لو كان الفقر رجلا لقتلته

 

 

23 في المئة من سكان الدول العربية يعيشون تحت خط

 

أديب نعمة

 

... وإذ طلب مقدم البرنامج من ضيفيه الاخرين - اللذين كنت اشاركهما الحلقة المعنية- تعليقاً على قول الامام علي ( عليه السلام ) « لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، لم يذهبا في التفسير الى أبعد من الرفض الاخلاقي الشائع للفقر. لا بل ان سياق المناقشة اللاحق قد جنح الى اعتبار الفقر نوعاً من القدر الذي يخفي في طياته اختباراً لإيمان البشر، أو حتى اعتباره قصاصاً على ارتكاب مفترض للمعاصي.

علينا الاعتراف ان مثل هذا الفهم يلقى قبولاً بين الفقراء انفسهم على نحو خاص، الذين غالباً ما نراهم يعتبرون الفقر أو الغنى امراً قرره الخالق، والذي لحكمة تفوق ادراكهم، جعل الناس على ما هم عليه من اختلاف في مراتب الثروة والجاه باعتبار ذلك من طبيعة الامور على الارض. وإذا كان هذا التفسير لا يقعدهم عن الكفاح المرير من اجل لقمة العيش، فانه في المقابل لا يساهم في تحرير وعيهم من هذا الاعتقاد الذي ترسخ في عقولهم وقلوبهم، لا بفعل التحليل العقلي ولا إيماناً بمبدأ التفاوت بين الناس، بل بفعل المعايشة المرة لواقع مزمن ومتوارث منذ قرون حتى بات هو الطبيعة الاولى للحياة الاجتماعية والحقيقة التي لم يعرفوا غيرها. تقول السيدة الخمسينية التي تسكن في احدى بؤر الفقر في مدينة طرابلس ببساطة وعمق: «اهلي كانوا فقراء، وانا تزوجت رجلاً فقيراً، وما زلنا وأولادنا فقراء.... هذا هو الفقر يا ابنتي!»(1).

(2)

«لو كان الفقر رجلاً، لقتلته»...

ليس بامكانك أن تتجاهل قدرة هذا الكلام البسيط على النفاذ على وعيك. وهو ربما ما يدفع لتقديم قراءة اكثر عمقاً لمعناه تتجاوز ما هو شائع، وتحاول أن تستنبط منه دلالات تقترب من فهمنا المعاصر لظاهرة الفقر. إن « قتل » الفقر يعني أولاً رفضاً قطعياً للفقر يناقض أي شكل من اشكال القبول القدري به، او ربطه بأي شكل من الاشكال بإرادة إلهية صريحة او مستترة. ما يتسبب في الالتباس في الوعي الشعبي الشائع، هو الخلط الرائج بين الفقر، وبين بساطة الحياة والابتعاد عن سلوك البذخ والاسراف. ففيما الثاني امر محبب ومرغوب فيه اجتماعياً وأخلاقياً، فان الفقر بما هو انتهاك لحقوق الانسان وكرامته وحرمانه من وسائل العيش والمشاركة الكريمة واللائقة في الحياة الاجتماعية، لا يمكن قبوله على الاطلاق. ولا يجب الخلط بين الاثنين، بما يؤدي الى جعل الناس يقبلون بما هو مرفوض لإلتباس - غير بريء - في الوصف بين الاثنين. أما التعبير المقابل لقتل الفقر- الرجل في الأدبيات التنموية المعاصرة، هو «القضاء» على الفقر. ولم يمر ذلك من دون سجال: فهناك من يفضل تعبير التخفيف من الفقر، او الحد من الفقر، وغيرها مما لا يوحي بالموقف القطعي الرافض لوجود الفقر نفسه، لا لدرجة من درجاته فقط. وهذا نقاش معاصر بامتياز.

(3)

إلا ان قتل الفقر يستوجب تموضعه وانحصاره في محل ( كأن يتجسد رجلاً ) فيمكن حينها استئصاله والقضاء عليه (او قتله ان كان رجلاً). إلا ان الامر ليس كذلك. ولعل هذا هو البعد الاكثر عمقاً في ما قاله الامام علي( عليه السلام ) . فحقيقة الفقر هي انه ليس رجلاً او شيئاً يمكن حصره في مكان او جهة، لذلك لم يمت الفقر او لم يقتل، بل وجدناه ينمو ويزدهر ويتناسل وينتشر منذ مئات السنين. فلا الإرادات قضت عليه، ولا النوايا الطيبة، ولا الاخلاق الحميدة، ولا التضامن والتعاضد بين البشر، ولا التطور العلمي والتكنولوجي، ولا النمو الاقتصادي، ولا الفائض الهائل في الثروات المنتجة في عالمنا المعاصر والتي لا تحول دون وجود خمس البشرية (أي ما يقارب 1.2 بليون انسان) يعيشون في حالة من الفقر المدقع (بحسب خط الفقر المعتمد للمقارنات الدولية، والمقدر بدولار واحد في اليوم للشخص). فالفقر ليس ظاهرة خارجية على المجتمع وعلى تطور الحضارة الانسانية، ولا هو خلل محصور في جانب من جوانب تنظيم المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بحيث يمكن القضاء عليه بمعالجة هذا الخلل. انه ظاهرة اكثر تعقيداً بكثير. انه يكمن في نسيج العلاقات المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية، في البنى والهياكل الوطنية والاقليمة والدولية، وفي علاقات الانتاج والتبادل، وفي نمط ادارة المجتمع، وفي ضعف الديموقراطية وعدم قدرة الفقراء على المشاركة في صناعة القرارات التي تصنع حاضرهم ومستقبلهم، وفي الانتقاص من حقوق الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحق في التنمية...الخ. ولو اردنا ان نقدم قراءة معاصرة عميقة لقول الامام علي، لقلنا انه بعدد قليل من الكلمات البسيطة والعميقة في آن، يلفت انتباهنا الى ان الفقر متغلغل في نسق العلاقات والهياكل السائدة في المجتمع، وفي المفاهيم والعادات والمصالح، بحيث يصعب عزله واستخراجه كما الشعرة من العجين.

إن القضاء على الفقر يتجاوز البعد الاخلاقي وان كان ينطلق منه، ويذهب ابعد من المعالجات الفردية وان كانت مهمة، ويتجاوز الدعوة الى الخير والتضامن، وان كانت هذه كلها لا غنى عنها في معالجة الاثار المباشرة للفقر ولتعزيز فكرة المسؤولية المشتركة للناس جميعاً. ان القضاء على الفقر يتطلب معالجة اسبابه والعوامل المولدة له، وهي كامنة في نسق العلاقات والهياكل والثقافة، وفي تنازع المصالح، في شبكة متداخلة بين الداخل والخارج. وهذا ما يجعل المعرفة سلاحاً لا غنى عنه في هذا السعي الى جانب الالتزام الاخلاقي والانحياز الاجتماعي لمصلحة الفقراء والناس، ومبادئ التنمية وحقوق الانسان.

(4)

معرفة ظاهرة الفقر والتعريف بها، هما قصد هذا المقال. ولئن التفتنا في المقاطع السابقة نحو قبس من شائع تراثنا، فما ذلك إلا للإشارة الى الامتداد الاصيل للبحث المعاصر في قضايا التنمية، والذي غالباً ما ينظر اليه باعتباره موضوعاً دخيلاً على مجتمعاتنا بحكم تأويل ماضوي يجافي الشواهد التاريخية. ولو ان ماكس ويبير كان عربي المولد، او لو انه تمعن في تاريخ المنطقة الاجتماعي، لربما وجد ارتباطاً بين تراثنا الديني وبين الازدهار القياسي في الحضارة العربية الاسلامية في عصورها الذهبية (من علوم تجريبية، وتكنولوجيا، وتجارة واقتصاد، وعمران...)، اكثر قوة وتأثيراً مما وجده بين البروتستانتية ونشوء الرأسمالية في أوروبا الغربية.

إلا اننا لسنا بصدد مقالة في قراءة التراث، وإنما قصدنا الكتابة عن الحاضر والمستقبل. لذلك نلتفت في المقاطع التي تلي الى التعريف بواقع الفقر في البلدان العربية، ومؤشراته، مستندين بالدرجة الاولى الى مساهمة اعدت في اطار كتابة التقرير العربي عن اهداف الالفية الذي صدر أخيراً عن منظمات الامم المتحدة العاملة في المنطقة العربية(2).

