الأزمة
الاقتصادية بدأت تعين روسيا في تعزيز نفوذها في الدول المجاورة، والغرب
يكافح لمنع ذلك
أوين
ماثيوز
جذب من
جميع الجوانب
تتعثر روسيا في خضم
الأزمة الاقتصادية، لكن بالنسبة إلى زعمائها، هنالك جانب إيجابي على
المستوى الجيوسياسي لقد ظل أولئك عبر السنين يتحدثون عن خلق "بنية
أوروبية جديدة" تستطيع موسكو من خلالها أن تحافظ على هيمنتها على الدول
المجاورة، وخصوصا الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق. ويستغل
الكرملين الفرص للاقتراب من تحويل هذا الحلم إلى حقيقة. وبما أن روسيا
أغنى نسبيا من العديد من دول أوروبا الشرقية، حيث يتوقع تراجع نمو
اقتصادها بنسبة 2 بالمائة مقابل 10 بالمائة بالنسبة إلى أوكرانيا،
مثلا، والذي يعد رقما قياسيا، فإن موسكو تتحرك بسرعة لاستغلال تلك
الميزة مقرضة المال وعارضة قروضا على الدول الحليفة السابقة الواقعة
عبر حدودها وقد بدأت هذه السياسة تثمر. فللمرة الأولى خلال جيل كامل،
بدأت روسيا في استعادة نفوذها في المنطقة ومن ذلك أن رئيس روسيا
البيضاء ألكساندر لوكاشينكو وقع اتفاقية الشهر الماضي تسمح لموسكو بوضع
دفاعات مضادة للصواريخ في بلده بعد أن حصل من الكرملين على قرض قيمته
مليارا دولار وأيضا في الشهر الماضي، بعد أن عرضت روسيا على قرغيزستان
قروضا بقيمة ملياري دولار، أعلنت الأخيرة أنها ستطرد الولايات المتحدة
من قاعدة مانس الجوية، وهي نقطة تزويد رئيسية بالنسبة إلى قوات الناتو
في أفغانستان. وكذلك روج الكرملين لفكرة تأسيس بنك تنمية للدول
السوفييتية السابقة، بحيث تقدم موسكو معظم التمويل له وفي يناير أطلق
الرئيس ديمتري ميدفيديف خططا لإحياء كومنولث الدول المستقلة من خلال
إنشاء قوات انتشار سريع عسكرية.
من جهته يكافح الاتحاد
الأوروبي هذا التوجه باستخدام استراتيجية خاصة به فبعد الغزو الروسي
لمقاطعة أوسيتيا الجنوبية الجورجية في أغسطس، أنشأت بروكسل برنامج
الشراكة الشرقية المصمم لمجابهة التوسع الروسي. وكان الهدف إشراك
الجارات الشرقيات وهي أرمينيا وأذربيجان وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا من
خلال تسهيل السفر والتجارة. وفي الأسبوع الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي
أنه سيشمل روسيا البيضاء في الشراكة وقام خافيير سولانا ممثل الاتحاد
الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن بزيارة مينسك ليعرض على لوكاشينكو
مساعدات بقيمة 350 مليون يورو وعرضا بتسهيل إجراءات التأشيرة.
لا أحد يطلب من أعضاء
الشراكة الشرقية أن يقف إلى جانب ضد الآخر، وبالفعل لا توجد دولة من
أولئك تستطيع تحمل تكلفة قطع العلاقة مع روسيا أو الاتحاد الأوروبي.
لكن العديد منها تنجذب أكثر نحو روسيا، حيث يوجد ما يكفي لدى الاتحاد
الأوروبي من الاقتصادات المنهارة من بين دوله الأعضاء التي عليه أن
ينقذها. وفي الأسبوع الماضي رفض الرئيس المولدوفي فلاديمير فورونين
الانضمام لهذه الشراكة واصفا إياها بـ "مؤامرة لحصار روسيا" ولوكاشينكو
رئيس روسيا البيضاء مذبذب بين الفريقين، ربما أكثر من غيره. فقد قاوم
لغاية الآن مطالب الكرملين بالاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية
وأبخازيا، بل إنه وبتشجيع من الاتحاد الأوروبي قابل جماعات المعارضة
وسمح للمجموعة الرئيسية، وهي حركة من أجل الحرية، أن تسجل نفسها
قانونيا في بلاده. يقول أليكساندر ميلينكيفيتش زعيم الحركة: "لقد منحنا
سولانا الأمل". لكن صوت المال الروسي وسيف القوة يعلو على صوت
دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، حيث يعتمد اقتصاد روسيا البيضاء على الغاز
الروسي الرخيص والبلاد مدينة لروسيا بأكثر من 15 مليار دولار. بالإضافة
إلى ذلك، فإنه بعد الغزو الروسي لجورجيا "يشعر كل مواطن في روسيا
البيضاء، بمن فيهم الرئيس، باحتمال دخول الدبابات الروسية إلى مينسك
ذات يوم"، حسب أندريه سانيكوف من مجموعة الميثاق97 لحقوق الإنسان في
مينسك، والذي يضيف: "الخيار الوحيد أمام لوكاشينكو هو أن يستمع لما
تقوله أوروبا ويدعي أنه لا يزال مواليا لروسيا" وأوكرانيا على وجه
الخصوص في موقف صعب، فهي على حافة الإفلاس والشركة التي تحتكر تجارة
الغاز فيها على وشك الإخفاق في دفع ما عليها من ديون إلى عملاق الطاقة
الروسي غازبروم. تحاول المؤسسات الغربية أن تقدم المساعدة لكن كييف
تحتاج على الأقل إلى خمسة مليارات دولار لسد الفجوة التمويلية. وفي
الشهر الماضي عرضت موسكو أن تسدد الفاتورة لكن مواطني أوكرانيا يريدون
الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وينظرون شزرا إلى التدخل الروسي. ولغاية
الآن صمد زعماء أوكرانيا أمام إغراءات روسيا الخطيرة، ولكن بوجود
الاقتصاد الأوكراني على حافة الانهيار ولأن المساعدات المقبلة من
أوروبا قليلة، فإن الإغراء قد يتنامى بحيث يصبح أكبر من القدرة على
الصمود ومع ذلك فإن استراتيجية موسكو الطموحة تعتمد على قدرتها على
الوفاء بالتزاماتها. في الوقت الحالي، من شأن أرباح النفط التي وضعت في
صندوق استقرار بقيمة 150 مليار دولار أن تغطي عجز موازنة 2009. لكن
ماذا سيحدث عندما تنفد الأموال؟ ونظرا لحجم المال والجهد الكبير الذي
أنفقه الكرملين في تطوير العلاقات مع جيرانه، فليس من المحتمل أن
تتلاشى طموحاته. ومن الاحتمالات المخيفة أنه إن وجدت روسيا صعوبة في
شراء النفوذ، فإنها قد تضطر للقتال لأجل الحصول عليه.
* بمشاركة آنا نيمتسوفا
في مينسك
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون
تعليق .
المصدر: Newsweek
|