البحث العلمي المؤسسي

 

 د. عبد القادر الشيخلي*

 

ماهية البحث العلمي المؤسسي

البحث العلمي –وفق وجهة نظر اليونسكو- "عمليات الدراسة والتجربة وصياغة المفاهيم واختيار النظريات التي تدخل في توليد المعرفة العلمية"(1).   إن الكلام عن ماهية البحث العلمي المؤسسي يقتضي بيان طبيعة البحث العلمي بشكله الدقيق ثم بيان أثر المأسسة على البحث العلمي، وسيتم ذلك في فرعين مستقلين.

طبيعة البحث العلمي

إن تحليل طبيعة البحث العلمي يستلزم تحديد أنواع البحوث العلمية وعرض مناهجها، وأساليبها، وشروط نجاح المشتغلين بالبحث العلمي، وأخيراً إلقاء الأضواء على أخلاقيات الباحث العلمي وهذا يقتضي تناول هذه الموضوعات بخمس مسائل مستقلة.  

المسألة الأولى: أنواع البحوث العلمية:  

أ) البحث الأساسي والبحث التطبيقي: في معظم مجالات العلم يمكن أن تصنف البحوث إلى بحوث أساسية وبحوث تطبيقية.

1. البحوث الأساسية هي الأنشطة التجريبية أو النظرية التي تمارس أصلا من أجل اكتساب معارف جديدة عن الأسس التي تقوم عليها الظواهر والوقائع المشاهدة دون توخي أي تطبيق خاص.

2- البحوث التطيبقية وهي البحوث الأصلية التي تجرب بغية اكتساب معارف جديدة وترمي في المقام الأول إلى تحقيق غرض علمي معين(2).

 ويرى الدكتور جون دينكسون أن البحث العلمي يحدد الاحتياجات ويبين الحلول ويوفر المسائل اللازمة لتحقيقها. ومن هذا المنطلق فإن أي محاولة للتمييز بين البحوث الأساسية والتطبيقية تصبح على الأصح غير ذات معنى لدى الباحث نفسه خاصة وأن كل هذه البحوث بستخدم المنهج العلمي. ومع ذلك سيبقى التمييز بين البحوث الأساسية والتطبيقية كشيء ملازم للجوانب الإداربة(3).

ب) البحث العلمي والبحث التكنولوجي

فالبحث العلمي ينطلق من العلم والبحث التكنولوجي ينطلق من التكنولوجيا إلا أن التداخل والترابط قائم بينها في الوقت الحاضر. فلم يكن بالإمكان للنظرية الفلكية أن تقوم أبعد من المناقشة الفلسفية بدون وجود (التلسكوب) الذي تم بواسطته مشاهدة أقمار المشتري وكوكب الزهراء وعدد من نجوم المجرة اللبنية، فالعلم والتكنولوجيا متعاونان بمعنى أن كل منهما يضيف قوة للآخر(4).

المسألة الثانية: مناهج البحث العلمي:

يمكن أن يستخدم الباحث منهجأ أو أكثر من المناهج العلمية الآتية:

1. المنهج التحليلي Analytical Method ، ومؤداه تفتيت الكل إلى أجزاء، وتقوبم الأجزاء لاختيار فرضيات معينة والوصول إلى نتائج جديدة. ففي العلوم الطبيعية أو المجردة يتم تفتيت الكل إلى أجزاء على المستوى الذهني أولاً ثم اللجوء إلى المختبر أو التجارب العلمية، أما في ظل العلوم الإنسانية والاجتماعية فيتم تفتيت الكل إلى أجزاء على المستوى الواقعي.

2. المنهج الكيفي Qualitative Mehtod ، ويتزاوج مع المنهج السابق، ويستخدم الباحث أساليب المقابلات الشخصية والملاحظة وغيرها.

3. المنهج الاستنباطي Deductive Method ،  ومؤداه استخدام أسس وقوانين المنطق وإثبات نتيجة ما ونتقل الباحث في هذا النهج من العام إلى الخاص.

4. المنهج الجلي Dialectical Method ، وهو عبارة عن منهج يكشف طبيعة العلاقة بين الأفكار المتعارضة أو المتناقضة في ضوء قواعد المنطق الجدلي.

