التحديات الإقتصادية لعملية التحول الديمقراطي
شهاب احمد الفضلي
يعيش الاقتصاد العراقي ازمة عميقة وشاملة تعود الى سياسات النظام السابق نتيجة الحروب والحصار، ومن المعلوم ان النظام الاقتصادي الشمولي(التخطيط المركزي) الذي يسود الاقتصاد العراقي سابقاً وما ينطوي عليه من حصر امكانات المجتمع وتنظيم احتياجاته ضمن نسق وحيد الجانب، ومن اعلى سلطة في البلاد بتجديد الاتجاهات والمضامين العامة للخطط الاقتصادية والاجتماعية للتطور الآتي والمستقبلي التي تصدربشكل اوامر ملزمة “(آليات التحول - هشام ياس شعلان). وهذا النزوع في السيطرة على العملية الاقتصادية ادى الى عزل النشاط الاقتصادي الداخلي عن العلاقات والتأثيرات الخارجية نتيجة احتكار الدولة التام للتجارة وعلى المستويين الكلي والجزئي(واجهاض اي دور لآلية السوق في توجيه الموارد وتخصيصها والتأثير في التوازن الاقتصادي “ (آليات التحول - هشام ياس شعلان). ادى الى التباطؤ في النمو وخصوصاً خلال العقود الثلاثة الماضية اشتد اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط مقابل انحسار مساهمة القطاعات الانتاجية الاخرى مما جعله اقتصاداً وحيد الجانب، وعدم الاهتمام بالجوانب الاخرى مثل القطاع الزراعي والمشاريع الصناعية الكبرى وتحويل جل الطاقات والمشاريع الصناعية لخدمة الصناعة العسكرية وآلة الحرب على حساب اشباع الحاجات المدنية للمواطنين. وبعد سقوط النظام توسع الخراب والتدمير في البنى التحتية للمرافق الاقتصادية، فان القطاعات الانتاجية اصبحت متوقفة كلياً عن الانتاج، اضافة الى قرارات سلطة الائتلاف في الجانب الاجتماعي والاقتصادي التي ادت الى انعكاسات سلبية على الدخل القومي وزيادة هائلة في اعداد البطالة وغياب دورالدولة والقانون مما وسع من جرائم التخريب الاقتصادي والارهاب اضافة الى الاحتلال. وفي المقابل تم فتح الابواب امام التجارة الخارجية دون قيود او رقابة وزيادة في مرتبات العاملين اما على الصعيد السياسي فقد جرى تأسيس الاحزاب والتجمعات وبحرية تامة انتج ذلك اشكاليات معقدة في عملية التحول الديمقراطي تستدعي الدراسة لوضع حلول ومعالجات من شأنها اعادة التوازن وعلى مختلف الاصعدة(الاجتماعية والسياسية والاقتصادية) من خلال ستراتيجية ورؤية مستقبلية. من المعلوم الى ان النظم الديمقراطية” تستند الى فكرة الحد من سلطات الحكومة خاصة في المجال الاقتصادي فلاعجب ان يصار الى ربط موجة التحول الى الديمقراطية بالاضطرابات التي تحصل في نفس الوقت في النظم الاقتصادية (الديمقراطية والنمو الاقتصادي - جون سوليفان). لذا ينبغي الاسراع في اطلاق عملية اعادة اعمار الاقتصاد وتوفير ما يلزم من مواد مالية وبشرية وتقنية وتنظيمية لما لهذه المهمة من اهمية في انجاح عملية التحولات الديمقراطية في العراق وخصوصاً العملية السياسية، وارتباطها بشكل جدي، وان اياً منهما يكمل الاخر. واوضح ان المشروع المطروح بقوة في عملية اعادة الاعمار باجراء تغيير هيكلي في الاقتصاد لتحويله من اقتصاد دولة يعتمد التخطيط المركزي وهيمنة قطاع الدولة وادارة بيروقراطية طفيلية الى اقتصاد سوق من خلال اعتماد السوق محوراً للنشاط الاقتصادي والية توجيه موارده وهذا يتطلب خصخصة في مشاريع الدولة حتى دون دراسة مسبقة وتضييق جذري لدور الدولة الاقتصادي واعطاء القيادة بذلك للقطاع الخاص والاستثمار الاجنبي. التي يمكن اجمالها بالآتي : * اقصاء الدولة من الحقل الاقتصادي وتحرير الاقتصاد من الضوابط . * العمل على تحقيق استقرار العملة المحلية واتباع سياسة تقشفية لتمكين