معوقات التنمية الاقتصادية في الدول العربية النفطية
عامر ذياب التميمي
عندما تنشر تقارير عن التنمية الاقتصادية أو التنمية الإنسانية في البلدان العربية، يجد المرء أنّ المؤشرات الأساسية لا تتوافق مع تطورات الحياة ومستجداتها في الدول المتقدمة. ولا يقتصر الأمر على البلدان العربية ذات الموارد الاقتصادية المحدودة، بل يشمل أيضاً بلدان الخليج التي تتمتع بإيرادات نفطية كبيرة. ولم يعد ممكناً القول إن معدلات دخل الفرد أصبحت مرتفعة أو في مصاف المعدلات في البلدان الصناعية. فمعدلات دخل الفرد هذه، كما تذكر الإحصاءات الرسمية الحديثة، تتراوح بين 12 ألفاً و22 ألف دولار سنوياً في بلدان الخليج، وذلك بحسب الإيرادات والدخل القومي الإجمالي وعدد السكان، بينما تتراوح بين 35 ألف دولار و40 ألفاً في بلدان أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. وإذا كانت بلدان الخليج غنية بإيراداتها من النفط، فهي فقيرة في مجالات اقتصادية عدة. فهي لا تملك قاعدة اقتصادية متنوعة ولا تتمتع بكفاءات بشرية متميزة. ولا شك في أنّ معايير التنمية تعتمد إلى حد كبير على عدد من المقاييس الاقتصادية والاجتماعية ولا تزال بلداننا العربية، ومنها الخليجية، قاصرة عن اللحاق بها. ويتبين لأي مراجع موضوعي لمسيرة التنمية في أي بلد من بلدان الخليج العربية أن السياسات الاقتصادية التي انتهجت أدت إلى فقدان الاقتصادات حيويتها وقدرتها على الاستفادة من خيرات النفط بما يؤدي إلى خلق اقتصادات ذات قاعدة متنوعة وتعتمد على الإمكانات الوطنية. وتتمثل أكبر مشكلة تواجه أي اقتصاد خليجي في الاعتماد الكبير على الإنفاق العام، ما حرم هذه البلدان من الاستفادة من المبادرات الخاصة وتوظيف الأموال الخاصة في مختلف الأنشطة والقطاعات. أما المشكلة الأخرى فتتمثل في عدم استثمار القدرات البشرية في الأعمال والمهن، والاستعانة بيد عاملة وافدة أصبح صعباً التحرر من خدماتها ودورها في أي اقتصاد خليجي. وربما كان الأمر صعباً في بدايات عصر النفط الانطلاق لبناء اقتصاد جديد من دون توظيف عشرات آلاف العمال الوافدين، ولكن ذلك كان يجب أن يترافق مع تطوير الكفاءات الوطنية في شكل يختلف عما جرى خلال السنوات الخمسين الماضية. وإذا كانت بلدان الخليج تتمتع ببحبوحة ومستويات معيشية ملائمة قياساً بمعدلات التنمية في بلدان العالم الثالث، إلا أنّ منظومة القيم، خصوصاً تلك المتعلقة بالعمل، تظل بعيدة من معايير المساهمة الاقتصادية وسلوكيات المشاركة في الإنجاز. وقد ساهمت السياسات الهادفة في تحسين مستويات المعيشة وتوزيع الثروة من خلال برامج الدعم الاجتماعي وتحمل الدولة أعباء واسعة من تعليم وعلاج طبي وإسكان وتوظيف في القطاع العام ساهمت في غرس قيم الريع والاتكال على الدولة في شكل هيكلي، ولم يعد سهلاً طرح مفاهيم جديدة مثل تعزيز المبادرات الخاصة وتحمل الأفراد جزءاً من الأعباء المنوطة بالدولة. لذلك، فإنّ طرح مسائل التحول نحو اقتصادات السوق ودفع المواطنين للقيام بأعمال منوطة باليد العاملة الوافدة يواجه معارضات حادة من المجتمعات الخليجية. في الوقت ذاته لا توجد مؤشرات بأنّ الحكومات الخليجية تتحسس أهمية التغيير ووضع أسس لبناء مجتمعات ذات قيم أخرى تفادياً للاستحقاقات السياسية المحتملة. صحيح أنّ التنمية أنجزت إلى حد كبير في بلدان الخليج على مدى السنوات الـ 50 الماضية، وارتفع معدل دخل الفرد إلى حد كبير كما أشرت سابقاً، وتحسنت معدلات الحياة كثيراً وأصبح معدل عمر المرأة يقارب الـ 80 سنة، والرجل 78 سنة. وتحسنت درجة التعليم، وإن انخفضت المستويات النوعية للتعليم لغالبية المتعلمين، كما تحسنت الخدمات الصحية. لكن هذه المؤشرات الإيجابية، على أهميتها، لا تزال بعيدة مما يمكن تحقيقه، ومن المؤكد أنّ مساهمة المواطنين في العملية الإنتاجية لا تزال متواضعة. وكما هو معلوم، فإنّ نسبة اليد العاملة الوطنية من إجمالي قوة العمل الإجمالية في بلدان الخليج تتراوح بين 10 و40 في المئة في أحسن الأحوال. وهناك مشكلات مهمة في عدد من دول الخليج تواجه عملية توظيف اليد العاملة الوطنية ومنها القيم المجتمعية المتعلقة بدور المرأة في قوة العمل وأيضاً ابتعاد غالبية المواطنين عن القيام بأعمال ومهن محددة. وفي ظل الاعتماد على العمال الوافدين استمر تفوق غير المواطنين في التركيبة السكانية في معظم بلدان الخليج، ولا يزال النمو في أعداد الوافدين مرتفعاً ويقارب في بلدان خليجية 10 في المئة سنوياً. لكن النمو الطبيعي بين المواطنين مرتفع أيضاً وهو يتجاوز الثلاثة في المئة سنوياً، وهو معدل طبيعي مرتفع ويحمّل هذه البلدان أعباء كبيرة لمواجهة متطلبات الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية ومتطلبات البنية التحتية. ويبدو أنّ دول الخليج لن تتمكن من معالجة معضلات التنمية الاقتصادية والإنسانية إلا إذا تبنت معايير تنموية مختلفة تؤكد أهمية الاعتماد على القدرات الذاتية البشرية والمالية وتوسيع دور القطاع الخاص، ومراجعة برامج ومناهج التعليم للحاق بالمستويات التي بلغتها بلدان عدة في الغرب أو شرق آسيا. باحث اقتصادي كويتي. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الحياة اللندنية-19-6-2006
|