5. المنهج الاستقرائي Inductive Method ، ومؤداه انتقال الباحث من الخاص إلى العام لإثبات فرضية البحث.

6. المنهج الكمي Quantitative Method ، عبارة عن منهج يدرس الظواهر القابلة للقياس الكمي.

7. المنهج المقارن Comparative Method ،  وهو منهج يحدد أوجه التماثل والتباين بين عدة أنظمة أو ظواهر أو علاقات.

8. منهج دراسة الحالة Case Study Method ، وهو دراسة ظاهرة أو حالة من جوانبها كافة بهدف تحليل أجزائها والوصول إلى نتائج محددة.

المسألة الثالثة: أساليب البحث العلمي :

 وهي الأدوات أو الوسائل التي يلجأ إليها الباحث بدءاً من جمع المعلومات ووصفها إلى تحليلها وفق المنهج العلمي وهي ثلاثة أساليب: كيفية، وكمية، وكيفية-كمية. والشائع في البحث المؤسسي اتخدام أساليب كمية تستخدم لغة الأرقام للقياس بدقة ويشكل ذلك إعداد استمارات الاستبيان أو معالجة البيانات التي تم جمعها وتحليلها من خلال الجداول التكرارية أو معاملات الارتباط وغيرها من الأساليب الإحصائية وكذلك تحليل المضمون الكمي ويجب أن يلم الباحث بالأساليب الإحصائية واستخدام الحاسوب والانترنت.

ويمكن أن يزاوج البحث بين الأسلوبين الكيفي والكمي وذلك لضرورة بحثية متعلقة بموضوعه، كما يمكن أن يتحاشى بهذا الأسلوب أخطاء التمييز، ومن الضرورة ملاحظة أن هذا الأسلوب مكلف مادياً وزمنياً.  

المسألة الرابعة: شروط نجاح المشتغلين بالبحث العلمي

أوصى اليونسكو في توصية له صادرة في 1974 بالإجراءات المؤدية إلى نجاح المتشغلين بالبحث العلمي مؤكداً على أنه ينبغي للدول الأعضاء عندما تقوم بمهمة أصحاب العمل الذين يستخدمون باحثين علميين:

(‌أ) توفير الدعم الأدبي والعون المادي لباحثيها العلميين.

(‌ب) السعي إلى أن تكون قدوة حسنة لأصحاب العمل الآخرين الذين يستخدمون هؤلاء الباحثين.

(‌ج) حث جميع أصحاب العمل على العناية بتوفير ظروف عمل مرضية لهؤلاء الباحثين.

(‌د) ضمان تمتع باحثيها بظروف عمل مرضية وأجور عادلة دون تتمييز تحكمي وتوفير الفرص والتسهيلات الكافية للتقدم العلمي(5).

المسألة الخامسة: أخلاقيات الباحث العلمي

إن تجاهل الباحث العلمي أخلاقيات البحث العلمي ينسف الصفة العلمية والقيمية عن عمله البحثي. فمن الضرورة ألا يتعرض الباحث لزملائه الباحثين من حيث خصوصياتهم أو كراماتهم أو نهج سيرهم، إذ أن تسيس Politicization العملية البحثية ذات الصفة الموضوعية يتناقض مع أخلاقيات البحث العلمي. ومن أخلاقيات الباحث العلمي:

1.    الأمانة العلمية: من الضرورة نسبة الآراء لأصحابها الحقيقيين وتجنب انتحالها أو سرقتها.

2.    كتمان سرية المعلومات أو خصوصيات المبحوثين.

3.    تجنب إلحاق ضرر مادي أو معنوي بعينة البحث ومحاولة الضغط على المبحوثين أو استفزازهم.

4.    فصل الحياة العلمية للباحث عن حياته العائلية أو الشخصية.

5.    تجنب الخضوع لمؤثرات حكومية هادفة إلى ترك البحث في شؤون عامة حيوية(6).

