تراجع أسواق الأسهم يهدد نمو الاقتصاد العالمي
مارك ترامبول
هواجس التضخم الاقتصادي جعلت مناخات الاستثمار العالمية, أكثر خطراً دون أدنى مقدمات, ولكن دون أن تنحدر تلك المناخات إلى مستوى الانخفاض المريع الذي تصل فيه نسبة الخسارة إلى 20 في المئة من رأس المال الأصلي. ومن رأي المحللين الاقتصاديين والماليين أن ما منع بلوغ ذلك الحد, هو ثبات معدل نمو الاقتصاد العالمي. لكن مع ذلك, فإن موجة الاضطرابات والتراجع التي شهدتها أسواق المال, لاسيما تلك الأكثر سخونة والناشئة للتو في كل من الهند والبرازيل على سبيل المثال, تشير إلى بيئة استثمارية, من شأنها تكبيد المستثمرين فيها عقوبات وخسائر فادحة. وقد شهد الأسبوعان الماضيان تراجع عدد من أسواق الأسهم والبورصات الناشئة, التي نجحت في استقطاب فيض من الأموال خلال السنوات القليلة الماضية. ففي الولايات المتحدة الأميركية, بدأ مؤشر "داو جونز" الصناعي الأسبوع الماضي, هبوطاً بنسبة 4 في المئة, مع العلم بأنه واصل ارتفاعه طوال السنوات الست الماضية, وصولاً إلى 11,642,65 نقطة في العاشر من شهر مايو الجاري. وبالمثل شهدت البورصات الأوروبية هبوطاً ملحوظاً خلال الأسبوعين الماضيين. "فقد استيقظت الأسواق العالمية على حقيقة أن أسعار الفائدة ستواصل ارتفاعها أكثر مما تصوروا, لاسيما في الولايات المتحدة الأميركية" على حد قول "ناريمان بيرافيش" المحلل الاقتصادي الأول لدى شركة "جلوبال إنسايت" للاستشارات الاقتصادية بمدينة "ليكسنتونج" بولاية ماساشوستس. ومن رأيه أن الدلالة الاقتصادية لارتفاع أسعار الفائدة, حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي ربما يطال العالم كله, من هامبورج إلى هونج كونج. وعلى الرغم من أن الأثر المتوقع لهذه الظاهرة, ذو طبيعة عالمية, فإنه سيبدو أكثر ضرراً وضخامة في الأسواق الناشئة للتو في كل من قارتي آسيا وأميركا اللاتينية. والسبب أن هذه الأسواق بالذات ظلت محط جاذبية الحماس الاستثماري. ولهذا السبب، فإن وقع التأثير والصدمة سيكون عليها أكبر من غيرها. وقد بدأت تظهر هذه التأثيرات السالبة يوم الثلاثاء الماضي بالفعل. فقد واصلت الأسواق الآسيوية تراجعها أكثر من ذي قبل, مما فاقم معدل الخسائر الأخيرة, قياساً إلى ثبات أقدام المستثمرين نوعاً ما, في كل من الأسواق الأوروبية والأميركية. وبالمثل فقد حققت البورصات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا معدلات ربحية تقدر بنحو 2 في المئة, بينما ارتفعت الأسهم في نيويورك خلال فترة التسويق الصباحي. كما يلاحظ أن أسعار البضائع لحقت هي الأخرى بنمط ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية, خلال الفترة الأخيرة. والمرجح أن تواصل أسواق الأسهم الجديدة وكذلك أسواق البضائع تذبذبها لبضعة أشهر مقبلة, اعتماداً على توقعات "مايكل كوزجروف" الذي يتولى إصدار نشرة أسواق الأسهم "إيكونوكلاست" في مدينة دالاس. أما بالنسبة للمستثمرين على المدى البعيد, فينصحهم "كوزجروف" بعدم بيع أصولهم في موجة مياه هذه الأيام المضطربة, تفادياً لأن تلحق الخسائر الفادحة بهم. ولذلك فلاشيء أفضل لهؤلاء من ركوب العاصفة والصبر عليها حتى تنجلي. بل إن هذه الأسواق الناشئة نفسها, تعِد بنمو كبير وراسخ على المدى البعيد, وذلك بفعل تأثير سعة التنمية الاقتصادية والعولمة. ليس ذلك فحسب, بل إن الأسواق المعنية ذاتها, لا تزال أكثر استقراراً مما كانت عليه عام 1997, حين اضطر المستثمرون في الكثير من الأسواق المالية في الدول النامية, إلى بيع أسهمهم بخسائر فادحة, أملتها عليهم مشكلة الديون الروسية حينئذ. ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن العاصفة الحالية التي ضربت هذه الأسواق, تضع الحديثة منها بالذات أمام اختبار بالغ الصعوبة والقسوة. وفي ذلك تبرز أسواق المال والأسهم الهندية الناشئة كأفضل مثال على ما نقول. فقد بلغت الهزة التي ضربت تلك الأسواق حداً جعل بعض المستثمرين يطالبون وزير المالية الهندي "شيدامبارام" بتقديم استقالته. غير أن هذا الأخير استبعد هذا المطلب ودعا لالتزام الهدوء والصبر. وفي حديث له أمام المشرعين, قال الوزير إنه ليس على كبار المستثمرين القلق, طالما بقيت مرتكزات الاقتصاد الوطني قوية وثابتة. وفيما يبدو، فإن الهزة التي ضربت الأسواق الهندية وغيرها خلال الأسبوعين الماضيين, إنما هي نتيجة طبيعية للمغامرة الاستثمارية. ومن البديهي أن تكون ردة الفعل هذه أقوى وأشد عنفاً وضرراً في الأسواق التي أخذتها فورة الحماس والمغامرة الاستثمارية. وعلى سبيل المثال, فإن ثمة وجوه تشابه بين الازدهار والنمو السريع الذي يحققه الاقتصاد الهندي حالياً جراء مرافق التكنولوجيا المتطورة التي يجري بناؤها, وتلك الفقاعة الاقتصادية التي شهدتها أميركا في أواخر عقد التسعينيات. وعلى حد قول "رامش داماني" وهو أحد وسطاء سوق المال الهندية, فقد بدا الأمر بالنسبة له أقرب إلى "سوق للمقامرة", مما حمله على الاعتقاد بأن أسواق المال الهندية تجاوزت سعتها وطاقتها الاستثمارية. وعلى امتداد عدة سنوات, أسهم انخفاض معدل أسعار الفائدة عالمياً, في توفير الأرصدة الرخيصة ورفع العائد الربحي للاستثمارات. ولذلك السبب قرر المستثمرون ركوب موجة المغامرة الاستثمارية من أرصدة الادخار الضعيفة وحتى أسهم البنوك البرازيلية, على أمل جني عائدات ربحية كبيرة من تلك المغامرة. على أن هذه الموجة اقتضت اتخاذ سياسات وتدابير مالية أكثر تشدداً في كل من اليابان وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من صعوبة التكهن بالمدى الذي تستمر فيه السياسات المتشددة هذه, فمما لاشك فيه أنها ستفرض درجة ما من التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي برمته. كاتب ومحلل اقتصادي بصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-29-5-2006
|