«الإيباكيّة» في السياسة الأميركية

 

الأسبوع الذي بدأ هو أسبوع «إيباك» في واشنطن، الذي يرمز سنوياً الى تجدّد الدعم الأميركي للدولة العبرية على مختلف المستويات، في مؤتمر يضمّ عادة زعماء الكونغرس وأبرز المسؤولين في البيت الأبيض، الى جانب أهم الوجوه اليهودية في القرار الأميركي، وأهمّ ما فيه هذا العام أنه يكرّس انخراط الادارة الأوباميّة، بعد عام وأشهر ثلاثة في التوجّهات «الإيباكيّة» (إذا صحّ التعبير) في التعامل مع إسرائيل، في تجاوز مفضوح لكل الالتزامات التي سبقت ورافقت انتخاب باراك أوباما للرئاسة.

عندما وصل جورج ميتشل في نهاية الأسبوع الفائت الى تلّ أبيب حاملاً دعوة رسمية من الرئيس الأميركي الى اجتماع يعقد في البيت الأبيض، بمناسبة مشاركته في مؤتمر «إيباك» السنوي، وهو مؤتمر اللوبي الأميركي المؤيّد لإسرائيل، فهم من لم يفهم بعد أن العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية أقوى من أن تهزّها عبارات طارئة من هنا وهناك، حول سياسات الاستيطان في القدس أو خارج القدس. وقد مهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي لهذا اللقاء بكلام في منتهى الوضوح خلال اجتماع حكومته الأسبوعي، إذ قال إن الرسالة التي سوف يبعث بها الى الرئيس الأميركي خلال اجتماع واشنطن، ستكون حادّة، وهي أن البناء في القدس، تماماً كالبناء في تلّ أبيب، لا يخضع لأي قيود، وحكومته ستستمرّ في سياسة البناء الاستيطاني في القدس التي انتهجتها الحكومات السابقة لمدّة ٤٢ عاماً، وهو يرفض الالتزام بوقف الاستيطان لاستئناف المحادثات... هكذا بصراحة كاملة وفظاظة كاملة.

إنها «الإيباكيّة» في السياسة الأميركية ولو تقلّبت العهود والرؤساء، ودور اللوبي الإسرائيلي في السياسة الأميركية أكثر من معروف، وتجاهله هو تجاهل للثوابت التي تحكم توجّهات أميركا في الشرق الأوسط، هكذا بكل بساطة. واقتناع العارفين هو أن الولايات المتحدة تواجه مشاكل عميقة في العالمين العربي والإسلامي، وهذا واضح من تطوّرات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والمواجهة القائمة حالياً مع إيران، بسبب نفوذ اللوبي اليهودي داخل الكونغرس كما داخل البيت الأبيض وفي مواقع القرار الأميركي. وكثيرون يعتقدون وبقوّة، أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ليس سياسة المحافظين الجدد وحدهم، لكنها سياسة مبنيّة على صناعة القرار الأميركي وآليّاتها، وهي سياسة تتناقض مع «الواقعية» التي يفترض أن تراعي مصالح الولايات المتحدة الوطنية، ولأن العرب لا يملكون أي «لوبي» يعزّز العلاقات العربية ـ الأميركية، فإن الدعم الأميركي لإسرائيل ما انفكّ يتزايد، خصوصاً بعد أحداث ١١/٩/٢٠٠١، وانخراط الولايات المتحدة في محاربة «الجهاد الإسلامي» أو ما تسمّيه دوائر القرار «الارهاب». وكل شيء يدلّ على أن «إيباك» باتت أكثر نشاطاً، بحيث أنها تكتب بعض قرارات الكونغرس، وتملي القرارات الأخرى على مستشاري البيت الأبيض، والدائرة المقرّبة من الرئيس الأميركي ومجلس الأمن القومي. وكل شيء يدلّ كذلك على أن بنيامين نتنياهو أكثر اعتماداً على «إيباك» منه على علاقاته الشخصيّة مع المسؤولين الأميركيين، لأن هذه المنظّمة باتت اليوم أقوى مما كانت عليه في عهد أي إدارة أميركية سابقة.

