الاقتصاد الصيني يجتاح أفريقيا

 

كريغ تيمبورغ

 

يقول ناشر الصحف "تريفور نكوبي" إنه في كل مرة يزور فيها مسقط رأسه في زيمبابوي، يبدو له أن ثمة المزيد من الصينيين. يراهم يتسوقون في المتاجر، ويسوقون السيارات الفخمة، وينتظرون خروج أبنائهم من المدارس النخبوية الخاصة. وكما هو الحال في معظم أرجاء أفريقيا، يقول "نكوبي"، فقد وصلت الصين أيضاً إلى زيمبابوي، حيث باتت الشوارع تعج بالحافلات الصينية، والأسواق بالسلع الصينية. كما تعد الشركات الصينية مستثمراً رئيسياً في قطاعي المناجم ووسائل الاتصال، فيما تعد الحكومة في بكين مصدر دعم مهم بالنسبة لرئيس زيمبابوي السلطوي روبرت موغابي. ويضيف "نكوبي"، الذي يملك صحفاً في زيمبابوي وجنوب إفريقيا، قائلاً "إنهم في كل مكان. فإذا كان البريطانيون أسيادنا بالأمس، فإن الصينيين قدموا وحلوا محلهم".

ويبدو أن هذا القلق في تزايد في أفريقيا في وقت أصبح فيه الصينيون لاعبين أقوياء في اقتصاديات عدد متزايد من دول القارة. ففي نسق يتكرر في مناطق أخرى من العالم، يساهم تفتح شهية الصين للمواد الخام في دفع اقتصاديات دول جنوب الصحراء إلى تحقيق أسرع معدل نمو لها منذ ثلاثة عقود، كما غزت المنتوجات الصينية غير الباهظة الأسواق على نحو مفاجئ. غير أن العديد من الأفارقة يرون أنه إذا كان التدفق يتيح للمستهلكين بضائع في متناول قدرتهم الشرائية، إلا أنه لم يحسن وضعيتهم الاقتصادية وألحق الضرر بالشركات المحلية.

إلى ذلك، يقول النشطاء الأفارقة والغربيون إن العلاقات الوثيقة التي تربطها الصين مع حكومات مثيرة للجدل في أنغولا ونيجيريا والسودان وزيمبابوي تضعف جهود دعم الديمقراطية والنهوض بحقوق الإنسان. وقد أجاب الرئيس الصيني بشكل ضمني، أثناء جولة في إفريقيا شهر أبريل المنصرم، على هذا القلق إزاء دور بلاده المتزايد في القارة قائلاً أمام الجمعية الوطنية النيجيرية "إن تطور الصين لن يشكل تهديداً لأي أحد، ولكنه سيتيح بالمقابل المزيد من الفرص". كما أعاد "هو جينتاو" التأكيد على سياسة الصين القائمة على إبرام الصفقات التجارية بغض النظر عن سجل الحكومات في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان أو محاربة الفساد قائلاً لصحفيين في نيروبي، التي شكلت المحطة الأخيرة في جولته الأفريقية، إن سياسة الصين تقوم على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".

وحسب إحصائيات الحكومة الصينية، فقد ارتفع حجم التجارة العام مع أفريقيا من 10.6 مليار دولار سنة 2000 إلى 40 مليار دولار العام الماضي. كما تضاعف معدل النمو في اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة نفسها من 3 % إلى نحو 5.8% العام الحالي، وهو الأعلى من نوعه منذ 1974، حسب صندوق النقد الدولي.

وحسب المحللين وعلماء الاقتصاد، فمن بين العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذا التحسن ارتفاع المبادلات التجارية مع الصين. وفي هذا السياق، يقول "جي. ستيفان موريسون"، رئيس برنامج أفريقيا في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" في واشنطن، "لقد عرفت المناطق الغنية بمصادر الطاقة والمعادن إقبالاً كبيراً لرؤوس الأموال عليها. وذلك يعزى في جزء منه إلى الاقتصاديات الآسيوية الجديد وسريعة النمو". وقد استثمرت الصين مليارات الدولارات من أجل الفوز بحقوق التنقيب في نيجيريا والسودان وأنغولا، كما أبرمت اتفاقات من أجل التنقيب أو الاستخراج مع تشاد والغابون وموريتانيا وكينيا وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية وإثيوبيا.

