![]() |
||
![]() |
إصلاح الأمم المتحدة ... لماذا ... ومتى ... وكيف ؟
تتصف المرحلة الحالية من مراحل تطور النظام الدولي بعدم الاستقرار الذي يتجلى بوضوح في مسلسل الصراعات المحلية والإقليمية المنتشرة في مختلف قارات العالم وفي النزاعات العرقية والطائفية التي باتت تهدد بتقويض الدول وانفراط عقد التنظيم الدولي والعودة بالمجتمع الدولي إلى شريعة الغاب. وتعد الاختبارات النووية التي أجرتها كل من الهند وباكستان في شهر مايو من العام 1998 التي يمكن أن تتطور إلى حرب نووية بين الدولتين، دليلاً على الوضع المضطرب للنظام الدولي الحالي، رغم انتهاء الحرب الباردة منذ قرابة عقد من الزمان. والحق أنه منذ سنوات قلائل، ساد على نطاق واسع انطباع بأن نهاية الحرب الباردة ستقود إلى ميلاد جديد للأمم المتحدة بعد أن تعثر دورها وخصوصاً فيما يتعلق بأعمال نظام الأمن الجماعي إبان فترة اشتداد الصراع الأيديولوجي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وما صاحب ذلك من كثرة استخدام حق الفيتو. ومما شجع على هذا التفاؤل، أن الأمم المتحدة توسطت فيما بين عامي 1987م، 1991م في إبرام مجموعة من الاتفاقيات ساعدت في إنهاء القتال بين إيران والعراق، وفي انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، وقيام حكومة ائتلافية واسعة القاعدة في كمبوديا، وإنهاء الحرب الأهلية المزمنة في السلفادور. بيد أن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد بفعل عجز الأمم المتحدة البين عن القيام بدورها في حفظ السلام والأمن في عدد من المناطق الملتهبة في العالم، ومنها على سبيل الذكر الصومال، ويوغوسلافيا السابقة، ورواندا وكشمير، حيث بدا واضحاً أن هذه المنظمة العالمية تحولت إلى أداة في يد الدول الكبرى، ولا سيما منها الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، فكان أن فقدت الأمم المتحدة استقلالها وحيادها وأصبح دورها محدوداً بالقدر الذي تسمح به تلك القوى، وبما لا يتعارض مع مصالحها. ونتيجة لهذا الوضع، تدهورت مكانة الأمم المتحدة، واستقبل السكرتير العام السابق بطرس غالي بمظاهر السخط والاحتجاج في مناطق الصراع في العالم، كما أصبحت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هدفاً للقوى المتحاربة والمتصارعة في أكثر من منطقة من مناطق النزاع في العالم، حيث وصل الأمر إلى حد احتجاز عدد من أفراد قوة حفظ السلام الدولية على يد الصرب في شهر نوفمبر عام 1994 . ويعتبر فشل الأمم المتحدة في الصومال مثالاً واضحاً لإخفاقات الأمم المتحدة وتخبطها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، إذ تحولت المنظمة العالمية من دورها كأداة لحفظ السلام إلى أداة قهر، بل صارت متورطة في صراع الفصائل المتحاربة في الصومال. فبعد الفشل الذريع في الصومال، سمحت الأمم المتحدة للجنة مستقلة من ثلاثة أعضاء يرأسها القاضي الزامبي السابق ماثيو نغلوي برفع تقرير عن عنف قوات الأمم المتحدة في الصومال. ولقد تضمن التقرير نقداً حاداً للأمين العام ولهذه القوات، إذ تم في إطار عملية تدخل الأمم المتحدة فى الصومال قتل حوالي (6) آلاف صومالي مقابل 81 من قوات الأمم المتحدة. وينتقد هذا التقرير المنظمة العالمية لتخليها عن حيادها التقليدي، ويوصي في النهاية بأن تقوم الأمم المتحدة بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالضحايا الأبرياء في الصومال من جراء "عدوان الأمم المتحدة".