مأسسة البحث العلمي

لقد ازدهر في السنوات القليلة الماضية البحث العلمي المؤسسي في المجتمعات الصناعية المتقدمة خصوصاً في أمريكا وبريطانيا، وإلى جانب مؤسسات التعليم العالي وما تقوم به من أنشطة بحثية متخصصة، توجد أعداد متزادية من البحوث النظرية والتطبيقية التي تجري في المراكز والمؤسسات المستقلة عن التعليم العالي سواء ارتبطت بالحكومة المركزية أو الهيئات المحلية أو القطاع الخاص.  

إن وجود إطار مؤسسي لنظام البحث العلمي يساعد على سلامة النشاط العلمي والنمط التنظيمي لهذا البحث وذلك بالتزامه بتشريعات أو تعليمات أو معايير أو أهداف محددة مسبقاً والالتزام بسياسات بحثية ولو كانت ليبرالية المضمون.  

إن وجود مناخ علمي وحريات فكرية وأكاديمية ومدارس علمية وفكرية وتمويل كاف لعمليات البحث العلمي ساعد مساعدة مباشرة وفعالة في مأسسة البحث العلمي طالما كان عالم الإنتاج والخدمات يحتاج إلى بحوث أوسع وذات نتائج أدق.  

وبعد هذا التمهيد الضروري، أتناول موضوعات البحث المؤسسي بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، وهل يتناقض البحث الفردي مع البحث المؤسسي وما معايير البحث المؤسسي ودور فرق البحث وخصائص البحث المؤسسي وأهدافه، وأخيرا بيان أساليب إعداد الباحث العلمي مؤسسياً. وسأتناول هذه الموضوعات في ست مسائل مستقلة.

المسألة الأولى:البحث المؤسسي بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية

لا شك في أن العلوم الطبيعية متقدمة تقدماً نوعياً كبيراً مقارنة بالعلوم الاجتماعية والانسانية وذلك لأنها علوم تخضع لقوانين الطبيعة التي تتعامل مع المادة بصفة أساسية وهي قوانين لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، أما العلوم الأخرى فهي علوم أيديولوجية لأنها مرتبطة بأفكار البشر ومصالحهم وهي أفكار مختلفة ومصالح متباينة. فالصراع في نطاقها يكون صراعاً على المصالح المشروعة وغير المشروعة. فالعلوم الطبيعية منضبطة انضباطاً تاماً لأنها تخضع لقانون الحتمية ويسهل التنبؤ العلمي في نطاقها بينما العلوم الاجتماعية والإنسانية تتحكم فيها الإرادات البشرية والأفكار المتناقضة والمصالح المتضاربة الأمر الذي يترتب على هذه الحقيقة العلمية أن البحث العلمي المؤسس يجري دون عقبات كؤود في الأغلب الأعم إذ أن الباحثين يتعاملون مع حقائق مادية لا تؤثر على مصالحهم أو ذواتهم، ولا يمكن أن يكون للعاطفة البشرية دور يذكر في نطاقها بينما المؤسسية في البحث الاجتماعي أو الإنساني تكون أصعب وإذا جرت فيخشى أن تكون مؤسسية مقننة أو مؤدلجة أو مسيسة أو هادفة إلى صياغة نتائج معينة قبل الوصول إليها فعلاً(7).

المسألة الثانية: الفردية والمؤسسية

أرى أن الفردية لا تتعارض مع المؤسسية في البحث العلمي طالما كان الباحث مدركاً لقواعد المؤسسية ومستوعباً لأهدافها، فهو سيجسدها في سلوكه البحثي، ويمكن في غير قليل من الحالات إنتاج بحث علمي فردي ذي نتائج علمية باهرة تفوق الكثير من البحوث الجماعية التي تتسم بتفاوت الأساليب واختلاف طرق استخراج النتائج والطابع الفسيفسائي للمبحث ذاته بشكل عام.

صفوة القول في هذا الشأن أن الباحث العلمي الذي أدرك أن العصر السائد هو عصر المؤسسات وأن حياتنا مؤسسة طبقاً لأهداف محددة فإنه يتآلف مع الروح المؤسساتية في عمله البحثي إذ يخضع لضوابط نظامية تجعل من تفيره منهجياً واستنتاجاته موضوعية فلا يبقى من الخطأ في اجتهاده العلمي سوى الحد الأدنى أو المستوى المقبول.

