الانحسار الاقتصادي العالمي ينعكس على أسواق النفط

 

وليد خدوري

 

 

بدأ الانحسار الاقتصادي يؤثر تدريجاً في أسواق النفط، وكان هذا واضحاً في الأسبوع الماضي، إذ اضطرت نيجيريا إلى وقف إنتاج نحو مليون برميل يومياً بسبب العنف السياسي والقبلي المتزايد هناك، خصوصاً في المناطق النفطية. واندلع حريق في واحدة من أكبر منصات الإنتاج في بحر الشمال، ما اضطر إلى وقف الإنتاج منها وصدرت تهديدات متكررة عن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز بوقف تصدير النفط الخام إلى الولايات المتحدة، رداً على تجميد أصول شركة النفط الفنزويلية الحكومية في مختلف أرجاء العالم، بقرار من محكمة تنظر في دعوى شركة «إكسون موبيل» ضد الشركة الفنزويلية بعد خلافهما حول دور الشركة الأميركية وحصتها في مشروع للنفط الثقيل الفنزويلي وتجميد كراكاس ممتلكات شركة «إكسون موبيل» في المشروع. لكن على رغم كل هذه العوامل، تراوح سعر برميل النفط الخام ما بين 87 و96 دولاراً، وإن كان حافظ على مستوى 90 دولاراً معظم هذه الفترة، ما عدا الأيام الأخيرة من الأسبوع، إذ ارتفع إلى المستوى الأعلى للنطاق السعري بسبب مشاكل في الإمدادات من المكسيك وفنزويلا وعلى رغم ان سعر النفط يرتفع عادة في فصل الشتاء، فهو لم يرتفع كثيراً في الفترة الراهنة، مع ان هذه العوامل وغيرها تدفع المضاربين عادة إلى استثمار أموالهم في سوق النفط تحسباً لارتفاع مستقبلي للأسعار وجني الأرباح، كما كان الأمر في السنوات الأربع الماضية.

ويعود السبب في هذا الاستقرار النسبي للنفط هذه الأيام، إلى تخوف الأسواق والمضاربين من مضاعفات الركود الاقتصادي على أسواق النفط في المستقبل المنظور، ناهيك عن التخوف من مسيرة الاقتصاد الصيني المستقبلية، وذلك للتأثير السلبي الذي أحدثته العواصف الثلجية في أداء المصانع ووسائل النقل من سيارات وقطارات خلال الموسم.

ونشير هنا الى أن أزمة الرهن العقاري الأميركية تحولت إلى أزمة مصارف، فخسائر المصارف الأميركية والأوروبية تُقدر حتى الآن بنحو 400 بليون دولار. واستحوذت المؤسسات المالية العالمية في السنوات الأخيرة أكثر من أي قطاع اقتصادي آخر على نشاط الاقتصاد العالمي. وبمعنى آخر أصبح أداء المصارف أكثر تأثيراً بكثير من الشركات النفطية أو أسواق النفط، ما يبرر المخاوف المتزايدة من آثار خسائرها المترتبة عن أزمة الرهن العقاري الأميركي، والتي بدأت تتضح أكثر فأكثر مع إصدار البيانات المالية لهذه المؤسسات لعام 2007 وكلما ازدادت المعرفة بتراكم الديون على هذه المؤسسات، ستكون آثارها على أداء الاقتصاد العالمي كبيرة جداً، ما يعني أنه يجب ان نتوقع صدمات أكبر تتمثل في تقليص واسع للقروض التي تتوافر عادة للشركات في تأسيس مشاريع جديدة، وان هذا الانحسار سيكون عالمياً، وليس محدوداً بمنطقة جغرافية معينة. كما ان الآثار السلبية ستترك بصماتها على أسواق الأسهم والبورصات، وطبعاً سيؤدي هذا بدوره إلى تقليص النشاط الاقتصادي ومن ثم الطلب على النفط الخام، خصوصاً إذا تأثرت بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين بهذا الانحسار، لدورهما الهام في زيادة معدلات الطلب السنوي على النفط وتضع هذه المؤشرات منظمة «أوبك» أمام خيارات هامة وصعبة في اجتماعها الوزاري المقبل في فيينا في 5 آذار (مارس). فهي لا تستطيع من جهة زيادة الإنتاج في ظل هذه الأجواء، مثلما تطالب الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية، وذلك خوفاً من تدهور مفاجئ للأسعار لا يمكن التنبؤ بمعدل انحداره وكيفية الدفاع عن حدوده الدنيا. كما لا تستطيع المنظمة من جهة أخرى خفض الإنتاج كما تطالب فنزويلا وإيران، لأن أسعار النفط الخام عالية بما فيه الكفاية ولأن هذا الارتفاع في الأسعار في ظل الأجواء الاقتصادية المتشائمة يؤدي إلى تقليص الطلب على النفط الخام وتشجيع استعمال بدائل الطاقة، ما يضر صناعة النفط في المستقبل البعيد، ناهيك عن آثار هذه الأسعار العالية على الدول الفقيرة والطبقات الاجتماعية المحدودة الدخل.

ورأينا بالفعل الآثار السلبية لهذه الأسعار العالية على هذه الدول والطبقات الاجتماعية أخيراً، خصوصاً في فصل الشتاء القارس، حيث اضطر بعضهم إلى اللجوء لقطع الأشجار وحرق الحطب للتدفئة، ولهذا النوع من الاستهلاك آثار سلبية في حياة المواطنين والبيئة. ويتمثل البديل الثالث بالمحافظة على سقف الإنتاج الحالي، في ظل الانخفاض التدريجي للطلب، ما سيعني زيادة معدل الطاقة الإنتاجية الفائضة، وهذا بدوره يؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى انخفاض مستوى الأسعار.أعلن كبار المسؤولين في المنظمة بعيد الاجتماع الأخير في أوائل شباط (فبراير) الجاري، انهم سيدرسون بعناية مستوى المخزون التجاري للنفط الخام والمنتجات النفطية في الأسابيع المقبلة، وستلعب هذه الأرقام دوراً هاماً في اتخاذ قرار الإنتاج المقبل. فأنظار المراقبين هذه الأيام موجهة الى المتغيرات في أرقام المخزون التجاري للنفط الخام والمنتجات النفطية في الولايات المتحدة وبقية الدول الصناعية الكبرى.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:daralhayat-17-2-2008