لا دليل على مخرج من الأزمة قبل 10 سنوات

 

فولفجانج مونشو

 

 

تمت مقارنة الركود العظيم الذي نشهده بعدة أزمات وقعت في الماضي، لكن ربما كان العقد الذي ضاع على اليابان هو الأنسب لمثل هذه المقارنة. وليس مرد ذلك إلى الطريقة التي تطورت بها الأزمتان - لأننا لا نعرف حتى الآن ماذا سيجري لنا - لكن بسبب عدم تعلمنا من أخطاء اليابان. قال أوتو فون بسمارك إن الأغبياء وحدهم الذين يتعلمون من أخطائهم، في حين أنه كان يفضل أن يتعلم من أخطاء الآخرين. إننا على الأغلب أغبياء.ويدهشني بصورة خاصة تشابه ردود السياسات في اليابان في ذلك الوقت مع ردود السياسات في أوروبا اليوم. أورد آدم بوسين، نائب مدير معهد بيترسون في واشنطن، الملاحظة التالية في كتاب نشره عام 2000 حول أوجه الشبه بين العقد الذي ضاع على اليابان والسياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة إبان أزمة المدخرات والقروض. فقد كتب: "أصدرت الجهات المنظمة للبنوك جملة من الإعلانات بهدف طمأنة الناس بشأن مدى ونطاق مشكلة القروض المعدمة وكفاية رأسمال البنوك اليابانية، لكن الشركات المالية الأخرى والبنوك الأجنبية والمدخرين اليابانيين لم يصدقوا تلك الإعلانات باعتبار أنها تقلل من شأن المشكلة، وكانوا على حق في ذلك".هذا بالضبط ما يحدث في أوروبا اليوم. الحكومات لا تتحدث بصراحة حول حجم الأزمة. كشفت صحيفة "سودويتش زايتونج" Suddeutsche Zeitung الألمانية مؤخراً أمر مذكرة داخلية من الهيئة المنظمة للبنوك في البلد، المعروفة باسم بافين، تذكر فيها أن قيمة الموجودات المشطوبة في ألمانيا ربما تتجاوز 800 مليار يورو (1061 مليار دولار)، وهو ما يعادل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي السنوي لألمانيا ومقارنة بذلك، بلغ كامل رأس المال والاحتياطيات المتوافرة لدى المؤسسات النقدية والمالية التابعة للهيئة المذكورة 441 مليار يورو فقط في شباط (فبراير).

وإذا كان هذا الرقم الذي تم تسريبه صحيحاً، فمعنى ذلك أن النظام المالي الألماني مفلس.ثارت ثائرة بافين على تسريب المذكرة وباشرت رفع قضية على الجهة التي سربتها، وحاول كبار المسؤولين التقليل من دلالة هذا الرقم. وهذا ما تناوله الدكتور بوسين في نقده لليابان وذكر روبرت جلوبر الذي يعمل الآن في جامعة هارفارد، في الكتاب نفسه أن "جبن الحكومة وخوفها من إطلاع دافعي الضرائب على كامل تكلفة حل الأزمة أدى إلى تأخير كبير لا لزوم له. وحوّل التأخير في كلتا الحالتين تكلفة بسيطة إلى تكلفة كبيرة مذهلة". ومرة أخرى يتكرر ذلك هذه الأيام، ذلك أن خطة جايتنر في الولايات المتحدة، وخطة الإنقاذ المالي الألمانية التي أعلن عنها مؤخراً، لكن تفصيلاتها لم تتحدد حتى الآن، تدعيان أن الإنقاذ لن يكلف دافع الضرائب كثيراً.الحكومات اليابانية أيضاً بذلت عدة محاولات لحل الأزمة في تسعينيات القرن الماضي، لكن تلك الخطط كانت مترددة. ولم ينته عقد اليابان الضائع إلا في 2002 بعد أن قام هايزو تاكيناكا، وزير الخدمات المالية في حكومة رئيس الوزراء الأسبق جوينشيرو كويزمي، بإجبار البنوك على خفض قيمة الديون المعدمة وقبول رأسمال جديد من الحكومة. وعلى غرار اليابانيين تماماً، ستفعل الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا الشيء الصحيح في نهاية المطاف لكن كما فعل اليابانيون تماماً، هذه الحكومات مصممة على أن تفعل جميع الأشياء الخاطئة أولاً.

ما الذي يمكن أن نتعلمه من السياسة المالية اليابانية؟ إن الهدف من زيادة الإنفاق الحكومي أثناء أزمة مالية شديدة هو حل عقد التغذية الراجعة السامة بين الاقتصاد الحقيقي والقطاع المالي. وعلى هذا الصعيد تعتبر برامج التحفيز الأوروبية أقل إرضاء من السياسة الأمريكية، ليس من حيث الأرقام الرئيسية الإجمالية، ولكن من حيث أثرها الصافي على النمو الاقتصادي وتماما مثل اليابان في تسعينيات القرن الماضي، منطقة اليورو لا تستطيع تقديم تحفيز مالي فعال بسبب عدم مرونة نظام الإدارة الاقتصادية، المبني على اللوائح في حالتنا، وبسبب شدة البيروقراطية وانعدام التنسيق إلى درجة تدعو للدهشة. ولن أتفاجأ إذا ما تبين أن الأثر الاقتصادي الإجمالي للتحفيز الأمريكي يعادل ضعف حجم برامج التحفيز الأوروبية مجتمعة ويبدو أن البنك المركزي الأوروبي هو المؤسسة الأوروبية الوحيدة التي استوعبت الحاجة إلى التعلم من التجربة اليابانية. ذلك أن أسعار الفائدة في أسواق المال الأوروبية قريبة من الصفر، وبينما يستطيع المرء أن يجادل دائماً بشأن التفاصيل الدقيقة للسياسة النقدية، فإن البنوك المركزية على جانبي الأطلسي على وشك استنفاد قدرتها وحريتها على المناورة. وسيقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة مرة أخرى هذا الأسبوع، ربما بربع نقطة أخرى، لكن حتى المزيد من عمليات خفض أسعار الفائدة لن يحدث فرقاً كبيراً في أسعار الفائدة الحقيقية...إنني أعتبر نفسي جاهلاً بفوائد التخفيف الكمي، وذلك من حيث فاعليته في تغيير أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومن حيث الصعوبات التي يمكن أن تواجهها البنوك المركزية في المستقبل. ومن الأدلة التي رأيتها فيما يتعلق باليابان، فإن حل الأزمة البنكية، وليس تبني سياسة التخفيف الكمي من جانب بنك اليابان، هو الذي أدى الغرض المطلوب...كل ذلك يترك أوروبا بخليط من السياسات الأفضل قليلاً فقط من السياسة التي اتبعتها اليابان في تسعينيات القرن الماضي. لكن أوروبا تواجه مشكلة أخرى. فبينما حدثت الأزمة في اليابان في وقت كان فيه بقية العالم مزدهراً، فإن أوروبا ليس لديها هذا الحظ. إنني لا أرى شيئاً في وضعنا، أو في رد سياساتنا يقنعني أن الخروج من هذه الأزمة سيستغرق أقل من عقد.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: aleqt.com