(5)

تعتمد التقارير الدولية قياساً موحداً للفقر على الصعيد العالمي يمكنها من القيام بالمقارنات بين الدول. وخط الفقر المعتمد دولياً لمثل هذه المقارنات هو دولار واحد في اليوم للشخص الواحد، بحسب تعادل القوة الشرائية(3). ولا داعي للغوص في التفاصيل الفنية التي تتجاوز مهارات كاتب هذا المقال ومعظم القراء، فالتقديرات العالمية ترى ان نسبة الفقر (بأقل من دولار في اليوم للشخص) في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هي نحو 2 في المئة (2.4 في المئة) مقابل 47 في المئة لمنطقة افريقيا جنوب الصحراء، و15 في المئة في اميركا اللاتينية والكاراييب، و14 في المئة في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و4 في المئة في اوروبا الشرقية وآسيا الوسطى(4).

منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هي الافضل حالاً بين مناطق العالم النامي الاخرى. ونسبة الفقر منخفضة جداً وبشكل لا يتناسب مع واقع كون مؤشرات التنمية البشرية عموماً هي اكثر انخفاضاً في البلدان العربية منها في اميركا اللاتينية واوروبا الوسطى وعدد غير قليل من بلدان آسيا. بالطبع بالامكان البحث عن تفسيرات كثيرة لهذا الرقم المنخفض، منها عدم التطابق الكامل للحدود الجغرافية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مع المنطقة العربية (22 بلداً عضواً في جامعة الدول العربية). ومن الاسباب التي يمكن تقديمها ايضاً النقص في البيانات في بعض الدول او عدم دقتها، وكذلك التمييز بين خط الفقر المعبر عنه بمستوى الدخل او الانفاق، وبين الفقر البشري المتعلق بالمؤشرات الاجتماعية الاخرى.

(6)

هذه كلها اسباب منطقية، ولكنها غير كافية في تقديرنا، وهي لا تصيب لب الموضوع. فمهما حاولنا تصحيح هذه الرقم ضمن منطق القياس نفسه، فسوف يقود ذلك الى تعديل طفيف في الوضع لا اكثر ولا اقل. ان خطورة هذا التقدير المنخفض للفقر الاكثر أهمية تتمثل في كونه يوجه رسالة خاطئة للمنطقة وللعالم بأن مشكلة الفقر ليست لها الاولوية في البلدان العربية، فتستبعد قضية مكافحة الفقر عن أولويات جدول الاعمال الوطني والاقليمي. ان عدداً غير قليل من التقارير الوطنية عن أهداف الالفية قد وقع في ارتباك حيال التعامل مع هذه المسألة، فتأرجحت بين الاكتفاء بالمعيار الدولي الذي يعني ان نسب الفقر في البلدان منخفضة جداً بل تكاد لا تذكر احياناً (اقل من 1 في المئة) وهذا يعني انها حققت الهدف الاول من اهداف الالفية عملياً؛ وبين اعتماد خط الفقر الوطني الذي يشير الى نسب للفقر اكثر ارتفاعا بكثير مما سبق.

إلا ان نقد هذا القياس لا بد من ان يذهب ابعد من ذلك. فهو اصلاً ذو وظيفة محدودة تقتصر على تيسير المقارنات الدولية، وهو غير صالح من اجل توجيه السياسات الوطنية. كما أن مضمون تعريف الفقر الذي يستند اليه ضمناً هذا القياس، وطرائق الحساب المعقدة ذاها، هي نفسها تحتاج إلى تدقيق وتحقق من صلاحيتها. ان غالبية البلدان العربية هي بلدان اما ذات مستوى تنمية مرتفع بحسب المعايير الدولية (مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي) او ذات مستوى تنمية متوسط. وفي هاتين الحالتين فان قياس الفقر على اساس دولار واحد في اليوم، ليست قياساً مناسباً او مقبولاً (كما يمكن ان يكون عليه الامر نسبياً بالنسبة للبلدان الاقل نموا).

(7)

يقتضي الاستغناء عن هذا القياس في منطقتنا تلافياً لأي تضليل غير مقصود (او مقصود) قد ينجم عن اعتماده. ومن الشواهد على ذلك انه عند قياس نسبة الفقر على اساس دولارين في اليوم للشخص الواحد، فانها تقفز من حوالي 2.4 في المئة إلى 31.5 في المئة (!!) وهي قفزة لا يمكن تفسيرها إلا بجملة من الاسباب بينها بالتأكيد ان خط الفقر المقدر بدولار واحد في وضعيته الراهنة، ليس معبراً عن واقع الفقر في البلدان العربية على الاطلاق. من جهة أخرى، فإن نسبة السكان الذين لا يحصلون على الحد الادنى الضروري من السعرات الحرارية في البلدان العربية يقدر بحوالي 9.5 في المئة من اجمالي السكان! وهذا يعني انه لا يوجد منطق على الاطلاق في اعتبار ان نسبة الفقراء فقراً شديداً هي اقل من ذلك. فأي معنى يمكن ان يعطى للفقر الشديد يتجاوز النقص في الغذاء والجوع!! فالمنطق يقضي ان يشكل الجائعون جزءاً من الفقراء، لأن مفهوم الفقر يشتمل وعلى الجوع على عناصر اخرى اضافية، مما يعني ان الفقراء في مجتمع هم اكثر عدداً بالتأكيد من الذين يعانون من الجوع فيه.

لقد توسعنا في نقد المقياس الدولي، وخصوصاً نقد استخدامه في تقويم وضع الفقر في البلدان العربية، لازالة أي التباس يمكن ان يستخدم في تقليص الاهتمام بضرورة مكافحة الفقر باعتباره من الاولويات الاكثر أهمية. وهو امر ينقلنا مباشرة الى تقويم وضع الفقر استناداً الى خطوط الفقر الوطنية، وهو ما سنقوم به في الفقرات الآتية(5).

(8)

خلال السنوات التي تلت الاعلان عن أهداف الالفية (عام 2001) نشرت 19 دولة عربية (من اصل 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية) تقارير وطنية عن التقدم المحرز في تحقيق اهداف الالفية. وبعض هذه البلدان اصدر اكثر من تقرير واحد. وقد بلغ عدد البلدان التي تضمنت تقاريرها تقديرات لخط الفقر الوطني 15 بلداً (تمثل 79 في المئة من اجمال السكان في مجموع البلدان العربية). الا انه لا تتوافر بيانات لمجموعة مجلس التعاون الخليجي (ما عدا البحرين)، مما يجعل احتساب معدل لهذه المجموعة غير ممكن. وتبلغ نسبة السكان الذين يعيشون تحت خطوط الفقر الوطنية في البلدان العربية 23 في المئة. وهي تبلغ 17 في المئة في بلدان المشرق و9.2 في المئة في بلدان المغرب، و48.2 في المئة في البلدان الاقل نمواً (حوالى عام 2000). (رسم بياني رقم 1) .

(9)

على رغم التفاوت في منهجيات القياس، فان خطوط الفقر الوطنية تبقى الاكثر تعبيراً نظراً لأنها تعكس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للبلد المعني، ونظراً لأنها تعبر ايضاً عن الاهداف التي تتضمنها السياسات الوطنية. كما أن عرض النتائج على مستوى المناطق الفرعية، يعطي صورة اكثر دقة من المتوسط الاقليمي لمجموع البلدان العربية، الذي يطمس التفاوتات الكبيرة بين البلدان والتي تجعل منه مؤشراً يحجب معرفة الواقع اكثر مما يكشفه. وبشكل عام، فان نسب مؤشرات التنمية، ومؤشرات الفقر بين بلدان المجموعة الفرعية الواحدة متقاربة، لكن دائماً مع وجود تفاوتات في الوضع الراهن وفي المسارات التي اتبعتها البلدان افرادياً، كما يبين ذلك الجدول الآتي. (رسم بياني رقم2) .

أما على مستوى مجموعة البلدان العربية، والمناطق الفرعية، فان نسبة الفقر بقيت على حالها بين عامي 1990 و2000، لا بل سجلت ارتفاعاً طفيفا من 16.4 في المئة الى 16.8 في المئة. وهي سجلت انخفاضاً في المشرق من 21.6 في المئة الى 15.7 في المئة، وارتفعت في منطفة المغرب العربي من 7.3 في المئة الى 9.1 في المئة، وسجلت في مجموعة البلدان العربية الاقل نمواً ارتفاعاً كبيراً من 24.8 في المئة الى 47.1 في المئة. (رسم بياني رقم 3) .

أن الاداء العام للمنطقة العربية ممثلة بالبلدان العشرة التي تتوافر عنها بيانات، يشير الى عدم امكان تحقيق الاهداف الموضوعة في ما يختص بالقضاء على الفقر(7).

