الأزمة
الاقتصادية العالمية وإشعال الصراع العالمي (2)
السفير
د. عبد الله الأشعل
افترضنا في المقال السابق
أن الأزمة الاقتصادية العالمية تضعف الطلب الفعلي على التسلح فتميل
الدول مضطرة إلى تسوية منازعاتها بالطرق السلمية خاصة مع انتشار
الأوبئة والأمراض بشكل وبائي مثل إنفلونزا الخنازير التي تجتاح العالم
الآن . في هذه المقالة نعالج افتراضاً آخر وهو أن الأزمة الاقتصادية
العالمية ستؤدى إلى صراع عالمي أغلب الظن أنه صراع بين الأقوياء
الطامعين في ثروات الفقراء. لتحليل هذه الفرضية نسوق ثلاث حقائق تساعد
على تحليل هذه الفرضية.
الحقيقة
الأولى هي الكساد العالمي العظيم عام 1929 والذي
يقال إنه متواضع للغاية إذا قيس بالأزمة الحالية لأسباب واعتبارات
عديدة، لها علاقة بالحرب العالمية الثانية. أصحاب هذه النظرية في
التاريخ الاقتصادي العالمي يشيرون إلى أن الولايات المتحدة دخلت الحرب
العالمية الأولى بحثاً عن دور عالمي انطلاقاً من المسرح الأوروبي،
ولكنها دخلت الحرب العالمية الثانية بسبب ضغوط الشركات الصناعية الكبرى
كصناعات الصلب والأسلحة والتي وجدت في الصناعات الألمانية واليابانية
الناشئة مصدراً خطيراً للتهديد، ولذلك فإن إنعاش هذه الصناعات، وغيرها
من الأسباب، دفع الولايات المتحدة إلى "استدراج" اليابان إلى بيرل
هاربر في المحيط الهادي والهجوم على الأسطول وفق بعض الروايات لهذا
الحادث الحاسم، حتى تدخل الحرب العالمية الثانية التي تقول هذه
الدراسات إنها استعدت لها منذ وقت طويل، تشير هذه الدراسات أيضاً إلى
أن الحروب في النظرية الرأسمالية كانت أداة لإنعاش الاقتصاد بسبب زيادة
الإنفاق العام تطبيقاً لنظرية كينز الشهيرة عام 1926 وبالفعل نشرت مجلة
الإكونوست دراسة مهمة منذ سنوات قليلة أوضحت فيها أن الولايات المتحدة
اعتمدت على المواجهات العسكرية منذ القرن 19 وأن العائد المالي كان
مجزيا بالمفهوم الاقتصادي، ولكن يبدو أن هذه النظرية تصلح للدول القوية
الغنية التي تضمن نتائج الحروب قبل سنوات ولم تعد تصلح لهذه الأيام حيث
ظهر أن معدل الإنفاق العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان الذي قارب
المليار دولار يوميا قد أثقل كاهل الخزنة العامة وأدى إلى رفع
المديونية الخارجية بشكل غير مسبوق مما أسهم مع عوامل أخرى داخلية في
انفجار الأزمة المالية العالمية، وخاصة أن الإنفاق العسكري الأمريكي
يمثل 40 في المائة من إجمالي الإنفاق العسكري في العالم. والملاحظ أن
روسيا التي خفضت إنفاقها الحكومي قد زادت الإنفاق على صناعة التسليح
وهي الدولة الثانية بعد أمريكا في العالم.
الحقيقة
الثانية هي أنه إذا صح أن الصراع العسكري هو الحل للأزمة
المالية كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، فإنه لا يستبعد تماماً أن
تندلع حرب عالمية جديدة لحل المعضلة الاقتصادية. ولما كان مثل هذا
الصراع مستحيلاً في عصرنا بين الدول النووية أو الدول الأوروبية، فإن
تطبيق هذه النظرية قد يشهد حروباً إقليمية لإنعاش تجارة السلاح
واستنفاد المدخرات المالية لديها.
الحقيقة الثالثة هي ما عبر عنه البنك الدولي من أن
الأزمة الحالية ستؤدى إلى انفجارات اجتماعية وتفاقم مشكلة الجوع وإظهار
المزيد من عجز نظم العالم الثالث تحت وطأة هذه الأزمة عن مواجهة هذه
الانفجارات مما قد يؤدى إلى صراعات إقليمية متفرقة، ونخشى أن تكون في
مقدمتها منطقة الشرق الأوسط.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر: الاقتصادية -
18-5-2009
|