منْ يديرُ المديرَ ؟

(1)

 

المـهنـدس فـؤاد الصـادق

 

سؤال بسيط وصعب وبعيد عن دائرة الإنتباه في نفس الوقت ، فهو بسيط نسبياً إذا لم يكن ناظراً الى اخر السلسلة في الرتب الإدارية فيقال في الجواب : لكلّ مدير في رتبة إدارية مدير اخر يديره في الرتبة الإدارية الأرفع حسب التقسيمات الإدارية حيث هناك إدارة عليا ووسطى وثالثة دنيا في كل مؤسسة اوشركة ، والسؤال صعب إذا كان المراد بالمدير في السؤال ينحصر في المدير الأعلى اوالرئيس الأعلى اوالمؤسِس الذي يتربع في قمة الهرم الإداري هذا المدير هو المقصود بصورة خاصة من إثارة سؤالنا :

منْ يديرُ المديرَ ؟

هذا السؤال ايضاً بعيد عن دائرة الإنتباه والإهتمام والتحليل و الدراسات وخير دليل على ذلك شحة البحوث والكتابات والدراسات التي تنتاول الإجابة على هذاالسؤال المحوري الهام في علم الإدارة وبصورة  مستقلة فالكتابات المتوافرة في هذا المجال تتمحور حول إدارة المرءوسين والمؤسسة اوالشركة بواسطة المدير في المستويات الإدارية المختلفة ، و لا تتطرق الى فنون ومهارات إدارة المدير الأعلى الأخير او المؤسِس الذي يجلس في قمة الهرم الإداري ولا مدير فوقه إلا الربّ الرؤوف الرحمن الرحيم والضمير والوجدان ... حقاً منْ هو المسؤول عن إدارة هذا المدير تحديداً ؟ و ما هي أصول وفنون هذا القسم من الإدارة حصراً ؟ ... هل المدير الأعلى الأخير هو المسؤول فقط عن إدارة نفسه فيجب عليه ان يدير نفسه بنفسه اي الإدارة هنا ذاتية على غرارالتنمية الذاتية و ما شابه ذلك ، لنستعرض بعض الأمثلة لتوضيح هذه الحلقة الإدارية المفقودة .

أخصائيو فن الإدارة يؤكدون لنجاح المدير في إدارة موظفيه على ضرورة أن يخصص المدير وقتاً للإصغاء الى مشاكل وأراء ومقترحات موظفيه عندما يريدون التحدث إليه، و يستدلون لتأكيداتهم بأمور منها : ان ذلك الإصغاء يشكل بعد ذاته مخفزاً قوياً و ... الخ .

و ذلك صحيح بحدوده وضوابطه بعيداً عن الإفراط والتفريط لكن ما قصدنا إثارته بطرح سؤالنا : منْ يديرُ المديرَ ؟

يرتبط بالسؤال التالي :

منْ يصغي الى مشاكل وأراء و مقترحات المدير نفسه ؟

فحين يكون المدير مديراً في الطبقة الإدارية الدنيا فربما سيعمل مسؤوله اومديره الإدارة الوسطى بالتوصية و يصغي إليه ، وهكذا بالنسبة للمدير في الطبقة الإدارية الوسطى فربما سيطبق مديره المسؤول عنه في الإدارة العليا و يصغي إليه لكن الكلام عن المدير الأخير في سلسلة المراتب الإدارية الذي ليس فوقه مدير أخر .

كما يؤكدون اولئك المتخصصون وللهدف نفسه على ضرورة أن يجيب المدير في كل مناسبة ممكنة بصورة او باخرى على السؤال الإفتراضي التالي الذي  يبحث عنه الموظفون والعاملون عادة او غالبا :

هلْ تهتم بيّ ؟

و السؤال نفسه يتكررهنا ايضاً :

منْ يهتم بالمدير الأعلى او المؤسِس الذي لا يوجد فوقه مدير آخر ؟

كما يؤكدون على انه يمكن للموظفين أن ينجزو مهمات عظيمة و مدهشة وغيرمتوقعة و أقرب الى الخيال من الحقيقة إذا ما تمت إدارتهم بطريقة جيدة  ، و تمّ إمتداحهم و تحفيزهم بصورة مناسبة و صحيحة و في الزمان المناسب و المكان المناسب و ...الخ .

