زوال الاقتصاد الريجاني يشكل تحدياً فكرياً خطيراً للجمهوريين

كريستيا فريلاند

بدا رونالد ريجان بصورة مغالى فيها في هذه الحملة. ففي المؤتمر الوطني الجمهوري تم تقديم جون ماكين على أنه "جندي من المشاة في ثورة ريجان"، وهو خط سطرته فعلياً صورة ماكين الشاب وهو يتلقى مباركة أبوية من الرجل الذي يصفه بأنه بطله والأكثر إثارة للدهشة أن باراك أوباما استشهد أيضا بـ "جيبر" Gipper (لقب أخذه ريجان من دور لعبه في فيلم عام 1940). ففي بداية السنة، وصف ريجان بأنه رئيس تغييري، "غيّر مسار أمريكا بطريقة لم يفعلها ريتشارد نيكسون، وبطريقة لم يفعلها بيل كلينتون"وغضب أنصار كلينتون كما كان متوقعاً، لكن أوباما كان على صواب. فقد قاد ريجان، مع صديقته وحليفته البريطانية مارجريت تاتشر، ثورة يمينية شكلت تيارا مهيمنا في عالم السياسة العالمية طوال العقود الثلاثة الماضية. وألحقا الهزيمة بالشيوعية في الخارج، وروضا دولة الرفاه الاجتماعي في الداخل. فمن بوسطن إلى بروكسل إلى بكين كانت الرأسمالية الليبرالية التي دافع عنها ريجان وتاتشر في حالة صعود. وكان السياسيون الناجحون الوحيدون من اليسار أولئك الذين أعادوا رسم أيديولوجياتهم ـ مثل توني بلير وبيل كلينتون ـ للبناء على الثورة وليس لإنكارها.

والمشكلة الوجودية الكبيرة بالنسبة للجمهوريين ـ وهي مشكلة ستستنفد طاقتهم حتى إذا استطاع ماكين أن يحقق انتصاراً مفاجئاً غدا ـ أن حقبة ريجان انتهت بضربة عنيفة في 15 أيلول (سبتمبر). وحتى قبل ذلك اليوم كانت هناك بضعة شكاوى ومؤشرات، أبرزها دحض جورج دبليو بوش الفعلى والمدمر لفكرة أن الحزب قادر على إدارة كل شيء ـ فكروا في إعصار كاترينا والعراق والميزانية المتوازنة ـ ناهيك عن الحملات السياسية. لكن كل هذه الأمور يمكن تأطيرها باعتبارها إخفاقات في التنفيذ: ما زال بإمكانك أن تقول إن أيديولوجية اليمين كانت سليمة بصورة أساسية ومنذ منتصف أيلول (سبتمبر)، حين انتشرت أزمة الائتمان لتصبح أزمة اقتصادية عالمية كاملة، أصبح ذلك مستحيلاً. ويعود الأمر جزئياً، بغض النظر عما يمكن أن يكون المتهم الذي تختاره ـ المشتقات، اختلال التوازنات المالية العالمية، المعايير المتراخية لإقراض الرهون العقارية، اختر منها ما تشاء ـ إلى أن من الصعب إنكار أن شيئاً خطيراً جداً قد انحرف عن مساره فيما يتعلق بالرأسمالية العالمية.

والأهم من ذلك، ومهما كان تشخيصك لسبب أمراضنا، فإن الجهود الطارئة لمعالجتها غيرت الاقتصاد الأمريكي فعلاً. فالدولة الأمريكية التي يحكمها الجمهوريون تدخلت بشكل كبير في القطاع المالي، وهي الآن مهيأة لامتلاك أجزاء كبيرة منه. وعلاوة على ذلك، ومع ميل الولايات المتحدة ـ التي انكمش ناتجها المحلي الإجمالي في الربع الثالث ـ نحو الركود، أصبحت السياسات "الكينزية" تبدو شيئاً لا يقاوم. وبغض النظر عمن يفوز غدا، سيزداد الإنفاق الحكومي الأمريكي ويجب أن يزداد في السنة المقبلة. فقوة الدولار والإغراء الدولي لسندات الخزانة الأمريكية يجعلان الإنفاق الحكومي المضاد للدورة الاقتصادية أمراً ممكناً ولم يقدم أي من الحزبين رداً عقلانياً شاملاً بشأن هذا العالم المتغير، لكن الخروج برد سيكون أصعب على الجمهوريين وقال جمهوري رفيع المستوى خدم في عهدي بوش الأب وبوش الابن: "كان أحد معتقدات الجمهوريين تقليص دور الدولة، قائلين في الأساس إن الضرائب سيئة وإن التنظيم سيئ، ... إلخ، لكن القضية الآن ليست ما إذا كان القطاع العام يصبح مشاركاً، بل أين يشارك وإلى أي مدى. وهذا تحدّ حقيقي أمام الريجانية والتاتشرية".

وطوال ثلاثة عقود كان الإيمان المشترك بالاقتصاد الريجاني يجسر ما يجري الآن كشفه على أنه انقسامات عميقة، اجتماعية وثقافية، وحتى انقسامات طبقية داخل الحزب الجمهوري. وهذه الفجوة أظهرت نفسها بأوضح صورة في المعركة الضارية حول سارة بالين وبالنسبة لمسيرة الحملة، تعامل ماكين مع أزمة حزبه الفكرية بتجاهلها. فعندما يتحدث عن الاقتصاد، فإنه يتحدث عن إطلاق الوعد التقليدي بالحفاظ على الضرائب والإنفاق الحكومي متدنيين، وهو أيضا يطلق التحذير التقليدي من أن الديمقراطيين "اشتراكيون" و"مؤيدون لتوزيع الثروة"وإذا استطاع ماكين أن يحقق انتصاراً مفاجئاً غدا، فربما يكون ذلك لأن الاشتراكية تظل كلمة قذرة في اللغة الإنجليزية الأمريكية لكن سواء وجد الجمهوريون أنفسهم في الحكم أو خارجه، يوم الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، فإنهم يحتاجون إلى مواجهة الواقع الجديد بأن معارضة الاشتراكية أصبحت غير كافية كأجندة سياسية واقتصادية.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر:aleqt.com