الأزمة
المالية : خليجياً ...عبور "الأزمة"... مؤشرات إيجابية
د.
محمد العسومي
عندما تحدثنا عن بروز
مؤشرات إيجابية لبداية استقرار الاقتصادات الخليجية ومن ثم خروجها من
الأزمة، فقد كانت لمثل هذا الطرح مبررات وأسس قوية ربما يتفق معها
البعض، في حين يمكن أن تكون للبعض الآخر وجهة نظر مغايرة، وهذه مسألة
طبيعية تماماً وأول هذه الأسس والمبررات، يتعلق بالنفط الذي يعتبر أهم
منتج وأهم سلعة ضمن هيكلية الصادرات الخليجية، حيث استقرت أسعار النفط
في الآونة الأخيرة عند مستوى قريب من 50 دولاراً للبرميل، وذلك على رغم
بعض البيانات التي لم تكن مشجعة، كتلك الخاصة بالاحتياطي الاستراتيجي
الأميركي من النفط. واستقرار سعر برميل النفط عند هذا المعدل أو
ارتفاعه في الأشهر القادمة بسبب الاستعداد لإبرام عقود فصل الشتاء،
يعني تجاوز إحدى أهم العقبات التي تؤثر على الأداء الاقتصادي لدول
المجلس، حيث راهن العديد من المراقبين على إمكانية انخفاض الأسعار إلى
ما دون الـ25 دولاراً للبرميل والحال أن معدل السعر هذا يتناسب
والأسعار المعتمدة في الموازنات الخليجية للعام الحالي 2009 التي وضعت
على أساس سعر يتراوح ما بين 45- 50 دولاراً للبرميل، وبالتالي، فإن دول
المجلس ستكون قادرة على تحمل العجوزات المتواضعة التي ربما تعاني منها
هذه الموازنات في هذا العام. أما في حالة ارتفاع الأسعار إلى 60
دولاراً للبرميل، وهذا احتمال وارد، فإن موازنات دول المجلس ستتغلب على
العجوزات المعلنة.
ثانياً، أظهرت نتائج
الربع الأول للشركات المساهمة، وبالأخص البنوك والمؤسسات المالية،
مستوى أداء جيد، وحقق بعضها أرباحاً فاقت معدلات الأرباح في الربع
الأول من العام الماضي 2008، مما أدى إلى ارتفاع البورصات الخليجية
بنسب جيدة في شهر إبريل مقارنة بشهر مارس الماضي، حيث يتوقع أن تشهد
هذه البورصات المزيد من التحسن في الأشهر المقبلة، وخصوصاً أن تحسناً
مشابهاً طرأ على البورصات العالمية، وبالأخص على مؤشر "الفايننشال
تايمز" البريطاني الذي ارتفع بنسبة كبيرة بلغت 20 في المئة في الشهر
الماضي، مقارنة بشهر مارس 2009.
ثالثاً، من المعروف أن
أحد مظاهر الأزمة تمثل في الإحجام عن الائتمان والتمويل، مما تسبب في
جمود العديد من الأنشطة الاقتصادية، إلا أن هذا الإحجام بدأ في التحرك
نحو الحد من القيود التمويلية في دول مجلس التعاون الخليجي في الشهرين
الماضيين، اذ عمد العديد من البنوك إلى الترويج من جديد لتسهيلاتها
التمويلية ولو بدرجة متحفظة، مما ساعد على الاستقرار في بعض القطاعات.
رابعاً، أوفت بلدان
المجلس جميعها بالتزاماتها المالية المتأخرة تجاه المزودين والممولين،
بما في ذلك في القطاعات التي تأثرت بشدة من الأزمة، كالقطاع العقاري،
مما أشاع جواً من الثقة في قدرة الاقتصادات الخليجية على تجاوز تبعات
الأزمة بأسرع مما كان متوقعاً.
خامساً، وأخيراً استقرار
أسواق العمل الخليجية وتقلص عملية الاستغناءات المتواضعة التي حدثت في
بداية الأزمة، بل إن القطاع الحكومي باشر عمليات توظيف جديدة في الآونة
الأخيرة، حيث لا يستبعد أن يشمل ذلك القطاع الخاص إذا ما استمرت
الأوضاع الاقتصادية في التحسن في الأشهر القليلة القادمة ولهذه
الأسباب، وغيرها، يمكن القول إن "الأسوأ" من تبعات الأزمة المالية
العالمية قد مضى بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، وبلدان المنطقة
بشكل عام، فوتيرة التدهور المالي لدى العديد من المؤسسات المتضررة بدأت
في التباطؤ والتلاشي لدى مؤسسات أخرى. وإن علامات بداية الاستقرار
والنمو مجدداً أخذت في البروز من خلال الأداء الجيد للشركات المساهمة،
وذلك إلى جانب بقاء الإنفاق الحكومي عند معدلات عالية، مما ساهم في
تنشيط القطاعات الاقتصادية في دول المجلس ومساعدتها على تجاوز تداعيات
الأزمة المالية في فترة زمنية قصيرة نسبياً وبشكل عام، فإن مثل هذه
الأوضاع والتطورات الإيجابية ستشجع على فك القيود الاستثمارية من قبل
المستثمرين المحليين والأجانب الذين احتفظوا بالسيولة من منطلق أن
"الكاش ملك" التي ترددت كثيراً في الأشهر الماضية، تلك العملية التي
بدأت بدورها، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال السيولة التي دخلت أسواق
المنطقة في الفترة الماضية، بما فيها سيولة أجنبية توصلت إلى نتيجة
مفادها أن أسواق المنطقة أصبحت جذابة للاستثمار في العديد من القطاعات
ومع ذلك ومن أجل توضيح الصورة وإعطاء انطباعات صحيحة، فإن ذلك لا يعني
تلاشي تبعات الأزمة دفعة واحدة وفي فترة زمنية قصيرة، فالعديد من هذه
التداعيات والترسبات سيستمر لأشهر قادمة، كما أن عملية الانتعاش والنمو
سوف تستغرق بعض الوقت، وبالأخص لبعض القطاعات التي عانت كثيراً من هذه
الأزمة، إلا أن ما نريد التركيز عليه وإيصاله بصورة سليمة، هو أن عملية
الاستقرار قد بدأت وأن إمكانية النمو متوفرة، مما يعد بحد ذاته نجاحاً
للاجراءات التي اتخذت، كما أنه يعبر عن قدرة اقتصادات بلدان المنطقة
على التأقلم مع مختلف الأزمات، وبالأخص الأزمة المالية العالمية
الحالية التي تعتبر الأخطر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن
الماضي.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alitihaad
|