العولمة : الأزمة ترتد على أصلها والمنشأ
عصام
الجردي
تنقل إلينا وسائل الاعلام
في كل يوم، ما يكفي ويزيد من أنباء وتقارير، عن مسار سفينة العولمة
الاقتصادية، ونتائجها المدمرة على المستوى الاجتماعي لمليارات من
البشر، يعيش نحو خمسهم عند خطوط الفقر المدقع . ونحو الثلث على ضفاف
الفقر والعوز، يكافحون غالة الجوع وسوء التغذية والمرض .سفينة العولمة
الاقتصادية، التي تجنح نحو المجهول المعلوم، باتت في ضوء أزمة أسعار
الغذاء والطاقة، أشبه بسفينة تايتنك المشهورة، التي لقي المئات من
ركابها حتفهم . الكلام التقليدي الموروث من زمن غابر، ولا نعرف مدى
صحته في أي حال، ومفاده أن ربابنة السفن قادرون في أوقات الشدة، وغضب
الطبيعة، على النأي بقمرة القيادة عن الغرق، واستخدام قوارب النجاة،
بات هو الآخر موضع شك في سفينة العولمة الاقتصادية وأفاد تقرير صادر عن
برنامج دعم الطاقة لذوي الدخول المتدنية في الولايات المتحدة
(LIHEAP) ان فصل الشتاء المقبل، سيكون الاسوأ
تاريخياً للعائلات الأمريكية الفقيرة ونقلت محطة (CNN)
التلفزيونية عن ريتشارد مورفي، المكلف متابعة تطبيق البرنامج المذكور
في ولاية فيرمونت ان “جميع مستويات أسعار وقود التدفئة فوق دولارين
للجالون، سيكون كارثة على ميزانيات الأسر الفقيرة، في وقت تتوقع فيه
معلومات الطاقة، ان يسجل سعر الجالون في الشتاء المقبل 4،34 دولار” وفي
تقرير آخر عن الموضوع نفسه، صادر عن وكالة دعم الطاقة القومية
(NEADA)، أن 15 مليون منزل عرضة حالياً لقطع
الطاقة عنها، نتيجة عدم سداد الفواتير . وأن طلبات دعم الطاقة حالياً
تقدم من الأسر التي يبلغ دخلها الاجمالي 50 ألف
دولار أمريكي سنوياً وفي العام 2007 كانت
الطلبات تقدم من الأسر التي لا يزيد دخلها الاجمالي على
30 ألفاً وأظهرت نتائج استطلاع قامت به الوكالة، أن الأمريكيين
من الأسر الفقيرة مضطرون لتأمين وقود التدفئة، للاقتطاع من نفقات
الغذاء 70 في المائة، و31
في المائة من نفقات الصحة و19 في المائة من
نفقات التعليم . هذه حال الطاقة للتدفئة على استهلاك الأسر الأمريكية
الفقيرة في الشتاء المقبل . فماذا عن حال الطعام والغذاء؟
نيويورك تعرف بأنها مدينة
أثرياء العالم وفقرائه . في هذه المدينة وكالة تدعى “تحالف نيويورك ضد
الجوع”، يتولى تقديم وجبات طعام لسد حاجات الجوعى . أحد التقارير
الصادرة عن “بنك الطعام” الذي يمول التحالف ضد الجوع، المدعوم حكومياً،
ويعود تاريخه إلى أقل من عام، حين لم تكن أسعار الغذاء في مستواها
الحالي من الارتفاع، يفيد أن مليوناً و300 ألف مواطن في المدينة لا
يجدون طعاماً كافياً في كل يوم . وأن “مطابخ الحساء التي تقدم الوجبات
الساخنة المجانية ليس لديها ما يكفي لإطعام الجائعين” . وزارة الزراعة
الأمريكية أفادت في تقرير رسمي، بأن 30 مليوناً
من الأمريكيين لم يكن لديهم ما يكفي من طعام في 2006
. كل التوقعات تشير إلى الاسوأ في تقريرها المنتظر عن
2007 .هذه ليست أرقام وتقارير جمعيات مناهضة العولمة، أو منتدى
بورتو اليغري . وليس مصدرها نقابات العمال الأمريكية، التي تلقت ضربات
رأسية قاسية، منذ تسعينات القرن الماضي، مع تشريعات العولمة، واقتصاد
السوق . انها تقارير وأرقام قمرة القيادة الأمريكية لسفينة العولمة .