(10)

المقصود بخط الفقر الوطني في هذه الفقرات، هو خط الفقر الادنى محسوباً وفق المنهجية الاكثر اعتماداً من المؤسسات الدولية (البنك الدولي والامم المتحدة) والتي تميز بشكل عام بين خط فقر ادنى وخط فقر اعلى. والاثنان يحسبان على اساس كلفة سلة السلع الغذائية التي توفر الحد المطلوب من المكونات الغذائية (سعرات حرارية وعناصر اخرى). ولكن يضاف الى هذه الكلفة نسبة الانفاق على السلع غير الغذائية الضرورية لحساب الخطين الادنى والاعلى اللذين يختلفان في نسبة الاضافة إلى خط الفقر الغذائي. ولكن ما تجدر الاشارة اليه هو ان خط الفقر في مجموعة البلدان العربية الاقل نمواً، مطابق لخط الفقر الدولي المحسوب على أساس دولار واحد في اليوم للشخص.

وعلى رغم محاولة تقليص العوامل التي يمكن أن تؤدي الى تفاوتات غير مقبولة في قياس الفقر تعطل المقارنة بين البلدان، الا انه لا تزال هناك مشكلات حقيقية امام تحقيق هذا الهدف. وهذه بعض الامثلة على ذلك: عندما نقول مثلاً ان نسبة الفقر في البحرين 11 في المئة، وهي نسبة مساوية لنسبة الفقر في سورية (11.4 في المئة)، وهي تكاد تبلغ ثلاثة اضعاف تقريباً نسبة الفقر في تونس (4.2 في المئة). فهل هذا يعني ان البحرين اكثر فقراً من تونس، وان مستوى الفقر فيها مساو تقريباً لمستواه في سورية؟ بالطبع لا نستطيع قول ذلك. وما ان ننظر الى دلالات الرقم وطريقة حساب خط الفقر حتى يتضح السبب، اذ ان خط الفقر في البحرين يعادل انفاقاً يومياً للفرد يبلغ 5.6 دولار، وهو انفاق يفوق عدة اضعاف الانفاق المقابل المعتمد في حساب خط الفقر في تونس او سورية. والسبب هو اختلاف مستويات المعيشة، واختلاف ما هو متعارف عليه كحاجات اساسية بين بلد وآخر، وبين زمن وآخر.

(11)

ثمة عوامل عدة تدعونا الى الحذر في اجراء المقارنات الاقليمية بين البلدان العربية على اساس خطوط الفقر الوطنية المعتمدة لديها، على رغم انها الاكثر دلالة على واقع الفقر في كل بلد. وابرز هذه العوامل:

- اختلاف تعريف الفقر بين بلد وآخر (فقر الدخل، فقر بشري...).

- اختلاف المقاربات ووسائل البحث (مقاربات احصائية، دراسـات بالمشاركة ...).

- اختلاف منهجيات قياس خط الفقر (مطلق او نسبي، دخل او انفاق، مستوى السعرات وسلة السلع المعتمدة، عدد خطوط الفقر ومستوياتها...الخ).

- ثغرات متعلقة بالبيانات (اختلاف تعريف المؤشرات، نقص بيانات، عدم اكتمال السلاسل الزمنية..الخ).

أن توحيد التعريف المعتمد للفقر، ومنهجية القياس، وتشابه نوعية البيانات الاحصائية ضروري لعقد المقارنات بين البلدان على اساس علمي. وهذا أمر غير متوافر حتى اللحظة، وبالتالي فان ما يصدر في التقارير الاقليمية على هذا الصعيد، حول نسب الفقر في الاقليم العربي او الاقاليم الفرعية على اساس خطوط الفقر الوطنية، يحتاج بدوره الى مراجعة وتدقيق، ويجب التعامل معه مع لحظ هذه التحفظات.

(12)

نخلص من هذا العرض الى ما يأتي :

1- ان مكافحة الفقر يجب ان تكون من اولويات السياسات الوطنية والاقليمية في البلدان العربية. فالنسبة المنخفضة جداً التي ترد في التقارير الدولية لا تعبر عن الواقع، في حين تبين مقاربات اخرى للفقر اكثر منطقية ان نسبة الفقر في البلدان العربية تتراوح بين 23 في المئة حسب خطوط الفقر الوطنية و27 في المئة بحسب دليل الفقر البشري.

2- هناك تفاوتات مهمة بين البلدان العربية وبين مجموعات فرعية من البلدان العربية: مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي ذات مستوى تنمية ودخل مرتفع؛ مجموعتا المشرق والمغرب وهي ذات مستوى تنمية ودخل متوسط؛ والدول العربية الاقل نمواً (6 دول عربية) والتي يشكل الفقر فيها مشكلة بالغة الحدة.

3- هناك ضرورة للقيام بجهد عربي اقليمي منسق من اجل معالجة المشكلات المنهجية والفنية المتصلة بتعريف الفقر وطرائق القياس وتوفير البيانات.

(13)

ان الجهد المطلوب من اجل تحقيق ذلك لا بد من أن يستند الى افضل الخبرات الدولية، شرط ان يقترن ذلك بالضرورة بجهد عربي مقابل على الصعيد الاقليمي والوطني، كي لا يقتصر الامر على مجرد اعتماد المناهج والطرائق التي يملك مروجوها قدرات اكبر على التمويل او على تسويق افكارهم، بغض النظر عن صلاحيتها لهذا البلد او ذاك.

ان اطلاق ورشة عمل عربية في هذا الاتجاه هو من بين اهتمامات برنامج الأمم المتحدة الانمائي في المنطقة العربية. ونحن نأمل ان تلاقي المؤسسات الوطنية والاقليمية العربية (والدولية) هذا الجهد في منتصف الطريق لنقدم مساهمة عربية حقيقية في تطوير ادوات البحث في مجال الفقر، ولكي نقدم اساساً صلباً لسياسات وبرامج مكافحة الفقر في بلدان المنطقة *.

المحصور بين قوسين باللون الأخضر غير موجود في الأصل .

وكل ذلك حسب رأي المؤلف نصا ودون تعليق .

...............................

الهوامش :

* http://www.hewaraat.com نقلا عن الحياة - 13/11/2005 نصا ودون تعليق .

1 - شهادة لاحدى شخصيات الوثائقي «ابتسام»، فيلم لمنى سعيدون، انتاج الحركة الاجتماعية – لبنان.

2 - صدر عن منظمات الامم المتحدة العاملة في المنطقة العربية ملخص عن تقرير التقدم الحاصل في تحقيق اهداف الالفية. والصيغة الكاملة لهذا التقرير قيد التحضير للطباعة، وسوف تصدر قريبا. وهذا التقرير هو نتاج عمل مشترك بين 18 من وكالات وبرامج الامم المتحدة، تولت «الاسكوا» التنسيق فيما يبنها. وقد صدر الملخص بعنوان: «الاهداف الانمائية للالفية في المنطقة العربية 2005 – ملخص»، في شهر ايلول(سبتمبر) 2005. وهو متاح باللغتين العربية والانكليزية.

3 - المقدار الدقيق هو 1.08 دولار بحسب قيمته عام 1993. اما حساب تعادل القوة الشرائية فهو بدوره عملية معقدة يقوم بها جهاز متخصص على النطاق العالمي.

4 - وردت هذا التقديرات في تقرير الامين العام للامم المتحدة عن تحقيـق أهـداف الالفية، ومصدر البيانات هو تقديرات البنك الدولي.

5 - يتضمن تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الامم المتحدة الانمائي قياسا للفقر البشري (هو قياس خاص للفقر يعبر عن مستوى الحرمان من الصحة والتعليم وتدني مستوى المعيشة). واستنادا الى هذا القياس، فان نسبة السكان الذين يعانون من الفقر البشري في البلدان العربية يبلغ 27 في المئة من اجمالي السكان (وهي تبلغ 17 في المئة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، و26 في المئة في مجموعتي بلدان المشرق والمغرب، و36 في المئة في البلدان العربية الاقل نموا – المصدر تقرير التنمية البشرية لعام 2004). ويظهر الاختلاف الكبير في المقاربة وفي نسب الفقر حسب هذا القياس، وبحسب خط الفقر على اساس دولار واحد في اليوم.

6 - هي البلدان نفسها في الرسم البياني رقم 2، يضاف اليها: لبنان، فلسطين، السودان، الصومال، البحرين.

7 - بالنسبة للعراق، هناك دراسات عن الفقر قيد التنفيذ حاليا. وقد قدر مسح الاحوال المعيشية في العراق، برنامج الامم المتحدة الانمائي 2004، نسبة الفقراء على اساس تقييمهم الذاتي لاوضاعهم بـ 27 في المئة من السكان. في حين ان تقرير اهداف الالفية الثاني الذي اعده المغرب يقدر نسبة الفقر لعام 2004 بـ 7.7 في المئة من السكان.

* برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحدة معلومات التنمية للبلدان العربية.

 

تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفقر

 

 د. أماني قنديل

 

( المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية )

في إطار منظومة التغيير ، وإصلاح وتحديث البلدان العربية ، فإن النقاش ينبغي ألا يتجه فقط إلى الدولة - مع أهميتها القصوى - وإنما ينبغي أن يمتد أيضاً إلى تحديث وتفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني العربي .

وفي مقال سابق للكاتب ، نشر بجريدة الأهرام (23 ديسمبر 2003)  ولاقى اهتماماً كبيراً، طرحنا عشرة إشكاليات تواجه مؤسسات تواجه مؤسسات المجتمع المدني ، وانتهى المقال بضرورة الوقوف وقفة موضوعية لتقييم فعالية الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات ، والتركيز على الإسهام في عملية التنمية البشرية في عالمنا العربي ، مع عدم إغفال الأبعاد الخاصة بتعميق الممارسة الديمقراطية ودعم الثقافة المدنية ، واحترام حقوق الإنسان .

إن المقدمة السابقة تقودنا إلى طرح ومناقشة نتائج تقرير سنوي صدر عن الشبكة العربية للمنظمات الأهلية أخيراً في عام 2004 ، يتضمن دور المنظمات الأهلية العربية في "مكافحة الفقر والإسهام في التنمية البشرية" .

إن التقرير المذكور على درجة عالية من الأهمية ، لعدة أسباب :

إن التقرير الذي صدر عن مكافحة الفقر والإسهام في التنمية البشرية ، هو التقرير السنوي الثالث الذي يصدر عن الشبكة العربية للمنظمات الأهلية ، ومن ثم فإنه حلقة في سلسلة اهتمام الشبكة بأهم مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي ، وهي المنظمات الأهلية العربية ، التي وصلت عام 2004 إلى حوالي 230 ألف منظمة أهلية .

إن تقييم التقرير المذكور ينبغي أن يأتي في إطار التراكم العلمي الحديث نسبياً ، الذي يستهدف قضايا التنمية البشرية في العالم العربي ، بل إن هذا التقرير هو مكمل رئيسي لا غنى عنه لموضوع مهم تناولته تقارير التنمية البشرية والإنسانية ، بشكل فيه قدر عالٍ من التعميم ينطلق من مجرد ملاحظات ومتابعات فرق الباحثين .. هذا الموضوع المهم هو لاشك المجتمع المدني في الدول العربية .

إن تقرير دور المنظمات الأهلية العربية في مكافحة الفقر (2004)هو نتاج عمل فريق من الباحثين يضم 16 باحثاً وخبيراً عربياً متميزاً في مجاله ، ويغطي ويحلل أبعاد هذا الدور في 14 دولة عربية هي : مصر ، سوريا الأردن ، لبنان ، فلسطين ، تونس ، الجزائر ، المغرب ، اليمن ، الكويت ، قطر ، الإمارات ، البحرين ، والسودان .

إن التقرير المذكور - على الرغم من كل ما يواجهه من صعوبات أهمها توافر بيانات شاملة حديثة - يقف ولأول مرة ليقيم الإسهام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، للمنظمات الأهلية العربية في مواجهة تحدي ضخم هو "الفقر"، وقد عبرت وثيقة الأهداف الإنمائية للألفية عن مكافحة الفقر باعتباره الهدف الأول والرئيسي ، الذي ينبغي أن يتوجه العالم نحوه في الألفية الجديدة .

ومع تنوع النتائج والإسهامات للمنظمات الأهلية العربية ، وذلك في 14 دولة عربية ، والتي حرص التقرير على إبرازها ، فقد طرح تقرير دور المنظمات الأهلية العربية في مكافحة الفقر، نتائج رئيسية وقضايا واتجاهات عامة ، تحيط بهذا الدور .. ويمكننا في هذا السياق إبراز القضايا العامة الرئيسة التي كشف عنها التقرير على النحو التالي :

أولاً : توجه خيري أم تنموي تمكيني ؟

هذا السؤال يطرح القضية الأولى التي تواجهنا حين نطالع تقرير الشبكة العربية للمنظمات الأهلية عن مكافحة الفقر ..  وبداية أشير إلى أنه لا يوجد "موقف مسبق"  من غلبة التوجه الخيري على المنظمات الأهلية العربية ، إلا أننا لكي نعين القارئ على اتخاذ موقف ، نشير إلى أن التوجه الخيري هو علاقة مباشرة بين مانح ومتلقٍ وهي علاقة تستهدف مساعدة الطرف الأول للطرف الثاني ، وبشكل مباشر ومؤقت ، لمواجهة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية للحياة .

أما التوجه التنموي فيشير في مضمونه إلى "التمكين" ، بمعنى مساعدة الطرف الأول للطرف الثاني المتلقي لأن يزداد اعتماده على نفسه بما يؤدي إلى تحسين نوعية حياته ، ومن خلال التعليم والتدريب والتأهيل للحصول على فرصة عمل والارتقاء بذاته .

إن التقرير يؤكد - بالأرقام والبيانات - إلى أن كل الدول العربية محل البحث، بما فيها مصر، تشهد غلبة كبيرة للتوجهات الخيرية والرعائية (إلى جانبها) على نشاط المنظمات الأهلية؛ حيث إن أكثر من 55% منها على المستوى العربي تنشط في مجال العمل الخيري (مصر32% ، لبنان53.3 % ،  سوريا80 % ، الكويت78 % ، السودان70 %.. ).

ومن هذا المنظور يؤكد التقرير على أهمية توافر رؤية تنموية للمنظمات الأهلية العربية، ويسجل مؤشرات في بعض الدول العربية - منذ مطلع الألفية الجديدة - للتوجه نحو قضايا التنمية والتمكين، كما يسجل اتجاهات شراكة ملحوظة بين القطاع الأهلي والحكومات العربية لدعم التنمية.

ثانياً : فقر الريف ، هل يصاحبه دور ملموس للمنظمات الأهلية ؟

كان هذا السؤال محور القضية الثانية، التي سجلها تحليل نتائج الدراسات في 14 دولة عربية، فمن جانب هناك تفاوتات مؤكدة في مؤشرات التنمية البشرية ، بين الحضر والريف ؛ حيث برز فقر الريف العربي وزيادة نسبة الفقراء .. في مقابل ذلك كشفت نتائج تقرير الشبكة العربية للمنظمات الأهلية ، عن تركز المنظمات الأهلية في الحضر ، خاصة العواصم (حالة مصر مثلاً 68.2 % في الحضر) في مقابل ضعف العمل الأهلي في الريف .

ومن ثم فإن التقرير يذهب إلى نتيجتين ، أولهما عدم اتفاق خريطة توزيع الفقر مع خريطة التوزيع الجغرافي لمؤسسات المجتمع المدني . ثانيهما إن عمل وفعاليات مؤسسات المجتمع المدني العربي تتسم "بالنخبوية"  مع تسجيل ضعف ما يعرف بالمنظمات القاعدية الشعبية .

ثالثاً : هل هناك توجهات قوية نحو مكافحة الفقر ؟

على الرغم من النتائج السابقة المذكورة لتقرير مكافحة الفقر الذي صدر عن الشبكة العربية للمنظمات الأهلية ، فقد انشغلنا جميعاً خلال البحث وخلال رحلة صفحات التقرير ، لمعرفة هل تتوافر حالياً اتجاهات قوية وجديدة لمكافحة الفقر . وقد لمسنا من خلال المؤشرات والنماذج تشكل التوجه نحو مكافحة الفقر ، والتي عكسها عدد من الأمور أولها إن دولاً عربية كثيرة قد أصدرت في الألفية الجديدة استراتيجيات لمكافحة الفقر ، ساهم في صياغتها وتبلور رؤيتها ، أطراف فاعلة في المجتمع المدني ، وإن هذه الاستراتيجيات قد تضمنت برامج ومشروعات يضطلع بها المجتمع المدني ، منفرداً أو شريكاً للحكومة .. من أهمها ما طرحته المغرب والأردن واليمن .

ثاني هذه الأمور الإيجابية التي تتعلق بالتوجه نحو مكافحة الفقر ، الاهتمام غير المسبوق في الدول العربية بالاهتمام بالمرأة المعيلة الفقيرة (16.7 % في مصر، 18 %  في المغرب) ، وكانت هناك مظاهر شراكة قوية بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ، في بلدان عربية كثيرة أولها مصر .

ثالث ملامح التوجه التنموي، تمثل في مظاهر الاهتمام بقضية التنمية الريفية، وتواجد عشرات من البرامج المتكاملة للمنظمات الأهلية للإسهام في تنمية الريف (مشروع خدمات القرية المجمعة في الأردن، ومشروع التوجه للريف في تونس، والاهتمام غير المسبوق في مصر بالوجه القبلي).

