النفط في أسبوع : شفافية الصناعة النفطية في الميزان
مع ارتفاع أسعار النفط الخام إلى نحو 75 دولاراً للبرميل، تزداد ضغوط السياسيين والرأي العام على صناعة النفط العالمية. فموازنة المستهلك بدأت تتأثر فعلاً بارتفاع أسعار البنزين والديزل ووقود التدفئة والكهرباء، ما يدفع الى زيادة كلفة المواد الاستهلاكية والغذاء ومستوى المـعيشة عموماً، التي تؤدي بدورها إلى ارتفاع مستوى التضخم عالمياً. في ظل هذه الأجواء التي تحيط بالاقتصاد العالمي، فإن آخر ما تحتاجه صناعة النفط العالمية هو الفضائح والاتهامات بزيادة الأسعار بطرق غير مشروعة وعلى حساب المستهلكين، مع فقدان الشفافية. وتخاف الشركات من استغلال هذه الادعاءات من جانب السياسيين لاتهامهم بزيادة الأسعار وإيصالها الى المستوى الذي هي عليه الآن، ليس بسبب عوامل العرض والطلب، بل نتيجة أعمال تجارية غير مشروعة. وهذا ما حدث بالفعل في منتصف الأسبوع الماضي. فقد اتهمت هيئة تجارة السلع الآجلة التابعة للحكومة الأميركية شركة «بي بي» بالتلاعب باسعار البروبان في شمال شرقي الولايات المتحدة في شهر شباط (فبراير) 2004، ومحاولة التلاعب بالسعر في نيسان (أبريل) 2003. وردت «بي بي» على هذه الاتهامات بالقول إن قسم التسويق في الشركة أخذ قرارات تجارية مبنية على مخاطر، وأن احتمال الخسارة كــان مساوياً لاحتـمـال الـربح، ومن ثم لم يرتكب أي عملٍ مخالف للقانون. غيـــر ان الـهـيـئة الحكومية، مـزودةً بـــالــوثـــائــق والأدلة، أشارت إلى أن موظفي «بي بي» سيطروا على سوق البروبان في تلك الفترة واحتكروه وتلاعبوا بالأسعار لجني الأرباح. واعترف الموظف السابق في الشركة، ديـنـس آبــوت، الأربعاء الماضي بعملية التلاعب بالأسعار من خلال السيطرة على سوق البروبان الذي تبلغ قيمته الإجمالية 30 بليون دولار سنوياً. ويستعمل البروبان في الولايات المتحدة في فصل الشتاء لتدفئة نحو سبعة ملايين منزل في الولايات الشمالية الشرقية. ويوم الخميس توفي في آسبن في ولاية كولورادو المؤسس والرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة السابق لشركة «انرون» كينيث لآي عن عمر يناهز 64 سنة. وكان لاي، الصديق الحميم للرئيس الأميركي جورج بوش، أدين في 25 ايار (مايو) الماضي بتهمة الاحتيال والتآمر في قضية افلاس مجموعة «انرون» التي كانت من أهم الشركات العالمية في العقد الماضي في مجال بيع الغاز والكهرباء ومشتقات الطاقة في الأسواق الآجلة. غير أن التلاعب في حساباتها أدى بالمساهمين إلى بيع أسهمها وانهيارها. أدت طرق «انرون» الملتوية إلى تزويد محطة «دوبال» الهندية بالغاز الطبيعي المسال بأسعار عالية فوق ما تتحمله موازنة الشركات المحلية أو ما يستطيع دفعه المستهلك الهندي. وتوقف العمل في المحطة نتيجة الفضيحة التي رافقت الحصول على العقد، ما دفع بـ «إنرون» الى محاولة استعمال نفوذ الحكومة الأميركية لمصلحتها بحجة الدفاع عن الأسواق الحرة، والتخصيص والاستثمار الأجنبي. كما اكتشفت ولاية كاليفورنيا ان انقطاع الكهرباء عن بعض مدنها في السنوات الماضية كان نتيجة تلاعب «إنرون» من أجل تحقيق ارباح إضافية. وأخيراً، فإن التصرف المعيب لمديري الشركة بأموال المساهمين والموظفين أدى إلى خسارة