الرأسمالية تجدّد أزماتها

 

سليمان تقي الدين

 

 

جاء زمن صرنا فيه نتلعثم عندما نتحدث عن مساوئ الرأسمالية العالمية. كان مفهوماً أن ليس هناك من نموذج اقتصادي واجتماعي آخر نقيس عليه أو نحاول المقارنة به. لكن لم يكن مبرراً أن نتجاهل تلك النزعة الإمبريالية في المشروع الرأسمالي وتلك الحروب المنظمة الملازمة لتطوره، حروب النهب والسلب والسيطرة.ليست الأزمة التي تعصف الآن بالاقتصاد الأميركي وتهدد باختلالات كبرى على الصعيد العالمي حالة عارضة بل هي نتيجة تفاعلات متعددة المصادر، ليس أقلها أن الحرب على »الشرق الأوسط« قد فشلت منذ لحظتها الأولى في أن تفرض نظاماً مستقراً يوفر التعويض لكلفتها الاقتصادية. إن نهب ١٣ مليار دولار من قبل الشركات الأميركية فقط في العراق لم تكن كافية لإعادة التوازن إلى نمط من الاقتصاد لم يعد يهتم لإنتاج السلع التي يحتاجها الجمهور، بل إلى بناء اقتصاد وهمي يقوم على المضاربة بالأسهم والبورصة ويضاعف أسعار العقارات دون وجود زبائن يقدرون على امتلاكها.

لقد قالت الرأسمالية كلمتها النهائية بأنها نظام يقوم على مطلب الربح وزيادة الرأسمال النقدي في ظل إفقار شديد للموارد الكونية، للسلع الغذائية وللمعادن، واستهلاك غير مسبوق للطاقة وهدر لها بموازاة تدمير منهجي للبيئة في الأرض والبحار والفضاء. بهذا المعنى لم تعد الرأسمالية نظاماً ضد الفقراء وضد الشعوب المستضعفة وحسب، بل وضد كل ما هو إنساني. في بيئة دولية هذه هي القيم المسيطرة فيها لا نعود نستغرب استحضار إيديولوجيات تنتمي إلى العصور الوسطى عن صدام الحضارات والثقافات وعن السعي الاستعماري لتمدين الشعوب الأدنى رتبة في التطور الاقتصادي الرأسمالي والتقني. إن ما يمنع انهيار العالم أمام الطوفان الجديد للعولمة في نسختها الأميركية هو احتفاظ الكثير من الدول بشبكات الأمان والرعاية على الصعيد الاجتماعي وبحد من الثقافة والممارسة الديموقراطية غير المرتهنة لإرادة الشركات العملاقة العابرة للقارات. فحيث ما زالت الدولة تضطلع بدور منسق ومنظم للحياة الاجتماعية يمكن تخطي الأزمات الراهنة، وحيث تعلو كلمة الشركات العملاقة على منطق الدولة، خصوصاً شركات السلاح والطاقة، نكون في دائرة الخطر من الاقتصاد الاحتكاري الفعلي رغم تغطية ذلك بالنظريات الليبرالية.

ما ينقذ العالم الآن من كارثة محققة هو شراكة دولية تسهم في تبادل متوازن وعادل خاصة على صعيد السلع الاستراتيجية ومنها الطاقة والغذاء والتكنولوجيا، والتعاون من أجل مستقبل إنساني الأولويات فيه لمعالجة أوضاع الفقر والأمراض والأوبئة والحفاظ على البيئة التي يعيش في كنفها الإنسان. ولن يكون ذلك ممكناً إلا بالسعي لتطوير مركز القرار الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة وتطوير القانون الدولي للحد من أشكال السيطرة والحروب والنزاعات ووقف سباق التسلح، لا سيما في أشكاله غير التقليدية. إن حوار الثقافات في هكذا مشروع يصبح ضرورياً والتعايش بين أنماط الحياة المختلفة حاجة لبناء تكامل دولي بدلاً من سياسات الهيمنة للأقوى فإذا كان القرن الواحد والعشرون سيتقدم على الخطوط الأساسية لانطلاقته في أجواء من الحروب والأزمات الاقتصادية فإن الحضارة المعاصرة لا محالة ستقودنا مجدداً إلى البربرية التي باتت طلائعها في العنف الدولي المنظم والعنف الإرهابي المتخلف.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:assafir.com