رابع هذه الملامح تمثل في استهداف تطوير العملية التعليمية، من جانب قطاع كبير من المنظمات الأهلية، في الدول العربية، خاصة ما تعلق بالقيد في التعليم الأساسي، وتكافؤ الفرص بين الجنسين ومشكلات التسرب من التعليم.

إن التقرير الذي صدر عن الشبكة العربية للمنظمات الأهلية حول مكافحة الفقر (عام 2004)، يؤكد على أولوية التوجه التنموي واستهداف التمكين ، ويؤكد على أن الوقت قد حان لبلورة مؤشرات اقتصادية واجتماعية لقياس إسهام مؤسسات المجتمع المدني في التنمية ، وهو مشروع ضخم تتبناه الشبكة العربية حالياً ، كما استمر هذا التقرير السنوي الثالث يلح على أهمية توفير قاعدة بيانات متكاملة لمؤسسات المجتمع المدني ، وهو للأسف يشكل صعوبة رئيسية أمام الجماعة الأكاديمية المعنية بالبحث في هذا المجال .

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصا ودون تعليق في المصدر.

المصدر: http://www.shabakaegypt.org

 

 

الفقر والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

 

بيان اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أمام مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بأقل البلدان نموا .

1- أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 أن الفقر قضية من قضايا حقوق الإنسان.1 وأعادت تأكيد هذا الرأي في مناسبات عديدة مختلف هيئات الأمم المتحدة، ومنها الجمعية العامة ولجنة حقوق الإنسان.2 وعلى الرغم من أن مصطلح الفقر لم يرد صراحة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية3 فإن الفقر واحد من الموضوعات المتكررة في العهد، وكان دائماً أحد الشواغل الرئيسية للجنة. فحقوق العمل، والتمتع بمستوى معيشي لائق، والسكن، والغذاء، والصحة، والتعليم، تكمن كلها في صميم العهد، ولها أثر مباشر وفوري على استئصال شأفة الفقر. وفضلاً عن ذلك، كثيراً ما تثار قضية الفقر أثناء الحوار البناء الذي تجريه اللجنة مع الدول الأطراف. واللجنة تؤمن إيماناً راسخاً، في ضوء الخبرة التي اكتسبتها خلال سنوات عديدة وشملت دراسة العديد من تقارير الدول الأطراف، بأن الفقر هو إنكار لحقوق الإنسان.

2- ووفقاً لذلك، ترحب اللجنة ترحيباً حاراً بالالتزام المتجدد الذي أبداه عدد من الدول والمنظمات الدولية بالعمل على بلوغ هدف سياستها العامة المتمثل في استئصال شأفة الفقر، وما يتصل به من أهداف السياسة الأخرى كالقضاء على الاستبعاد الاجتماعي. ومع ذلك، تعرب اللجنة عن أسفها لأن أبعاد حقوق الإنسان في سياسات استئصال شأفة الفقر قلما تلقى ما تستحقه من اهتمام. ومن المؤسف إهمال هذه الأبعاد، لا سيما أن اتباع نهج حقوق الإنسان في سياسات مكافحة الفقر يمكن أن يؤدي إلى تعزيز استراتيجيات مكافحة الفقر وزيادة فعاليتها.

3- ويستهدف هذا البيان تشجيع دمج حقوق الإنسان في سياسات استئصال شأفة الفقر بتحديد الكيفية التي يتسنى بها لحقوق الإنسان بوجه عام، والعهد الدولي بوجه خاص، تمكين الفقراء وتعزيز استراتيجيات مكافحة الفقر. ولا يستهدف البيان وضع صياغة مفصلة لبرنامج أو خطة عمل لمكافحة الفقر، وإنما الإشارة بإيجاز إلــى الإسهام المتميز لحقوق الإنسان الدولية في استئصال شأفة الفقر. وإعداد برامج تنفيذية لمكافحة الفقر مهمة مستقلة بالغة الحيوية يتعين أن تعمل كافة الأطراف الفاعلة على تنفيذها بصورة عاجلة، مع إيلاء المراعاة الواجبة لحقوق الإنسان الدولية.

نطاق المشكلة وطبيعتها

4- كتب رئيس البنك الدولي مؤخراً ما يلي :

لا يزال الفقر مشكلة عالمية ضخمة الأبعاد. فمن بين سكان العالم البالغ عددهم 6 مليارات نسمة، يعيش 2.8 مليار نسمة بأقل من دولارين في اليوم و1.2 مليار نسمة بأقل من دولار في اليوم. ومن كل 100 رضيع يموت ستة قبل بلوغ سنة واحدة من العمر، ويموت ثمانية قبل بلوغ الخامسة. ومن بين الأطفال الذين يبلغون سن المدرسة لا يدخل المدرسة الابتدائية 9 ذكور و14 أنثى من كل 100 طفل4 ولئن كانت الإحصاءات لا تعطي صورة كاملة تساعد على فهم مشكلة الفقر، فإن هذه الأرقام المروعة تشير إلى وجود انتهاكات عامة واسعة النطاق للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والصكوك الدولية الأخرى لحقوق الإنسان.

5- ولا يقتصر انتشار الفقر على البلدان النامية والمجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية، وإنما هو ظاهرة عالمية تعيشها جميع الدول بدرجات متفاوتة. ففي الكثير من البلدان المتقدمة جماعات محرومة تعيش تحت ولايتها، مثل الأقليات والسكان الأصليين. كما يوجد في الكثير من البلدان الغنية مناطق ريفية وحضرية يعيش فيها السكان في ظل ظروف مروعة - جيوب من الفقر وسط الثراء. وفي جميع الدول، تتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر من الفقر، وكثيراً ما يكون الحرمان الدائم هو حظ الأطفال الذين ينشؤون في بيئة فقيرة. وترى اللجنة أن زيادة تمكين المرأة بوجه خاص شرط أساسي مسبق لاستئصال شأفة الفقر في العالم.

6- ولئن كان الحرمان من القدرة5 هو القاسم المشترك بين الفقراء فإن حقوق الإنسان هي السبيل إلى تمكين الأفراد والمجتمعات. والتحدي هنا يكون في الربط بين مسلوبي القدرة من جهة وقدرة التمكين التي تتيحها حقوق الإنسان من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن حقوق الإنسان ليست الدواء لجميع الأدواء فهي تساعد على تحقيق التوازن في توزيع القدرة وممارستها داخل المجتمعات وفيما بينها.

تعاريف

7- كثيراً ما كان الفقر يعرَّف في الماضي القريب بعدم كفاية الدخل لشراء الحد الأدنى من السلع والخدمات. واليوم يُفهم هذا المصطلح عادة بصورة أوسع على أنه يعني عدم توفر القدرات الأساسية للعيش الكريم. ويسلم هذا التعريف بالسمات الأوسع للفقر، مثل الجوع، وتدني مستوى التعليم، والتمييز، والضعف، والاستبعاد الاجتماعي.6 وتلاحظ اللجنة أن مفهوم الفقر هذا يتمشى مع العديد من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

8- وفي ضوء الشِّرْعة الدولية لحقوق الإنسان، يمكن تعريف الفقر بأنه وضع إنساني قوامه الحرمان المستمر أو المزمن من الموارد، والإمكانات، والخيارات، والأمن، والقدرة على التمتع بمستوى معيشي لائق وكذلك من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى. ولئن كانت اللجنة تسلم بعدم وجود تعريف للفقر يقبله الجميع فإنها تؤيد مفهومه المتعدد الأبعاد هذا وما يستدل منه على عدم قابلية كافة حقوق الإنسان للتجزؤ وترابطها فيما بينها.

الإطار المعياري لحقوق الإنسان الدولية

9- تقدم حقوق الإنسان الدولية إطاراً للمعايير أو القواعد التي يمكن على أساسها وضع سياسات مفصلة عالمية ووطنية ومحلية لاستئصال شأفة الفقر. وفي حين أن الفقر يثير قضايا معقدة متعددة القطاعات تستعصي على الحلول البسيطة، فإن تطبيق الإطار المعياري لحقوق الإنسان الدولية على هذه القضايا يساعد على ضمان أن تحظى العناصر الأساسية لاستراتيجيات مكافحة الفقر، كعدم التمييز والمساواة والمشاركة والمساءلة، بما تستحقه من اهتمام متواصل. وفي هذا السياق، تود اللجنة أن تسلط الأضواء بشكل موجز على ثلاثٍ من سمات الإطار المعياري لحقوق الإنسان الدولية.