و نفس السؤال يتكرر مرة اخرى هنا :

منْ يجب أن يديرالمديرَالأعلى الذي لا يوجد فوقه مدير آخر إدارة جيدة ويمتدحه و يحفزه بصورة صحيحة مناسبة وفي الزمان المناسب والمكان المناسب لتمكينه اكثر فأكثره من إنجاز المهمات العظيمة المدهشة وغير المتوقعة ؟

صحيح ان المدير الأعلى اوالمؤسِس يتميز غالباً بخصوصيات ومواهب وصفات و خصوصيات لعبت دوراً محورياً في تأهليه وإنتخابه كمدير أعلى اومرجع اخير و نهائي للإدارة العليا لكنه إنسان له حاجات فيزيولوجية واخرى غير فيزيولوجية دنيا و عليا ، فالحاجات مشتركة والفرق في مقادير إشباع تلك الحاجات و طرق تلبيتها بحسب تهذيبها وتشذيبها كماً وكيفياً . إذنْ المدير الأعلى إنسان من لحم و دم وشحم وجسد و عقل ونفس وروح وعواطف له حاجات ورغبات كل ما في الأمرهناك تباين في السيطرة والتحكم والتنسيق و التوجيه والأولويات في الإستجابة لتلك الحاجات بل هو ايضاً يعاني من تحديات وضغوط وقيود ومحددات كثيرة وكبيرة بكبر الأهداف و الطموحات والرسالة التي يحملها فالمدير الأعلى ايضاً و كما هو حال الجميع أسير الرقم 1440 الذي لا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال فهو كذلك لا يمتلك اكثر من 1440 دقيقة في اليوم الواحد كما لا يمتلك شيكاً مالياً مفتوحاً وذلك في الوقت الذي يتلمس وربما يتألم أكثر من غيره حجم الخسائر الحالية والمستقبلية المترتبة على ندرة الوقت والمال والكوادر ، والخطط الميدانية المقنعة ولا سيما مع تنامي الفرص من جهة و التحديات من جهة اخرى .

ما العمل إذنْ ؟

1- ان يعرف كل فرد في المؤسسة بانه جزءٌ من المشكلة الإدارية وجزءُ من الحلّ ولا سيما على طريق ملىء هذا الفراغ واعني إدارة المدير الأعلى الذي ليس فوقه من مدير، ولا يكفي ان يعرف الفرد ذلك ، بل لابد أن يشعر نفسه بذلك وأن يفعل ما بإمكانه في الإتجاه المذكورمن مساندة وتمكين للأدوات والوسائل والسياسات التي يمكن أن تخدم ذلك ، لقد قال الرسول الأكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ) :

( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ( 1 )

وقوله ( صلى الله عليه واله وسلم ) :

( إنـي مسؤول وإنكم مسؤولون ) ( 2)

فالمسؤولية مشتركة وتستدعي تدفقا للقرارات والدعم والتحفيز والرقابة وما شابه ذلك في إتجاهين اي من القمة نحو القاع ومن القاع نحو القمة ، وبذلك فجزء كبير من مهمة إدارة الإدارة العليا او إدارة المدير الأعلى تقع على عاتق المرؤوسين والموظفين في مختلف المستويات الإدارية بشكل اوباخر، ويؤكد ذلك ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ):

هل يمكن أن يظلم الشعب حاكمه ؟

هل يمكن أن يظلم المرؤوسين رئيسهم اومديرهم الأعلى ؟

يقول الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ):

( ... ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها وأصبحت أخاف ظلم رعيّتي ) ( 3 )

( انْ كانت الرّعايا قبلى لتشكو حيف رعاتها وإنّني اليوم لأشكو حيف رعيّتي ) (4)

وسنستعرض في نهاية البحث مجموعة من النصوص الواردة في نهج البلاغة بهذا الخصوص .