المسألة الثالثة: مبادئ ومعايير البحث المؤسسي

تتوافر مبادئ ومعايير تحكم وتنظم البحث العلمي وفيما يلي بيان موجز لها:  

1.  إن البحث العلمي –كقاعدة عامة- نشاط مخصص لصالح البشرية وهو أداة فعالة لتقدم الإنسانية المعاصرة.

2.  لم مؤسسة البحث العلمي؟ أساس مؤسسية البحث العلمي أن يشكل عنصراً جوهرياً في تكوين الثروة لأنه يزيد من انتاجية العمل ورأس المال وهذا ينعكس على تقديم السلع والخدمات التي توفرها الدولة والقطاع الخاص على حد سواء، وإذا تفهم صانعو القرار السياسي هذه الحقيقة فإن النزعة المؤسسية ستدب في مفاصل البحث العلمي؛ باحثين ومناهج وأدوات دبّاً حثيثاً.

3.   تكوين التقاليد البحثية المؤسسية:

من الضروري بلورة تقاليد بحثية في إطار الطابع المؤسسي للبحث العلمي ومن ذلك تعزيز تعاون المؤسسات مع الباحث العلمي عن طريق:

-   توفير المعلومات والبيانات والحقائق.

-   تقديم التسهيلات الإجرائية والتنفيذية لعملياته البحثية.

-   تقدمي أوجه النصح والإرشاد في حالة الضرورة العلمية.

-   تقديم التمويل أو العون المادي.

المسألة الرابعة:فرق العمل البحثي هي الشكل الأرقى للبحث المؤسسي

من الضرورة لمؤسسات البحث العلمي أن تضع نظماً مرنة لفرق العمل البحثي الجماعي سواء كانت هذه المؤسسات هي الجامعات أو الدولة حيث تخصص لكل وزارة مركز بحث علمي في إطار طبيعة عمل الوزارة وأهدافها الراهنة والمستقبلية.

إن التعاون والاتصال يعطيان جانبين من جوانب التفاعل بين الباحثين. إن شكل العلاقة بين الأستاذ والباحث المبدئ أبعد ما يكون عن التعاون المطلوب، فالتعاون اشتراك في الفكر والمهارة على قدم المساواة لتحقيق هدف مشترك. فإدارة البحث العلمي تدفع الباحثين إلى اختيار أساليب للعمل ترمي إلى دعم التعاون أو توحيد الأنشطة بغية تحقيق هدف جماعي ويميل الباحثون في الحقول النظرية للعمل وحدهم فيكونوا انعزاليين.

ومن صور التعاون: تعاون العلماء عن طريق المراسلة وهناك ميل متزايد في المشروعات المشتركة إلى معاملة كل أعضاء الفريق (فنيين أو علماء) على أن لهم إسهامات متساوية وإن كانت مختلفة بالضرورة وإلى مشاركة العاملين في التخطيط المفصل للبرامج التدريسية.

أصبح فريق البحث برأي اليونسكو يتراوح بين أربعة وثمانية بصفة عامة. ويتراوح المجموع الأمثل لفريق البحوث الصناعية بما في ذلك التقنيون وغيره بما يتراوح بين اثني عشر وأربعة عشر شخصاً، إذ يمكن للفرد الواحد أن يتعامل معهم في الوقت نفسه.

وعلى الرغم من وجود التنافس بين أعضاء الفريق إلاّ أنه أصبح ما يشاهد الآن علانية ويقتصر على التنافس الذي يتسم بالروح الرياضية وإن وجدت تحت السطح عداوات شخصية قد تكون ضارية يمكن أن تؤثر على الأحكام العلمية وإن أصبح الصراع متعلقاً بالعزة الشخصية أو الوطنية فلا يقتصر الضرر على الباحثين وإنما يمتد إلى العلم فيقلل من شأنه(8).

صفوة القول في هذا الشأن أن نظام الفريق البحثي يساعد في تزويد الأعضاء بخبرات فنية مكتسبة إضافة إلى التبادل بين المعلومات والحقئاق. وأخيراً وليس آخراً، فإن نظام الفريق هو محور العمل المؤسسي في البحث العلمي فهو يساعد في تشذيب الأفراد من فرديتهم المفرطة والانفتاح على الآخرين برحابة صدر بصفة عامة. إن قواعد العمل المؤسسي في البحث العلمي هي قواعد مرتبطة مباشرة بطبيعة البحث العلمي فهي قواعد كفية في إعداد البحث وهي قواعد العمل والإجراءات ويتطلب ذلك الإيمان الصادق المتجسد في الأفعال بالعلم كمنظومة متكاملة، وهذا يعني تقريب العلوم الإنسانية والاجتماعية من العلوم الطبيعية.

