الأزمة
الاقتصادية ونشوب حرب
د.عبدالله الجسمي
ثمة رأي سائد يتبناه بعض
الكتاب والمحللين، ويرون فيه مخرجاً من الأزمة الاقتصادية الحالية،
يتلخص بضرورة نشوب حرب في العالم لتكون مدخلاً للخروج من الأزمة التي
أخذت تتفاقم من جديد.. ويستند هؤلاء على ما جرى قبل الحربين العالميتين
الأولى والثانية من أوضاع اقتصادية مهدت الطريق، أو دفعت السياسيين
لخوض تلك الحربين. هذا الطرح على ما يبدو لايزال بعيدا عن الواقع
الحالي، إن لم يكن مستحيلاً، خصوصاً في ظل الظروف والمتغيرات التي
عاشها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وسنحاول
هنا إلقاء الضوء على العوامل التي لا تدفع إلى نشوب حرب كحل للأزمة
الاقتصادية المتمادية عالميا إذا كانت
قابلية نشوب حرب في السابق ممكنة، في ظل وجود أسلحة تقليدية تضمن نجاح
أو انتصار طرف على آخر، فإن طبيعة بعض الأسلحة الموجودة حالياً تختلف
عن ذلك تماماً، خصوصاً أسلحة التدمير الشامل التي ستكون نتائج
استخدامها وخيمة على الجميع، في مشارق الأرض ومغاربها. والحرب، إذا
كانت حلاً، لن تنشب بين دول صغيرة ومحدودة القوة والإمكانيات، بل ستكون
حالها حال الحربين العالميتين السابقتين بين أطراف ذات قوة عسكرية
وإمكانيات ضخمة، وهذا يعني استخدام أسلحة التدمير الشامل، وبالتالي
سيكون اللجوء إلى هذا الخيار صعباً جداً لما قد يكون له من نتائج وخيمة
على أوضاع العالم ككل كما أن الصراع
التقليدي، ذا الطابع الأيديولوجي الذي قسم العالم إلى معسكرين بعد
الحرب العالمية الثانية وفي أثناء الحرب الباردة، لم يعد موجوداً حتى
يعطي المبرر لنشوب حرب جديدة.. فقد تراجع الطرح الأيديولوجي في العالم
خلال العقدين الأخيرين تماماً. كما أن الصين التي لاتزال تتبنى
الاشتراكية، لم تضع الجانب الأيديولوجي عقبة في تعاملها مع العالم
الرأسمالي، ولا ترغب بتصدير أفكارها للآخرين، مثلما كان هدف المعسكر
الاشتراكي بقيادة الاتجاه السوفييتي سابقاً.. بل على العكس، لعبت الصين
وغيرها من الدول غير المنسجمة فكرياً مع الغرب دوراً إيجابياً في نمو
الاقتصاد العالمي وتبني الكثير من أساليب النظام الرأسمالي، فأصبحت
الأولوية للاقتصاد على حساب أي جانب فكري أو أيديولوجي آخر.
