هل حان وقت البحث عن بدائل أخرى للطاقة الأحفورية؟

 

ألان ماكدايرميد

 

مع انحسار احتياطيات النفط والغاز الطبيعي على النطاق العالمي, فإنه ربما يكون تعويضها ممكناً من الناحية التكنولوجية, وليست الاقتصادية بأي حال. ذلك أن محاولة كهذه ستكون فادحة التكلفة, اعتماداً على ما نراه اليوم من بلوغ سعر البرميل الواحد من النفط الخام 70 دولاراً, وهو سعر آخذ في الارتفاع والزيادة. ومن شأن هذه الحقيقة تعزيز قابلية بدائل الطاقة الأخرى المتجددة, بسبب ارتباط تلك القابلية بسعر برميل النفط الخام في الأسواق العالمية. ويعني هذا أنه وفي حال انخفاض سعر برميل النفط عالمياً –وهو أمر غير مرجَّح البتة- فستنخفض قابلية وجدوى البحث عن مصادر الطاقة البديلة المتجددة. وفي المقابل وفيما لو ارتفعت أسعار النفط العالمي –وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً- فسوف ترتفع تبعاً لها قابلية وجدوى البحث عن المصادر البديلة للنفط.

والشاهد حتى الآن, أن أفضل البدائل الاقتصادية المتاحة للطاقة الأحفورية, هي الخلايا الشمسية, وأوراق الأشجار والشجيرات القصيرة والأعشاب. وميزة هذه المصادر جميعاً أنها تمتص ضوء الشمس وتحوله إلى عدة مواد عضوية, تتخذ شكل طاقة مختزنة من ضوء الشمس. وكما نعلم فقد كانت المجتمعات البشرية في عصور ما قبل التاريخ, تخرج للصيد من أجل الحصول على الأسماك والحيوانات وكذلك لجمع الثمار وجذور النباتات. ثم جاءت مرحلة لاحقة تعلمت فيها البشرية تربية هذه الحيوانات وزراعة المحاصيل والثمار. وعلى رغم كف أسلافنا عن حرفة الصيد القديمة تلك, إلا أننا لا نزال نمارسها في مجتمعاتنا المعاصرة, ولكن بحثاً عن الطاقة في غابات ظهرت إلى الوجود قبل ملايين السنين. أي أننا لا نزال نبحث عن النفط والفحم والغاز الطبيعي الكامن هناك.

لكن بما أننا أصبحنا أكثر استنارة الآن, فإن علينا أن نفعل الشيء ذاته الذي فعله أسلافنا في بحثهم في ذلك الماضي السحيق عن الطعام, أي فلاحتهم للغذاء بدلاً من الخروج اليومي لصيده وجمعه. وها قد حانت اللحظة التي ينبغي علينا فيها فلاحة طاقتنا بدلاً من الخروج والبحث المضني عنها يومياً. ومثلما أنشأ أجدادنا وأسلافنا ما سميناه بالأمس "مزارع الغذاء"، فإن علينا أن ننشئ اليوم ما يمكن تسميته بـ"مزارع الطاقة". والمؤكد أننا سنحصل على حاجتنا من الطاقة, من خلال زراعتنا للنباتات, بدلاً من انتظارها كي تنمو وتتحلل إلى فحم وبترول وغاز طبيعي عبر ملايين السنين, ثم نستخدم في سبيل استخراجها من باطن الأرض ومعالجتها كيميائياً, تكنولوجيا جد باهظة ومعقدة. ولعل أوفر أنواع الطاقة التي تمكن فلاحتها بواسطة البشر, هي كحول غاز الإيثانول أو في تسميته العلمية الدقيقة كحول "البيو-إيثيل". والملاحظ في هذا الغاز أننا نستخدم كميات كبيرة منه سلفاً, في مكونات الجازولين المستخدم اليوم. ويتكون هذا الغاز على نحو رئيسي من أجزاء معينة من القمح إلى جانب تخمير المواد السكرية.

