هل هذه
الشروط كافية لنجاح الرأسمالية ؟
روبرت
صمويلسون
شروط
نجاح الرأسمالية
"هل الرأسمالية الأميركية
قادرة على البقاء؟ لا... لا أعتقد أنها قادرة على ذلك." جوزيف شمبيتر،
1942. إن قصة الرأسمالية الأميركية هي -بين أشياء أخرى -قصة علاقة
تتراوح ما بين الحب والكره. فنحن نمر عبر دورات من تهنئة النفس،
والنفور، والمراجعة. ومعرفة متى بدأت بالضبط دورة النفور والمراجعة
الأخيرة مسألة ليست بالسهلة: هل كان ذلك عندما انهار بنك "ليمان
براذرز"؟ أو عندما توسلت شركة "جنرال موتورز" من أجل الحصول على إعانات
فيدرالية؟ أو عندما أثار صرف حوافز للعاملين في مؤسسة "إيه. آي. جي"
غضبة عارمة في أميركا كما هو حاصل الآن؟ غير مهم...المهم أن الرأسمالية
الأميركية تحت الحصار، وأن مستقبلها غير واضح
و"شومبيتر"، الذي تنبأ بهذه النبؤة، والذي يعد واحداً من أبرز
علماء الاقتصاد في القرن العشرين، كان يعتقد أن الرأسمالية تحتوي في
داخلها على بذور فنائها. فميزتها الرئيسية طويلة الأمد، وهي القدرة على
زيادة الثروة، ومستويات المعيشة. أما عيوبها فهي قصيرة الأمد وتتمثل في
عدم الاستقرار، والبطالة، وعدم العدالة. والرخاء الذي حققته الرأسمالية
أدى إلى خلق طبقة معارِضة من"المثقفين"، الذين يعملون على تغذية عوامل
السخط الشعبي، والحط من قدر القيم الرأسمالية (تحقيق الثراء الذاتي،
والمخاطرة) الضرورية لتحقيق النجاح الاقتصادي.
الرأسمالية الأميركية
تتمتع بقدرة هائلة على التكيف. فهي تكيف نفسها وفقاً للقيم العامة
المتطورة، مع المحافظة في ذات الوقت على حوافز خاصة كافية
وكل جانب -تقريباً -من جوانب تحليل"شومبيتر" يبدو صحيحاً
باستثناء جانب واحد ـ واضح تماماً ـ وهو ذلك الخاص بالاستنتاج الذي
توصل إليه والمتعلق بعدم قدرة الرأسمالية على البقاء
فمن المعروف أن الرأسمالية الأميركية قد ازدهرت على الرغم من
تعرضها لقيود متكررة من المشرعين الساخطين. لمعرفة ذلك يكفي النظر في
التحولات التي مرت بها الرأسمالية. ففي عام 1889، لم يكن هناك قانون
لمكافحة الاحتكار(صدر عام 1890)، ولا ضريبة على دخل الشركات(صدر
القانون الخاص بها عام 1909)، كما لم تكن هناك لجنة للأوراق المالية
وتبادلاتها (1934)، كما لم تكن هناك وكالة لحماية البيئة(1970)
وموجات الإصلاح الكبرى، تنطلق في معظم الأحيان من الفضائح
والأوقات العصيبة. فالفضائح تسيء إلى سمعة التجارة، أما في الأوقات
العصيبة فترتفع الأصوات المطالبة بالتصرف. والحقيقة أن ما يحدث الآن،
وما حدث في الماضي يبدو متشابها على نحو غريب" ففي عام 1982 لم يكن
هناك أحد يتوقع أن ينتهي الحال برئيس بورصة نيويورك إلى سجن"سنج سونج"
عام 1938" كما يقول المؤرخ "ريتشارد تيدلو" من مدرسة هارفارد لإدارة
الأعمال، الذي يقصد بحديثه "ريتشارد وايتني" المتهم بالنصب على زبائنه.