والمؤتمر السنوي الذي بدأ في مطلع الأسبوع (لثلاثة أيام)، يعتبر أكبر تظاهرة تأييد أميركية لإسرائيل، ونتنياهو بصفة خاصّة، وقد مهّد له الاعلام الأميركي بما يشبه الهجوم على أوباما، بسبب ما يوصف بأنه «السياسة الليّنة» التي يعتمدها في التعامل مع محمود أحمدي نجاد ومعمّر القذّافي وبشّار الأسد وغيرهم. وقد خرجت الصحيفة الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة «وول ستريت جورنال»، بدفاع مستميت عن إسرائيل في افتتاحيتها الأخيرة، إذ هاجمت ما قاله قبل يوم من صدورها كاتب الرأي اليهودي في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، الذي شبّه سلوك إسرائيل بسلوك «سائق سكّير»، وأبدت تفهّماً عميقاً لمخاوف نتنياهو.

وفي معرض التمهيد للمؤتمر، أجرى نتنياهو اتصالاً بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، مبدياً استعداده لاستقبال ميتشل الذي نقل دعوة أوباما، وأبدى استعداد إسرائيل لتقديم «تنازلات» حول سياساتها الاستيطانية، من دون أن يعني ذلك تراجعها عن قرارات الاستيطان الأخيرة في القدس (عن أي تنازل يتحدّث؟). وكتب كبير المحلّلين السياسيين في صحيفة «واشنطن بوست» جاكسون ديل، استناداً إلى معلومات قيل إنّ السفير الإسرائيلي لدى واشنطن مايكل أورين قد زوّده بها، إنّ الردّ الإسرائيلي على المطالب الأميركية تضمّن بنوداً عديدة، أولها أن نتنياهو لا يملك الصلاحية القانونية لإلغاء القرار الأخير ببناء ١٦٠٠ وحدة استيطانية جديدة في القدس، لكنه يقترح عدم المباشرة بأعمال البناء قبل ثلاث سنوات. ويقضي البند الثاني بأن تتعهّد إسرائيل أمام الادارة الأميركية، بأنها لن تنشر في وسائل الاعلام قرارات حول مخطّطات لتنفيذ أعمال بناء جديدة في مستوطنات القدس الشرقية، حيث «سيتمّ انتهاج سياسة (لا تسألوا ولن نتكلّم)». أما البند الثالث، فيتحدّث عن أن إسرائيل والولايات المتحدة قريبتان من الاتفاق على الطريقة التي ستجري فيها المفاوضات غير المباشرة مع السلطة الفلسطينية.

وذكرت شبكة «فوكس» الاخبارية الأميركية، أن الرئيس الأميركي سيلتقي نتنياهو. ونقلت الشبكة عن مصادر إسرائيلية قولها إن نتنياهو، الذي يبدأ زيارة للولايات المتحدة للمشاركة في المؤتمر السنوي لـ«لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (إيباك)، سيلتقي أوباما بعدما أجّل الأخير زيارته التي كانت مقرّرة إلى أندونيسيا وأوستراليا. من جهته، قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، إن الخطّة الإسرائيلية الجديدة لبناء مستوطنات في القدس «أعدّت من قبل بعضهم في إسرائيل لتقويض عملية السلام»، واصفاً الاعلان عنها بأنه «استفزازي».

إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن ٥١ في المئة من الإسرائيليين يعارضون تجميد الاستيطان في القدس الشرقية المحتلّة. ورغم تعرّض الرئيس الأميركي لانتقاد في صحف اليمين، في ضوء هذا التوتّر، فقد اعتبر ٦٩ في المئة من الإسرائيليين، وفاق استطلاع أجرته صحيفة «هآرتس»، أن موقف أوباما تجاه إسرائيل «صادق وإيجابي»، وعكس استطلاعا «يديعوت» و«هآرتس» تراجعاً في شعبية حزب الليكود برئاسة نتنياهو بسبب الأزمة مع الولايات المتحدة.