وإلى جانب هذا البديل, هناك أيضاً "البيوديزل", الذي يمكن الحصول عليه من فول الصويا وبذرة عباد الشمس وغيرهما, وجميعها أنواع مختلفة من الطاقة البيولوجية. وبهذا المعنى، فإنه يمكن استخلاص النفط دون أدنى حاجة إلى عملية التخمير. وطالما أن قدرة بعض الدول في إنتاج السكر أو القمح من أجل تخميرهما وتحويلهما إلى كحوليات مستخلصة بيولوجياً, وذلك بسبب ظروفها المناخية أو طبيعة تربتها, وما إليهما من عوامل زراعية, فإن مما يثير الاهتمام اليوم, ذلك التقدم العلمي الكبير الذي أحرز في مضمار استخلاص الطاقة من المواد السيليولوزية التي يوجد بعضها في نفايات الأخشاب وكذلك النفايات الجافة الناتجة عن المنتجات الزراعية. وفيما لو أمكن تحليل هذه المواد السليولوزية بواسطة الإنزيمات إلى مواد سكرية يسهل تخميرها وتحويلها إلى غاز الإيثانول, فعندها ستكون قد أزيلت الكثير من العوائق أمام الاستخدام الواسع لمنتجات الطاقة البيولوجية.

وفي سبيل اختبار هذه الإمكانية, فقد أنشئت مشروعات رائدة لإجراء التجارب والاختبارات في هذا الشأن, مع ملاحظة أن النتائج المتحققة حتى الآن تعد مبشرة للغاية. ففي كل يوم يجري تخفيض التكلفة, تبعاً لانخفاض تكلفة إنزيم السليولوز بفضل استمرار ومثابرة البحث العلمي قليل التكلفة في هذا المجال. والجميل في استخدام الطاقة المستخرجة من النباتات الحية, أن أوراق النباتات نفسها تعيد امتصاص أي كميات من ثاني أكسيد الكربون تبث من الطاقة النباتية. وبذلك تتوفر لنا دورة لا تطرأ عليها زيادة أو نقصان في كمية ثاني أكسيد الكربون المبثوثة في الهواء. وهذا يعني أنه لا سبيل لهذا النوع من الطاقة البيولوجية في المساهمة في زيادة الإحماء الشامل, الذي ينتج عن زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء, مع العلم بأن هذه الظاهرة تسببها عادة منتجات الطاقة الأحفورية.

وبالطبع ندرك أنه ليس في مقدور دولة ما, تلبية كافة حاجاتها من الطاقة اعتماداً على مصادر الطاقة البيولوجية أو الشمسية أو طاقة الرياح. ولهذا السبب فإنه لابد من اللجوء إلى خليط من مصادر وأشكال الطاقة, وفقاً للظروف والخصائص المناخية والتضاريسية وسمات التربة الخاصة بأي من دول العالم المختلفة. وعليه فإنه ليس غريباً أن نرى استخدام طاقة الرياح والطاقة المائية في جزء ما من أجزاء القطر نفسه, في حين نرى استخدامات الطاقة البيولوجية في جزء آخر من ذات القطر. ليس ذلك فحسب, بل ربما نرى استخداماً للطاقة الأحفورية القابلة للتعويض من الناحية الاقتصادية في جزء ثالث من الدولة نفسها.

ولست أتحدث هنا عن حالة خيالية مستعارة مجازاً من قصص الخيال العلمي, إنما أشير إلى واقعة فعلية تحدث الآن في دولة مثل البرازيل, التي تحررت تماماً من أي واردات نفطية. فقد تمكنت سلفاً من إنتاج 6 ملايين من السيارات التي تستخدم إما كحول غاز الإيثيل الصافي, أو المخلوط مع الجازولين. وتعرف هذه السيارات باسم السيارات المرنة الطاقة. فما أن تقود أي واحدة منها إلى أي من محطات التزويد بالوقود, حتى ترى مضختين كتبت على إحداهما عبارة "كحول" وعلى الأخرى "جازولين" على الرغم من أن هناك نسبة 22 في المئة من غاز الإيثانول في مكونات الجازولين سلفاً. وما أن يتم تزويد السيارة من كلتا المضختين, حتى يتكيف محرك الماكينة وفقاً لكميات الجازولين والغاز المتوفرة لتحريكها. وحتى هذه اللحظة, فإن تكلفة جالون الغاز لهي أقل بكثير من جالون الجازولين. ومما يخطر على بالي من أسئلة مهمة: إذا كانت دولة بحجم البرازيل قد تمكنت من الانتقال بهذه السرعة المذهلة إلى مصادر الطاقة البيولوجية, فما الذي يمنع القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم, من فعل الشيء نفسه, بدلاً من إدمانها غير المبرر للنفط الشرق أوسطي؟

حائز على جائزة نوبل للعلوم في 2000 وأستاذ حالي للكيمياء بجامعة بنسلفانيا

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع " تريبيون ميديا سيرفيز"-18-5-2006