(1) بيد أنه على الرغم من كل نقائص الأمم المتحدة وإخفاقاتها السالف الإشارة إليها، إلا أنها لا تزال إحدى الأدوات الرئيسية لحل المشكلات الدولة، كما تعد رمزاً للتعاون والتنسيق البنَّاء بين الدول، وبدونها ينفرط عقد النظام في العالم وتسود شريعة الغاب. ولهذا وذاك، فانه ليس من المنطقي والمعقول، وخصوصاً في تلك المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي، مسايرة ما يذهب إليه البعض من المطالبة باستبدال منظمة دولية جديدة بالأمم المتحدة القائمة، وإنما المتعين إجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة في هذه المنظمة العالمية بقصد بث الفاعلية فيها وتعزيز قدرتها على تحقيق الأهداف المتوخاة من وراء إنشائها في حفظ السلام والأمن الدوليين، وإنماء التعاون الدولي وضمان احترام حقوق الإنسان. وليست الدعوة إلى إصلاح هيكلية الأمم المتحدة وليدة اليوم، فقد طالبت بها منذ الستينات وحتى اليوم حركة عدم الإنحياز، كما أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية هذه المسألة حين أصدرت في عام 1974 قراراً يقضي باعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة والبحث في السبل المؤدية إلى تعزيز دور المنظمة وجعلها أكثر فاعلية. وأنشأت لهذا الغرض لجنة أسمتها "اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة وبتعزيز دور المنظمة. كما تكررت دعوات الإصلاح مراراً من قبل الأمناء العامين للمنظمة، وتضمنتها تقاريرهم السنوية، فاشتملت على التوجيه بضرورة إقامة نظام دولي جديد يستند أول ما يستند إلى إصلاح الأمم المتحدة بوصفها المنظمة التي يتشكل فيها النظام الدولي الجديد (2). بل إن حركة المطالبة بإصلاح المنظمة العالمية لم تكن غائبة عن المفكرين والباحثين في الشؤون الدولية، حيث قامت مجموعة تسمى "المحامون الدوليون للسلام والعدالة" بحملة نشطة من أجل إصلاح المنظمة العالمية وذلك لكي يحل العدل والمساواة بين الدول الأعضاء محل الظلم والتفرقة. وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها المجموعة من أجل هذا الهدف السامي هي القيام ببيان وإبراز مختلف العيوب التي تشوب الأساس القانوني لهذه المنظمة الدولية، وذلك في شكل تقرير تم عرضه على الأمم المتحدة والأمل معقود على أن تعقب هذه المبادرة خطوات أخرى لإصلاح المنظمة العالمية.(3) وتحرص دول العالم الثالث أكثر من غيرها على تفعيل المنظمة الدولية وذلك نظراً لتقلص هامش المناورة الذي كان متاحاً لهذه الدول في مرحلة الحرب الباردة وبعبارة أخرى، فان زوال الاتحاد السوفييتي من خارطة العالم وما ترتب على ذلك من انفراد الولايات المتحدة ومجموعة الدول الصناعية الرأسمالية بادارة النظام الدولي، قد أدى إلى تدني المكانة الدولية للعالم الثالث، وبالتالي فان بث الفعالية في الأمم المتحدة من شأنه أن يوفر بعض الأمان لهذه الدول، وأن يتيح لها قناة لتمرير مطالبها تجاه الدول المتقدمة بشأن العمل على تحسين أوضاع الجنوب وتنميته، بحكم أن الأمم المتحدة ليست فقط أداة لحفظ السلم والأمن الدوليين، وإنما هي فضلاً على ذلك ومن خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن تضطلع بدور فعال في إدارة وتنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية وإقامة نظام اقتصادي دولي يحقق العدل والإنصاف بين أعضاء المجتمع الدولي، غنيهم وفقيرهم. وفيما يلي نوضح الاعتبارات التي تدعو إلى إصلاح الأم المتحدة: 1 - الاتجاه نحو العالمية: فلقد أصبحت المشكلات التي يواجهها عالم ما بعد الحرب الباردة تتسم بعالمية النطاق من حيث نشأتها وآثارها، بحيث لا يمكن مواجهتها إلا من خلال العمل الجماعي المنسق. ومن ذلك مشكلات تحرير التجارة الدولية، والغذاء، والطاقة ،والبيئة، واللاجئين، وأعالي البحار، والحد من التسلح، وخطر إجراء التجارب النووية. ولا شك أن المعالجة الفعالة والمواجهة السليمة لمثل هذه المشكلات وغيرها تقتضي تعديل البنيان الهيكلي للأمم المتحدة من حيث كونها تمثل منطق العمل الجماعي من ناحية، كما أنها