وفي معرض تزخيم السياسات الاستيطانية وتدعيمها، واصلت الصحف الإسرائيلية الهجوم على باراك أوباما وبتعابير استفزازية أحياناً، فقد وصفت صحيفة «حزب شاس» الرئيس الأميركي بأنه «ولد فلسطيني يقذف الشرطة الإسرائيلية بالحجارة في القدس»، ومما قاله رئيس تحريرها إسحق كاكون: إن أوباما لا يفهم فداحة الخطأ الذي ارتكبه، لكنه في نهاية المطاف يضرّ نفسه والولايات المتحدة. صحيح أنه مسلم، لكنه لا يعرف جيراننا العرب. اليوم نحن ضحيّتهم وغداً الولايات المتحدة وأوروبا. كلنا أعداء لهم، واسألوا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن هذه الحقيقة. وامتدح الكاتب رئيس حزبه إيلي بشاي الذي أصرّ على موقفه ولم يرضخ للاملاء الأميركي، وواصل هجومه على أوباما بالقول: إنه رئيس فاشل لم يحقّق أي إنجاز، شاطر في الكلام وليس في الفعل، وهذا يوقعه في حالة ضغط. شعبيته تتدهور اليوم في الولايات المتحدة، والأميركيون نادمون على انتخابه. وماذا يفعل في هذه الحال؟ إنه يوجّه سهامه الى إسرائيل. إنه حلّ خلاّق جلبه من بيت الإسلام المتطرّف.

في غضون ذلك، وفي مواكبة حضور هيلاري كلينتون مؤتمر «إيباك»، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن جوزف بايدن نائب الرئيس الأميركي قوله: أنا صهيوني رغم كوني غير يهودي (...) وفي هذا التصريح إشارة واضحة الى حجم الضغوط التي تتعرّض لها الادارة الأميركية هذه الأيام، في أعقاب الصفعة التي وجّهتها الحكومة الإسرائيلية لنائب الرئيس الأميركي.

إيران... إيران

ماذا يعني هذا كلّه؟ إنه يعني أن مؤتمر «إيباك» سيركّز مرّة أخرى على عمق التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي حضور أكثر من سبعة آلاف مدعوّ في مركز المؤتمرات في واشنطن، سوف يطوي صفحة «سوء التفاهم» الأخير بين أوباما ونتنياهو ليصبّ اهتمامه واهتمام المسؤولين الأميركيين على «الخطر الإيراني»، باعتباره أهمّ التحدّيات التي تواجهها واشنطن وتل أبيب معاً، في مواجهة «سعي إسرائيل الى تحقيق السلام مع جيرانها العرب». وفي معرض إبراز هذا «الخطر» وحجم «التحدّي» الإيراني، دعت «إيباك» الادارة الأميركية الى الانتباه الى أن القضية العاجلة في الوقت الراهن هي الملف النووي الإيراني، وأن هذا الملف هو الذي يفترض أن يملي الاستراتيجية التي تحكم علاقات البلدين، لا سياسة الاستيطان الإسرائيلية.

في غضون ذلك، وعلى مسافة أيام من انعقاد القمّة العربية الثانية والعشرين في «سرت» الليبية، أكّدت «مؤسّسة الأقصى للوقف والتراث» أن إنشاء إسرائيل «كنس الخراب» هو مشروع تهويدي من الدرجة الأولى، مرتبط ببناء الهيكل الثالث المزعوم مكان المسجد الأقصى، وأن تدشين هذا الكنيس على مسافة عشرات الأمتار من المسجد في ١٥ آذار (مارس) الجاري، تبعه في ١٦ منه تنظيم يوم عالمي من أجل بناء الهيكل الثالث المزعوم، تخلّلته دعوات الى اقتحام المسجد الأقصى. ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد، حيث تعتقد الجماعات اليهودية المتطرّفة، واستناداً إلى إحدى خرافاتهم، أن افتتاح كنيس «الخراب» الذي يعرف أيضاً بـ«الهيكل الصغير» يشكّل بداية العد التنازلي لبناء هيكلهم الثالث المزعوم. وهناك عدد من الأمور التي تدقّ ناقوس الخطر حول السيناريو الكارثي السابق، من أبرزها إعلان نتنياهو في منتصف آذار (مارس)، وبالتزامن مع افتتاح «كنيس الخراب» أن الاستيطان سيتواصل في القدس المحتلة كما كان الحال في السنوات الـ٤٢ الماضية، في إشارة إلى تاريخ الاحتلال الإسرائيلي. ولم يكتف بما سبق بل إنه تحدّى أيضاً الغضب العربي والعالمي تجاه الاعلان عن بناء ١٦٠٠ وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلّة، عندما زعم في كلمة ألقاها أمام الكنيست الإسرائيلي، أن بناء وحدات استيطانية يهودية جديدة في القدس الشرقية المحتلة لن يؤثّر «بأي شكل من الأشكال في الفلسطينيين ولن يؤذيهم قط».