10- أولاً، يشمل الإطار المعياري كامل مجموعة الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والحق في التنمية. ولئن كانت الحقوق الواردة في العهد، مثل الحق في التمتع بمستوى معيشي لائق، حقوقاً بالغة الأهمية للفقراء، فإن اللجنة تؤكد أن جميع الحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحق في التنمية، هي أيضاً حقوق لا غنى عنها للفقراء.7 وتولي اللجنة، بحكم ولايتها وعلى ضوء درايتها وخبرتها، اهتماماً خاصاً للجوانب المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في استراتيجيات مكافحة الفقر. وترى اللجنة، مع ذلك، أن جميع الحقوق على درجة واحدة من الأهمية كوسيلة لضمان تمكن الجميع من العيش الحر الكريم.

11- ثانياً، يشكل عدم التمييز والمساواة عنصرين أساسيين من الإطار المعياري، الذي يشمل العهد. والفقر ينشأ أحياناً عندما يتعذر على الفرد الوصول إلى الموارد المتاحة بسبب هويته، أو عقيدته، أو مكان إقامته. وقد يؤدي التمييز إلى الفقر كما قد يؤدي الفقر إلى التمييز. واللامساواة قد تكون راسخة القدم في المؤسسات وضاربة الجذور في القيم الاجتماعية التي تشكل العلاقات داخل الأسر والمجتمعات. وعليه، فإن المعايير الدولية المتعلقة بعدم التمييز والمساواة، التي تقتضي إيلاء اهتمام خاص للفئات الضعيفة ولأفراد هذه الفئات، تكون ذات دلالات عميقة فيما يتصل باستراتيجيات مكافحة الفقر.

12- ثالثاً، يتضمن الإطار المعياري إعطاء حق المشاركة في عملية صنع القرار الرئيسية لمن تمسهم هذه القرارات. ويرد الحق في المشاركة ضمن العديد من الصكوك الدولية، بما فيها العهد ، وإعلان الحق في التنمية.8 ويستفاد من خبرة اللجنة أن أية سياسة أو برنامج لا يوضع بمشاركة الأطراف المعنية مشاركة نشطة ومستنيرة لا يكون فعالاً على الأرجح. وتشكل الانتخابات الحرة والنزيهة عنصراً هاماً من عناصر الحق في المشاركة، ولكنها لا تكفي لضمان تمتع الفقراء بالحق في المشاركة في اتخاذ القرارات الرئيسية التي تؤثر في حياتهم.

13- وأخيراً، فمن الأرجح أن تكون سياسات مكافحة الفقر فعالة ومستدامة ومتسمة بالشمول والإنصاف والجدوى للفقراء إذا هي استندت إلى حقوق الإنسان الدولية. ولكي يحدث ذلك، ينبغي أن تؤخذ حقوق الإنسان بعين الاعتبار في جميع عمليات صنع السياسة ذات الصلة.9 ومن ثم، هناك حاجة إلى موظفين مدربين تدريباً مناسباً يقومون على إدارة عمليات جيدة تتوافر لها بيانات موثوقة مبوبة.

الالتزامات والمساءلة

14- يوفر العهد القدرة للفقراء بمنحهم حقوقاً وبفرض التزامات قانونية على الآخرين، مثل الدول. ومن الأمور الهامة للغاية أنه يلزم لإعمال الحقوق والالتزامات توافر عنصر المساءلة: فبدون نظام للمساءلة تصبح الحقوق والالتزامات مجردة من أي معنى. وعليه، يؤكد نهج حقوق الإنسان إزاء الفقر عنصر الالتزامات ويقتضي تحميل جميع أطراف المسؤولية، ومنها الدول والمنظمات الدولية، تبعة سلوكها فيما يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد تضمن تعليق اللجنة العام رقم 9 (1998) بشأن التطبيق المحلي للعهد ملاحظات بشأن آليات المساءلة القانونية للدول الأطراف. وعلى أطراف المسؤولية الآخرين تحديد آليات المساءلة الأنسب، كلٌّ وفق حالته. ومع ذلك، فأياً كانت آليات المساءلة فلا بد من أن تكون متاحة بِيُسر وأن تتوافر لها صفات الشفافية والفعالية.10

الالتزامات الأساسية: المسؤوليات الوطنية والدولية

15- وفقاً للفقرة 1 من المادة 2 من العهد، يتوقف التمتع بالحقوق الواردة فيه على مدى توافر الموارد وإمكانية إعمال الحقوق إعمالاً تدريجياً . ومع ذلك، تؤكد الفقرة 10 من التعليق العام رقم 3 (1990) بشأن طبيعة التزامات الدول الأطراف (الفقرة 1 من المادة 2 من العهد) أنه يقع على عاتق الدول الأطراف "التزام أساسي بضمان الوفاء، على أقل تقدير، بالمستويات الأساسية الدنيا لكل حق من الحقوق" المنصوص عليها في العهد. وبدون هذا الالتزام الأساسي، يصبح العهد، في رأي اللجنة، "مجرداً إلى حد كبير من مقوماته الرئيسية".

16- وقد شرعت اللجنة مؤخراً في تحديد الالتزامات الأساسية التي ترتبها "المستويات الأساسية الدنيـا" للحق في الغذاء والتعليم والصحة (التعليقات العامة رقم 11 (1999) بشأن خطط العمل للتعليم الابتدائـي (المادة 14 من العهد) ورقم 13 (1999) ورقم 14 (2000) على التوالي)، وأكدت، في تعليقها العام رقم 14 (2000) (الفرع ثالثاً، الفقرة 47)، أن هذه الالتزامات الأساسية غير قابلة للانتقاص. وشددت اللجنة في تعليقها العام هذا (الفرع ثانياً، الفقرة 45 ) أن على جميع الأطراف التي يسمح لها وضعها بتقديم المساعدة أن تقدم من "المساعدة والتعاون الدوليين، لا سيما في المجال الاقتصادي والتقني"، ما يمكّن البلدان النامية من الوفاء بالتزاماتها الأساسـية.11 وباختصار، فإنه يترتب على الالتزامات الأساسية مسؤوليات وطنية لجميع الدول ومسؤوليات دولية للدول المتقدمة، وكذلك للدول الأخرى التي "يسمح لها وضعها بتقديم المساعدة".

17- ولذلك، فإن للالتزامات الأساسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دوراً هاماً في السياسات الإنمائية الوطنية والدولية، بما في ذلك استراتيجيات مكافحة الفقر. وعند اجتماع هذه الالتزامات الأساسية، فإنها تشكل عتبة دولية دنيا ينبغي احترامها عند صياغة جميع السياسات الإنمائية. ووفقاً للتعليق العام للجنة رقـم 14 (2000) ، يتعين على جميع الأطراف التي يسمح لها وضعها بتقديم المساعدة أن تساعد البلدان النامية على احترام هذه العتبة الدنيا الدولية. وإذا لم تتضمن استراتيجية مكافحة الفقر الوطنية أو الدولية هذه العتبة الدنيا، فإنها تكون غير متمشية مع التزامات الدولة الطرف بموجب القانون.

18- وتجنباً لأي سوء فهم، تود اللجنة تأكيد ثلاث نقاط. أولاً، لما كانت الالتزامات الأساسية غير قابلة للانتقاص، فإن مفعولها يستمر أثناء حالات النزاع والطوارئ والكوارث الطبيعية. ثانياً، لما كان الفقر ظاهرة عالمية، فإن للالتزامات الأساسية أهمية كبيرة لبعض الأفراد والجماعات الذين يعيشون في أغنى الدول. ثالثاً، بعد أن تكفل الدولة الطرف الوفاء بالالتزامات الأساسية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تبقى دائماً ملتزمة بالانتقال بأقصى ما يمكن من السرعة والفعالية إلى الإعمال الكامل لجميع الحقوق المنصوص عليها في العهد.

الاستنتاجات

19- توصي اللجنة بشدة بإدماج معايير حقوق الإنسان الدولية في الخطط الوطنية .....المتعددة القطاعات لاستئصال شأفة الفقر أو الحد منه.12 وتؤدي خطط مكافحة الفقر هذه دوراً لا غنى عنه في جميع الدول أياً كانت مرحلة التنمية الاقتصادية التي تمر بها.

20- كما تقع على عاتق الأطراف الفاعلة غير الحكومية، بما فيها المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التجارية الخاصة، مسؤوليات كبيرة في مجال مكافحة الفقر. فيتعين على كل منها أن يحدد بوضوح كيفية مشاركته في استئصال شأفة الفقر، مراعياً أبعاد الفقر المتعلقة بحقوق الإنسان على نحو ما ورد في هذا البيان.