تساعد من خلال المفاوضات الجماعية التي تتم في إطارها على التوصل إلى اتفاقات وبرامج عمل تستهدف مواجهة هذه المشكلات بأسلوب جماعي منسق من ناحية أخرى. 2 - ظهور أنواع جديدة وخطيرة من المشكلات والأزمات الدولية: أدى انسحاب القوتين العظميين (الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية) من سباق الصراع على النفوذ في مناطق عديدة إلى زعزعة الاستقرار في بعض هذه المناطق بعد ترك ساحتها لصراعات القوى المحلية والإقليمية. ولقد أدى هذا الوضع إلى ظهور بعض الأزمات من نوع خاص، من الصعب تصور وجودها في ظل مرحلة القطبية الثنائية، حيث كان مجرد نفوذ إحدى القوتين العظميين يستدعي نفوذ القوة المنافسة. ومن ناحية أخرى، فقد ترتب على انهيار المعسكر الاشتراكي ثم تفكك الاتحاد السوفييتي، انفجار مشكلة القوميات والصراعات العرقية والدينية والطائفية، ليس فقط في دول المعسكر الاشتراكي وإنما في أنحاء عديدة من أوربا والعالم ومن المؤكد أن أحد المصادر الهامة للصراعات الدولية سيكون من الآن فصاعداً، اضطرابات وقلاقل مدنية ذات جذور عرقية تتصاعد وتتفجر عبر الحدود القومية، هذا إلى جانب مشكلات الحدود التي قد تم ترسيمها بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. كما أن الفقر سيكون عاملاً لزعزعة الاستقرار، فأكثر من بليون شخص حالياً (أي ربع سكان الأرض) يعيشون تحت خط الفقر. فاذا ما أضفنا إلى ذلك كله، هذا الكم الكبير من المشكلات والأزمات الإقليمية الأخرى التي هي من مخلفات مرحلة الاستقطاب والحرب الباردة، كما هو الشأن في كمبوديا وكوريا وأنغولا وموزمبيق وقبرص، لأمكننا أن نتصور حجم العبء الواقع على عاتق الأمم المتحدة في المرحلة الراهنة من مراحل تطور النظام الدولي التي تتسم بسرعة تتابع الأحداث وعدم الاستقرار. ولزيادة الإيضاح، فقد أدت الحروب والمجاعة إلى وجود 17مليون لاجيء و20مليون مشرد في العالم يتعين على الأمم المتحدة العمل على إعادة توطينهم، كما أصبح متعيناً على المنظمة الدولية أن تكون حاضرة بقواتها المسلحة، ليس فقط لقمع العدوان أو الفصل بين القوات أو تثبيت وقف إطلاق النار وإنما أيضاً للإشراف على انتخابات هنا أو هناك (كمبوديا، موزمبيق، الصحراء الغربية، الجزائر) أو حماية الأقليات (العراق) أو تأمين إيصال إمدادات الإغاثة لمنكوبي الحرب كما حدث في (البوسنة والهرسك، الصومال).. الخ. إن إلقاء نظرة فاحصة إلى حجم وتكاليف انتشار قوات تابعة للأمم المتحدة في مناطق عديدة من العالم الآن، كفيل بالقاء الضوء على ضخامة حجم الأزمة التي تواجهها الأمم المتحدة. فحتى نهاية عام1990م، لم يكن عدد هذه القوات يتجاوز 10.000مقاتل، وصل الآن إلى 22500 جندي وعنصر من عناصر الشرطة المدنية ،يخدمون في 16 بعثة في بلدان شتى من العالم، وارتفعت تكلفة هذه القوات سنويا من 700 مليون دولار إلى حوالي 3 مليارات دولار. 3 - الاعتماد الاقتصادي المتبادل: يتسم عالم اليوم بتشابك العلاقات الاقتصادية الدولية، حتى إن فرض عقوبات اقتصادية شاملة على دولة معينة قد يلحق أضراراً بمصالح دولة أخرى شريكة لتلك الدولة. مثال على ذلك، أن تركيا قد تضررت من استمرار الحظر المفروض على العراق وذلك لأن حظر تصدير النفط العراقي يحرم تركيا من الرسوم التي تجنيها من جراء مرور النفط العراقي عبر خط الأنابيب الذي يمر في أراضيها. كما أن روسيا باعتبارها دائنة للعراق منذ ما قبل غزو الكويت، قد تضررت من استمرار فرض العقوبات الدولية على العراق لأن هذه الاستمرارية تعني حرمان روسيا من استراداد أموالها من العراق ولعلاج هذا الوضع يجب أن تلحق المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة باتفاقات مناسبة ترتب التزامات لمساعدة الدولة ( أو الدول ) الثالثة المتضررة (4). 