وإذا ما انتقلنا إلى
الحاضر، فسوف نجد شبيهاً هو "بيرني مادوف"، الذي شغل ذات مرة منصب رئيس
"ناسداك"، وكان عضواً لمؤسسة مالية كبرى، وانتهى به المطاف إلى ماوراء
القضبان بعد أن اعترف بقيامه بالنصب على زبائنه
وبعض التخمينات حول تطور الرأسمالية تبدو مقنعة
فالصناعة المالية، والبنوك، وبنوك الاستثمار، وصناديق التحوط
كلها ستتقلص من حيث الأهمية في حين ستزداد اللوائح تشددا، ويرتفع مقدار
رأس المال المطلوب، وتنخفض الربحية (حتى فترة قريبة كان التمويل يمثل
30 في المئة أو ربما أكثر من ذلك من أرباح الشركات ارتفاعاً من 20 في
المئة فقط في عقد السبعينيات من القرن الماضي)
مع ذلك يبقى سؤال"شومبيتر" مطروحاً: هل ستفقد الرأسمالية
حيويتها؟ إن الرأسمالية الناجحة تفترض ثلاثة شروط مسبقة:
الأول، شرعية الدافع
الربحي - أي القدرة على الأداء الجيد، بل
الرائع. الثاني، الأسواق الواسعة الانتشار التي تتفاوت حظوظ الشركات
العاملة فيها ما بين النجاح والفشل، وفي النهاية نظام قانوني وسياسي
يخلق بالإضافة إلى تأسيس الملكية والحقوق التعاقدية، قبولا عاماً. لاحظ
أن الشرط الأخير يخفف الشرطين الأوليين لأن الحكومة تستطيع -من خلال
الضرائب، والقانون، واللوائح إضعاف الدافع الربحي والتدخل في الأسواق
والسبب الرئيسي الذي لم يؤد إلى تحقق نبؤة "شومبيتر"، هو أن
الرأسمالية الأميركية ـ وأنا لا أقصد هنا الشركات فحسب بل والعملية
السياسية الأوسع نطاقاً المحيطة بذلك - تتمتع بقدرة هائلة على التكيف.
فهي تكيف نفسها وفقاً للقيم العامة المتطورة، مع المحافظة في ذات الوقت
على حوافز خاصة كافية. في نفس الوقت، نجد أن الطبيعة الطموحة للمجتمع
الأميركي في حد ذاتها، تدعم ثقافة المبادرة العملية وأخلاقيات العمل
اللذين يمثلان معاً حجر الأساس، الذي تنهض عليه الرأسمالية.
أما اللوائح الجديدة، فإن
الكثير منها لن يؤدي إلى تخفيض مقدار الربحية لسبب بسيط وهو أن
التكاليف سيتم تحميلها في النهاية على المستهلكين الذين يقبلون على
شراء السلع المرتفعة الثمن ومن الخطأ
الافتراض دائماً أن الحكومات تعمل على قمع المشروعات فالذي يحدث في
الواقع العملي هو أنها تعمل على تعزيز المشروعات
وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال منطقي يتعلق بالأزمة الحالية،
وهو: إذا ما كانت الشركات تحتاج إلى من ينقذها من تقلبات"السوق"،
فلماذا لا تقوم واشنطن بإدارة السوق بشكل دائم؟ إن هذا النوع من
التفكير يعد خطيراً في الحقيقة، لأنه هو نوع التفكير الذي يقف وراء
تبرير الضرائب العقابية مثل تلك الضرائب التي اقترح البعض فرضها على
الحوافز المالية التي صرفت لموظفي مؤسسة" إيه. آي. جيه" (مشروع قرار
الضرائب المضادة للحوافز المالية)، وهو أيضاً نوع التفكير الذي يبرر
التفويضات المؤسساتية الواسعة النطاق، والإعانات الانتقائية، والتلاعب
في العمليات اليومية للشركات إن توسع دور
الحكومة في زمن الانهيارات الاقتصادية أمر حتمي في الحقيقة ويجب أيضاً
أن نعرف أن هناك خيطا رفيعا بين"إنقاذ الرأسمالية" من نفسها، وبين
إثبات صحة نبوءة "شومبيتر" الذي مضى عليه زمن طويل.
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون
تعليق .
المصدر: الاتحاد
الاماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
|