2- أن يعرف كل عضو في المؤسسة بأن المديرالأعلى ايضاً وكماهوالحال بالنسبة له وللمرؤوسين جميعا بحاجة الى دعم ومساندة وتحفيز وتشجيع ومديح يناسب موقعة ودوره وبعيدا عن الإطراء اوالتملق اوالإغراء بالغرور والتكبر والفردية وما نحو ذلك ، ولا يتلخص تحفيز وتشجيع المرؤوسين للإدارة والمدير الأعلى في اداءهم الجيد كماً وكيفاً بل لابد من إيصال وشرح ذلك كوظيفة وبالأعداد والأرقام وباختصار ودون تضخيم او تحجيم اوغرور او مِنة وبأمانة كما أن ذلك ليس بديلاً عن الحوافز المختلفة المناسبة التي يتوجب أن تتدفق ايضاً من الموظفين والمرؤوسين باتجاه الإدارة والمدير الأعلى .

3-  لما تقدم وغيره مما سنشير الى بعضه لا مفرّ للمديرالأعلى من الرفض المتواصل لتزايد حجم العمل فالتعارض والتزاحم بين المشاريع والأعمال المقترحات القائمة والمقترحة الوافدة الى المدير ولا سيما الى المدير الأعلى كبير وطبيعي فلا مناص من فرز الأهم عن المهم بعيداً عن الأجواء والضوضاء والإيحاءات وبصورة دائمة  ومتواصلة بإختيار أدوات ومعايير واقعية جديدة باتت تُعرف بأدوات التنقية الجديدة للتخلص من المهم لصالح الأهم الى جانب صمامات أمان يتم تحديثها لتلافي الإنجرار وراء المهم وعلى حساب الأهم ، و ليس ذلك فقط لشحة الزمان والمال والموارد البشرية فحسب بل لأن تاريخ المنافسة والصراع ينقل قصص ناجحة تعكس لجوء المنافس الى سياسة إغراق وإشغال منافسه في المهم وعلى حساب الأهم لإلحاق الهزيمة به ، ومن ذلك يتضح ان رسم و تحديد سلم الأولويات لوحده لم يُعد كافياً ، فالشجاعة تعني فيما تعني القدرة الكبيرة على رفض ما هو مهم لحساب الأهم الذي بمشاريعه العظيمة يمكن ان يغيّر المستقبل كله بصورة جذرية ، والرفض يمكن أن يكون مباشراً  اوغير مباشر ولا يعني بالضرورة التفريط بالمهم حيث يمكن إيكال وإنجاز المهم الى اشخاص أوجهات اومؤسسات خارج مؤسستك ممنْ يزهد في الأهم أولا يتحمس له أولا يتفهمه أولا يرغب فيه ، ولذلك كله ينص قانون القوة الفعالة على أنه يوجد دائماً وقت كاف لعمل أكثر الأشياء أهمية فقبول كل ما هو مهم مما يُـقترح عليك يعني  ضياع الأهم والسماح لأخرين التحكم في مصيرعملك ومستقبل مؤسستك ولذلك يجب رسم خط أحمر عريض و بارز بين الأهم والمهم .

4- المدير عموماً والمدير الأعلى خصوصاً بحاجة الى تخصيص وقت اكبر وبرنامج متكامل ودقيق للتنمية الذاتية وفي مختلف الإتجاهات المحورية المعنوية والنفسية و الروحية والعقلية والعصبية والعلمية والإدارية لأن المدير الأعلى الأخير في السلسلة الإدارية لا مدير فوقه كي يبرمج و يخطط له ويشجعه على التنمية الذاتية و لأن اكثر الضغوط تتوجه اليه .