4 - تنامي دور المنظمات الدولية غير الحكومية: كتلك المعنية بالبيئة، أو حقوق الإنسان، أو حقوق المرأة، والشركات متعددة الجنسية، والأفراد والتنظيمات الشعبية في السياسات العامة المحلية والخارجية كما عجزت بعض النظم عن حفظ الأمن والنظام في بلادها بشكل انهارت معه سلطة الدولة وانتشرت أعمال السلب والنهب والاغتصاب. ولا شك أن هذا التطور يثير التساؤل عما إذا كان الطابع الحكومي الخالص للأمم المتحدة مازال مناسباً للنظام الدولي الحالي. مشكلات الأمم المتحدة تعاني الأمم المتحدة مجموعة من المعوقات المالية والتنظيمية التي جعلتها غير قادرة على مواكبة التحولات الكبرى التي يشهدها النظام الدولي وذلك بسبب تضخم الجهاز الإداري وعدم فاعلية الأجهزة المكتبية. فبانتهاء الحرب الباردة، لم يعد جهاز الخدمة المدنية بالمنظمة العالمية مناسباً للمهام الجديدة والمتزايدة التي أصبحت تضطلع بها، وهو ما دعا الأمين العام السابق د.بطرس غالي أن يعلن منذ بدء توليه مهام منصبه في مستهل عام 1992م أنه "يعتزم هز كيان الأمم المتحدة المترهل إدارياً، وأن منظمتنا قد تحولت من هيئة للتشاور والنقاش إلى مؤسسة تنفيذية بدرجة متزايدة، الأمر الذي يستلزم تغيير الإدارة والتنظيم". وتتمثل أهم مظاهر التضخم والترهل الإداري فيما يلي: أولاً : بعض المنظمات المتخصصه التابعة للأمم المتحدة قد أصبحت زائدة عن الحاجة وتمثل عبئاً ثقيلاً على ميزانية المنظمة العالمية مما يقتضي إدماج بعضها فيما يماثلها في التخصص للتخفيف من هذا العبء، مثال ذلك أن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) يمكن إدماجه بسهولة في منظمة الجات. وكثيراً ماكانت الأمم المتحدة تستجيب للدعوات التي توجه إليها والرامية إلى إجراء إصلاحات هيكلية فتنشيء جهازاً بيروقراطياً جديداً يؤدي إلى تخطي اللجان والهيئات والمنظمات(5). ثانياً: تزايد عدد العاملين في الأمم المتحدة الذي وصل إلى 15 ألف شخص. وكذلك تزايد عدد مساعدي الأمين العام. حيث يجب أن يقتصر العدد على ثمانية مساعدين، لكن الواقع يقول إن عددهم عشرون مساعداً و27 نائباً، وهو ما دفع كوفي عنان إلى تخفيض عددهم، حيث قام بتخفيض الوظائف العليا في المنظمة العالمية ولم يستثن إلا جيمس جيوناه (من سيراليون) الذي يتولى شؤون القرن الأفريقي. ثالثاً: مجلس الأمناء الذي ورثته الأمم المتحدة من عصبة الأمم والمكون من 39 دولة بلا وظيفة ولا دور سوى طبع أعمال اجتماعاته بست لغات وإغراق المنظمة بتكاليف باهظة تزيد من أزمتها المالية(6). رابعاً: ضعف الكفاية الإدارية نتيجة قلة برامج التدريب وخضوع التعيين في المناصب الإدارية العليا بالمنظمة للمجاملات وليس لاعتبارات الكفاية. خامساً: تداخل الأنشطة بعضها ببعض في عدد من الهيئات المختلفة التابعة للأمم المتحدة في قضايا متشابهة، في حين أن عدداً آخر من الأجهزة مثل منظمة الأغذية والزراعة تعد منظمات مستقلة تماماً وتتمتع بميزانية خاصة(7). ومن صور التداخل، أن مسائل العلم والتقنية تدخل في اختصاص الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي كليهما، وعدم وجود تحديد دقيق لمسؤوليات كل من هذين الجهازين في هذا المجال، كما أن هناك تداخلاً بين مسؤوليات الجمعية العامة والمجلس بخصوص تخطيط التنمية. سادساً: عدم توافر كوادر دبلوماسية لدى الأمم المتحدة تتمتع بكفاية عالية للقيام بمهام الوساطة بين أطراف النزاعات، مما يضعف من قدرة المنظمة العالمية على ممارسة الدبلوماسية الوقائية. وقد أشار الدكتور بطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة السابق في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك في 5 يناير سنة 1995م إلى أن "من المشكلات الأساسية التي تعوق مجهودات الأمم المتحدة