مؤتمر الدبلوماسية

 

 

مقدمــة:

تفرض المستجدات العالمية المتلاحقة الحاجة إلى تجديد لغة التواصل بين العرب والأسرة الدولية، خصوصا بعدما انقطعت العديد من الجسور، وازدادت الفجوة بين الوطن العربي والولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم. فلقد خرج العرب من العقود الماضية والأحداث الأخيرة وقد ضيعوا الكثير من الفرص وخسروا الكثير من المواقع، وأفاقوا ليجدوا أنفسهم على أعتاب القرن الحادي والعشرين في مراتب متأخرة من حيث المؤشرات التنموية الحيوية في الوقت الذي لم تحل فيه قضاياهم المصيرية، ثم أفاقوا ثانية ليجدوا أنفسهم متهمين بأقسى التهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الدامية.

من هنا تتجه الأنظار للدبلوماسية العربية، وإلى المهام المناطة بالجهاز الدبلوماسي العربي في المرحلة المقبلة. فالدبلوماسية هي لغة الحوار وأداة التواصل المباشرة مع الآخر للتعريف بالذات، والدفاع عن القضايا، وخلق حالة وثقافة سلام تتحقق في ظلها مصالح الجميع، والحفاظ على صورة حسنة وغير مشوهة في الخارج، وتصحيح الأوهام والتصورات الزائفة. وتسعى الدبلوماسية إلى تعظيم الاستفادة المشتركة، وإقامة علاقات صحيحة وودية وبناء الجسور للتواصل بين الحكومات والشعوب، وتغليب الوفاق والاتفاق وتقليص الاختلاف والخلاف وتسويتها من خلال التفاهم.

لذلك، فإن العمل الدبلوماسي أصبح أكثر أهمية في عالمنا المعاصر من أي وقت آخر، خصوصا مع بروز دور الدبلوماسية الشعبية، وتداخل المصالح والروابط المجتمعية عبر القارات وانكماش العالم، وانحسار مبدأ السيادة بفعل قوى العولمة، وثورة وسائل الاتصال التي أدت إلى تغييرات في جميع المجالات والأدوار والمهام بما في ذلك أدوار ومهام الدبلوماسيين والدبلوماسية معاً. لقد أدى التقدم في مجالات التكنولوجيا والعلوم وانتشار التخصصات الفنية الدقيقة إلى تغيير المفاهيم والمسلمات الدبلوماسية وأصبح من المتعذر على أي دبلوماسي مهما بلغت ثقافته ممارسة دوره التقليدي وبرزت مجموعة من المشكلات التي تواجهها دبلوماسيات الدول النامية في المؤتمرات والمنظمات الدولية المتنوعة بسبب قلة عدد الدبلوماسيين المتخصصين في بعثاتها مقارنة بضخامة عدد اللجان الفنية المتخصصة التي قد تناقش قضايا دقيقة وتفصيلية ومستقبلية تؤثر على المصالح الحيوية للدول والشعوب.

إن الدبلوماسية تنتعش في عالم يزداد انفتاحا، وتتراجع عندما تصم الآذان، وتسود موجات الكراهية والعداء وصدام الحضارات بين الأمم والشعوب، ويسيطر على العالم قانون القوة على حساب قوة القانون، فلا يُترك مجال للغة الحوار والسلام والتفاهم وهي لغة الدبلوماسية. وفي الوقت الراهن يعيش العالم مثل هذه المرحلة، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار التوازن في النظام الدولي، وبروز نظام عالمي أحادي القطبية، أصبح أكثر أحادية بعد أحداث 11 سبتمبر، علاوة على ذلك، فإن المنطقة العربية تحديداً تعيش ظروفاً غير عادية بعد حرب الخليج الثالثة والتي انتهت إلى احتلال العراق.

وإدراكا منها بأهمية دور الدبلوماسية العربية في عالم متغير، وخلال هذه المرحلة الحرجة من العمل السياسي والدبلوماسي العربي بعد حرب العراق، فقد عقدت وحدة الدراسات في دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر مؤتمرها السنوي تحت عنوان "الدبلوماسية العربية في عالم متغير"، ويأتي اختيار موضوع المؤتمر اعتبارات عدة:

وجاءت أوراق المؤتمر على مستوى أهمية الموضوع واتسمت بشمولية المعالجة ودقة التشخيص حول الاتجاهات الراهنة والمسارات المستقبلية الدبلوماسية العربية. وأثارت الأوراق نقاشات صريحة وحريصة وتوقفت بشكل متأني أمام الأسباب الآنية والبنيوية التي تعطل الدبلوماسية العربية وتحد من بلورة موقف دبلوماسي مشترك يستند إلى الحد الأدنى من الإجماع العربي ويساهم في تعطيل الجهاز الدبلوماسي العربي الضخم والمتواجد في العواصم. وأكدت الأوراق والحوارات أن أداء الدبلوماسي العربي متواضع جداً وأن الحكومات العربية لم تستغل الجهاز الدبلوماسي العربي الاستغلال الأمثل بل هي متهمة بتجاهلها لهذا الجهاز الذي يضم طاقات وكفاءات دبلوماسية مخضرمة وجديرة وواعدة. كل ذلك يشير إلى أن الوقت قد حان من أجل تفعيل وتجديد وتحريك الدبلوماسية العربية والارتقاء بدورها والاستفادة من طاقاتها ورفدها بكوادر متخصصة وقادرة على مواكبة متطلبات العصر الذي يزداد تعقيداً واحتياجات العالم الذي يزداد انكماشاً واندماجاً.

لقد كشفت حوارات المؤتمر أن الصورة ليست زاهية على أرض الواقع. فالعقبات والتحديات التي تواجه الدبلوماسية العربية كثيرة وأحياناً خانقة وربما تدفع لليأس والإحباط وهو الأمر السائد عربياً على كافة المستويات. ورغم أن الحكومات العربية تتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية، إلا أن ذلك لا يعفي الجهاز الدبلوماسي العربي من أخذ المبادرات الذاتية من أجل تحقيق قدراً أكبر من التنسيق في الخارج للتأثير على الرأي العام العربي خاصة وقت الأزمات العاصفة وعندما تتعرض الأمة العربية للعدوان، وعندما تكون القضايا العربية عادلة كل العدالة وواضحة كل الوضوح. كل ذلك يطرح السؤال حول واقع ومستقبل الدبلوماسية العربية والتحديات التي تواجهها والمساهمات التي يمكن أن تقدمها، لقد حاولت الأوراق والنقاشات الإجابة على هذا السؤال الذي ظل يتردد حتى بعد انتهاء المؤتمر، وربما كان من المهم طرحه خارج المؤتمر وعلى كافة المعنيين والمهتمين والمتابعين لقضايا الدبلوماسية العربية.

لقد توزعت محاور المؤتمر على ست جلسات قدمت خلالها ست أوراق، وقد سبق الجلسات الست الرئيسية للمؤتمر جلسة افتتاحية تحدث فيها الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور عبدالله عمران رئيس مجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، وسعادة عبدالرحمن العطية أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وسعادة أحمد بن حلي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية.

في الورقة الأولى للمؤتمر، قدم د. غسان سلامة ورقة بعنوان: تقييم نقدي لحصاد الدبلوماسية العربية، جاءت بمثابة إطلالة عامة على الآداء الدبلوماسي العربي، وهدفت إلى التعريف بالإطار العام الذي تمارس فيه الدبلوماسية العربية عملها في ظل الوضع الجديد، وفي تفسيره لما حدث، أكد غسان سلامة أن الدبلوماسية العربية أثناء الحرب على العراق كانت معطلة وشهدت انحداراً تدريجياً وأرجع ذلك إلى عمق الخلافات العربية.

وفي محاضرته عن "العمل الدبلوماسي والتعامل مع الأزمات والنزاعات"، تحدث السفير الأخضر الإبراهيمي من واقع خبرته الطويلة في معالجة الأزمات عن الخصائص المشتركة بين الأزمات الدولية مورداً خمس خصائص: 

أولا: أنه منذ نهاية الحرب الباردة أصبحت معظم النزاعات تنشأ وتتطور داخل البلد الواحد. ثانيا: أن الأزمات تؤثر فيما حولها وتتأثر بما يأتيها من خارج الحدود. ثالثا: أن لكل أزمة خصوصياتها. رابعا: أنه لا يمكن التدخل الإقليمي والدولي في كل أزمة. خامسا: أن التعامل مع الأزمات لا يخضع لقوانين ثابتة وأن »الوقت الحاسم« هو أهم عامل في التعامل مع الأزمات.

في ورقتة حول "الدبلوماسية العربية في المحافل الدولية" تطرق السفير محمد حسين الشعالي إلى الآليات الداخلية لعمل منظمة الأمم المتحدة، وحلل الأداء الدبلوماسي العربي في القضية الفلسطينية والحرب العراقية الإيرانية، وفي أثناء احتلال العراق للكويت، وأورد نجاحات الدبلوماسية العربية وإخفاقاتها مؤكداً أن الدبلوماسية مهما بلغت حجتها لا تستطيع التعويض عن العجز الكامن في الأمة العربية.

