الطريق لإنقاذ صندوق النقد والبنك الدولـــي من الفشل...هل الخصخصة هي الحل ؟

 

ريتشارد دبليو. ران

 

 

إذا كان كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي محتفظين ببقائهما، فما الذي سيكون عليهما أن يعملاه إن كان حالهما كذلك؟ لقد احتدم الجدال بطريقة متزايدة حول هذا التساؤل من قبل بعض الخبراء، وحتى من قبل أفراد ينتمون إلى هاتين المؤسستين. كما أن هناك عددا متزايدا من النقاد من اليمين واليسار، كليهما على وشك أن يصلا إلى اتفاق بأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد تساهلا بدرجة كبيرة جدا مع فساد كان قد استشرى بين عملائهما، وأن الكثير من برامجهما لا تقوم بالوفاء باختبارات التكاليف والمنافع المعقولة.

يقول صندوق النقد الدولي إن "غرضه الأساس هو أن يضمن استقرار النظام النقدي العالمي"، ويقول البنك الدولي إن المهمة الموكولة إليه هي "أن يتم التخلص من الفقر العالمي". هذه الأهداف هي أهداف جديرة بالثناء حتى وإن كانت غير قابلة للتحقيق، وعلى وجه الخصوص من قبل مؤسسات متعددة الأطراف تمت الهيمنة عليها على المستوى السياسي. كما أن صانعي القرارات في المؤسستين لا يتم انتخابهم بطريقة ديمقراطية. ويجب ألا ننسى أن مديري صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد سمحوا لمهماتهم أن تتداخل فيما بينهما، وفي أحيان كثيرة، تم تعريف "النجاح" على أنه عبارة عن أموال يتم دفعها وليس خدمات يتم تقديمها.

في صيف عام 1944، قام عدد كبير من الأشخاص المتنورين البارزين في عالم المال والاقتصاد، بما في ذلك "جون ماينارد كينز"، بالالتقاء في مؤتمر عقد في "بريتون وودز" في "نيو هامبشير" بغرض التخطيط للنظام المالي العالمي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. قام الكثيرون من بين الحضور بإبداء عدم الثقة بنظام اقتصاد السوق الحر، واضعين اللوم عليه بالنسبة لحدوث "الكساد العظيم" وبالنسبة لصعود "النازية". وبما أنهم كانوا جميعا نموذجيين جدا من بين طبقات أكاديمية وسياسية، فقد أخطأوا في تشخيص الأسباب التي أدت إلى حدوث "الكساد"، وهكذا فقد توصلوا إلى "حلول" غير عملية عملت على خلق مشكلات جديدة. (كانت الأسباب الفعلية لحدوث "الكساد العظيم" تتمثل في السياسات النقدية الصارمة التي تمت بطريقة غير مناسبة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى، والتعرفات الجمركية المفرطة، والسياسات التجارية التقييدية. فتم وضع اللوم على السوق الحر، وبعد ذلك، استخدامه كعذر لتوسيع دور الحكومات بشكل كبير).

كانت الحكمة السائدة عندئذ تتمثل في اعتبار الاشتراكية موجة المستقبل وأن البرامج الحكومية الضخمة هي وحدها التي سوف تتمكن من حل المشكلات الاقتصادية وأمراض المجتمع الأخرى. وهكذا، فقد أعقب ذلك من الناحية المنطقية أنه إذا كانت بعض المشكلات الاقتصادية المعينة عالمية، فسيكون بالإمكان حلها من خلال مؤسسات عالمية قوية متفوقة على الدولة القومية ومن بركان فلسفة المثالية هذه، والتي تم وضعها في غير محلها ومن الرغبة في التحكم والسيطرة من قبل أولئك "المفكرين المتنورين"، وُلد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكان أحد القرارات الذي تم اتخاذه في المؤتمر هو أن يتم استحداث نظام أسعار صرف ثابتة بين الدول، وهو الذي كان يتطلب وجود آلية تقوم "بإدارة" نظام السعر الثابت، والتي، من هنا، ستكون صندوق النقد الدولي.

