الأزمة العالمية مدخل إلى السلام العالمي (1)

 

السفير د. عبد الله الأشعل

 

 

ينشغل المتخصصون في دراسة جوانب الأزمة الاقتصادية العالمية من حيث أسبابها ومدى تأثيرها في النظام الرأسمالي بعد أن رأى العالم كله كيف أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الغربية تنال بشكل ظاهر من أركان النظام الرأسمالي الغربي الذي يقوم على مبدأ حرية السوق والثقة في أن قوى السوق هي وحدها - دون تدخل من أحد - تحقق التوازن عند نقطة معينة بين العرض والطلب، وأن التدخل يجب أن يكون في أضيق الحدود اللازمة لرد هذه القوى إلى حظيرة التفاعل بين قوى السوق. يقوم النظام الرأسمالي أيضاً على مبدأ الحرية الفردية في الحياة الخاصة والعامة والسياسية والاجتماعية، ولكن الأوبئة التي تكتسح العالم بدءاً بالإيدز ثم جنون البقر ثم إنفلونزا الطيور وأخيراً إنفلونزا الخنازير التي تنتشر انتشار النار في الهشيم في معظم دول العالم في أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، ومن شأن هذه الأوبئة أن تفرض قيوداً على هذه الحريات الشخصية، فضلاً عما تفرضه الأزمة الاقتصادية العالمية من قيود وضغوط على هذه الحريات أيضاً.

وتقوم فكرة المقالة على أن الصراعات الدولية عادة تتحول إلى صراعات مسلحة عندما يقرر أطراف الأزمة حسمها كل لمصلحة بعد فشل الطرق الأخرى للتسوية. ولكن العلاقة بين الصراع والقدرة على التسلح علاقة جدلية: فقد افترض واضعو ميثاق الأمم المتحدة أن حظر التسلح يؤدي إلى إضعاف القدرة على الصراع المسلح وإفساح المجال للتسويات السلمية، على افتراض أن منع السلاح يمنع الصراع، وأن توافر السلاح يخلق الصراع المسلح. وبناء على هذا الافتراض فإن كل محاولات تقييد التسلح قد فشلت وشهد العالم ازدهار تجارة السلاح التي أشعلت مئات الحروب والصراعات العسكرية في الدول النامية طبعاً بعد أن تحصنت أوروبا بالاتحاد بين دولها بعد انهيار النظم الشيوعية في أوربا الشرقية. عند هذه النقطة سوف نلاحظ عاملين متناقضين، الأول أن الدول المصدرة للسلاح تحتاج إلى تنشيط هذه الصناعة كأحد إجراءات تنشيط الدورة الاقتصادية ومستوى التشغيل بعد أن نال الكساد معظم قطاعات الاقتصاد. العامل الآخر أن الصراعات السياسية التي تتحول إلى صراع عسكري تدفع الدول النامية إلى استنفاد قدراتها المحدودة خاصة تحت ضغوط الأزمة العالمية لشراء السلاح من الغرب، فيؤدي تفاعل هذين العاملين إلى نتيجة مؤلمة وهي إنعاش الاقتصاد الغربي وازدياد فقر الدول النامية فهل تستطيع هذه الدول النامية أن تدرك أن ضعف قدراتها الاقتصادية وعجزها عن شراء السلاح يرغمها على تسوية منازعاتها بالطرق السياسية؟ يجب أن نلاحظ أن أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة تلك التكاليف الهائلة للمغامرات الأمريكية في عهد الرئيس بوش، وأظن أن اتجاه واشنطن إلى سياسة الحوار يمليها هذا الاعتبار وهو التراجع الاقتصادي وعدم القدرة على ضخ مزيد من الأموال لتغذية الحروب الجديدة، وهذه قضية أخرى تتطلب تفصيلا في العلاقة بين القدرات الاقتصادية والقدرة المالية على شن الحروب، علماً بأن شن الحروب في الأدب السياسي الأمريكي كان أحد أسباب الثراء الأمريكي خلال الحقب السابقة. يبدو أن مثل هذه المقولات التقليدية بحاجة إلى مراجعة شاملة، خاصة في ضوء تيارات العولمة المعاصرة.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر: الاقتصادية - 18-5-2009