النفط العراقي من التخريب إلى مخططات التهريب

 

 

 

جيمس جلانز و روبرت إف. وورث

 

 

الهجمات التخريبية التي تشن ضد أنابيب، ومصافي النفط، والتي أدت إلى تعطيل عملها، تستخدم الآن لمساعدة شبكات التهريب الكبيرة التي تكلف الحكومة العراقية مليارات الدولارات كل عام... هذا ما يقوله مسؤول عراقي كبير ومسؤولون أميركيون.

وهذه الهجمات تحولت إلى مشروع مربح سواء بالنسبة للمتمردين أم العصابات العاملة في هذه المجال. ويقول المسؤول العراقي الكبير وهو "علي العلاق"، المفتش العام لوزارة النفط العراقية، إن هذه الهجمات تتم في الوقت الراهن بواسطة المجموعتين، لتقويض صناعة النفط، وإجبار الحكومة على استيراد وتوزيع أكبر كمية ممكنة من الوقود، باستخدام الآلاف من شاحنات نقل البترول الكبيرة.

من ناحيتهم، قام المتمردون والعصابات الإجرامية –التفريق بينهما يزداد صعوبة باستمرار- بتحويل تلك الأعداد الهائلة من الشاحنات إلى أداة للتهريب.

يقول "العلاق" إن 30 %من البنزين المستورد تتم سرقته، وإعادة بيعه في الخارج بواسطة عصابات التهريب، التي تستخدم تلك الشاحنات، وتقوم بدفع الرشاوى، وتزوير المستندات، من أجل تحقيق أهدافها.

وهذا المزيج المدمر من التهريب والتخريب، يوجه ضربة قاصمة إلى اقتصاد بلد كان يعتقد قبل الغزو أن ثروته النفطية الهائلة ستكون قادرة على دفع تكاليف إعادة اعماره.

والحقيقة أنه ليس معروفاً على وجه الدقة بالنسبة لتلك العمليات، أين يقف الحافز لتكوين الأرباح؟ وأين يبدأ الدافع لدعم عمليات المتمردين، وعرقلة عمل الحكومة العراقية؟ ويقول "علي العلاق" إن الضربات التي توجه لخطوط الأنابيب ليست عشوائية، وإنما تتم بطريقة مدروسة، ومخطط لها، وفي توقيتات معينة، لأن من يقومون بها يعرفون أنهم يدمرون العمود الفقري لصناعة تكرير النفط.

والهجمات يمكن أن تؤدي إلى إغلاق المصافي تماماً سواء عن طريق حرمانها من النفط الخام أو عن طريق ضربها مباشرة، مما يجبر الدولة على شحن المزيد من النفط عبر حدودها الدولية. ويقول "العلاق" إن التهريب الذي يتم عبر الحدود لن يتوقف طالما ظل نظام دعم أسعار النفط معمولاً به في العراق، لأن هذا النظام يجعل هناك فارقاً كبيراً بين أسعار النفط في العراق وأسعاره في الدول المجاورة مثل الأردن وسوريا وتركيا. يمكن شرح هذه المسألة على النحو التالي: تقوم الحكومة العراقية بشراء النفط من الدول المجاورة بأسعار السوق، ثم تعيد بيعه للعراقيين بأسعار مدعومة رخيصة. فالديزل المدعوم على سبيل المثال كان يُباع في العراق بسعر 3 سنتات للجالون، خلال الجزء الأكبر من عام 2005 مما يعني أن شاحنات نقل النفط التي تبلغ سعتها 9000 جالون كان يفترض أن تقوم ببيع حمولتها بالسعر الرسمي وهو 250 دولاراً. ولكن الذي يحدث في معظم الحالات أن نفس هذه الكمية من الوقود كانت تباع بسعر دولار للجالون في السوق السوداء. وإذا ما افترضنا أنه سيتم دفع 500 دولار كأموال حماية أو رشاوى للشرطة و800 دولار أجرة للسائق، فإن معنى ذلك أن المهرب يمكن أن يحقق ربحاً مقداره 7.450 دولار إذا ما قام بجلب شاحنة واحدة تحمل هذه الكمية من الأردن أو سوريا أو تركيا.