21- واللجنة تدرك تماماً وجود عقبات هيكلية أمام استئصال شأفة الفقر في البلدان النامية. وهي تحاول، من خلال أنشطتها المتنوعة، بما فيها عملية الإبلاغ واعتماد التعليقات العامة، مساعدة الدول النامية عن طريق تحديد التدابير التي يمكن، بل وينبغي، لهذه البلدان أن تتخذها للتصدي لهذه العقبات. ومع ذلك، فإن بعض العقبات الهيكلية التي تعترض استراتيجيات الدول النامية لمكافحة الفقر هي عقبات تخرج عن سيطرتها في إطار النظام الدولي المعاصر. وترى اللجنة أن من الضروري اتخاذ تدابير عاجلة لإزالة العقبات الهيكلية العامة المشار إليها من قبيل الديون الخارجية التي لا يمكن تحملها، وتزايد اتساع الفجوة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وعدم وجود نظام متعدد الأطراف ومنصف للتجارة والاستثمار والتمويل، وإلا فسيكون حظ بعض الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفقر من النجاح المستمر حظاً محدوداً. وفي هذا الصدد، تحيط اللجنة علما بالمـادة 28 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،13 وكذلك بإعلان الحق في التنمية، وبخاصة الفقرة 3 من المادة 3.14 .

22- وستواصل اللجنة إعداد تعليقات عامة إضافية توضح المضمون المعياري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الالتزامات الأساسية إزاءها، بقدر ما تسمح به مواردها ومسؤولياتها الأخرى. وتدعو اللجنة جميع الأطراف إلى المساعدة في هذه المهمة الحيوية الشاقة.

23- وتؤكد اللجنة استعدادها لمناقشة القضايا المشار إليها في هذا البيان مع جميع الأطراف الملتزمة باستئصال شأفة الفقر، إدراكا منها لما تتسم به هذه القضايا من أهمية بالغة.

اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

الدورة الخامسة والعشرين 2001

وكل ذلك بحسب المصدر نصا ودون تعليق

المصدر : http://www1.umn.edu/humanrts/arabic

.......................................................

الهوامش :

* وثيقة الأمم المتحدة E/2002/22، المرفق السابع.

- اعتمدته اللجنة ضمن أعمال دورتها الخامسة والعشرين (الجلسة العشرون) في 4 أيار/مايو 2001.

1- تؤكد ديباجة الإعلان العالمي والديباجة المشتركة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أهمية أن يكون البشر "متحررين من الفاقة".

2- انظر على سبيل المثال قرار الجمعية العامة 55/106 المؤرخ 4 كانون الأول/ديسمبر 2000 وقرار لجنة حقوق الإنسان 2001/31 المؤرخ 23 نيسان/أبريل 2001.

3- لم يرد مصطلح "الفقر" في أي صك رئيسي من صكوك حقوق الإنسان الدولية. وللاطلاع على دراسة أجرتها الأمم المتحدة حديثا بشأن الروابط بين حقوق الإنسان والتنمية والفقر، انظر تقرير التنمية البشرية لعام 2000: حقوق الإنسان والتنمية البشرية، أصدرته Oxford University Press (New York, 2000) لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

4- World Bank, World Development Report 2000/2001: Attacking Poverty (Oxford University Press, New York, 2001)..

5- انظر، على سبيل المثال، Deepa Narayan et al., Voices of the Poor: Can Anyone Hear Us?، أصدرته Oxford University Press (New York, 2000) للبنك الدولي.

6- وفقا للفقرة 19 من الفصل الثاني) استئصال شأفة الفقر( من برنامج عمل مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية (تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية، كوبنهاغن، 6-12 آذار/مارس 1995) (منشورات الأمم المتحدة، رقم المبيع A.96.IV.8، الفصل الأول، القرار 1، المرفق الثاني): "يتخذ الفقر أشكالا متنوعة تتضمن انعدام الدخل والموارد المنتجة الكافية لضمان مستوى معيشي لائق؛ والجوع وسوء التغذية؛ وسوء الصحة؛ والوصول المحدود أو المعدوم إلى التعليم وغيره من الخدمات الأساسية؛ وازدياد انتشار الأمراض والوفيات بسبب المرض؛ وانعدام المأوى والسكن غير المناسب؛ والعيش في بيئة غير آمنة؛ والتمييز والاستبعاد الاجتماعيين. كما أنه يتسم بانعدام المشاركة في صنع القرارات وفي الحياة المدنية والاجتماعية والثقافية".

7- تمشيا مع الفقرة 5 من الجزء أولاً من إعلان وبرنامج عمل فيينا، اللذين اعتمدهما المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المعقود في تموز/يوليه 1993 A/CONF.157/24 (Part I))، الفصل الثالث)، فإن: "جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة. ويجب على المجتمع الدولي أن يعامل حقوق الإنسان إجمالاً معاملةً منصفة ومتكافئة، وعلى قدم المساواة، وبنفس القدر من التركيز".

8- انظـر الفقرة 1 من المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الجمعية العامة في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966 (القرار 2200 ألف (د - 21)، المرفق)، والفقرة 3 من المادة 2 من إعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية في 4 كانون الأول/ديسمبر 1986 (القرار 41/128).

9- انظر بيان اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموجه إلى المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية، سياتل، 30 تشرين الثاني/نوفمبر - 3 كانون الأول/ديسمبر 1999 (E/2000/22-E/C.12/1999/11 وCorr.1، المرفق السابع).

10- للاطلاع على تعليقات اللجنة بشأن التزامات الجهات الفاعلة غير الدول الأطراف، انظر بوجه خاص، الجزء ثالثاً من التعليق العام رقم 13 (1999) بشأن الحق في التعليم (المادة 13 من العهد)، والجزء خامسا من التعليق العام رقم 14 (2000) بشأن الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه (المادة 12 من العهد)، وكذلك الفقرات 20 و38-41 من التعليق العام للجنة رقم 12 (1999) بشأن الحق في الغذاء الكافي (المادة 11 من العهد).

11- يشير العهد إلى "المساعدة والتعاون الدوليين"، أو إلى صياغات مشابهة، في الفقرة 1 من المادة 2، والفقرة 2 من المادة 11، والفقرة 4 من المادة 15، والمادتين 22 و23.

12- كتلك التي توقعها مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية والمبادرة المعززة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، الصادرة مؤخراً. وللاطلاع على دراسة أجريت حديثاً للخطط الوطنية لاستئصال شأفة الفقر، انظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير الفقر لعام 2000: التغلب على الفقر البشري.

13- لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققاً تاماً.

14- "من واجب الدول أن تتعاون بعضها مع بعض في تأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترض التنمية...".

 

مكافحة الفـقـر

 

بقلم: د‏.‏محمد السيد سعيد

 

 

لا يمكن تلخيص النقاش بالغ الخصوبة الذي دار في مؤسسة‏'‏ كير‏'‏ للتنمية حول سياسات مكافحة الفقر في الصعيد بالذات‏.‏ وأستأذن الزملاء الذين حضروا ورشة العمل حول تلك القضية في تلخيص مخل لهذا النقاش‏.‏

ابدت الزميلات دهشتهن من أن الفقر لم يتراجع بصورة محسوسة في الصعيد بالرغم من الاهتمام الهائل الذي تبديه المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية بالصعيد بالذات‏.‏ ويعيش في الصعيد‏,‏ وخاصة في اسيوط وسوهاج وبني سويف نحو‏54%‏ من الفقراء في مصر كلها‏.‏

كما أن الفقر تزايد هناك في الوقت الذي كان يتراجع فيه في مصر ككل‏,‏ خلال الفترة‏1995-2000.‏ ووجدت الزميلات في هذه الحقيقة مبررا للغضب من المنظمات غير الحكومية‏.‏ وبالمقابل دعانا أحد ابرز الباحثين في قضية الفقر للتواضع عند بحث دور منظمات غير حكومية صغيرة مثل‏'‏ كير‏'‏ في اقتلاع الفقر‏.‏ فالفقر ليس فقط متوارثا بل له أيضا عمق تاريخي كبير‏,‏ وأكد أن التخلص من الفقر لا يتم في محاولة واحدة أو حتي في مرحلة واحدة‏,‏ وانه يحتاج الي طائفة من السياسات المتكاملة والي تدفق استثمارات كبيرة للغاية‏.‏ تقودنا البحوث التي جرت حول الفقر في الصعيد بالذات الي الشك في فعالية سياسات الرفاه أي التحويلات المباشرة وغير المباشرة من جانب الدولة أو الأشخاص للفقراء‏.‏ بل وتقودنا الي الشك في فعالية السياسات التي تقوم علي مد شبكات التعليم‏(‏ رغم أن الأمية هي اهم تفسير مباشر للفقر‏)‏ سواء بسبب البطالة المتفشية بين المتعلمين أو بسبب عدم المساواة في الفرص‏.‏