صحيح أن التخصص طريقة من طرق التقدم العلمي إلا أن العلاقة الجدلية بين الخاص والعام وضرورة التناوب في الدور هي التي تثري التخصص وتقدم العلم كما أن الاغتراف من العلوم المجاورة أو ذات الصلة (ولو كانت مباشرة) وهي التي تمد الباحث بمعارف وحقائق تعينه على تطوير تخصصه العلمي أو المعرفي ولا شك أن نظام الفريق البحثي يساعد على تحقيق هذه الاهداف بشكل مباشر.

إن الطابع الفردي للبحث وفقدان التعاون بين الباحثين وتخوفهم من العمل الجماعي وضعف المشاركة بينهم وتدني الإدراك بأهمية العمل الجماعي هي من أبرز المظاهر على رفض السياسات والأهداف المؤسسية للبحث العلمي؛ الأمر الذي ينجم عنه تأخر نمو وبلورة مؤسسية البحث العلمي. إن تخوف الباحثين من بعضهم وتنفيذ العمليات البحثية دون تنسيق أو استشارة للزملاء هي سياسة تقليدية مرجوحة وتتعارض تماماً مع نزعة المأسسة مما يؤثر ليس على القيمة المؤسسية للبحث العلمي فحسب، بل وأيضاً على حرية التفكير والابداع، فالمؤسسية كمنظومة مفتوحة تشجع على هذين المتغيرين، أما إذا أصبحت المؤسسية منظومة مغلقة (عن طريق اتباع الروتين وانتهاج البيروقراطية ومحاكاة العمل الحكومي) فهي تئد البحث العلمي ومن ثم تؤدي إلى إخفاق هذين المتغيرين (حرية التفكير والإبداع).

المسألة الخامسة: خصائص البحث المؤسسي وأهدافه

(أ) خصائص البحث المؤسسي:

إذا نفذ البحث المؤسسي فريق عمل بحثي فإن أبرز الخصائص السافرة هي:  

1.    فريق جماعي

2.    تعاون كامل

3.    التزام الأعضاء بحب الحقيقة.

4.    اتسام الباحثين بالكفاية العلمية والخبرات الفنية والعملية العريقة.

5.    الأمانة العملية.

(ب) أهداف البحث المؤسسي:

يمكن بلورة أبرز الأهداف وهي:

1.    أهداف البحث محددة تحديدا دقيقا.

2.    استخدام الموارد البشرية والمالية والمادية والتقنية للبحث استخداماً أمثل.

3.    التنسيق الفعال بين جهود الباحثين في نطاق البحث الواحد وخلق نوع فعال من التعاون الكامل وذلك لإنجاز البحث بأقل كلفة وبأقصر مدة زمنية وعلى أفضل نحو نوعي ممكن.  

المسألة السادسة: إعداد الباحث وظيفة مؤسسية:

تلجأ مؤسسات البحث العلمي إلى تدريب المرشحين للعمل في الحقل البحثي بعد إجراء اختبارات تحريرية ومقابلة معهم وذلك للتحقق من طبيعة قدراتهم الإدراكية. إن تكوين الباحث يتوقف على جملة متغيرات تكون بمثابة سياسة مؤسسية، أدرج أدناه أبرزها:  

1.    حصول المرشح على شهادة جامعية كحد أدنى وإشراكه في برنامج الدراسات العليا.

2.    التخصص في حقل علمي أو معرفي يرغب المرشح لقضاء حياته المهنية والعلمية في احترافه.

3.    التدرب على مناهج وآليات البحث العلمي وخصوصاً الجديدة والمتطورة.

4.    الحاجة إلى التعمق ببعض العلوم كالرياضيات والإحصاء وبعض التخصصات العلمية الأخرى التي يحتاجها.