وبعد ملء شاحناتهم في الدول المجاورة، يمكن للسائقين بيع الحمولة بأسعار أعلى في السوق العراقية السوداء، ثم القيام بعد ذلك وعن طريق أوراق مزورة ورشاوى، بإعادة تعبئتها من أحد مستودعات الجازولين بالأسعار المدعومة.

وبعد أن ينجز السائق تعهداته وفقاً للعقد الموقع بينه وبين الجهة التي يتعامل معها بتسليم هذه الحمولة الأخيرة لتلك الجهة، فإنه يستطيع تحقيق المزيد من الأرباح عن طريق تعبئة شاحنته بالبنزين الرخيص، قبل أن يقوم مرة أخرى بعبور الحدود إلى إحدى الدول المجاورة، ويقوم ببيع حمولته بأسعار النفط المغرية هناك.

ويقدر "العلاق" أن ما بين 10 إلى 30 %من الوقود المستورد من الخارج سنوياً إلى العراق، والذي تبلغ قيمته ما بين 4 إلى 5 مليارات، يُعاد تهريبه إلى الخارج مرة أخرى بسبب فروق الأسعار المغرية.

وتشير البيانات المتوافرة من وزارة النفط العراقية إلى أن إجمالي الخسائر التي تحملها العراق بسبب عمليات تهريب النفط كانت تتراوح ما بين 2,5 مليار إلى 4 مليارات دولار عام 2005، وهو ما يعني أن التهريب يسبب للعراق خسائر تصل إلى ما يعادل عشرة في المئة من ناتجه القومي الإجمالي البالغ 29,3 مليار دولار عام 2005.

أما تأثير ذلك على العائلات العراقية فهو تأثير لا يمكن إنكاره. ففي مسح عشوائي تم إجراؤه على آلاف العائلات العراقية، بواسطة المنظمة المركزية للإحصائيات وتقنية المعلومات، تم تجميع إحصائيات تتعلق بمقدار إنفاق العراقيين على شراء الوقود من السوق السوداء. وتبين من هذا المسح أن 40 في المئة من الجازولين الذي يتم استهلاكه سنوياً في العراق، يتم شراؤه من السوق السوداء، حيث ارتفعت أسعاره مؤخراً حتى وصلت إلى مستوى 2,5 دولار للجالون خلال الأزمات الأخيرة. وهو يزيد كثيراً عن السعر الرسمي المدعوم حكومياً والذي يبلغ 65 سنتاً للجالون.

وتبين من المسح المذكور، أن البائعين يحققون أرباحاً هائلة جراء ذلك: فمن مبلغ المليار دولار الذي يتم إنفاقه في السوق السوداء بواسطة العائلات العراقية لتأمين الوقود والغاز المسيل للاستخدامات المنزلية، يذهب مبلغ 800 مليون دولار في صورة أرباح مباشرة لهؤلاء الذين يقومون بإدارة الشبكات غير القانونية.

وتحقق العصابات إلى جانب ذلك أرباحاً مغرية عن طريق ما يعرف باسم "أموال الحماية"، أي إجبار أية شاحنة تستخدم الطرق في أماكن معينة، على دفع 500 دولار لتأمين الحماية لها في تلك المنطقة، وهي طريقة من الطرق التي يستخدم فيها الخطف والتهريب وتجارة النقل في "تمويل الإرهاب".

ومما يفاقم الوضع التعاون الذي يلقاه المخربون والمهربون من الموظفين الحكوميين في المستويات الدنيا.

ويقول "إل توماس ديلار" مستشار الشؤون الاقتصادية في السفارة الأميركية في بغداد إن الطريقة الوحيدة لتقليص تجارة التهريب هو التخلص من نظام الدعم الذي كان قد بدأ في عهد صدام. ولكنه يعترف بأن اتخاذ خطوة مثل هذه قد يمثل خطورة على الحكومة العراقية الجديدة التي تسعى في الوقت الراهن للتودد للشعب العراقي. ويقول "ديلار": "إن هناك فئة معينة لن تكون سعيدة حتماً بتبلور مثل هذا الاحتمال؛ ففي التظاهرات التي اندلعت عندما تم الإعلان عن الخطة الرامية لرفع الأسعار، لاحظ المراقبون الأميركيون أن العديد من التجار العاملين في السوق السوداء كانوا مندسين وسط الجماهير التي شاركت في تلك المظاهرة".

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبان في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"-5-6-2006