البحرين: مملكة الاحتقانات وصراعات في رأس الهرم

ثلاثة احتقانات في آن: احتقان في القمّة بين الملك حمد بن عيسى وعمّه رئيس الوزراء خليفة بن سلمان الذي يريد نصيباً أكبر في الحكم، كما يريد ولاية العهد أن تكون من حصّة أبنائه بدعم أميركي. واحتقان في القاعدة بين الحكم والمعارضة نتيجة تشدّد الحكم في فرض الأمر الواقع على المعارضين، عوضاً عن تفعيل الحوار وتحريك المشاريع الاصلاحية. أما الاحتقان الثالث فاقتصادي ـ اجتماعي، يتمثّل في مديونية المملكة المتعاظمة التي كبّلت الملك وقيّده وحدّت من مصروفاته الخاصّة، وذلك لعدم توافر السيولة اللازمة، بالاضافة الى قصص الفساد المالي والاداري على أعلى المستويات. ماذا يجري أيضاً في البحرين على بُعد أشهر قليلة من الانتخابات المقبلة؟

الخلاف «السرّي» الذي يعرفه كل الناس بين الشيخ حمد وعمّه رئيس الوزراء في شأن تحوّل الحكم أو الاستخلاف، ما انفكّ يتفاعل في أروقة القصر الملكي، والمشكلة لم تعد محصورة بتولّي السلطة مباشرة، لأنها تجاوزتها الى ولاية العهد. من حيث المبدأ، ولي العهد هو الذي سوف يصبح ملكاً بعد وفاة الملك الحالي، لكن رئيس الوزراء يريد ولاية العهد لأبنائه، وهناك فرع من عائلة آل خليفة ينتمي الى محمد بن خليفة، الذي أقصي عن السلطة في العام ١٩٦٨ بعدما قتل أخاه عليّاً، ثم تدخّل الإنكليز لإبعاده عن الإمارة وتعيين نجل القتيل أميراً، ونفي محمد الى الهند. هؤلاء الأحفاد يطالبون بحقّهم في السلطة، وهم لم يتخلّوا يوماً عمّا يعتبرونه حقّاً توارثياً لهم في حكم البحرين.

والمعروف أن أقطاب قبيلة آل خليفة، خصوصاً أبناء سلمان بن حمد آل خليفة عيسى ومحمد وخليفة، يتنافسون على اقتسام البحرين. قسم كبير هو لمحمد بن سلمان، وقسم آخر لعيسى، وقسم ثالث لخليفة. لكن، بعد وفاة عيسى بن سلمان في آذار (مارس) ١٩٩٩، حدثت حالة من التنافس الشديد على امتلاك البحر والبرّ من قبل الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة وليّ العهد، الأمر الذي أزعج رئيس الوزراء وأبناءه، خصوصاً نجله علي بن خليفة المرشّح لمنصب رئاسة الوزراء بعد رحيل أبيه (طبعاً كان هذا سابقاً). والآن يتردّد أن رئاسة الوزراء ستكون في النهاية من نصيب ولي العهد الذي سوف يقوم بمقام رئيس الوزراء، أي أن سلمان بن حمد سيتولّى في الوقت نفسه زمام رئاسة الحكومة، الأمر الذي لن يسكت عنه خليفة بن سلمان.