الى جانب تصريحات نتنياهو السابقة، فإن الاعلان عن افتتاح «كنيس الخراب» جاء في إطار سيناريو خطر معدّ سلفاً، ويجري تنفيذه في مواعيده المحدّدة من دون تأخير، فمعروف أن حركة «أمناء جبل الهيكل» وهو المسمّى الذي يطلقه اليهود على منطقة الحرم القدسي، عقدت اجتماعات كثيرة مؤخّراً وناشدت اليهود دخول باحات المسجد الأقصى لأداء الشعائر الدينية، وجمعت تبرّعات لبناء الهيكل اليهودي المزعوم مكان المسجد الأقصى.

وفي ٣٠ أيلول (سبتمبر) الماضي، كشفت مصادر أميركية مطّلعة أن جماعات يهودية متطرّفة قرّرت بناء هيكل سليمان المزعوم محلّ الحرم القدسي في المسجد الأقصى، بتاريخ الخميس الموافق ٢٥ آذار (مارس)٢٠١٠. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن تلك المصادر قولها، إن الجماعات اليهودية الماسونية المتطرّفة، والتي تعمل بشكل سرّي داخل الولايات المتحدة، تدفع بشدّة نحو الاسراع في هدم المسجد الأقصى بعد تلقّيها ضربات داخل أميركا، حيث تعرّضت هذه الجماعات إلى اختراق من قبل أميركيين في كشف طقوسهم الدينية، أدّى إلى تسرّب ما وصفوه بأسرار «ختم سليمان» وفكّ شيفرات رموزهم الدينية من قبل الروائي الأميركي دان براونز في روايته الجديدة التي أطلق عليها تسمية «الرمز المفقود» الصادرة في ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩ والتي تمكّن خلالها من اختراق تلك الجماعات لمدة خمس سنوات.

وأضافت أن شمال شرق واشنطن شهد ليلة ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩ اضطرابات عديدة، بسبب تسرّب الشبّان الماسونيين من معبد «الملك سليمان الكبير»، الذي يقع في شارع رود أيلاند، حيث ساهموا في جذب الجريمة وجميع أنواع السلوك غير المنضبط بين السكان، مما أدّى إلى إغلاق المعبد بناء على قرار من عمدة المنطقة أدريان فنتي، ورئيس الشرطة كاثي لانير، والمدّعي العام بيتر نيكلز، ومدير إدارة شؤون المستهلك والشؤون التنظيمية ليندا أرجو. وما يضاعف من خطورة ما جاء في صحيفة «واشنطن بوست»، أن هيكل سليمان المزعوم المراد بناؤه محلّ الحرم القدسي من الأولويات المهمّة لعشرات الجماعات اليهودية المتطرّفة، مثل «أمناء جبل الهيكل» و«معهد الهيكل»، كما يعتبر من الأولويات لجماعات مسيحية منشقّة، مثل «منظمة الأغلبية الأخلاقية» و«مؤسّسة جبل الهيكل» وجماعة «المسيحيين الإنجيليين» و«السفارة المسيحية الحولية»، التي تمتلك ١٥ قنصيلة في الولايات المتحدة، إضافة إلى «هيئة المائدة المستديرة الدينية» التي تعتبر إحدى أخطر الجماعات، لما لها من تأثير في عمل اليمين المسيحي في أميركا وتنقسم إلى «منظّمة مترجمي الكتاب المقدّس» و«عصبة الكنيسة في أميركا»، التي تشكّل الداعم الأساسي للاستراتيجية الإسرائيلية لأسباب لاهوتية، هذا بالاضافة إلى أن أول نموذج لهيكل سليمان المزعوم تمّ عرضه على الملأ في جناح فلسطين، في المؤتمر العالمي لمعرض نيويورك في العام ١٩٣٩.