5.    الاستخدام الممتاز لأجهزة الكمبيوتر (الحاسوب) والانترنت.

6.    الإلمام التام بلغة أ<نبية واحدة على الأقل كاللغة الانجليزية: قراءة وكتابة ومحادثة.

7.    تطبيق إدارة الوقت بحيث يتفرغ للقراءة والاستقصاء والتحليل والمقارنة كتفكير يومي منتظم بحيث يخصص ثمان-عشر ساعات يومياً كحد أدنى.

8.    تنمية مهارة إلقاء المحاضرات (في بعض الحالات).

9.    دراسة فلسفة العلوم وفهم مسالك كبار العلماء والعمل مع عالم محترف أو مع فريق بحثي متقدم.

10.    تنمية القدرات البحثية عن طريق تراكم الخبرات البحثية كماً ونوعاً ودراسة البحوث الأصلية والمعمقة والمبتركة لغرض فهم أوجه إبداعها وجدتها.

 دور الباحث العلمي المؤسسي العربي في ظل الألفية الثالثة

 العالم المتقدم صناعياً وعلمياً وحضارياً ينتج شتى أشكال التكنولوجيات الجديدة المتطورة، أما نحن فمستهلكون لها، ومثل هذا الوضع ليس سارً للعرب، فإذا قمنا باستيراد التكنولوجيات المختلفة ثم لجأنا إلى توطينها لغرض الاستفادة منها من جهة ومحاولة فهمها فهماً مباشراً من جهة ثانية، فإن الضرورة العلمية لمستقبل العرب تقتضي اللحاق بركب التقدم عن طريق تشجيع إنتاج أدوات وقطع غيار هذه التكنولوجيات مكرحلة أولى من مرحلة تقدمنا العلمي والصناعي، ثم نوفر أقصى درجات التحفيز والتشجيع للباحثين كباراً وشباباً من أجل إنتاج التكنولوجيا محلياً. ولعل التعاو بين الدول الإسلامية هو ألف باء العمل الجاد. كما إن توفير أمهات الفكر العلمي والنظريات والبحوث العلمية والتكنولوجية بلغة الضاد محاولة تعميم الظاهرة العلمية وتوسيع رقعة الباحثين في الحقول العلمية والتكنولوجية.

ولنا في اليابان درس لا ينبغي إهماله أو نسيانه فهي تقدمت لأنها ترجمت إلى لغتها القومية كل ما يمت إلى اكتشاف واختراعات العصر فأصبح باحثوها وشبابها يتعاملون مع المنجزات الغربية باللغة التي يفكرون بها.

وبعد هذا التمهيد العام الضروري لربط العرب بالألفية الثالثة أتناول مسألتين جوهريتين؛ إحداهما هي العولمة والثانية هي تكنولوجيا المعلومات كمثال على التقدم العلمي والتكنولوجي الضروري للسمتقبل العربي الإسلامي.

الفرع الأول: ظاهرة العولمة

 نحن لا نرغب برفض تيار العولمة لأنه تيار عالمي جارف، كما لا نرغب أن نذوب في أيدولوجيتها بحيث نفقد خصائصنا الإسلامية والعربية. فنحن لا نخاف هذا التيار ولن ننعزل عنه، فنحن مرتبطون بالحضارة الإنسانية وبالاقتصاد العالمي، ولذلك سوف نستقبل هذا التيار بصدر رحب وثقة عالية بقدراتنا التراثية والذاتية الحاضرة، إذ سنفتح نافذة العولمة مع بقاء أرجلنا على أرضنا العربية خدمة لأهدافنا الإسلامية وأمانينا العربية. فموقف أوربا يختلف عن موقف أمريكا كما دلل على ذلك فشل مؤتمر سياتل. ونملك استثمار التناقضات بين القوى العالمية (أمريكا، أوربا، اليابان، الصين) لصالح قضايانا القومية. صفوة القول في هذا الشأن ضرورة ترتيب البيت العربي كي يكون بيتاً من بيوت الألفية الثالثة مستفيدين من تكنولوجيا ومعارف وأعلام العصر وفي الوقت نفسه الإصرار على المحافظة على خصائصنا الدينية والقومية.