قام صندوق النقد الدولي بهذه المهمة بالكامل لغاية عام 1971 عندما قام الرئيس الأمريكي نيكسون "بإقفال نافذة الذهب" التي تتعلق بمجال تحويل النقود إلى ذهب، مؤشرا بذلك على النهاية الفعلية لنظام سعر الصرف الثابت وبحلول نهاية نظام سعر الصرف الثابت، كان من الواجب على صندوق النقد الدولي أن يخرج من العمل ليكون بلا وظيفة وأن يتم حله. ولكننا كما نعلم، كان في العالم الحقيقي مؤسسات مستحدثة من قبل الحكومات لديها ما دعاه الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان" بـ"الشيء الوثيق الصلة والأقرب إلى الحياة الأبدية". وبالرغم من كل هذا، كان لدى صندوق النقد الدولي بعض المباني الضخمة مقامة في مواقع رئيسة بمركز مدينة واشنطن، وهي عبارة عن كادر من الموظفين المدللين من ذوي الأجور المرتفعة زائد مسؤولين بيروقراطيين حكوميين من ذوي النهج السلطوي من دول متعددة الذين أحبوا السفر بغرض حضور مؤتمرات تتم تحت رعاية الصندوق.

أدرك المسؤولون عن تطوير مهمة صندوق النقد الدولي أن معظم زعماء حكومات الدول سوف يروق لهم أن ينفقوا أموال شعوب أخرى، ولكن فرض الضرائب بشكل مباشر على شعوبهم لا يمكن اعتباره تصرفا شعبيا. لذا، قام الصندوق بإلحاق "شروط" معينة بخصوص قروضه التي سيمنحها والتي يتم في معظم الأحيان إدخالها في خطة تخص موازنة موزونة مكونة من نوع من تقييد الإنفاق ومن زيادات ضريبية وخفض في قيمة العملة. وأصبح من الممكن أن يقوم الزعماء المحليون بإلقاء تبعة المشقة التي ستنجم عن ذلك على صندوق النقد الدولي وليس على سوء إدارتهم هم أنفسهم أما إمكانية الدفاع عن البنك الدولي فهي أقل بدرجة كبيرة! فقد تأسس البنك على أساس افتراض مزيف هو أن الدول الغنية في حال قيامها بإقراض الأموال إلى الدول الفقيرة فسوف تصبح الدول الفقيرة غنية وسوف يختفي الفقر على نطاق واسع. وفي حقيقة الأمر، ازدهرت الدول الغنية لأنها قامت باستحداث المؤسسات والسياسات التي أتاحت للأفراد الذين يسعون نحو الأرباح أن يبتكروا السلع والخدمات في سبيل زميلهم الإنسان. وتمتاز الدول الغنية بوجود حكم القانون لديها، وحماية الملكية الخاصة، وبتدخل حكومي قليل نسبيا مع وجود أسواق حرة. أما الدول الفقيرة، فيفتقر معظمها إلى وجود هذه الصفات المميزة، كما أنها تمتاز بتساهلها مع فساد مستشرٍ على نطاق واسع.

كان لدى البنك الدولي مهمة مستحيلة. فقد كان مطلوبا منه أن يقدم معظم أمواله إلى الحكومات، ولكن الحكومات التي لا تستطيع جذب رأس مال القطاع الخاص الضروري إليها، كانت إما فاسدة جدا أو غير مؤهلة لإدارة أية أموال تتلقاها. وهناك العديد من زعماء دول العالم الثالث أصبحوا أغنياء من برامج البنك الدولي، كزعيم دولة الكونغو الرئيس الراحل "موبوتو" على سبيل المثال. ونظرا لأن البنك كان يقدم قروضا إلى وكالات حكومية في دول ذات سيادة، فقد كانت لديه فقط رقابة محدودة على المشاريع التي يقوم بتمويلها. كما أن الدول المتلقية والمانحة كلتيهما تقومان بالضغط على مديري البنك الدولي بغرض تقديم القروض، وحيث أن كل دولة مشاركة في هذا الشأن ستقوم بإنفاق أموال دولة أخرى، فإن الحوافز العديدة التي ستضمن إنفاق الأموال بطريقة سليمة سوف تكون مفقودة.

