتمي إليها أعضاء المجلس المذكور, إلا أنه توجد بينهم جميعاً قناعة مشتركة بأن من شأن حدوث تحول كبير في سياساتنا الحالية الخاصة بالطاقة, منع وقوع كارثة اقتصادية وأمنية محققة هنا في بلادنا. وفي الوقت الذي يعكف فيه الرئيس جورج بوش وعدد من أعضاء الكونجرس، على بلورة استراتيجية خاصة بأمن الطاقة, فإن هناك جملة من المبادئ العامة لا بد من الاحتكام إليها: أولها أنه بالإمكان تحقيق أعلى قدر ممكن من خفض تكلفة الوقود بأسرع وأكثر الوسائل فاعلية, وذلك بجعل نظام مواصلاتنا أعلى كفاءة في استهلاكه للوقود. مصداقاً لهذا فإن في زيادة التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي وغيرهما من مصادر الطاقة البديلة ما يدعم هذا النظام, مثلما تفعل كذلك الضوابط المنظمة للطلب الصناعي. بيد أن قطاع المواصلات يعتمد على النفط بنسبة 97 في المئة من احتياجاته للطاقة, بينما يشكل نسبة 68 في المئة من إجمالي الاستهلاك الأميركي للنفط. ومع توفيرنا للحوافز الصحيحة الملائمة, فإنه سوف يكون في وسع المهندسين والمستثمرين الأميركيين, الإسراع بتوفير تكنولوجيا سيارات أفضل وأكثر تطوراً, فضلاً عن توفيرهم لوسائل أكثر فاعلية في نقل البضائع وغيرها من الحلول الذكية الأخرى. وفيما لو تمكنا من إجراء خفض كبير في حجم الطلب على الوقود في قطاع النقل, فإن في ذلك ما يؤكد وفرة العرض المقدور عليه مالياً, للاحتياجات الأكثر إلحاحاً للمستهلكين في قطاعي الصناعة والتجارة. وثانيها أنه لن يكون في مقدور اقتصاديات السوق المجردة وحدها إيجاد حل لهذه المعضلة. ذلك أن الأسواق لا تدخل في حساباتها التكلفة الخفية وغير المباشرة للاعتماد على النفط. كما أنه ليس للاستثمارات التي تضع نصب أعينها ضخامة العائد الاستثماري, أن تتمكن دائماً من تطبيق الحلول الجديدة, علماً بأن الكثير من هذه الحلول يعتمد على تقنيات ووقود لا قبل لهما في الوقت الراهن بخوض التنافس مع التكلفة الهامشية لإنتاج البرميل الواحد من النفط. وفوق ذلك فإن الأسواق لا تعمل استباقياً للتخفيف من وطأة الدمار الناجم عن الارتفاع المفاجئ السريع والمستمر في الأسعار! عضو قيادة أركان الحرب المشتركة في إدارة الرئيس ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-15-8-2006
|