والاحتقان في رأس السلطة ينعكس بالطبع على طريقة التعاطي مع الملفّات المطروحة. والمملكة الصغيرة بمساحتها وعدد سكانها، كبيرة جدّاًبمشاكلها وصخبها وضجيجها المسموع كما المكبوت. وليس هناك شك في أن داخل الأسرة الحاكمة اتجاهاً إصلاحياً وآخر متشدّداً، وأن المعتدلين يؤمنون بأن التماسك المجتمعي والانصهار بين أبناء البلد هو السبيل الى الاستقرار والازدهار، فيما يتخوّف المتشدّدون من التجاذبات الطائفية وما يسمّى «الطوابير الخامسة»، الأمر الذي يحدّ من المحاولات الاصلاحية. والمعتدلون في المملكة، بمن فيهم ولي العهد، يقولون بأن الاصلاح الديمقراطي والفرص الاقتصادية هما الطريق الى تحقيق مزيد من التآلف والانصهار بين شرائح المجتمع البحراني، وإبعاد الأطراف المعارضة عن تأثير دول الجوار، في حين يتخوّف المتشدّدون من الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لهذا التوجّه. ومعروف أن ولي العهد سلمان بن حمد هو خريج الجامعة الأميركية في واشنطن وجامعة كامبردج في إنكلترا، وهو الذي يقود جناح المعتدلين الذين يركّزون على إيجاد فرص عمل لشباب البحرين باعتبارها أفضل وسيلة لدرء التوتّرات الطائفية، فيما يقود وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة المتشدّدين، ويقف الملك بين الجناحين متلعثماً في مسيرته وخطّة المصالحة والاصلاح التي بدأها عندما صعد الى العرش في العام ١٩٩٩، والتي توقّفت أو تباطأت اليوم، لاعتبارات داخلية وخارجية معاً، الأمر الذي يعكس تخوّفاً من معادلة جديدة في الحكم، يمكن أن تأتي بها الاصلاحات على غير ما يتمنّى أهل السلطة.

صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» خصّصت دراسة وافية للبحث عن الأسباب العميقة للتجاذبات الداخلية الحادّة في البحرين على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والحرب الاعلامية المتصاعدة والتي تعكس الخلافات العميقة بين السلطة ومعارضيها، والتي أدّت في المرحلة الأخيرة الى تشديد الدولة قبضتها بوساطة جهازيها الأمنيّين (وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني) في قمع أي تحرّك يظهر الى العلن، فيما بدأت تتسرّب أخبار من منظّمات حقوقية محايدة حول تعرّض الكثيرين من المعتقلين السياسيين للتعذيب النفسي والجسدي وعزل أعداد منهم في السجون الانفرادية.

ومراجعة تاريخية سريعة للمحطّات المفصليّة التي مرّت بها البحرين تكشف أن الحالة الملازمة لها، منذ نشأتها، كانت عدم الاستقرار.

وقد تعوّدت البحرين منذ القديم، على أنها ما إن تتعرّض لمشكلة سياسية حتى تفتعل مشكلة أمنيّة من أجل إفشال أي تحرّك سياسي، وتحويل المعركة إلى معركة أمنيّة، وفي الوقت الذي تسمع فيه أصوات الطائرة العمودية في معظم الأوقات، وتنتشر قوّات مكافحة الشغب الأجنبية عند مداخل القرى... في الوقت الذي تشمّ فيه روائح المسيلات، ويصاب الأطفال بشظايا أسلحة تستخدم في صيد الطيور، وأصوات أنابيب غاز يتمّ تفجيرها، وادّعاءات هنا وهناك بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، هناك أصوات عاقلة تدعو ليل نهار، من خلال كل المنابر والقنوات المفتوحة، إلى تفعيل أدوات الحوار بين السلطة والشعب بغية الخروج من الأزمة الأمنيّة، وحلّ المشكل السياسي بالحوار، عبر توافق جميع الأطراف، لا عبر القوّة وسياسة فرض الأمر الواقع.

فضيحة «ألبا»

نصل الى قصص الفساد المالي والاداري. في محاولة منه للنيل من رئيس وزراء البحرين، قام ولي العهد باتّهام معاونيه بالفساد، فبعدما شنّ هجوماً ضد شركة «ألكُوَا» في العام ٢٠٠٨ و«الشركة الحكومية البحرانية للألومينيوم (ألبا)، قدّم الشهر الفائت دعوى قضائية ضد شركة «ستوجيتز» اليابانية في تكساس. وهذه، على غرار «ألكُوَا»، متّهمة بأنها قامت بإفساد موظّفين في شركة «ألبا» مقابل حصولها على مكاسب تجارية، غير أن القضية تحمل ملامح وإشارات أسباب سياسية حادّة.

