معدلات الاستهلاك... فجوة عالمية مخيفة
جاريد دياموند
بالنسبة لعلماء الرياضيات يعتبر الرقم 32 من الأرقام المثيرة للاهتمام
لأنه يمثل الرقم 2 مضروباً في نفسه خمس مرات. أما بالنسبة للاقتصاديين،
فإن هذا الرقم يبدو مثيراً بشكل خاص لأنه يستخدم في قياس الفرق بين
أنماط الحياة في العالم الأول، ومثيلتها في العالم النامي
فالمعدلات التي يستهلك بها الناس الموارد مثل النفط والمعادن،
وينتجون بها المخلفات مثل البلاستيكيات، والغازات المسببة للاحتباس
الحراري في العالم الأول، لا سيما في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية
واليابان وأستراليا، تفوق بمقدار 32 مرة مثيلاتها بالعالم النامي
وعامل الـ32 هذا له نتائج أخرى كثيرة، ولكي نفهم تلك النتائج
علينا أن نفكر في قلق العالم من الزيادة السكانية في العالم. ففي الوقت
الراهن يزيد عدد سكان العالم عن 6.5 مليار نسمة، وقد يتزايد هذا الرقم
ليصل إلى 9 مليارات نسمة خلال النصف الأول من القرن الحالي
علينا أن نتذكر هنا أننا كنا خلال العقود الماضية ننظر إلى
الزيادة السكانية باعتبارها التحدي الرئيس الذي يواجه البشرية، أما
الآن فقد أصبحنا ندرك أن هذه الزيادة السكانية ليست هي التي تهم في حد
ذاتها وإنما الذي يهم فيها هو: ماذا ينتج سكان العالم وماذا يستهلكون.
في الوقت الراهن يصل معدل الاستهلاك النسبي للفرد الواحد بالنسبة
للمليار شخص الذين يعيشون في الدول المتقدمة 32 أما الغالبية العظمى من
باقي سكان العالم البالغ عددهم 5.5 فيقل معدل الاستهلاك للفرد الواحد
عن هذا الرقم وينخفض بالنسبة للغالبية العظمى إلى الرقم 1
والسكان وخصوصاً في العالم النامي يتزايدون بشكل مستمر، وهو ما
يعتبر مصدراً لقلق الكثيرين. فبعض هؤلاء السكان يعربون عن قلقهم من
الزيادة السريعة في عدد سكان كينيا، في حين أن الحقيقة هي أن هذه
الزيادة قد تمثل مشكلة بالنسبة لكينيا فقط على اعتبار أن عدد سكانها
يزيد عن 30 مليون شخص، ولكنها لا تمثل عبئا على العالم بأسره، لأن معدل
استهلاك الفرد الكيني منخفض للغاية في الأساس. والناس في دول العالم
الثالث على وعي بهذا الفرق في معدل الاستهلاك للشخص الواحد، وهو ما
يمثل مشكلة في الحقيقة تبدأ هذه المشكلة
تحديداً عندما يدرك هؤلاء السكان أن آمالهم في اللحاق بمعدل الاستهلاك
الفردي في العالم الغربي قد تلاشت فهذا الإدراك يجعل البعض منهم يصاب
بالإحباط ويتملكه الغضب، بل وقد يتحول للإرهاب أو على الأقل يقبل بوجود
الإرهابيين أو يدعمهم والمشكلة تنبع من أن
الناس الذين يستهلكون كميات قليلة للغاية من الموارد العالمية، يريدون
أن يستمتعوا بنمط حياة يتميز بمعدل استهلاك عال. وهناك العشرات من
الملايين في العالم النامي يسعون إلى التمتع بأنماط الحياة في العالم
الأول بوسائلهم الخاصة ومنها، على سبيل المثال، الهجرة إلى الولايات
المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية واليابان وأستراليا. ويُشار في هذا
السياق إلى أن كل انتقال لفرد من دول العالم النامي إلى دول العالم
المتقدم التي تتزايد فيها معدلات الاستهلاك، يزيد من معدلات الاستهلاك
العالمي على الرغم من حقيقة أن معظم المهاجرين لا يقومون بمضاعفة نسبة
استهلاكهم بمقدار 32 مرة بمجرد وصولهم إلى دول الهجرة
ومن ضمن الدول التي تسعى إلى زيادة معدل الاستهلاك الصين التي
تمتلك اقتصاداً يُعد من أسرع اقتصادات العالم نمواً، ويبلغ عدد سكانها
1.3 مليار نسمة أي أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة. وعلى الرغم من
أن معدل استهلاك الفرد الصيني يقل 11 مرة عن معدل استهلاكنا، فيجب أن
نسأل أنفسنا سؤالاً مؤداه: ماذا يحدث لو قررت الصين رفع معدلات استهلاك
سكانها- حتى إذا ما افترضنا أن أي دولة من دول العالم لن تقوم بزيادة
استهلاكها، وأن عدد سكان كل دولة سيظل كما هو، وأن الهجرة ستتوقف؟ إذا
ما أخذنا كل ذلك في الحسبان، فإن رفع معدل استهلاك الفرد الصيني بحيث
يصل إلى معدل استهلاك الفرد الأميركي سيؤدي إلى مضاعفة معدلات
الاستهلاك العالمي مرتين، وسيؤدي إلى تزايد معدل استهلاك البترول بنسبة
106 في المئة، وزيادة استهلاك العالم من المعادن بنسبة 94 في المئة.
قد يظن الأميركيون أن الزيادة في استهلاك الصين هي المشكلة ولكنهم يجب
أن يعرفوا أن الصينيين يحاولون فقط الوصول إلى المستويات التي وصلنا
إليها، وأنهم عندما ينصحونهم بعدم محاولة الوصول إلى مستوياتهم، فإن
تلك النصيحة ستكون عقيمة. المقاربة الوحيدة
المعقولة التي يمكن للصين وغيرها من الدول النامية في العالم- الهند
بالذات- أن تقبلها هي إقناع هذه الدول بأن جميع الدول المتقدمة
والنامية يجب أن تسعى إلى تحقيق هدف مشترك، هو التقريب بين معدلات
الاستهلاك ومعدلات المعيشة بين هذه الدول وجعلها أكثر تساوياً. ولكن
حتى إذا ما فعلت الولايات المتحدة ذلك، فعليها أن تعرف أن العالم ليس
لديه في الوقت الراهن موارد كافية تساعد الصين على رفع معدل استهلاكها-
ناهيك عن قيام باقي دول العالم بذلك. هل يعني ذلك إذن أننا نتجه نحو
كارثة؟
ليس بالضرورة لأننا قادرون على التوصل إلى نتيجة معقولة وقابلة
للاستمرار، وهي أن تتوافق دول العالم على معدلات استهلاك تقل بدرجة
كبيرة عن أعلى المعدلات الحالية قد يعترض
الأميركيون على ذلك ويقولون إنه ليس هناك من سبب يجعلهم يضحون بمستويات
الاستهلاك العالية التي يتمتعون بها من أجل مصلحة باقي سكان العالم،
ولكن الحقيقة التي يجب أن يعرفوها جيداً هي أنهم سيضطرون شاءوا أم أبوا
إلى تخفيض معدلات استهلاكهم، لأن المعدلات الحالية وببساطة شديدة غير
قابلة للاستدامة.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alitihaad-4-1-2008
|