5- المدير الأعلى يدير نفسه بنفسه وهذا فن مختلف آخر من فنون الإدارة يسمى بالإدارة الذاتية ولذلك يؤكد الأخصائيون في هذا المجال على هؤلاء المدراء بضرورة الإهتمام والتركيز على تطوير المهارات والقدرات المحسَّنة للإدارة الذاتية ايضاً . هذا وهناك العديد من التوصيات الإدارية المشتركة لهؤلاء المدراء وغيرهم نشير فقط الى أهمها مثل :

اللجوء الى التوسع العمودي حتى في دائرة الأهم ، الإستعانة بالتفويض الكامل الفعّال ، البحث الدائم عن أقصر الطرق الذي يتطلب عمل أقل اوعمل صغير ويترتب عليه إنجاز كبير، الحذر من التورط بالمباشرة في التنفيذ ، تجنب القبول بتزايد حجم العمل قبل مراجعة سلم الأولويات لتعديل وتسريح بعض ما تمّ تصنيفه سابقاً في قائمة الأهم الى قائمة المهم تمهيداً لتفويضه و باختصار فان قبول المدير الأعلى بحجم كبير من الأعمال لا يقود إلا الى القذف بالمؤسسة ومديرها من المركز الى المحيط اوالى الهامش إنْ كانت في المركز ، وهكذا النتجة هي بالنسبة للمديرالأعلى لأن القبول والرضى بذلك يأتي على حساب الجودة كما يقلل من مساحة الإنتباه والتركيزعلى الإنتباه المطلوب لتحليل الأمور ومقارنتها ودراستها لإختيارالأهم الأفضل الاقرب للصواب والواجب لانه مع القبول بزيادة حجم العمل تزداد اللقاءات والمتابعات بوتيرة متسارعة وغير إختيارية احياناً فيتعرض ذلك المدير الى قصف مركز ومكثف بالمعلومات والتأثيرالخطير لذلك القصف معروف إعلامياً وبعيد عن التناول إدارياً ولا سيما فيما يخص اللقاءات الخاصة والعامة المتكررة الكثيرة.

6- إذا اراد المديرالأعلى اوالمدير في الإدارة العليا التنمية الإدارية لنفسه يجب ان يبحث بصورة خاصة عن مشاورات ومصادر ودراسات وبحوث وتوصيات خاصة بالإدارة العليا – ADMINISTRATION -  و دون ان يغفل ما يرتبط بالإدارة التنفيذية الخاصة بالمستويات الإدارية الوسطى والدنيا- – MANAGEMENT .

(( فهناك مشكلة في التعريب حيث تستخدم كلمة إدارة في اللغة العربية ترجمة لكلمة  - MANAGEMENT – و أحياناً اخرى ترجمة لكلمة  - ADMINISTRATION  -والتي تعني في الإنجليزية الخدمة يقابلها في العربية الخدمة من منطلق أن منْ يقوم بالإدارة يعمل عن طريق الإدارة الى أداء الخدمة حسب المعنى اللفظي ويحاول البعض ان يفرق بين الكلمتين فيعتبر كلمة – ADMINISTRATION - تتضمن تلك المسؤوليات المرتبطة بتكوين التنظيم الملائم وتحديد اولويات العمل وتوجيه كافة الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة أي انها تشير إلى مهام الإدارة في المستويات العليا الشاملة لكل عمل المنظمة اوالمؤسسة اوالشركة بينما تتضمن كلمة – MANAGEMENT – تلك الفعاليات التي تتضمن نجاح المنظمة في الإطار المرسوم لها اي مهام الإدارة في مستويات التنفيذ والعمل الجاري اليومي . ويلاحظ في التطبيق الأمريكي ان كلمة – ADMINISTRATION – معبرة عن الإدارة العليا و كلمة – MANAGEMENT – عن الإدارة التنفيذية في المستويات الوسطى والدنيا بينما التطبيق البريطاني والأروبي بشكل عام يعد كلمة – ADMINISTRATION  - معبرة عن الإدارة في المستويات الأدنى .)) ( 5 )

لنستعـرض في نهاية البحث مجموعة من النصوص المرتبطة بسؤالنا : منْ يديرُ المديرَ ؟ والواردة في نهج البلاغة والتي تخاطب الحاكم او الرئيس الأعلى ويمكن تسريتها مع ملاحظة الفارق الى الإدارة العليا والمدير الأعلى لما في البين من وجوه مشتركة :

قال الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن المسؤولية المشتركة والحقوق والواجبات المتبادلة :

(... وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي . فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل ، فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم.فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية.

فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه ، وأدى الوالي إليها حقها ، عزالحق بينهم ، وقامت ، مناهج الدين ، واعتدلت معالم العدل ، وجرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان ، وطمع في بقاء الدولة ، ويئست مطامع الأعداء .

 وإذا غلبت الرعية واليها ، وأجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة . وظهرت معالم الجور. وكثر الأدغال في الدين وتركت محاج السنن . فعمل بالهوى . وعطلت الأحكام . وكثرت علل النفوس . فلا يستوحش لعظيم حق عطل ... ) ( 6 )

النص المتقدم :

- يصنف حقوق المرؤوسين على الرئيس وحقوق الرئيس على المرؤوسين بأعظم ما افترض سبحانه من الحقوق ويصف ذلك بالفريضة التي فرضها الله سبحانه لكل على كل.

- يعتبرفريضة الحقوق المتبادلة بين الرئيس والمرؤوسين نظاما لتعايشهم وإندماجهم ألفتهم وعزا لدينهم . مؤكدا على انه لا يصلح المرؤوسون إلا بصلاح الرؤوساء ، كما لا يصلح الرؤوساء إلا باستقامة المرؤوسين .

- يذكر النتائج العظيمة التي تتحقق بأداء المرؤوسيين إلى الرئيس حقه ، و بأداء الرئيس الى المرؤوسيين حقهم كما يصف النتائج الكارثية للحالة المغايرة لذلك.

وقوله ( عليه السلام ) :

 ( ...واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعـض .. ) ( 7 )

طبعا النص يتحدث عن الطبقات الإقتصادية في المجتمع لكنه يعكس التأثير والتأثر المتبادل على طريق الإصلاح بين الطبقات والشرائح والمكونات الأخرى .

وقوله ( عليه السلام ) :

( ... وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية ، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة . وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء ، وأقل معونة له في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقل شكرا عند الاعطاء . وأبطأ عذرا عند المنع ، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة ... ) ( 8 )

النص المتقدم يذكر مجموعة من المعايير والمرجحات الأساسية التي يجب أن يلتزم بها الرئيس الأعلى لإتخاذ القرار .

وقوله ( عليه السلام ) :

( ... وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد ، وظهور مودة الرعية . وإنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم. وقلة استثقال دولهم ، وترك استبطاء انقطاع مدتهم . فافسح في آمالهم ، وواصل في حسن الثناء عليهم ...) ( 9 )

النص المتقدم يذكرالفرحة الكبرى للرئيس والهدف الأسمى له والذي يتمثل بالعدل المستدام وظهورمودة المرؤوسين بسلامة صدورهم ومقاييس وسبل صحة نصيحتهم .

وقوله ( عليه السلام ) :

( ... وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك ، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك ، ورفقا برعيتك ، وإعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق ... ) ( 10 )

حيفا أي ظلما ، فأصحر أي أبرز لهم وبين عذرك فيه ، وعدل عنه كذا : نحاه عنه . والاصحار : الظهور ، من أصحر إذا برز في الصحراء . ورياضة : تعويدا لنفسك على العدل . والإعذار : تقديم العذر أو ابداؤه .

النص المتقدم يؤكد على متابعة الرئيس لإستطلاع رأي المرؤوسين به فإذا تبين للرئيس أن المرؤوسين يظنون أن الرئيس ظلمهم فعليه أن يبرز بوضوح عذره في ذلك ويبدي إعتذاره  لتنحية الظنون بين الرئيس والمرؤوسين من جهة ، ولضمان التنمية الذاتية للرئيس من جهة ثانية ، وللرفق بالمرؤوسين من جهة ثالثة ، وكقدوة ووسيلة لتحقيق ما يحتاج اليه الرئيس من تقويم المرؤوسين على الحق من جهة رابعة.

