أساتذة الاقتصاد في جامعاتنا في اختبار صعب !
د. أمين ساعاتي
إذا استعدنا
قراءة الأزمات المالية العالمية نجد أن الجامعات تلعب دوراً مهما
ورئيساً في تصميم النظريات الاقتصادية التي تفسر أسباب الأزمات ووسائل
علاجها، ونذكر على سبيل المثال أن أزمة الكساد الكبير عام 1929 خرجت من
رحم جامعة كيمبردج البريطانية على يد جون ميرند كينز، وحينذاك وضع كينز
وزملاؤه تفسيراً موضوعياً لأسباب الأزمة الاقتصادية وطرائق معالجتها
كما
أن نظرية اقتصاديات السوق في قالبها الجديد التي يتبناها النظام
الرأسمالي الحالي هي نظرية جاءت من رحم جامعة شيكاغو على يد ملتون
فريدمان الذي عرف عنه انتقاده اللاذع لنظرية كينز ومطالبته بعدم تدخل
الحكومات في الأسواق وترك الأسواق تحل مشكلاتها بنفسها دون أي تدخل من
الحكومات
ولذلك فإن الأزمة الراهنة تنتظر نظرية جديدة تنقذ الاقتصاد العالمي من
الدخول في مرحلة من الكساد المعطل لكل أجزاء ماكينة الاقتصاد الدولي
إن
مساهمة أقسام الاقتصاد في الجامعات السعودية في الفكر الاقتصادي
العالمي لا يكاد يذكر رغم أن دور الاقتصاد السعودي في النظام الاقتصادي
العالمي بات موجودا ومؤثرا وفاعلاً بدليل أن المملكة كانت إحدى الدول
المشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين.
السؤال
المهم أين علماء الاقتصاد السعودي من مثل هذه النظريات، ولماذا لم نسمع
أنهم وضعوا نظرية اقتصادية للمساهمة في تفسير الأزمة وطرق علاجه، بل
لنقل لماذا لم يصدر تنظيراً علمياً موضوعيا (وليس نظرية) من أحد مراكز
البحوث في الجامعات السعودية
وبمعنى آخر, إن المجتمعات في عالمنا العربي وبالذات في عالمنا الخليجي
ما زالت تنتظر نتائج الأزمة ولم يصعد واحد من أعضاء هيئة التدريس في
إحدى الجامعات السعودية أو الخليجية ويكشف النقاب عن دراسة علمية يشرح
فيها ما سيصيبنا من الأزمة المالية العالمية، وما يجب أن نعمله لكي
نخفف آثار الأزمة
ومع
الأسف كل الذي يأتينا من الأكاديميين الاقتصاديين هي (شوية) مداخلات
مبتورة في الفضائيات يرمي فيها الأستاذ الفضائي كلمات ما أنزل الله بها
من سلطان وبعد يوم أو يومين من المداخلات تبث الفضائيات كلاما يدحض كل
ما قاله الأستاذ الفضائي
ولذلك نقول مع الأسف لم تكن تجربة الأكاديميين في الفضائيات صورة مشرفة
لأنها لم تأت بجديد, ولم تكن التصريحات كلاما علميا موثوقا به، بل هي
مجرد تصريحات ظنية، وطبعا مثل هذه التصريحات الجزافية الساذجة تنتهي
إلى نتائج مغلوطة
وأتصور أن الدراسة التي ننشدها يجب أن تتضمن برنامجاً للعمالة
وبرنامجاً لتنظيم وتنشيط أسواق المال وقوانين إصلاح البنوك وخطة
اقتصادية لتنشيط عجلة الاقتصاد، ثم إبداء الرأي حول إعادة هيكلة
المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء
والتعمير
إن
الإمكانات العلمية التي نعرفها عند أساتذة الاقتصاد في الجامعات
السعودية يمكن أن تفرز مساهمة علمية جادة لعلاج الأزمة المالية
العالمية، بل أتصور أننا نستطيع المساهمة بأبحاث تفيد كثيرا في تنظير
وتشخيص الأزمة ووضع الحلول الموضوعية التي تعبر عن إمكاناتنا ووجهة
نظرنا دون أن نترك الغير يفكر بالنيابة عنا ويهتم بشؤوننا أكثر مما
نهتم نحن بأنفسنا. ولو قرأنا تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة عقب
اجتماع مجموعة العشرين في واشنطن نجد أنه كان يطالب الدول الناشئة
(ومنها المملكة طبعا) بضرورة المشاركة في مناقشة أوضاع الاقتصاد الدولي
وهكذا يصبح الباب مفتوحا أمام علماء الاقتصاد السعوديين للإدلاء بدلوهم
في هذه الأزمة التي تمسهم كما تمس كل دول العالم المتقدم، وهنا نتساءل:
ما الذي يمنع علماءنا تقديم أطروحات علمية تناقش قضايا الاقتصاد الدولي
بموضوعية علمية؟!
