العالم مريض بالأزمة

 

ميشال مرقص

 

 

يتهيّأ زعماء العالم لعقد قمة «مجموعة العشرين». أسبوعان يمهدان للموعد، ويتوجان لقاءات واجتماعات وتقارير عالمية تُرفع إلى المجتمعين المنتَظَرين، وتوصياتٍ اتخذت في اجتماعات إقليمية لدول أوروبية منضوية في «المجموعة»، وفي قمّة آسيان وقمة مجموعة الدول المستقلة في أوروبا الشرقية، وغيرها من لقاءات ثنائية هادفة إلى التقارب والتفاهم لإرساء أسس حلٍّ للأزمة. كما يرفعُ كلٌّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقريراً إلى القمة المرتقبة. ويتحدث البنك الدولي عن تأثير الأزمة وتداعياتها على البلدان النامية الفقيرة والحاجة إلى تطويق امتداد الفقر واكتسابه مساحاتٍ جديدة، ويعرض الصندوق الأسباب العميقة التي أفضت إلى الأزمة المتفلّتة من ضوابط الالتزام، ويقترح تلافي حصول أزمات في المستقبل، مؤكداً ضرورة وقف الاستثمار المجازف بهدف الكسب السريع، وضرورة تدخل الحكومات من أجل تحقيق شفافية أكثر لدى الشركات وإلى الآن تتفاعل تيّارات الأزمة وتجذب الجميع إلى دوّامتها الطاحنة. فالعالمُ تجتاحه وافدةُ الإفلاس والخسائر وإقفال المؤسسات المصرفية والإنتاج وتدهور أسواق المال وتمدّد فضاء الركود وتزايد جماهير العاطلين من العمل في ما يشبه «الهجرة إلى البطالة». وبات العالم جسماً بلا عافية في غرفة العناية المكثّفة. يستعصي على «أطباء» الاقتصاد ابتكار دواء لجائحة الانهيار كما تتعارض طروحات الحل وتتقاطع الاهتمامات. وبدا تدعيم أسس المال المنهارة أولوية لحفظ الاقتصادات الكبرى، المتقدمة والناشئة. وشكّل تدخل الحكومات، برصد بلايين الدولارات لتعويم المؤسسات والاقتصاد العام والأسر وتنشيط الإنتاج، إلى تدخل المصارف المركزية، رافعةَ المرحلة الراهنة، و «سقالةً» لبناءٍٍ جديد. ويبقى الاختلاف على هندسة البناء وقد يؤخذ بتراث أعضاء «مجموعة العشرين» وبلدان استبعدتْ لكنها أساسية في وضع منهجية إنقاذ لاقتصاد العالم وتحت الجدران المتداعية للاقتصاد المتمادي منذ القرن العشرين وصراعات المجموعة الدولية في فضائه، بهدف السيطرة الأحادية، تتلاقى «مجموعة العشرين» لتتخلّص من خلافاتٍ تضرُّ بالبشرية، وتقضي على القيم الإنسانية التي تدعي دولٌ متقدمة أنها تصونها، ولا تفعل. وظهرت خلافاتٌ في اجتماع وزراء مال المجموعة، وتباينٌ في الآليات وفي الأسبوع الماضي فقد أغنى أثرياء العالم، أي من يمتلك ثروةً تفوق بليون دولار، تريليوني دولار تمثّل 4 في المئة من الخسائر العالمية في البورصات وأسواق المال والسندات.

ما يرفع الخسارة الإجمالية العالمية إلى خمسين تريليون دولار. هذه الخسائر تنعكس على المواطنين في نطاق كل دولة، وهذه الإفلاسات أدت بدورها إلى إفلاس دولٍ، بعضها كان نموذجاً في تحقيق معدلات نمو كبيرة إلى الأمس القريب مثل الدنمارك. وبعضها فقد قيماً كبرى في عملته مثل بلدان أوروبا الشرقية المنضوية حديثاً في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن بلدانٍ آسيوية مثل كوريا الجنوبية والهند وحتى اليابان والصين وتبدّلت معطيات البلدان المنتجة للنفط. تغيّر مستوى الواردات فأحدثت تعديلات في خطط العمران المرسومة للمستقبل. ونضبت الاستثمارات وتقلّصت عطاءات الصناديق، حتى ولو سيادية وسواء اعتمدت خطط الحفز الاقتصادي على صعيدٍ دولي (البنك الدولي وصندوق النقد)، أو على صعيدٍ إقليمي (الاتحاد الأوروبي) أو على صعيدٍ فردي، تبقى اللوحةُ ترسمُ إجراءاتٍ إفرادية، كلُّ دولةٍ بحسب ما تحتاج وما تستطيع أن تؤمن من مبالغ للإنقاذ، أو تخطط لوقف نزف المؤسسات لديها. فتجاه هذا الإعصار يسعى كلٌّ منها ليضع خطته الخاصة بعيداً من الانسجام الدولي باستثناء أن الجميع متفق على وحدة الهدف المتمثلة بإنقاذ الاقتصاد العالمي، وقلق في الوقت ذاته من انهيار العولمة وعودة الحمائية الاقتصادية إلى المؤسسات وإلى عمليات التبادل التجاري وعلى رغم أن تيارين يسيطران على اتجاهات قمة مجموعة العشرين، بين مُطالبٍ بتشديد الضوابط على المؤسسات المالية وأسواق المال، أو دعم الاقتصاد ليستعيد نشاطه، فإن الدعم المصرفي لم ينجح للآن في تعويم النظام المصرفي العالمي. فصندوق النقد الدولي قدّر خسائر المصارف بنحو 792 بليون دولار، وقُدّمت لها مساعدات بقيمة 830 بليوناً، نصفها من الأموال العامة. لكن هذه المبالغ لم تفك عقال الائتمان ولا استطاعت أن توقف النزف في القطاع المصرفي العالمي، فلا تزال مؤسساته تتهاوى تحت وطأة الخسائر العصية على الضبط ويتوقع أن تخسر مصارف أوروبية غربية بين 100 و300 بليون دولار من 1.7 تريليون دولار تشكل استثماراتها في بلدان أوروبا الشرقية المنضمة إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت المصارف الأوروبية اشترت 40 في المئة من الأصول الأميركية الخاسرة ووسط الذهول العالمي من كارثةٍ يخشى أن تؤدي، لأول مرّة، إلى إفلاس دول، يبقى أن الأزمة مستمرة والعالم مريض.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: daralhayat.com