حتى لا تُطبخ الدفاتر
د. عبدالله جمعة الحاج
مع تسارع الطفرة الاقتصادية في الإمارات، وتأسيس العديد من الشركات المساهمة العملاقة، وبروز فئة اجتماعية جديدة من المديرين والرؤساء الذين يديرون هذه الشركات العملاقة، لابد وأن تكون قد استجدت على الساحة الاقتصادية حاجة إلى وجود قوانين تنظم عمل هذا النوع من المؤسسات التي تسهم في النشاط الاقتصادي، ليس عن طريق وجود مشاريع ملموسة متواجدة على أرض الواقع في جميع الأحوال، ولكن عن طريق وجود رؤوس أموال ضخمة لها، مجزأة إلى عدد من الأسهم التي يتم شراؤها من قبل الجمهور وتداولها في البورصة أو سوق الأسهم. إن هذه الطريقة الجديدة على مجتمعنا في تداول رأس المال، والعمل من خلالها كمنشط اقتصادي يدر أرباحاً أو يعرض ممتهنه لخسائر مالية قد تكون جسيمة وكارثية، لابد وأن تصاحبها قوانين وإجراءات تحفظ حقوق المساهمين وتمنع الرؤساء والمديرين من القيام ببعض المناشط الاقتصادية التي قد تتطلب عنصر المخاطرة في إدارة الشركات. ولو حدث ما لا تحمد عقباه، فإن من شأن ذلك أن يعرض الشركات المعنية إلى الخسارة ويعرض الأسهم إلى الانهيار. إن ما نهدف إليه، هو التحذير من أن تقوم بعض الشركات المساهمة بإجراء "طبخات" في دفاترها، تبلغ قيمتها مليارات الدراهم، بهدف إظهار أنها تحقق أرباحاً. إن هذه الطريقة تكون نتيجتها أن ترتفع أسعار أسهم الشركات المعنية بسرعة، بسبب إقبال المستثمرين على شراء أسهمها اعتقاداً منهم بأن ما نشرته من نتائج لأعمالها خلال فترة زمنية محددة صحيح، ويعكس ما تحققه الشركة من أرباح. ولكن الواقع يكون غير ذلك، فقد تكون الشركة تحقق أرباحاً ولكن ليس بالحجم الذي تشير إليه النتائج التي تنشرها استناداً إلى ما قامت به من ترتيب متقن لدفاترها. وتكون النتيجة أن يرتفع سعر السهم سريعاً نتيجة لإقبال الجمهور على شرائه، ولكن بعد فترة وعندما يتضح أن ما قامت به الشركة غير صحيح، وأن ارتفاع قيمة سهمها ليس واقعياً، إنما بني على نتائج تم ترتيبها وعلى المضاربة في أسهمها، يعود المستثمرون إلى بيع ما يحملونه من أسهم، فيكثر المعروض منه، وقد يؤدي ذلك إلى تدني سعره بحدة، وتنشأ نتيجة لذلك حالة كارثية من الخسائر الفادحة، خاصة لصغار المستثمرين. إن مجتمع الإمارات الآن أمام ثقافة اقتصادية وثقافة أعمال جديدة، ليس له عهد بها في السابق، وهذه الثقافات الجديدة ستستمر معه في عمر المستقبل ولن تنتهي، لأن الحركة الاقتصادية والمالية في البلاد ستستمر في النمو والتقدم. والمهم هنا هو التنبه إلى أن تجارب المجتمعات الأخرى التي يتواجد فيها هذا النوع من المناشط الاقتصادية والتي سبقتنا في ذلك، لم تستطع حتى الآن السيطرة التامة على ما قد تقوم به المؤسسات والشركات الاقتصادية الكبرى. إن ما تحوزه هذه الشركات العملاقة من قوة مالية واقتصادية وإدارية، يجعلها تحاول أن تتدخل في كافة نواحي حياة المجتمعات، وأن تقوم بنشاطات مريبة في بعض الأحيان هدفها ملء جيوب رؤسائها ومديريها بالدراهم عوضاً عن خدمة المجتمع. خلاصة القول هي، إن إمكانية تلاعب الشركات الكبرى بدفاترها واردة، وهذا النوع من التلاعب في نتائج وحسابات الشركات المساهمة، يضر بالمستثمرين ويفيد المتنفذين في هذه الشركات. وفي حالة وجود أخطاء من هذا القبيل تكون النتائج عادة خطيرة خاصة في المجتمعات التي تخوض هذه التحربة حديثاً كمجتمع الإمارات، حيث القوانين والإجراءات الضابطة لا زالت في طور التشكل وتحتاج إلى بعض الوقت لكي تستقر. إن من الجدير بالذكر القول، إن الحياة الاقتصادية الجديدة هذه التي دخلت إلى الإمارات مؤخراً، لها قيمها وتقاليدها وأخلاقها الخاصة بها، وهي جميعها قيم غربية- رأسمالية تتطلب من المسؤولين عن هذه الشركات أن يكونوا على درجة عالية من الالتزام بالمسؤولية والأخلاق والقدرة العلمية، إضافة إلى ما تتطلبه من قوانين وإجراءات صارمة تحفظ حقوق المستثمرين، فهل وصلنا إلى ذلك أم أن أمامنا مشواراً طويلاً لابد وأن نقطعه؟ و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-3-6-2006
|