أما العامل الأهم الذي لا
يدفع الى نشوب حرب جديدة فيتعلق بالعولمة التي شكل الاقتصاد عصبها
الأساسي.. فاقتصاد دول المعمورة، أصبح معولماً ومترابطاً، ولا يمكن لأي
طرف أن ينفرد به. فالغالبية الساحقة من دول العالم تبنت ما يعرف
باقتصاد السوق كنظام لها. وقد نتج عن عولمة الاقتصاد العالمي أن أصبحت
الشركات الكبرى لا تعرف دولاً أو حدوداً أو جنسيةً، خصوصاً الشركات
الغربية التي انتشرت في معظم بقاع العالم، أبرزها الصين والهند، أي
تحولت إلى شركات عالمية أو متعددة الجنسية. هذا علاوة على انتشار
الاستثمارات المختلفة لبعض الدول ذات القوة الاقتصادية المتميزة في
معظم دول العالم والتشابك المالي بين
المؤسسات المالية والبنوك في مختلف الدول من حيث القروض، أو الديون على
الدول المدينة وغيرها من ارتباطات مالية أخرى. هذا الترابط الاقتصادي
بين دول العالم لابد وأن يطرح تساؤلات حول من سيشن الحرب وضد من؟ فإذا
كان الاقتصاد العالمي متشابكا إلى هذه الدرجة من حيث الانتاج والصناعة
والتجارة والاستثمار والتعاملات المالية، فأي حرب لن تأتي لمصلحة طرف
ضد آخر، بل ستدخل الجميع في أزمة لن يخرج منها أي طرفٍ منتصرا. فهل
ستقوم مثلاً الولايات المتحدة بمهاجمة الصين أو الهند، حيث يتركز عمل
الشركات الأميركية العملاقة فيها؟ أو تقوم اليابان بعمل ما
واستثماراتها منتشرة في جنوب شرق آسيا ومعظم دول العالم الأخرى؟ لقد
اختلط كل شيء اقتصادياً، وأي عمل عسكري سينعكس سلباً على الجميع ولن
يكون فيه طرف منتصر وآخر منهزم وهنالك عنصر
مهم كان دافعاً وراء قيام الحربين العالميتين السابقتين، ألا وهو طبيعة
القوى التي هيمنت على بعض الدول الأوروبية التي اتسمت أفكارها
بالشوفينية والفاشية والعنصرية، وكانت طموحاتها سبباً في اندلاع الحروب
في ظل بعض الأزمات الاقتصادية. لكن واقع اليوم يختلف تماماً عن السابق،
فنجد أن القوى التي تقود أوروبا واليابان وحتى الولايات المتحدة
الأميركية مؤخراً، بعد تولي أوباما رئاستها، ليست بتلك القوى الداعية
للحروب أو ترغب بذلك. فقد صرح رؤساؤها بضرورة إيجاد حلول جماعية بطرق
سلمية للأزمة الاقتصادية العالمية والابتعاد حتى عن السياسات الحمائية
التي تدعو لتقديم مصالح دولة على أخرى، وهذا هو الحال مع الدول
الاقتصادية الناشئة في العالم كما أصبح في
عالم اليوم مؤسسات دولية ترسخ العمل الدولي في العديد من مؤسساتها،
أبرزها بالطبع هيئة الأمم المتحدة التي تأسست بعد الحرب العالمية
الثانية والمؤسسات المنبثقة عنها، التي أصبحت ترعى السلام وترسخه إلى
حد كبير في العالم. وسيكون من الصعب تجاوزها والقفز على المواثيق
والاتفاقيات الدولية التي سعت الدول الصناعية الكبرى بالدرجة الأولى في
إعدادها وصياغة بنودها ودفعت معظم دول العالم على التوقيع عليها
والالتزام بها في المقابل، هنالك عامل واحد
ربما يسهم في خلق توترات وحالات من الشد والجذب بين بعض الدول في حال
اشتدت الأزمة المالية أكثر ووصلت إلى مراحل متقدمة. فقد يدفع ذلك بعض
الدول للاضطرار لاتخاذ إجراءات حمائية، أي تحمي نفسها من مخاطر الإفلاس
مثلاً، أو تطالب الدول المدينة لها بسداد ديونها، أو اتخاذ إجراءات
ضدها.
هذا قد يخلق نوعاً من
التوتر والأزمات السياسية، لكن من المستبعد أن يقود ذلك إلى حروب
إقليمية وغيرها، خصوصاً في ظل المصالح والمعاملات المالية المترابطة
بين دول العالم.تبقى في النهاية الأوضاع الداخلية لكل بلد ومدى تأثيرها
على الاستقرار الاجتماعي والسياسي فيها في حال تجذر الأزمة.. وهذا إن
حدث سيخلق أوضاعاً جديدة لا يمكن التنبؤ بما قد تؤول إليه الأمور، لأنه
قد يقود إلى حالة من الفوضى وفي الفوضى يبقى كل شيء ممكنا لكن تبقى
درجة الوعي الإنساني والنضج الذي وصلت إليه القوى الفاعلة في عالم
الإنسان اليوم، سداً منيعاً أمام تكرار مآسي الماضي، فالحروب لم تجلب
للإنسان سوى الدمار والخراب والقتل، ومن لم يستفد من دروس التاريخ، فلن
يستفيد مما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من إنجازات.
*
كاتب كويتي
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون
تعليق .
المصدر:
اوان
|