الأسباب غير التقليدية لارتفاع أسعار النفط

 

د. عبدالله جمعة الحاج

 

منذ بداية شهر أبريل 2006، أخذت أسعار النفط الخام في الارتفاع إلى مستويات قياسية جديدة، وصلت إلى 75 دولاراً أميركياً للبرميل. وفي مختلف الدول المستهلكة وصل سعر جالون وقود السيارات إلى 3 دولارات أميركية، ومن المتوقع له أن يصل إلى 3.5 دولار خلال الصيف الذي يشكل موسم السفر البري للعديد من البشر. وقبل ذلك بقيت الأسواق الغربية مرتاحة من استقرار أسعار النفط لمدة تزيد على العام ونصف العام. ومع الارتفاعات الأخيرة أخذت تلك الأسواق في الشعور بهزات قوية غيرت من طبيعة الارتياح السائد إلى قلق مزعج.

وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع التجارية المصنعة منها، لم يقتصر على النفط فقط، بل طال جميع المواد تقريباً. وبرغم أن أسعار النفط تعمل على معرفة التوجهات الاقتصادية، إلا أن أسعار المواد الخام عادة ما تكون حساسة تجاه القوة أو الضعف الاقتصادي. وفي الآونة الأخيرة فإن النمط الذي ساد هو قوة العديد من اقتصادات دول العالم الصناعي في أوروبا والقارة الأميركية الشمالية وشرق آسيا وجنوب شرقها.

ويضاف إلى ذلك أنه يوجد طلب متسارع على كافة المواد الخام، خاصة النفط من قبل العديد من دول العالم النامي كالصين والهند وبعض دول أميركا اللاتينية. فالصين وحدها آخذة في أن تصبح المسبب الأكبر لزيادة الطلب على كافة أنواع المواد الخام، وبالتالي ارتفاع أسعارها، وفي هذه المرحلة يتراوح الطلب الصيني على المواد الأساسية ومصادر الطاقة كالنفط والفحم والحديد الخام والصلب والنحاس والألمونيوم بين 25 إلى 35 في المئة من إجمالي الطلب العالمي على هذه المواد.

إن الأسباب التقليدية التي يقول خبراء النفط إنها تؤدي إلى ارتفاع أسعاره، تتعلق بالقلاقل السياسية التي تحدث في البلدان المنتجة وبزيادة الطلب عليه، وهذه حقيقة ملموسة. فنتيجة لما حدث في نيجيريا في الآونة الأخيرة عندما هوجمت العديد من المنشآت النفطية ودمرت خطوط أنابيب نقل النفط، ونتيجة لما يحدث في فنزويلا من مواجهات سياسية مع الولايات المتحدة وتصعيد لتلك المواجهات، وعدم الاستقرار الداخلي، ونتيجة لزيادة وتيرة مشكلة قيام إيران بالتخصيب النووي، إلى غير ذلك من مشاكل سياسية في بعض البلدان الأخرى المنتجة للنفط، فقد قفزت الأسعار إلى معدلات لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ اكتشاف النفط.

إن الأسباب التقليدية لارتفاع أسعار النفط ليست هي وحدها المسؤولة عن ذلك، ولكن توجد أسباب أخرى ربما تكون أكثر تأثيراً، وإن كانت تفعل فعلها في صمت لا يمكن معه للعديد من الأطراف إدراكها. وفي هذا السياق يوجد سببان هما: طبيعة حياة وأنماط سلوك المواطن في دول الغرب المستهلكة، خاصة في الولايات المتحدة التي تستدعي من الإنسان، وربما دون إرادة حقيقية منه، أن يستهلك كميات كبيرة من النفط تفوق ما يستهلكه الإنسان في العالم النامي بدرجات. فعلى سبيل المثال، يعتمد الإنسان في الولايات المتحدة وكندا اعتماداً كاملاً على وسائل الانتقال الخاصة (السيارات الخاصة) أو الانتقال جواً، وهما وسيلتان تستهلكان كميات من النفط تفوق ما يستخدم في الصناعة، دعْ عنك وسائل إنارة المدن في هذا الجزء من العالم.

والسبب الثاني هو الاستثمار في سوق النفط، فهذه السلعة التي تدير عجلة اقتصاد العالم، أصبحت بمثابة "الذهب الأسود" للمستثمر الغربي. ويشير أحد التقديرات إلى أن كميات الأموال المستثمرة في النفط في سوق الأوراق المالية في نيويورك وصلت إلى حوالى 130 مليار دولار أميركي. ومع زيادة أسعار النفط بسرعة كبيرة أكثر من غيرها من مجالات الاستثمار الأخرى، فإن المتوقع هو زيادة الطلب على أسهم الشركات العاملة في مجالات النفط، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى زيادة أسعار تلك الأسهم، ومن ثم زيادة أسعار السلع النفطية التي تنتجها تلك الشركات. لذلك فإن ما يشاع في وسائل الإعلام بأن الدول المنتجة للنفط الخام هي المسبب لارتفاع الأسعار الأخير، أمر غير صحيح، وذلك لأن عوامل أخرى تضافرت هي التي تتسبب في ذلك.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-17-6-2006