عندما كنت في الخدمة العامة بصفتي رئيسا للجنة الاقتصادية الانتقالية لبلغاريا عام 1991، شهدت كيف يقوم موظفو البنك الدولي بتقويض الإصلاحات المطلوبة في هذا المجال. ففي إحدى الحالات، حاولنا أن نقوم بالخصخصة وأن نزيل احتكار شركة هواتف مملوكة للدولة، وهي شركة "بول تيل". وكانت شركات الاتصالات الدولية من القطاع الخاص على استعداد أن تقدم أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الخدمات الهاتفية إلى بلغاريا. ومع ذلك، قام البنك الدولي بتقديم قرض إلى شركة الهواتف المملوكة للدولة بالإضافة إلى تقديم شرط صريح وهو أن لا تسمح الحكومة البلغارية بقيام منافسة من القطاع الخاص. وعندما قمت بمواجهة موظف البنك المسؤول، كان جوابه لي: "إن من الواجب علينا أن نتأكد بأن قرضنا سوف يسدَّد"!

بافتراض وجود عدد كبير من الأفراد من ذوي النفوذ والتأثير، والذين لديهم مصلحة كامنة في بقاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإن إلغاء هاتين المؤسستين سوف لن يتم. وبناء على ذلك، ما الذي يمكن أن يتم عمله؟

الحل الأفضل هو أن يتم خصخصتهما. فهاتان المؤسستان تقومان بتوليد دخل مكتسب يتم جنيه من إقراضهما للأموال، وهما تتلقيان بعض الأتعاب مقابل عملهما الاستشاري، كما يوجد لدى كل منهما أصول مالية وعقارية كبرى تعد في الوقت الحالي "مملوكة" من قبل الحكومات التي قدمت رأس المال لهما. وبالإمكان إعطاء الحكومات "المالكة" حصصا من الأسهم بحيث تساوي مساهماتها في كل مؤسسة منهما، وبعدئذ، يمكن لكل حكومة أن تختار إما أن تمتلك أو تبيع حصتها إلى أطراف من القطاع الخاص ومن الواجب أن يتم إجراء تغيير على بنية الإدارة وعلى مجلس الإدارة الحاليين ليكونا على شكل شركة عادية حيث يقوم المساهمون بانتخاب عدد قليل من أعضاء مجلس الإدارة للإشراف على الشركة. وبالإضافة إلى الدخل المكتسب والأتعاب التي تجنيها المؤسستان، فبإمكانهما أن تصبحا متعاقدتين مع حكومات أو مع مجموعة من الحكومات بغرض تقديم خدمات معينة، كإدارة المنح، وجمع البيانات ونشرها، أو حتى لتكونا بمثابة منقذين للحكومات التي تعاني من صعوبات مالية ومن خلال تحويلهما إلى شركتين عاديتين تسعيان إلى الربح، فسوف تقومان، على الأرجح، بإنجاز المهمة في مجال توزيع الموارد وضبط التكاليف.

فقد تنمو الحوافز الخاصة بالدول المتقاعسة بحيث تُدفَع إلى تبني سياسات نمو اقتصادي عالٍ، كما ستنمو مؤسسات اقتصادية ناجحة قائمة في دول نامية في حال إزالة مساندة صندوق النقد الدولي/البنك الدولي ومن المحتم أن يطور صندوق النقد الدولي خطا رئيسا تماما للتأمين على مخاطر العملات بالنسبة للحكومات وللمستثمرين من القطاع الخاص، والذي قد يكون خطا مربحا جدا إذا ما تم تسعيره بالشكل المناسب والذي سيخدم بصفته حافزا قويا بالنسبة للسياسة المالية الحصيفة ومن المحتم كذلك أن تعمل الخصخصة على تمكين دافعي الضرائب الذين قاموا بدفع مبالغ السندات من أن يحصلوا على عائد جزئي على الأقل من استثماراتهم في تلك السندات. فالحكومات، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة، قامت باستحداث العديد من المؤسسات التي تمت خصخصتها بكل نجاح لتحقق المنفعة لكل فرد. وبناء عليه، لماذا لا تشمل الخصخصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ (هذه المقالة برعاية مصباح الحرية).

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:almajalah-21-2-2008