القضية التي أثيرت من جانب وليد العهد البحراني سلمان بن حمد آل خليفة، تتعلّق بفترة كانت خلالها شركة «ألبا» تخضع لإدارة مقرّبين من عمّه، رئيس الوزراء البحراني خليفة بن سلمان آل خليفة. ومعروف أن ولي العهد لا يتمتّع حالياً بسلطة سياسية واسعة، إذ لا يزال والده الملك حمد بن عيسى آل خليفة وعمّه يمسكان بزمان الأمور في البحرين، فيما هو يناضل من أجل اكتساب موقع له في قيادة البلاد. والشكوى المقدّمة في الولايات المتحدة ضد شركتي «ستوجيتز» و«ألكُوَا» تهدف بوضوح الى النيل من صدقيّة رئيس الوزراء، من خلال تحقير مساعديه والمقرّبين منه. وولي العهد حصل على خدمات عدد من المستشارين، وقام محامون من شركة «أكيز غامب شراوس هاوروفيلد» بصياغة الشكوى وتقديمها، فيما قامت شركة «كرول» للمعلومات، بإجراء استطلاع داخل «ألكُوَا»، بالاضافة الى إجراء فحص جنائي لأجهزة الحاسوب التابعة لعدد من المسؤولين التنفيذيين في شركة «ألبا» المتّهمين بقبض رشى من «ستوجيتز». وعلى ضوء الدعويين القضائيتين المقدّمتين ضد «ألبا»، أجرت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً، وطلبت معلومات إضافية من كل من المملكة المتحدة وسويسرا.

ومقابل الهجوم عليه من جانب ولي العهد، يبدو أن رئيس الوزراء مستعدّ ومصمّم على الدفاع عن نفسه. وقيل إن إبن خاله عيسى بن علي الخابي، الذي أقامت معه «ألكُوَا» اتصالاً وعرضت عليه رشوة، قد لجأ الى المحامي الفرنسي أردفان أمير أصلاني الذي يقدّم استشارات قانونية الى عدد من دول الخليج.

الى ذلك، تعبّر بعض دوائر السلطة الحاكمة في البحرين عن قلقها من التداعيات المحتملة لحملة ولي العهد على الوضع السياسي الداخلي، فالمعارضة الشيعية بدأت تستخدم قضايا الفساد داخل «ألبا» كذخيرة لها ضد الملكيّة السنّيّة. ويكوّن الشيعة ٧٠٪ من سكان البحرين، لكنهم مستبعدون عن القيام بأي دور حكومي بارز الذي يبقى حكراً على الأقلّيّة السنّيّة.

وتعقيباً على الدعوى القضائية المقدّمة من الولايات المتحدة من شركة «ألومينيوم البحرين» العام الماضي، أمضت وزارة العدل الأميركية الأشهر الـ١٢ المنصرمة في التدقيق في الاتهامات بأن هناك شركات تتّخذ من الولايات المتحدة مقارّ لها، وقد دفعت رشى الى عدد من المديرين التنفيذيين في الشركة البحرانية.

وبعد التحقيق مع شركة «ألكو»، توجّه اهتمام وزارة العدل الى الشركة اليابانية «نيشهو أيواي» التي تحوّلت الى «ستوجيتز» منذ العام ٢٠٠٤. وتهدف الدعوى الى إرباك الحكومة في المنامة، حيث بدأت المعارضة باستخدام القضية لاتّهام الملكيّة بالفساد.

إنه الصراع على السلطة، معطوفاً على الصراع على النفوذ، معطوفاً على قضايا الرشوة والفساد داخل المملكة الصغيرة، وعلى تداخل الأجهزة الأميركية في الصفقات والتجاذبات السياسية، ما تشهده البحرين هذه الأيام، ولنا الى هذه الملفّات عودة.

كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:almoshahedalseyasi