هل يتحقق القضاء علي الفقر عن طريق تدفق الاستثمارات والأموال هذا هو التحليل الذي يعتمده البنك الدولي والفكر الاقتصادي التقليدي‏.‏ فبعد سنوات من النقاش الايديولوجي بدا لبعض أبرز اقتصادييي التنمية أن الوصول الي معدل استثمار يصل الي‏25-30%‏ من الناتج المحلي لعدة سنوات متصلة يقضي علي التخلف والركود ويؤدي الي انطلاق الاقتصاد‏,‏ وبغض النظر عما اذا كان الاقتصاد رأسماليا أم اشتراكيا‏,‏ بل وبغض النظر عن طبيعة المجتمع‏.‏ وبالفعل هناك بعض الأمثلة التي تثبت هذه المقولة‏,‏ وخاصة الصين خلال السنوات العشرين الأخيرة‏.‏ ولكن تجربة الاتحاد السوفيتي السابق وتجربة البلاد العربية المصدرة للنفط وتجارب أخري كثيرة تؤكد أن التدفق المالي والاستثماري قد يكون اقرب الي اهدار واهلاك الموارد منه الي التنمية الحقة‏.‏ وبتعبير آخر قد لا يكون أنسب طريق للقضاء علي الفقر في الصعيد هو مجرد ضخ الاستثمارات والأموال‏,‏ كما يعتقد كثيرون‏.‏

ثمة ما يؤكد أيضا أن الفقر ليس شيئا موروثا بذاته ولا هو حالة اصلية‏,‏ بل هو شيء يحدث ويتم تكريسه أو تجاوزه‏.‏ وتقول لنا مدرسة التبعية أن الفقر هو ناتج علاقة استغلالية‏,‏ مثلا بين المدينة والريف‏.‏ ومن هذه الزاوية يمكن فهم الفقر في الصعيد بأنه نتيجة لاستغلال الصعيد من جانب المدن الكبيرة وخاصة القاهرة والاسكندرية‏,‏ كما يتضح من عملية دائمة لنزح أفضل المهارات وأقوي عناصر العمل وأكثرها ديناميكية من الصعيد الي الوادي والي المدن الكبيرة‏,‏ والآن الي ساحل البحر الأحمر‏.‏ ومعني ذلك أن الهجرة الداخلية والدولية اضرت بالصعيد بدلا من أن تفيده‏.‏ ولكن هذا الشرح ليس مقنعا تماما‏.‏ ومن ثم تظهر سلسلة أخري من الشروح والتفسيرات لظاهرة الفقر‏,‏ تقوم علي الاعتقاد بأن الجمود الاجتماعي والثقافي هو السبب الحقيقي للفقر‏.‏

تنهض هذه الشروح علي القول بأن انتاج الثروة ليس فضيلة اصيلة في رأس المال‏,‏ بل هو فضيلة أو طاقة اصلية في رأس البشر‏,‏ وقدرتهم علي ترجمة أفكارهم بالعمل الجماعي المنظم‏,‏ وان الثروة التي تنتج عن تعدين الارض أو عن تدوير وتثمير رأس المال انما تحدث لا بفضل الأرض ولا بفضل رأس المال بذاتهما وانما بفضل الذكاء الانساني‏.‏ فالابداع التكنولوجي وفي مجال التوظيف الاجتماعي للأفكار وللقيم الأخري هي المنبع الحقيقي للثروة‏.‏ ويعني ذلك أن القضاء علي الفقر لا يتم الا من خلال تدفق الافكار‏,‏ والقدرة علي ابتكار وترجمة وتوظيف الأفكار والابداعات العقلية للانسان في الواقع الاجتماعي‏.‏ هذا هو ما تؤكده لنا مدرسة التنمية البشرية والتي أجبر البنك الدولي نفسه علي تبنيها لفترة طويلة‏.‏

ولكن مدرسة التنمية البشرية كثيرا ما تأخذ الأمر بالمظاهر‏.‏ فهي تتحدث عن الأثر السحري لنمو التعليم مثلا دون أن تلتفت الي حقيقة أن التعليم لا يقاس بكثرة المدارس والشهادات‏,‏ وأن الصحة لا تتحقق بكثرة المستشفيات‏,‏ والتصنيع ليس عددا كبيرا من المصانع‏.‏ والتعليم قد يضر أكثر مما ينفع عندما يكرس افكارا جامدة أو متعصبة أو بعيدة عن المعرفة الحقة والابداع العقلي الحر‏.‏ ومن هنا يجب أن نصرف اذهاننا الي الحالة الثقافية ودورها في تكريس أو انتاج الفقر من خلال تكبيل العقل الانساني ولجم قدرته علي التفكير الحر‏,‏ وعلي تدوير الابداع والتوظيف الاجتماعي الواسع للافكار‏.‏

لنلخص ذلك كله‏.‏ كيف نقضي علي الفقر في الصعيد وفي مصر كلها المدرسة التقليدية التي أخشي أن الحكومة تنتمي لها مع غالبية النخبة السياسية في الصعيد وفي مختلف أرجاء مصر تقول علي الحكومة أن تضخ مزيدا من الاستثمارات في الصعيد‏,‏ وخاصة في البنية الأساسية وفي الزراعة وبناء المصانع‏.‏ وهذا ضروري ولكنه غير كاف اطلاقا‏.‏ فمجرد ضخ الموارد والاستثمارات سواء في البنية الأساسية أو في المشروعات الزراعية أو حتي في بناء المصانع قد لا يقود الي أي شيء مفيد‏,‏ علي المدي الطويل‏,‏ بل وقد يكون مجرد اهدار للموارد‏,‏ فان لم تكن الاستثمارات مربحة اجتماعيا وماليا تصير عبئا ولن يمكن المحافظة عليها‏.‏

أما مدرسة التنمية البشرية فتدعونا للتركيز علي تنمية ومد شبكات التعليم والصحة والرياضة والثقافة لأشد الناس فقرا‏.‏ والأهم أنها تقول علينا أن نخلص الفقراء من الاستلاب والاغتراب وأن نمكنهم من تنظيم أنفسهم للتفاوض حول مصالحهم وتوصيل صوتهم وتحسين بنية الحكم وعلاقات القوة‏,‏ علي مختلف المستويات‏,‏ وهذا امر بالغ الأهمية ولكن دونه صعاب كثيرة لا يجهلها أي من تصدي للتنمية البشرية في المناطق الريفية وفي الصعيد خصوصا‏.‏ اذن علينا أن نحاول ايضا بل وأولا أن نعيد تنظيم التوظيف الاجتماعي للذكاء الانساني ومنتجاته الفكرية الأرقي علي مختلف المستويات‏.‏

يعني ذلك ثلاثة أمور‏:‏

أولا‏:‏ يحتاج الصعيد وتحتاج مصر كلها الي حركة تغيير ثقافي قوية تهز ركود البنية الاجتماعية والقوالب العقلية‏,‏ وتطلق تدفقا لا يتوقف من الأفكار الاصلاحية والبناءة‏.‏ وعلينا أن نفهم أن ابسط الناس قادر علي التفكير الخلاق في اطره البيئية‏,‏ وعلينا أن نضمن له أن يفكر بحرية ودون خوف‏.‏ ويجب علي من حقق النجاح في المدن أن يساهم في هذا التغيير في موطنه الأصلي‏.‏

ثانيا‏:‏ ان المشكلة الحقيقية في اطلاق التفكير هي نمط التنظيم الاجتماعي الجامد أو الراكد‏.‏ فالتنظيم الاجتماعي هو الذي يمنع تدفق الأفكار وهو أيضا الذي يمكن أن يضمن تدفقها وحسن توظيفها في الواقع‏.‏ وليس ادل علي ذلك من الوضع البائس لأرقي مؤسسات المجتمع وهي الجامعات لأن التواطؤ والتعايش مع مشكلاتها ومع عجزها عن الابداع وعن القيام بواجباتها في التعليم وانتاج المعرفة هو سيد الموقف لآن‏.‏

ثالثا‏:‏ استعادة حق جميع المصريين في المشاركة السياسية ومد الحماية القانونية لهم‏,‏ وبناء علاقات قوة تضامنية علي حساب العلاقات القهرية وخاصة في الصعيد كشرط لا غني عنه للتوظيف الاجتماعي الخلاق للافكار‏.‏ وهذا هو الدور الأهم للمنظمات غير الحكومية‏.‏

وكل ذلك بحسب المصدر نصا ودون تعليق

المصدر : http://www.ahram.org.eg/acpss/ahram