الانكماش يصوّب الاقتصاد
ميشال
مرقص
يشكل كتاب «أميركا التي
نريد» الصادر حديثاً، للاقتصادي والمحلل في «نيويورك تايمز»، بول
كروغمان، أرضيةً متينةً لرسم خطةٍ اقتصادية تنقذ الولايات المتحدة،
التي يتوقع مصرف «مورغان ستانلي» أن يؤدي العجز في موازنتها إلى بلوغ
دينها العام نحو 8 تريليون دولار عام
2018 فالبروفسور الجامعي، يخلص في كتابه (يقدمه
برنامجاً محتملاً للانتخابات الرئاسية الأميركية)، إلى أن متوسط دخل
العامل الأميركي لم يتحسّن منذ 1973 بالمعيار
الواقعي. وعلى رغم «أن ما ينتجه الفرد زاد 50 في
المئة» منذ ذلك التاريخ، إلا أن تركّز الدخل المالي، اقتصر على حفنةٍ
قليلة. «فالعاملون في شريحة الأعمار 35 إلى 44
سنة، تدنّى دخلهم 12 في المئة عما كان في
1973». وبحسب استقصاء لـ «بيو رسيرتش سنتر» في
2006، اعتبر معظم المشتركين في العيّنة، «أنه
يجب العمل في شكلٍ أقسى لتأمين موارد للعيش» ويخلص القسم المخصص لوضع
العامل الأميركي وربحه، بنتيجة «أن أرباح الإنتاجية، إذا وزّعت
بالمساواة على القوة العاملة، زاد دخل العامل 35 في المئة عما كان في
1970، لكن لدى توزيعها عمودياً، يظهر أن دخل
90 في المئة من القوة العاملة هو دون الدخل
الوسيط، و10 في المئة فقط دخلهم أعلى بكثير من
هذا المستوى».
هذه المقاربة تختصرُ واقع
الأزمة الاقتصادية الثانية التي تجتاح العالم. فبعد أزمة الرهن العقاري
المجازف ومن ثم الأزمة المالية المرتبطة بها، والتي أنتجت خسائر واقعية
تزيد على 660 بليون دولار، مع احتمال بلوغها
تريلون دولار، بدأت راهناً الأزمة الثانية، أزمة الانكماش الاقتصادي
الزاحف بعد 13 شهراً من أزمة الرهن العقاري
والمصارف الأميركية (9 آب - أغسطس 2007) وصعب
على القوى الاقتصادية العالمية أن تتجنب الانكماش، أو تجانبه، نتيجة
تدني دخل العاملين، وتالياً إنفاقهم، بعد اتساع الهوّة، بين أصحاب
الدخول العليا والدنيا، من جهة، وشح الموارد من جهة ثانية لكن الانكماش
الاقتصادي، قد تكون له حسنةٌ، على رغم السيئات. وتنحصر الحسنة في إعادة
تصحيح مواقع الاقتصاد العالمي. فالانكماش في ذاته، - يعني تقلّص
الإنتاج والإنتاجية، وزيادة البطالة، واستبدال آليات الإنفاق في فترات
«البحبوحة» والرخاء، بأخرى تلائم مستوى الدخل المنخفض،- يحجّم الطلب
على السلع والمنتجات والبضائع التي عرفت اشتعال أسعار موازياً في وتيرة
صعوده، مع تطور أزمة الرهن العقاري وأزمة المال. وتفضي النتائج السلبية
تالياً، إلى ضبط الأسعار وإعادتها إلى صوابها. كما تتوافق نتائج
الانكماش مع نتائج ارتفاع التضخم، فآلية ضبط التضخم ولجم صعوده، تكمن
في زيادة الفوائد لامتصاص السيولة، وهو ما نجح فيه البنك المركزي
البرازيلي، فأنقذ البلاد من الديون الخارجية ووفّر احتياطاً بقيمة
200 بليون دولار، فضلاً إلى ما يسعى إليه البنك
المركزي الأوروبي. يضاف إلى رفع الفائدة وتحجيم الدعم والإعانات إلى
المستهلكين ... وكلها وسائل تضيّق هامش الطلب فتلجم ارتفاع الأسعار ان
تراجع الطلب على مشتقات المحروقات في الولايات المتحدة، واستمرار توقع
تراجعه عالمياً على النفط الخام، واعتماد «أوبك» تقليص إنتاجها بما
يعادل مستوى تراجع الطلب في الأسواق العالمية، عوامل ساهمت في دفع
أسعار النفط نزولاً، باستثناء المؤثرات والعوامل الموسمية وبدا واضحاً
من نتائج الإحصاءات الأميركية، سواء لناحية تراجع الطلب على المساكن،
ومن ثم على مبيعات التجزئة وعلى مشتقات المحروقات، أن عوامل الانكماش
باتت تؤثر في مستوى الأسعار، لا سيما أسعار السلع الأساسية مثل النفط
والمعادن الثمينة، فتتراجع لتصب في تصحيح الخلل الذي حصل، وهي مرحلةٌ
قد تستمر بين 9 شهور و18 شهراً. ويجتاح الانكماش الاقتصادي أيضاً
بريطانيا في شكلٍ واسع، ومن ثم منطقة اليورو، حيث أعلن رئيس البنك
المركزي الأوروبي، أن مرحلة إعادة تصحيح الوضع المالي فيها بدأت
وباختصار فإن مكافحة التضخم تحتاج إلى تقليص القدرة الشرائية، في حين
أن حفز النمو يحتاج إلى توزيعٍ أكثر عدالةً للدخل، بهدف تنمية حجم
الإنفاق، وغالباً ما تعتمد الدول مؤشر الاستهلاك لمعرفة مستويات النمو
فهل بدأت مرحلة تصحيح الأزمات من منطلق الانكماش الاقتصادي وتالياً خفض
الاستهلاك؟
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:daralhayat.com
|