إن استعدادنا لقبول العولمة دون الذوبان في المصالح الغربية يحتم إحداث تفكير جديد ونمط جديد من المؤسسات وعقلية تعي طبيعة الأهداف المنبثقة من الألفية الثالثة فنكون مع التيار دون أن نتلاشى فيه، ونكون مع أنفسنا دون أن نتجاهل العالم، ونكون مع العالم دون أن نلغي أنفسنا فنسهم في حضارة العولمة وفق مصالحنا وأهدافنا وشخصيتنا الذاتية.

الفرع الثاني: تكنولجيا المعلومات

يعرض الخبير الدكتور نبيل على أنشطة البحوث الرئيسية وأنشطة التطوير والبحوث التطبيقية في العالم وفي وطننا العربي وفيما يلي موجز لذلك.  

أ- أنشطو البحوث الرئيسية:

 الوضع العام: ترتبط البحوث الأساسية في مجالات تكنولوجيا المعلومات بصلات وثيقة بأعمال التطوير والبحوث التطبيقية، وهو الارتباط الذي وصل إلى الحد الذي يمكن القول معه، إن التكنولوجيا أصبحت المحرك الرئيسي للبحوث الأساسية بقد يفوق بكثير كون الأخيرة هي الباعث على التطبيق التكنولوجي. لقد باتت البحوث الأساسية مقوماً أساسياً للاحتفاظ بعصا السبق، وسحبت السرعة الهائلة التي تتطور بها تكنولوجيات المعلومات البساط من تحت أقدام من كانوا في الماضي ينادون بالتروي في اقتحام المجالات الجديدة، فكان عهدنا بهم أن يتركوا لأهل الهمة والمبادرة مهمة المجازفة، ليحصدوا هم من بعدهم عائد التكنولوجيا وقد استقرت ووضحت معالمها. وها هي اليابان بعد أن تبوأت هذا الوضع المتقدم في تكنولوجيا المعلومات، وقد أدركت في الوقت المناسب أنه لا جدوى من التشبث بسياسة التطوير القائمة على النسخ، واستيراد براءات الاختراع، خاصة بعد أن استعاض أصحاب الانجازات عن براءات الاختراع، بقيود وإجراءات صارمة لحماية أسرار الصنعة، وشركة أي بي أم، عملا صناعة الكومبيوتر أدركت هي الأخرى كلفة التخلف الباهظة، كنتيجة للسياسة المتحفظة التي انتهجتها في الماضي في عدم المبادرة انتظارا لما تسفر عنه تجارب المغامرين المبادرين.

على صعيد العتاد، تهدف البحوث الأساسية، من جانب إلى زيادة إمكانات عناصره: زيادة السرعة وسعة الذاكرة وطاقة تخزين وسائط حفظ البيانات، ومن جانب آخر إلى تسهيل التعامل بين الإنسان والآلة.

أما على صعيد البرمجيات، فتركز جهود البحوث الأساسية على تحويل فنون البرمجمة وتصميم النظم واسترجاع المعلومات ومعالجة اللغات الطبيعية إلى علوم منضبطة، وذلك باللجوء إلى أساليب نظرية النظم System Theory، والرياضيات الحديثة، والإحصاء، والمنطق، والبيولوجي.

فيما يخص نمط إدارة برامج هذه المشاريع البحثية، اعتمد البرنامج الياباني على حشد موارد المؤسسات البحثية الحكومية مع كونسور تيم من الشركات الرائدة، في المجالات المختلفة تحت قيادة بحثية موحدة، أما إدارة البرنامجين الأمريكي والأوربي فقد قامت على مبدأ التنسيق وتوزيع المهام بين المؤسسات البحثية المختلفة. وكمثال له هنا نذكر قائمة المؤسسات المساهمة في البرنامج الأمريكي HPCC.

-  وكالة مشاريع البحوث المتقدمة في مجال الدفاع DAPRA.

-  المؤسسة الوطنية للعلوم NSF.

-  وزارة الطاقة DOE.

-  الإدارة الوطنية لعلوم الطيران والفضاء NASA.

-   المعاهد الوطنية للصحة NIH.

-   المعاهد الوطنية لشؤون المحيطات والمناخ NOAA.

-   وكالة حماية البيئة EPA.