آلاف منهم تحويشة العمر. اما على الصعيد الشرق الأوسطي، فهناك حدثان مهمان لافتان للنظر في الآونة الأخيرة. الأول، حجم الفساد في صناعة النفط العراقية. فعلى رغم أن جذور هذا الفساد تمتد إلى فترة الحصار الاقتصادي في التسعينات، إلا أن اللافت للنظر الآن هو عمق وتشعب هذا الفساد، إذ توسع ليشمل مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية والقطاع الخاص، ناهيك عن العصابات المسلحة. وخير من وثّق هذه الظاهرة المفتش العام في وزارة النفط في تقريره السنوي عن الفساد في قطاع النفط العراقي الصادر في شهر ايار (مايو) الماضي (http://www.arabanticorruption.org). ويشتكي الجميع من هذه الظاهرة، بدءاً من وزراء النفط إلى المستهلكين، لكن يتضح أن قوة ونفوذ المسؤولين عن التهريب والسرقة قد توسعا بحيث أن من يحاول أن يقف في وجههم يُصفّى جسدياً. ومع ولوج العراق نظام الفيديرالية، اخذت الأقاليم توقع العقود الاستكشافية والتطويرية للحقول البترولية مع الشركات النفطية الدولية مباشرةً. إلا أن الملاحظ في هذا المجال في اقليم كردستان، أن الاتفاقات التي وقّعت حتى الآن تتصف بالسرية التامة، ولم تُعرض حتى على برلمان اقليم كردستان. هذا يعني أن بنود الاتفاق المالي وكمية تقاسم الإنتاج والمصاريف والضرائب وتوزيع المسؤوليات في عمليات التطوير والتسويق تبقى غير معروفة. والحدث الثاني هو الضجة التي أثارتها الدورية النفطية المتخصصة «بتروليوم انتلجنس ويكلي» حول ماهية حجم الاحتياط النفطي الكويتي. وتقدر النشرة المتخصصة أن كميات الاحتياط الكويتي هي أقل من نصف ما تدعيه الحكومة. وقد أثيرت هذه المسألة أثناء حملة الانتخابات الكويتية الأخيرة من جانب المرشح عبدالله النيباري (الحياة 24/6/2006). في حقيقة الأمر، يبقى موضوع الاحتياط النفطي في الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» لغزاً محيراً. فالأرقام الرسمية المعلنة هي نفسها تقريباً التي وفرتها هذه الدول لمنظمة «أوبك» في ثمانينات القرن الماضي عند إقرار نظام الحصص في حينه. وقد مضى في بعض الحالات نحو عقدين من الزمن على هذه الأرقام من دون تغيير، على رغم أن أعضاء المنظمة ينتجون نحو 25 و 30 مليون برميل يومياً، او نحو 9 – 11 بليون برميل سنوياً. وبعض الدول تعلن أنها تكتشف سنوياً من النفط ما يعوض ما تنتجه، إلا أن دولاً أخرى لا تعلن شيئاً. إن غياب الشفافية في هذه الأرقام، وهذا الفرق الشاسع بين ما ينتج وبين ما يستبدل، يضيف مشكلة اخرى الى مجموعة مشاكل، بين المنتجين والمستهلكين من جهة، والحكومات ومواطني الدول النفطية من جهة أخرى، إذ انه يثير أسئلة لا جواب لها عن الحجم الحقيقي للاحتياط في الدول النفطية الذي هو مصدر الوقود الأساسي للمواصلات في العالم والدخل المالي الأكبر للدول المنتجة. اصبح واضحاً على رغم عشرات ملايين الدولارات التي تصرفها صناعة النفط العالمية سنوياً على العلاقات العامة لتلميع صورتها، يجدر أن تصبح هذه الصناعة أكثر شفافية وتفاعلاً مع الحكومة، لكي تستطيع تحقيق صدقية أوسع مع الرأي العام العالمي وخفض موجة العداء لها والابتعاد عنها. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: الحياة اللندنية-9-7-2006
|