لم تتوقف التحركات النقابية والاضرابات في الولايات المتحدة منذ ثمانية
عشر عاماً أو نحوها، انصرمت على العولمة وتشريعاتها .الإعلام الأمريكي
لم يكن يغطي أنباء الاضرابات والاعتصامات العمالية اليومية، في
المؤسسات التي يقل عدد عمالها عن ثلاثة آلاف .عشرات آلاف الأسر طحنتهم
قوانين التعاقد الحر بلا قيود في المؤسسات الصغيرة الحجم والمتوسطة
وهذه تمثل أكثر من 40 في المائة من
الاقتصاد الأمريكي . إضراب عمال ومهندسي شركة بوينج أعاد النبض إلى
النقابات الأمريكية .
اللافت في الاضراب أن
إدارة الشركة لم تتمكن من كسره كما في حالات سابقة من خلال تحويل بضعة
آلاف من العمال إلى تجميع الطائرات لقاء علاوات استثنائية ومن المشكوك
فيه، أن تتمكن الشركة من التملص من مطالب المضربين، لقاء خسارة يومية
نتيجة الاضراب تقدرها بمائة مليون دولار أمريكي . ويعتقد على نطاق واسع
في الولايات المتحدة، ان إضراب عمال بوينج ومهندسيها، سيحرك اضرابات في
مؤسسات أمريكية كبيرة أخرى . وهذا ما تخشاه وزارة العمل الأمريكية
راهناً، وتتوجس إدارة جورج دبليو بوش من تأثيره في الحملة الانتخابية
الرئاسية للمرشح الجمهوري جون ماكين فالنقابات الأمريكية ناخب تقليدي
للحزب الديمقراطي .
مؤشر البطالة في الولايات
المتحدة حتى أغسطس/آب الماضي 6،1 في المائة من
اليد العاملة الفعلية . أي من الأمريكيين العاطلين عن العمل، والمسجلين
في مكاتب الاستخدام يرتفع الرقم كثيراً إذا قيس بمعيار البطالة، بمن هم
على عاتق العاطلين عن العمل من الأسر وتعداد أفرادها . وزارة العمل
تقول إن الاقتصاد الأمريكي فقد في 2008 نحو
605 آلاف وظيفة . مليون و420
ألف أسرة وفرد فقدوا منازلهم نتيجة أزمة القروض السكنية وأفلست عشرات
المصارف أو توقفت عن الدفع ولا يشي عام 2009
بنهاية الأزمة هل ارتداد أزمة العولمة الاقتصادية وأزمة الرأسمالية
العالمية إلى أصلها ومنشئها، وما جرَّتا من معضلات جوع وفقر في العالم،
سيقود إلى مراجعة في العمق لنسق آليات اقتصاد السوق ونتائجها الكلية؟
سؤال لا بد من طرحه في
ضوء هذا الكم الكبير من الاعترافات والاقرار بعقم مسار الاقتصاد
العالمي، وبلسان المسؤولين عن المؤسسات الموجهة لهذا الاقتصاد، وأشد
المدافعين عن العولمة . ألم يقل رئيس البنك الدولي روبرت زوليك، الذي
كافح طيلة عمله ممثلاً تجارياً للولايات المتحدة قبل انتقاله إلى
المصرف، بأن الأخير اخطأ في تقدير القيمة الحقيقية للتحول إلى اقتصاد
السوق، وكان من المفترض أن يركز جهده لرصد السياسات التي تؤدي إلى
تفاقم الأزمات الاجتماعية؟ها هو زوليك، وقد تحرك عصب الانسان فيه، بعد
أن تكشفت لديه ملفات المجاعة والفقر في العالم، يستعجل الدول الصناعية
تقديم المساعدات إلى دول إفريقية مهددة بالموت مرضاً وجوعاً، وهو يعلم
أن المطلوب غير المساعدات، وما يتجاوزها إلى التنمية في الدول الفقيرة
المكبلة بنماذج اقتصادية تستعصي التنمية في ظلها، ويراد منها خلاص .
نعم، الأزمة في بلد
المنشأ ويستحيل تصديرها
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:nufooz.com
|