الورقة التالية كانت  للأستاذ جميل مطر حول "الدبلوماسية الشمولية" ركزت على التطورات الجديدة التي أثرت بالسلب في العمل الدبلوماسي في ظل تجنيد العسكريين ورجال الأعمال وانشغال الدبلوماسي بتجميع المال والتربح، وتعّقد العلاقات ووسائل الاتصال الدولية والتحولات في النظام الدولي تحت وقع النزعة الإمبراطورية للنخبة الحاكمة في واشنطن، في ظل هذه التحولات مثلت الدبلوماسيات العربية نموذجاً للاختراق من قبل الدبلوماسيات الغربية الشمولية التي تمتلك القدرة الضخمة على التمويل والنفاذ داخل المجتمعات الضعيفة.

أما د. يوسف الحسن، فقد خصص ورقته "الدبلوماسية العربية في عالم متعولم" لرصد التحولات في البيئة الخارجية والداخلية للدبلوماسية كمهنة مركزاً على تأثير تكنولوجيا الاتصال والفضائيات والتدفق المعرفي والمعلوماتي، والفاعلين الدوليين الجدد، والمزاج الجديد في البيئة الدولية بعد 11 سبتمبر التي أكدت سيطرة فكر أيديولوجي يميني متطرف في الاقتصاد والإعلام والسياسة في أمريكا، ومنتقداً الدبلوماسيات العربية المؤدلجة والمعسكرة والممزقة والعاجزة عن التعامل مع الإعلام لقد جاءت نقاشات مؤتمر "الدبلوماسية العربية في عالم متغير" لتحمل ملامح العملي والفكري والقديم والجديد، وبين الأفكار الكثيرة كانت ثمة خيوط ودلائل على تفكير سياسي دبلوماسي عربي مختلف، يمزج بين الوطني والقومي دون أن يخضع أحداهما للآخر في العمل الدبلوماسي فالدبلوماسية العربية هي جزء من كل وهي انعكاس للواقع الوطني والقومي العربي، ومن ثم فإن إصلاحها يرتبط بإصلاح هذا الواقع في جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإذا كان من الملائم طرح بعض المقترحات والأفكار التي مثلت "الحوار الخلفي" و"الضمني" في كل جلسات المؤتمر، فإنه يمكن التأكيد على ما يلي:

(1) دعوة الدول العربية إلى الاستفادة القصوى من الجهاز الدبلوماسي العربي الذي يتكون من كوادر دبلوماسية تتمتع بخبرات وكفاءات عالية.

(2) ضرورة أن يقوم الجهاز الدبلوماسي العربي بتفعيل نفسه، واتخاذ المبادرات الذاتية، خاصة تجاه القضايا القومية وفي أوقات الأزمات الحادة.

(3) التفاعل مع القضايا الإنسانية والكونية المستجدة على خريطة الاهتمامات الدولية، وتنمية الدبلوماسي العربي المحترف، والمتفاعل مع العصر، والمستوعب لأدواته، للوصول إلى قلب وعقل الرأي العام العالمي والمجتمع الذي يقيم فيه.

(4) تفعيل الدبلوماسية الشعبية العربية، والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني العالمي، وتعميق المفهوم الرسالي للعمل الدبلوماسي، علاوة على إعادة الاعتبار للشأن الاقتصادي في العمل الدبلوماسي.

(5) دعوة الدول والحكومات العربية لزيادة هامش الحريات السياسية والمدنية، والبدء بمشروعها الإصلاحي الداخلي، وفتح قنوات المشاركة ودعم الديمقراطية، من أجل تهيئة الظروف السياسية والمجتمعية التي تمكن الدبلوماسية العربية من العمل والتنسيق في الخارج، للدفاع عن المصالح الوطنية والقومية وإبراز الوجه الحضاري المشرق للأمة العربية.

(6) التأكيد على مفهوم جديد لدور ورسالة الجامعة العربية، وتفعيل مؤسساتها، بما في ذلك مؤسسة القمة والأمانة العامة والاستثمار مستقبلا في دبلوماسية الجامعة العربية لرفد العمل الدبلوماسي العربي في العواصم العالمية والمؤسسات الدولية.

(7) بلورة فكرة الدبلوماسية العربية المشتركة ذات المصالح المختلفة والتي تنتمي إلى الأسرة المتعددة، بدلاً من الدبلوماسية العربية الواحدة أو الموحدة والتي تغييب الاختلافات الوطنية.

لقد رأت وحدة الدراسات في دار الخليج أهمية نشر وقائع مؤتمر »الدبلوماسية العربية في عالم متغير« كاملة وكما هي، لتوضع بين أيدي المعنيين والمهتمين بتطوير آليات العمل الدبلوماسي العربي، كمساهمة في البحث عن جوانب النجاح والعمل المشترك ومجالات التعاون العربي الممكنة في ضوء الفرص والمخاطر في العالم الراهن وفي ظل الأوضاع العربية بعد الحرب على العراق.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر: alkhalee