السلطة الجديدة من تسديد التزاماتها من المديونية الخارجية لجذب الرأسمال الاجنبي. * العمل على خلق فئات اجتماعية محلية لها مصلحة فعلية في تنفيذ ستراتيجية الانتقال تؤلف قاعدة اجتماعية للسلطة الجديدة. * بطالة واسطة ضاغطة على الاجور الحقيقية لتوفير عمالة رخيصة للشركات الاستثمارية الاجنبية. الرؤية المستقبلية مما تقدم فان الازمة الاقتصادية واختلالاتها العميقة التي خلفتها الفترة الماضية تؤكد ضرورة القيام باصلاحات اقتصادية تستند الى ستراتيجية تنموية تخدم التحولات الديمقراطية لتوفير مناخ ملائم وصحي للمواطنين، وهذا يتم من خلال احداث تغيرات في البيئة الاحادية للاقتصاد العراقي وتحديثه في عملية الهدف منها توزيع عادل للثروة والعناية بالفئات الاجتماعية الاكثر ضرراً من خلال : * اعتماد اطر وتشريعات جديدة للنشاط السياسي في جوانبه المختلفة(السياسية الادارية، الحقوقية..الخ). * الاستعانة برؤوس الاموال الخارجية وتوفير شروط مناسبة لاجتذابهم لما تفرضه المتطلبات الحالية. مما سبق يمكن الاستنتاج من تجارب البلدان المختلفة سلكت هذا النهج. اولا: يقر الكثير من المنظرين في اقتصاد السوق بدور الدولة، في حال عجز آليات السوق عن القيام بوظائفها وخصوصاً في مسألة توزيع الثروة والاستثمار والبنى التحتية وحماية البيئة وغيرها من المجالات التي لا تخضع لآلية السوق وفي حال العراق وازاء ضعف القطاع الخاص والعام فلابد من دور فاعل للدولة في عملية الاصلاح الاداري يرسي معايير صحيحة في الشفافية والكفاءة ومحاربة الفساد الاداري ووضع مناسب للاجور يؤمن عيشاً كريماً للمواطن . ثانيا من الضروري اصدار القوانين والتشريعات مثل عملية التحرير الاقتصادي لاي قطاع تضمن حقوق العاملين وحرية التنظيم النقابي تحفظ حقوق المستهلك وشروط المنافسة لضبط التلاعب والتجاوزات . ثالثاً : بما ان اسلوب التخطيط المركزي اثبت فشله واحلال بديل عنه هو اقتصاد السوق فأن من الاهمية وضع البرامج في تعبئة الطاقات والموارد لتحقيق توليفة متناسقة تحقق تنمية مستدامة وعدم ترك عملية اعادة الاعمار للتطور العفوي اذ من شأن الخطط ان توفر اطاراً مرشداً لواضعي السياسات المالية والنقدية والقطاعية لمختلف الفعاليات الاقتصادية. رابعاً : لاشك ان تنشيط القطاع الخاص وتوفير المناخات السياسية والاقتصادية والحقوقية الملائمة لممارسة نشاطه يعد من ابرز اهداف الاصلاح الاقتصادي لذا فأن عملية الخصخصة يجب ان تكون مدروسة ، وقائمة على مقدار تأثيراتها الاجتماعية وليس عملية نقل ملكية من القطاع العام الى الخاص فقط. والأخذ بمبدأ النسبية او التخلي التدريجي . كما ان المصلحة تقتضي من الدولة القيام بالاعانة والدعم اللازمين لتأهيل هذه المؤسسات و تمكينها من استئناف عملها وامهالها فترة معقولة لتثبيت جدواها الاقتصادية وهذا يعني ان النهوض بالاقتصاد العراقي واصلاحه ليكون جزءاً داعماً في عملية التحولات الديمقراطية الجارية لما له من اثر كبير وثأثير بالغ في عملية الحراك الاجتماعي وانقساماتها في تغيير البنى الثقافية والفكرية وماتحدثه من تطور في التشكيلة الاجتماعية بعد ان فشل مشروع التنمية المستند الى تنظيم الحياة الاقتصادية من قبل الدولة حصراً وكذلك المشروع الذي يعتمد على قوى السوق كلياً ما يتوجب على واضعي السياسات الاقتصادية في وضع ستراتيجية اقتصادية تنموية على حساب الجانب الاجتماعي واسقاطاته على مجمل عملية التحولات الجارية في العراق ومستقبل الديمقراطية . وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: جريدة الصباح-2-5-2006
|