وقوله ( عليه السلام ) :

( ... و اخفض للرّعيّة جناحك ... ) ( 11 )

وقوله ( عليه السلام ) :

يا مالك  ( ... وأشعـر قلبك الرّحمة للرّعيّة والمحبّة لهم ...) ( 12 )

وقوله ( عليه السلام ) :

( ... و لا تدّخروا أنفسكم نصيحة ولا الجند حسن سيرة ولا الرّعيّة معـونة ... ) ( 13 )

النصوص الأخيرة تؤكد على ضرورة التنمية الذاتية للرئيس وتواضع الرئيس للمرؤوسين وبذل قصارى جهده لمعونتهم كما تشير الى وجوب إشعار الرئيس قلبه  بالرحمة للمرؤوسين والمحبة لهم .

وقوله ( عليه السلام ) :

يا مالك (... فانّ تعاهدك فى السّرّ لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرّفق بالرّعية ... ) ( 14 )

النص المتقدم يشير الى أهمية وكيفية رقابة الرئيس اوالإدارة العليا على المسؤولين او الإدارة الوسطى والدنيا ودور ذلك في إلتزامهم بالأمانة والرفق بالمرؤوسين الأخرين .

وقوله ( عليه السلام ) :

الطّبقة السّفلى ..( فانّ هؤلاء من بين الرّعيّة أحوج الى الإنصاف من غيرهم ...) ( 15 )

النص الأخير يتحدث عن الشريحة الأضعف إقتصاديا في المجتمع مؤكدا على انها الأحوج لإنصاف الرئيس من بين المرؤوسين لكن لا يستبعد إمكانية تعميم ذلك على المرؤوسين في الإدارة الدنيا او على المنضوين تحت إدارة الإدارة الدنيا لأنهم الأضعف إقتصاديا وإداريا بالمقارنة مع غيرهم من المرؤوسين .

وقوله ( عليه السلام ) :

( ... ايّاك والمّن على رعيّتك باحسانك ... ) ( 16 )

.........................................

الـمـصـادر :

(1) : من : 1-  بحار الأنوار – ج 72 – ص 39

2- الفتاوى الميسرة – للمرجع السيد علي السيستاني – مد- ص 393

3- فقه الإدارة – للمرجع الراحل السيد محمد الشيرازي – ر-  ج 103 – ص- 14

4- صححيح البخاري ج-1- ص - 160 - كتاب الجمعة باب الجمعة في القرى والمدن .

( 2) : مشكاة الأنوار – ص 255

(3) : ( الخطبة 97-3 )

(4) : ( قصار الحكم261 )

(5) : بتصرف من كتاب : اساسيات في علم الإدارة – د : منال طلعت محمود – المكتب الجامعي الحديث – الاسكندرية – 2003 ص 12 نقلا عن كتاب : الإدارة العامة الحدثية : تحليل الخبرات – مجموعة مختارة من الدول – الاسكندرية – المكتب الجامعي الحديث 1998- ص : 25-24

(6) : نهج البلاغة - الخطب - ج 2 – الخطبة : 216 - صفحة 198- 199

(7) : نهج البلاغة – ( الكتاب53- السطر41 )

(8): نهج البلاغة - ( الكتاب 53-20 )

( 9 ) : نهج البلاغة - ( الكتاب 53- 58 )

(10) : نهج البلاغة -  الكتاب 53- السطر 130وبعد ه )

(11) : ( الكتاب46-3 )

(12) : ( الكتاب 53-8 )

(13) : ( الكتاب 51-7 )

(14) : ( الكتاب 53 – 76 )

(15) : ( الكتاب 53-106 )

 (16) : ( الكتاب 53- 146 )

 

عناوين ذات علاقة :


منْ يُديرُ المديرَ ؟ (2)