سذاجة
الغرب.. ونباهة العرب في الأزمة المالية العالمية !
زياد
بن عبدالله الدريس
-
لست منساقاً للاستطراد في المقالات ذات السياق الاقتصادي
بالذات، لسببين: الأول أنني لست من المهرة في شؤون المال، تنظيرا ً
ومزاولة، والثاني أنني مسبوق في هذا العمود بأستاذ الاقتصاد البارع
الخبير علي بن طلال الجهني، الذي يسبقني بالكتابة بيوم واحد (يوم
الثلاثاء)، لكنه يسبقني بأيام وسنين في خبرته وحنكته
وكنت قد تناولت في مقالتي هنا الأربعاء الماضي: (العالم من دون
ربا) الخبر الذي بثته «البي بي سي» تحت عنوان مثير هو : «البنوك
الإسلامية أكثر نجاحاً في الأزمة المالية». أشار الخبر الى أن
«المؤسسات المالية الإسلامية لم تتضرر بالدرجة نفسها التي تضررت بها
مثيلاتها الغربية، لأن الأولى لم تستثمر في الأصول الرديئة»، هكذا
بالنص و قد تحفظت في مقالتي تلك عن أن أكون
مبشراً أو مروجاً للبنوك الإسلامية، أو منزهاً للقائمين عليها من شبهة
الطمع و الاستغلال التي قد تصيب أي إنسان مهما حاول أن يخفي أعراض
المرض بماكياج المسميات الرحيمة! لكنني، في الوقت ذاته أيضاً، سعيت الى
أن أتخلص من أعراض الهزيمة الداخلية التي تريد أن تلوك فينا أي بارقة
فخر أو نجاح، وتساءلت عن حيثيات هذا الخبر و مضامينه ودلالاته، خصوصاً
أنه لم يأت في وقت رخاء تتساهل فيه المعايير وتكثر فيه الأشياء التي
«على ما يرام»! بل هو خبر مغاير في زمن شدة،
وأزمة مالية تعصف بالعالم ولا تقبل بأي كلام على عواهنه، فكيف إذا كان
المتكلم هو «البي بي سي»؟!
-
لاحقاً.. في موقع «شبكة العلمانيين العرب» كتب أحد المعلقين
مقالة عنوانها: (النظام المالي الإسلامي بين الدجل والواقع)، قال فيها
الكاتب أنني لفّقت خبر «البي بي سي» المشار إليه في مقالتي، لأنه بحث
عنه ولم يجد له أثراً! ثم أبان أن «هناك احتمالات عدة، إمّا أن المقال
ملفّق ولا وجود له إلا في خيال السيد الدريس، أو أن الكاتب اكتفى
بقراءة العنوان، ثم أنه لو سلّمنا جدلاً أن المقال موجود فهذا لا يعني
أن العالم الغربي أصبح يعمل بالنظام المالي الإسلامي الذي يحاول
الإسلاميون الترويج له. البي بي سي و غيرها تنشر الصالح و الطالح،
وهناك أقلام ساذجة في الغرب تردد ما يدعيه شيوخ الإسلام»!
ويبدو واضحاً من سياق المقطع الآنف أن الكاتب العزيز لديه موقف
محتقن غير قابل للنقاش، فلو أمكنني أن أدلّه عبر «غوغل» على خبر «البي
بي سي»، وأنفي عن نفسي تهمة التلفيق، فلن يمكنني أن أنفي تهمة السذاجة
عن الكاتب الغربي للخبر. ولو افترضت أيضاً أنني بقدرات خارقة نفيت
السذاجة عن كاتب «البي بي سي»، فلن أتمكن قطعاً بقدراتي المحدودة من
نفي السذاجة في دلالات الربا، فهو يرى أن «الربا تعبير فارغ المعنى،
والفائدة سواء سميت ربا أو مرابحة هي عملية حسابية اقتصادية مالية يقوم
عليها أي نظام اقتصادي سواء كان رأسمالياً أواشتراكياً أو إسلامياً»
من حق السيد الفاضل أن يكون له رأيه في الربا وموقفه من
المصرفية الإسلامية، لكن من دون أن يكون ذاك الرأي والموقف ذريعة
لتلفيق آراء معلبة بأسماء الآخرين. فهو يقول في سياق نقده لمقالتي:
«يفضل الإسلاميون إلقاء الخطب وإخبارنا بأن العالم الكافر ينوي تطبيق
الشريعة في المال والاقتصاد، و أن المصارف الإسلامية لا تتعامل بالربا
وأن دفع الزكاة أفضل من أي نظام ضريبي في الغرب».
فأنا لم أقل في مقالتي ما
تقوّله عليّ هنا بأن «العالم الكافر» ينوي تطبيق الشريعة، لسبب بسيط هو
أنني لست من المعنيين بهذه المطاردات المثالية بيننا وبين الغرب، سواء
في الاتجاه من الشرق إلى الغرب أو الاتجاه المعاكس. أما موقفه من الربا
و الزكاة فهو وجهة نظره التي من حقه أن يتبناها و يزاولها، وأن يفخر
بالنظام الضريبي مثلما يفخر غيره بنظام الزكاة، وتبقى المقارنة بين
النظامين للمتخصصين من الاقتصاديين مدونة و مثبتة لمن أراد الاستيضاح.
-
من عجائب المصادفات أنه
في اليوم التالي لنشر مقالتي عن خبر «البي بي سي» المثير ، ظهرت بعض
الصحف العربية بخبر جديد عنوانه الأكثر إثارة هو: «الفاتيكان يدعو
المصارف الغربية لتبني الصكوك الإسلامية». وجاء في ثنايا الخبر كما
نشرته إحدى الصحف السعودية «أن صحيفة أوسيرفاتوري رومانو، وهي الجريدة
شبه الرسمية التي تمثل الفاتيكان، قد أوصت بأن تتبنى المصارف الغربية
نظام الحماية الموجود في الصكوك الإسلامية». (صحيفة «الجزيرة» في 19
آذار- مارس 2009)
في مقالة الأسبوع الماضي استشهدت بكاتب غربي فأُتهم بالسذاجة. هذا
الأسبوع جاءت الشهادة من الفاتيكان يبدو أن
الغرب كله أصيب بـ «سذاجة» حادة، جراء الأزمة المالية العالمية!
* كاتب سعودي
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون
تعليق .
المصدر: daralhayat.com
|