ولم تكد تمرّ سوى شهور قليلة على الكشف عن المخطّط السابق، إلا ونشرت تقارير صحفية أيضاً في ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠١٠ تفاصيل خطّة لتهويد مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، خلال ٣٠ شهراً تنتهي وفاق المخطط بتغيير كامل للمعالم الإسلامية والمسيحية وطمس الآثار العربية في المدينة. ويشمل المخطّط التهويدي للقدس في ظاهره أعمالاً لـ«تطوير» البنى التحتية للرصف وزرع الجنائن والاضاءة، لكنه يهدف في باطنه إلى طمس هويّة المدينة، وتزوير تاريخها وتغليفها برموز يهودية وتوراتية، بحيث تكتسي البلدة القديمة حلّة إسرائيلية يهودية. وستنفّذ الأعمال، التي ستستغرق بين ٢٤ و٣٠ شهراً، في طريق باب العامود وسوق خان الزيت وطريق الوأد وسوق العطّارين وطريق حارة النصارى وطريق القديس متري وساحة عمر بن الخطاب وطريق الآلام وطريق الرسل وباب الغوانمة وعقبة دير الحبشة وطريق مار مرقص.

تاريخ «إيباك»

إنها «الإيباكيّة» في السياسة الأميركية، وخطورتها أنها تتواصل في صراع الشرق الأوسط، وتزاداد قوّة عاماً بعد عام، والظنّ الراجح أن رئاسة باراك أوباما تعيش مرحلة ارتباك وتضعضع، انعكاساً لأزمة موضوعية أعمق تعيشها الولايات المتحدة نفسها. كل هذا يعني أن السياسة الخارجية الأميركية سوف تكون، خلال السنوات الثلاث المقبلة، المتبقّيّة من الولاياة الأوبامية، أسيرة المطبّات الهوائية الداخلية، خصوصاً بعدما تبيّـن أن التقارير التي نشرت عن بدء تعافي الاقتصاد الأميركي كان مبالغاً فيها، والظنّ الراجح أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي سوف يغيب عن أولويات الرئيس الأميركي في المرحلة المقبلة، وأنه سوف يركّز جهوده على مداواة الأوجاع الأميركية الداخلية، ومواصلة الحرب ضد الارهاب في الشرق الأوسط الكبير.

هنا تجد «إيباك» نفسها مطلقة اليدين، تملك حرّيّة المناورة على كل المستويات، والمنظّمة تعدّ أشهر جماعات الضغط اليهودية، وواحدة من أقوى خمس جماعات ضغط في واشنطن، رغم أنها تقول على موقعها الإلكتروني إن دورها لا يتعدّى تقديم المعلومات لصانعي القرار الأميركي.

و«إيباك» التي تأسّست في العام ١٩٥١، شهدت خلال رئاسة رونالد ريغان تطوّراً ذهبياً، حيث ارتفع عدد أعضائها من ٨٠٠٠ الى ٥٠٠٠٠ عضو بين العام ١٩٨١ والعام ١٩٩٣، وازدادت الميزانية المخصّصة لها من مليون دولار الى ١٥ مليون دولار في الفترة نفسها، حيث أن معظم التمويل يأتي من التجمّعات اليهودية الأميركية، إما من خلال التبرّعات، وإما من خلال رسوم الاشتراكات ومبيعات منشورات المنظّمة، ولذلك دعم صعود الوجهة السياسية للمنظّمة مواردها المالية). ويقال إن «إيباك» لعبت دوراً كبيراً في الثمانينيات في إقناع أعضاء الكونغرس بالموافقة على مساعدة سنوية لإسرائيل قيمتها ٣ مليارات دولار. ومع هذا التوسّع، دعمت «إيباك» إنشاء ثينك تانك (مركز أبحاث) مشهور، وهو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في العام ١٩٨٥، وكان الهدف الأصلي من تأسيس هذا المعهد نشر الأبحاث المؤيّدة للموقف الإسرائيلي والداعمة لأمن الدولة.

و«إيباك» اليوم حوالى مئة ألف عضو في أنحاء الولايات المتحدة، وتصرّح المنظّمة من خلال موقعها الإلكتروني بأن مقابلات «إيباك» مع أعضاء الكونغرس الأميركي تصل الى ألفي مقابلة في السنة الواحدة، وينتج منها عادة مئة تشريع مؤيّد لإسرائيل على حد تعبير الموقع. وللمنظّمة مكاتب إقليمية عديدة خارج نطاق العاصمة الأميركية، وتقدّر ميزانيتها السنوية بـ٤٠ مليون دولار.