أحسب أنه لا
تنقصنا المواهب ولا ينقصنا الطموح وأمامنا ساحات علمية مفتوحة على
مصراعيها نأخذ منها ما شئنا، وأمامنا أبواب المساهمة مفتوحة على
مصراعيها، حتى أكبر الجامعات في أوروبا وأمريكا مفتوحة أمامنا وبعضنا
درس فيها وعاشر أولئك العلماء الذين يصولون ويجولون اليوم في مراكز
البحوث والدراسات العلمية العالمية
ولذلك لا عذر لعلماء الاقتصاد السعوديين في أنهم لم يدلوا بدلوهم في
هذه الأزمة التي تمس – كما قلنا - كل مواطن بل ستلسع بصياتها المحموم
كل اقتصادي، وستلحق أضراراً بالغة باقتصادنا الوطني.
إذاً لماذا
نشعر بأننا الأقل في التفكير؟ ولماذا لا نضع عقولنا على المحك مع عقول
الذين انبروا يبحثون في حل الأزمة؟ لماذا نشعر بالدونية، ونكون من
المتلقين ولا نكون من المعطين والمساهمين في حل مشكلاتنا ومشكلات الكون
الذي نعيشه؟ وأخيرا لماذا لا يصدر غدا أو بعد غد أحد مراكز البحوث
القابعة في ركن قصي في إحدى الجامعات السعودية بحثاً يحلل الأزمة
المالية العالمية ويكتب - ولو بإيجاز – روشتة العلاج؟
إنني بكل
ثقة أقول إذا أحسسنا بهذا الطموح ولو للحظة، فإن أقسام الاقتصاد في
الجامعات السعودية وأقصد بالذات قسم الاقتصاد في جامعة الملك عبد
العزيز, يستطيع أن يكتب هذه الروشتة، بل كان في مكنة علماء الاقتصاد في
جامعاتنا السعودية التنبؤ بالأزمة وكتابة دراسات لتفسير ما يحدث ووضع
العلاج اللازم لإفرازات الأزمة, وليس بكثير على الزملاء الأساتذة
الدكاترة: محمد صبان, فاروق الخطيب, عمر باقعر, عبد العزيز دياب, مقبل
الذكير, خالد كتبي, أسامة فلالي, علي دقاق, وأسعد جوهر, أن يكتبوا لنا
روشتة ندلي من خلالها بدلونا في حل أزمة تجاوزت حدودنا وألحقت أضرارا
بالغة بأموالنا وأعمالنا وممتلكاتنا
إن
نتائج اجتماع مجموعة العشرين الذي عقد في واشنطن في الأسبوع قبل الماضي
وحضره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله, قد فشلت في الوصول إلى
إجماع لحل الأزمة, وكان الخلاف واضحا بين الرئيس الأمريكي بوش والرئيس
الفرنسي ساركوزيه
ونستطيع أن نستنتج من اجتماع مجموعة العشرين أن الاجتماع أوضح أن
الأزمة هي أولاً وأخيرا أزمة في النظام الرأسمالي، وبشكل محدد فإنها
أزمة في النظام الرأسمالي الملتزم بالأيدولوجية المعروفة باسم
الليبرالية الجديدة، وهنا تبرز أهمية فهم معنى الأزمة في النظام
الرأسمالي في الولايات المتحدة بشكل خاص وفي العالم بشكل عام ومعنى ما
تقدم أن الأزمة في ضوء نتائج اجتماع مجموعة العشرين تنتظر دوراً مهما
من مراكز البحوث في الجامعات، تماما كما حدث عام 1929 حينما تصدت جامعة
كمبردج البريطانية وتقدم جون كينز وحسم الخلاف الأيديولوجي والسياسي
وقدم نظرية اقتصادية نقدية تم على يديها الخروج من نفق الكساد المظلم,
وهكذا كان دور أساتذة الجامعات مهما في تشافي الاقتصاد من أزمة استمرت
نحو عشر سنوات.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر: aleqt.com
|