إلى ذلك، أضحى الصينيون مستثمرين رئيسيين في قطاع النحاس المزدهر في زامبيا والكونغو. كما أبرموا صفقات شراء مهمة مع الغابون والكامرون وموزمبيق وغينيا الاستوائية وليبيريا لاقتناء الخشب. غير أن الشركات الصينية كانت محل انتقادات شديدة بسبب إغداق المال على الرئيس السابق والمتهم بارتكاب جرائم حرب "تشارلز تايلور" وتمديد الحرب الأهلية المدمرة في ليبيريا، ولأن الصينيين ساهموا أيضاً في ارتفاع أسعار صادرات أفريقية أخرى مثل البلاتينيوم والحديد والفحم.

علاوة على ذلك، تفوقت الشركات الصينية في عدد من الدول الأفريقية على شركات أجنبية أخرى في الفوز بعقود مشاريع البناء، مثل بناء الطرق السريعة والسدود وتطوير الموانئ وإنشاء خط السكك الحديدية وأنابيب النفط، وكلها أمور من شأنها مساعدة الشركات الصينية على نقل الموارد الأفريقية.

ويمكن القول إن الشركات الصينية اشتهرت بالذهاب إلى حيث لا يذهب الآخرون لأسباب سياسية أو بيئية أو أخلاقية، أو لأن هامش الربح ضيق جداً. وفي هذا الإطار، يقول المحللون إن الشركات الصينية المملوكة من قبل الدولة لديها القدرة على الإعراض عن أرباح قصيرة الأمد في سبيل تحقيق مصالح الحكومة الاستراتيجية طويلة الأمد.

هذا وكثيراً ما تم رهن تحسين البنى التحتية بعقود المواد الخام. ففي أنغولا مثلاً، حيث لم تقمْ الحكومة بجهود كبيرة من أجل التخفيف من حدة الفقر والنهوض بالديمقراطية منذ أن وضعت الحرب الأهلية المدمرة أوزارها في 2002، تعهدت الصين بملياري دولار من المساعدات في إطار صفقة حقوق النفط. غير أن نشطاء حقوق الإنسان يرون أن تدفق المال ساهم في تصلب الحكومة في وجه الضغوط الخارجية الرامية إلى حمل الحكومة على القيام بإصلاحات.

والواقع أن الدول التي تعقد اتفاقات مع الصينيين تستفيد أيضاً من الحماية. حيث هددت الصين، بوصفها عضوا دائماً في مجلس الأمن الدولي، باستعمال حق النقض لمنع عقوبات ضد السودان، على خلفية الأزمة الإنسانية التي يشهدها إقليم دارفور. كما قاومت الصين أيضاً جهود الأمم المتحدة للتحقيق مع روبرت موغابي ومعاقبته بسبب "حملة تطهير" العام الماضي التي دمرت خلالها الشرطة دوراً وأسواقاً، وحرمت نحو 700000 شخص من منازلهم أو وظائفهم. كما شكلت الصين أحد المزودين الرئيسيين لزيمبابوي والسودان وحكومات قمعية أخرى بالطائرات الحربية والمركبات العسكرية والأسلحة.

والحقيقة أن التدفق الصيني لا يخلو من مزايا وفوائد بالنسبة للاقتصاديات الأفريقية، حيث عرفت المواد المستعملة في الصناعة من قبيل النفط والنحاس والبلاتينيوم ارتفاعاً في الأسعار بسبب تزايد الإقبال عليها من قبل الصين ودول آسيوية أخرى. ونتيجة لذلك، تضاعفت أسعار النحاس مثلاً ست مرات منذ 2001، كما تضاعفت أسعار البلاتينيوم ثلاث مرات خلال الفترة نفسها. وعلاوة على ذلك، ساهم تدفق المنتجات الصينية مثل الدراجات النارية وأجهزة التكييف الهوائي والقمصان والأجهزة المنزلية في انخفاض الأسعار بالنسبة للمستهلك الأفريقي.

مراسل "واشنطن بوست" في جوهانسبورغ

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" -14-6-2006