بعد الأزمة المالية ... كيف لنا زيادة الرقابة والإشراف دون خنق الابتكار؟

 

جيليان تيت

 

 

قبل عقد من الزمن كان المنظمون الغربيون يشعرون بالقلق من وجود البنوك التي تعتبر "أكبر من أن تفشل"، كونها من الضخامة بحيث يمكن أن تهز النظام بأكمله إذا انهارت.تبدو هذه الإشارة المميزة وقد عفا عليها الزمن في أيامنا هذه. فبينما يتدارس صانعو السياسة الأمور بجدية قبيل قمة الـ 20 المنتظرة، في محاولة للتوصل إلى طريقة لإصلاح النظام المالي المعطوب بشدة، فإن الحجم لم يعد هو سبب صداعهم الوحيد.القضية الحيوية التي تشغل بال رجال مثل جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الذي حدد خططه لإصلاح التنظيم المالي، أو تيموثي جايثنر، وزير الخزانة الأمريكي، هي قضية المؤسسات التي هي من "الترابط" بحيث لا يمكن أن تفشل لقد أدى الابتكار المالي المجنون في العقد الماضي، وكذلك العولمة، إلى نظام مصرفي غربي تكون فيه كيانات متعددة مترابطة بطرق غير متوقعة، وبطريقة تجعلها قريبة من حالة عدم إمكانية تحديدها، والتمييز بينها وما عليك سوى التفكير في ردود فعل السلسلة التي أطلقها انهيار ليمان براذرز وهكذا، فإن المسألة تتعلق بـ 64 تريليون دولار، وما إذا كانت المخاطر الناجمة عن هذا "التشابك المتداخل بشدة" يمكن السيطرة عليها بكفاءة، دون التخلي عن الإقدام على إنشاء المشاريع، أو الإبداع، وإبعادها عن عالم التمويل. إنها دائرة شيطانية صعبة التربيع. وكان المنظمون الغربيون يعملون خلال معظم فترات القرن العشرين كما لو كان بالإمكان تقسيم العالم المالي بصورة أنيقة ومرتبة إلى وعاءين عقليين في الوعاء الأول المؤسسات التي كانت نشاطاتها تعتبر مركزية وحيوية للاقتصاد، وبالتالي فإنها كانت بحاجة إلى التنظيم والحماية وتضمنت تلك المؤسسات البنوك الكبرى، وكثيرا من الكيانات العاملة في نطاق خدمات التجزئة المصرفية وفي الوعاء الآخر تقبع الكيانات التي لم تكن تعتبر "مركزية"، وبالتالي يسمح لها بالعمل بطريقة أوسع حرية. وكانت تلك القائمة تضم المتداولين، وصناديق التحوط، والكيانات المصرفية العاملة في الظل، مثل أدوات الاستثمار المهيكل التي انتشرت ونمت في أوائل هذا العقد كنمو حبات الفطر في عاصفة ممطرة لم يعد نهج "هذين الوعاءين" صالحاً للعمل في أيامنا هذه فلم تعد هناك بنوك تعمل على الأطراف، كما أشار جايثنر نفسه العام الماضي. كانت قيمة موجودات أكبر ستة بنوك تجارية أمريكية في صيف عام 2007 تعادل فقط ستة آلاف مليار دولار، بينما كانت قيمة موجودات بنوك الظل وصناديق التحوط أربعة آلاف مليار دولار أثناء ذلك كانت المؤسسات مترابطة بشدة حتى إن انهيار مؤسسة تقوم بخدمات مصرفية دون أن تكون كياناً مصرفياً، يمكن أن يؤذي الكيانات الخاضعة للتنظيم أيضاً.

إحدى وسائل المواءمة مع هذه المشكلة يمكن أن تكون "اللعب على ساحة موحدة التسوية" كما يحلو لبعض المنظمين قوله، وكذلك فرض بعض القواعد على المؤسسات التي تؤدي خدمات مصرفية ـ دون أن تكون مرخصة بنوكا ـ كتلك المفروضة على البنوك المرخصة. ويبدو أن هذا هو الحل الذي يفضله كثير من صانعي السياسة في أوروبا. ومن هنا جاءت قيودهم الخاصة بالقواعد الجديدة على مراكز الضريبة الخارجية وصناديق التحوط غير أن خطر ذلك النهج هو أنه إذا تحول النظام المصرفي الرئيسي إلى خدمة رزينة، فإن النشاطات المتعلقة بتأسيس المشاريع يمكن أن تدفع إلى الهوامش والأطراف. وربما يصبح الغرب المتوحش في تجارة الأموال أشد وحشية وفي ظل ذلك، فإن بعض صانعي السياسات من الأمريكيين والبريطانيين قلقون من فرض قواعد بالغة القسوة "مقاس واحد للجميع" على الكيانات المالية. وعلى الرغم من أن معظم المنظمين يدركون أن نشاطات صناديق التحوط بحاجة إلى مراقبة أفضل، إلا أن هناك رغبة قليلة في لندن، أو نيويورك بجعل هذه الكيانات خاضعة لشبكة تنظيمية قاسية وبدلاً من ذلك، ينصب التركيز على توفير وسائل تخفيف "شدة التشابك والترابط"، من خلال تقليص مخاطر النظراء، عبر إجراءات مثل إيجاد منصة مقاصة مركزية للمشتقات المالية هناك كذلك رغبة قوية في إنشاء أنظمة إشراف ومراقبة أكثر فاعلية وتعاوناً. ويضغط الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة للحصول على مزيد من السلطات الرقابية، وكذلك يفعل البنك المركزي الأوروبي، لكن بوضوح أقل.لن يكون من السهل جعل صانعي السياسة، على الصعيد الوطني، يوافقون على ذلك. وهكذا، فإن الأمريكيين والأوروبيين، لم يستطيعوا الاتفاق على مكان إقامة بيت للمقاصة خاص بالمشتقات الائتمانية. والتوصل إلى ما يجب عمله بخصوص صناديق التحوط يظل أشد صعوبة. الأمر الواضح الوحيد هو أنه طالما يظل نظام الضوابط مشتتاً ومجزءاً، فإن الممولين سيستمرون في مراجحة القواعد المعمول بها في البلدان المتعددة، ويتقافزون عبر الحدود بسرعة تجعل صانعي السياسة يلهثون باستمرار كي يلحقوا بهم.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: الاقتصادية -23-2009- فاينانشال تايمز