في مجال الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام، صعوبة العثور على أفراد رفيعي المستوى يتمتعون بخبرات وقدرات دبلوماسية وبالاستعداد لتمثيل الأمين العام"(8). سابعاً: عدم كفاية الموارد المالية والعسكرية، فمن أسباب ضعف المنظمة العالمية، عدم امتلاكها موارد اقتصادية وعسكرية خاصة بها، فهي تعتمد بشكل تام على الدول الأعضاء، أو على بعضها على الأقل في القيام بمهامها، إذ إن الأمم المتحدة لا تستطيع حتى استخدام أرصدة المؤسسات المالية والتجارية والدولية. فالقيام بذلك يعتمد هو الآخر على قرارات من الدول الأعضاء. كما أن وسيط الأمم المتحدة لا يستطيع أن يتعهد بأن يقدم البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي قروضاً للأطراف المتنازعة. وإذا كانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يمكنها - من الناحية النظرية- تجميع مواردها وتعزيز سلطة المنظمة، إلا أن هذا النمط من التعاون نادراً ما يحدث. ومن جهة أخرى، فإن كثيراً من الدول ممتنعة عن سداد حصتها المالية للمنظمة الدولية، ففي عام 1995م، لم تدفع سوى 78 دولة من مجموع الدول الأعضاء وعددها 185 دولة، أقساطها للأمم المتحدة، وباتت المنظمة ترزح تحت وطأة الإفلاس المالي، فوفقاً للأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة في فبراير 1997م، فان الدول الأعضاء مدينة بأكثر من 3 بلايين دولار للمنظمة. ولقد تفاقمت الأزمة المالية للأمم المتحدة على نحو بات يهدد بتقليص حجم عمليات حفظ السلام التي تقوم بها. ومن المفارقات في هذا الشأن أن أكثر الدول الأعضاء قوة في الأمم المتحدة هي أكثرها مديونية تجاهها، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إنها مدينة للمنظمة الدولية بمبلغ 1.6بليون دولار. وجدير بالذكر أن إدارة كلينتون قامت في شهر يناير من عام 1996م بتخفيض مساهمة الولايات المتحدة المالية في عمليات حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة من 31% إلى 25%، ورغم ذلك فان الجمهوريين في الكونغرس يريدون خفضاً أكبر من هذه النسبة. وبسبب أزمتها المالية، عجزت الأمم المتحدة عن سداد مستحقات الدول التي تشارك في علميات الأمم المتحدة لحفظ السلام سواء بالجنود أو المعدات، ومن ثم ارتفعت مديونية المنظمة الدولية نحو هذه الدول، حتى بلغت أكثر من 350 مليون دولار في مطلع عام 1994م، مما جعل هذه الدول وأغلبها من الدول النامية تلوح بأنها لن تستطيع الاستمرار طويلاً في مشاركتها في عمليات حفظ السلام إذا لم تحصل على مستحقاتها المالية من الأمم المتحدة(9). وكحلًّ مؤقت لهذه المشكلة، أعلن جوزيف كونور الأمين العام المساعد للشؤون الإدارية، أنه سيتعين على المنظمة الدولية أن تقترض من صندوق حفظ السلام التابع لها لسداد أموال إلى دول أرسلت قواتها في مهمات تابعة للأمم المتحدة. ثامناً: عدم وجود توازن بين أجهزة المنظمة، حيث تمت إعادة هيكلة دور الأمم المتحدة على نحو أدى إلى تعاظم دور مجلس الأمن على حساب دور الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية. وتبرز خطورة هذا الوضع في ضوء الاعتقاد السائد بأن مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد في الأمم المتحدة الذي يتمتع بسلطة الجزاء، فهو بمنزلة جهاز بوليس دولي. ومن ثم يمكنه استخدام تدابير عقابية عديدة ضد الدول تصل أحياناً إلى حد استخدام القوة المسلحة. ونظراً لأن سلطات المجلس سلطات تقديرية ولا تخضع لأي نوع من الرقابة التشريعية أو القضائية، فان تطبيق نظام الأمن الجماعي في ظل موازين القوى الحالية يمكن أن ينطوي على مخاطر حقيقية. ذلك أن تشغيل هذا النظام أو تعطيله أصبح يتوقف في المقام الأول على إرادة الدول الأقوى في المجلس وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، وبما يخدم مصالح هذه الدول. يقول الأستاذ محمد تاج الحسيني في ندوة عقدتها أكاديمية المملكة المغربية في أكتوبر 1991م "لقد أصبح مجلس الأمن يتوسع -نتيجة للسلطة التقديرية التي يتمتع بها- في مفهوم حالات تهديد السلم والعدوان، كما أن هذه الصلاحية الواسعة أصبحت تتعرض لمظهر جديد من الهيمنة يتمثل في تسخير المنظمة العالمية في خدمة المصالح الحيوية للقوى العظمى. وبصفة عامة فان استفحال ظاهرة التدخل قد تمخض ليس فقط عن التراجع في مصداقية الأمم المتحدة، بل إن التفاعل في المصالح الدولية أخرج الكثير من القضايا التي كانت تعد من صميم الاختصاص الداخلي إلى المجال الدولي. كما أن المعيار القانوني لم يعد هو الأساس، بل أصبح المعيار بالدرجة الأولى سياسياً، وهي وضعية لم تعد الكثير من الدول قادرة معها على الاحتماء حتى بالقانون الدولي لمنع تدخل الآخرين في شؤونها (10). وهكذا يتضح أن هيكلية القطب الواحد التي ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة قد اقترن بها تعاظم دور مجلس الأمن وتحوله إلى أداة تستخدمها الدول الكبرى أحياناً لتصفية حسابات معلقة في العالم الثالث تنتمي إلى مرحلة الحرب الباردة. وبالمقارنة، فإن الجمعية العامة التي تضم في عضويتها 185 دولة لا تتمتع بما يتمتع به مجلس الأمن من سلطات، فقراراتها ليست ملزمة. إذ لا يحتوي ميثاق الأمم المتحدة أي نص يتضمن وجوب تنفيذ قرارات الجمعية. فإذا اختارت دولة معينة أن لا تلتزم بالقرارات الصادرة من الجمعية العامة، فإن الميثاق لا يرتب على ذلك أية عقوبة يمكن أن تفرض على تلك الدولة. وهكذا تظل قرارات الجمعية العامة في الأمور الهامة جداً، حبراً على ورق. ويؤكد ذلك القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة في شأن الغزو السوفييتي لأفغانستان، إذ ظلت الجمعية الموقرة على مدى عشر سنوات تصدر القرارات التي تطالب الاتحاد السوفييتي بسحب قواته، لكن موسكو لم تعر ذلك اهتماماً. والواقع أن اختلال التوازن بين المجلس والجمعية على هذا الوجه قد أدى -وفقاً لمورجانتو - إلى "إصابة الأمم المتحدة بانفصام الشخصية نتيجة لعدم اكتراث المجلس بها، وربما كان هذا الوضع مقبولاً في حاله كون الجمعية مجرد هيئة استشارية محدودة الأعضاء وليس الهيئة التي تمثل أقطار العالم قاطبة. إن هذا التوزيع في الاختصاصات بين المجلس والجمعية يشكل في الواقع شذوذاً دستورياً مروعاً"(11). ................................... الهوامش: (1) New African, no. 319, May 1994. (2) الوثائق الرسمية للأمم المتحدة: تقرير الأمين العام عن المنظمة المقدم إلى الدورة الخامسة والثلاثين للجمعية العامة، الملحق 1، الوثيقة (A/30/1) I نيويورك 1980، ص1. (3) The Universal Message, May 1992. (4) Japan Review of International Affairs Vol 7, no 3, summer1993. (5) International Economic Insirhts, September- October 1993. (6) د. عطية حسين أفندي، الخدمة المدنية في الأمم المتحدة وضرورة التطوير، مجلة السياسية الدولية، العدد 117، يوليو سنة 1994م. (7) المصدر السابق. (8) صحيفة الحياة، العدد 11644، 6 يناير سنة 1995م. (9) د. بطرس بطرس غالي، الأمم المتحدة بين متناقضات المرحلة الانتقالية والمسؤولية المشتركة، مجلة السياسة الدولية، العدد 117، يوليو سنة 1994م. (10) فهمي هويدي، الوجه الآخر للنظام العالمي الجديد، مجلة المجلة، عدد 622، 8 - 14 يناير سنة 1992م. (11) مورجانثو، هانز: السياسة بين الأمم، الصراع من أجل السلطان والسلام، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، ج3، ص 128. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: haras.naseej.com
|
![]() |