-   المعهد الوطني للتوحيد القياسي والتكنولوجيا NIST.

الوضع العربي: لا تمثل ظاهرة قصور البحوث الأساسية في مجال المعلومات مفاجأة لأحد، فهي امتداد للظاهرة نفسها في مجالات عديدة أخرى، كنتيجة منطقية لمجموعة من الأسباب التي باتت معروفة للجميع، والتي على رأسها التبعية العلمية، والتكنولوجية، وضعف الميزانيات المخصصة للبحوث، ولا يمكن إغفال أثر غياب صناعات محلية في مجالات المعلومات، وما ترتب عليه الطلب على البحوث الأساسية.

وسبب نقص الموارد البشرية، أو غياب الهياكل المؤسسية، فقد أنشئت مجموعات ومعاهد متخصصة في مجال تطبيقات المعلومات والإلكترونيات الدقيقة، والاتصالات في معظم البلدان العربية، كمركز بحوث الإلكترونيات الملحق بالمركز القومي للبحوث في مصر، ومركز علوم الكومبيوتر، وتكنولوجيا المعلومات الملحق بالمركز القومي للبحوث في سوريا، والمعهد الإقليمي للمعلومات والاتصالات IRSIT بتونس، ومجموعة بحوث الإلكترونيات بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا بالرياض، وقسم بحوث النظم بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، والمعهد القومي للمعلوماتية في الجزائر، والمركز القومي للحاسب الآلي في العراق، وذلك بالإضافة إلى جماعات البحوث في أقسام علوم وهندسة الكومبيوتر التي أنشئت في معظم الجامعات العربية.

ويقترح الخبير الدكتور نبيل علي قائمة بمجالات مقترحة لبعض موضوعات البحوث الأساسية في مجال تكنولوجيا المعلومات والعلوم المساندة لها: اللسنيات النظرية واللسانيات الحاسوبية. معمارية نظم الحاسبات والاتصالات، بحوث تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في مجالات التعليم والتنمية الريفية، بحوث الهندسة العكسية، معالجة النصوص بأسلوب النص الافائق Hypertext، تطبيقات المعلومات في الهندسة الوراثية في مجالات الغذاء والتغذية والدواء، تطبيقات بحوث العمليات في ترشيد استغلال الموارد ومراقبة الأداء، تقويم تكنولويجا المعلومات Information Technology Assessment، دراسة الأبعاد الاجتماعية والثقافية لتكنولوجيا المعلومات.

ب- أنشطة التطوير والبحوث التطبيقية:

الوضع الأول: تمثل البحوث التطبيقية الشق الأعظم من البحوث، خاصة في مجالات تطوير البرمجيات وتصميم النظم والشبكات وما إلى ذلك، ويعد تضخم البحوث التطبيقية نتيجة منطقية لسرعة التطور التكنولوجي وانتشار نطاق التطبيقات.

وقد واجه الفشل عدد غير قليل من مشاريع التطوير الضخمة، وذلك لطول الوقت اللازم لتحويل النماذج الأولية Prototype إلى منتجات نهائية، وهو أمر ينطوي على مخاطر كبيرة بسبب سرعة التطور الهائلة، ففي حالات غير قليلة أصبح المنتج ملغىً قبل اكتماله، وذلك لظهور بدائل تكنولوجية متقدمة عليه، أو بروز عوامل مستجدة لم تؤخذ في الاعتبار عند التخطيط للمشروع.

يشهد تاريخ تكنولوجيا المعلومات أن النجاح في دنيا الأعمال وصاحب الحظ المادي فيها ليس بالضرورة هو المبدع صاحب الفكرة، بل من يستطيع أن يطور الأفكار الجديدة ويحيلها إلى منتج شائع Commercialization وفقاً للأعراف المستقرة إدارة الأعمال واقتصادياتها، وكدليل على ذلك أن ميكروسوفت، كبرى شركات تطوير البرمجيات في العالم حالياً، أقامت مجدها على برامج ابتاعتها من آخرين بثمن زهيد، من أبرزها برنامج لغة البيسك الذي اقتنته من جامعة سياتل وطورته بعد ذلك، ليصبح أكثر برامج لغة بيسك شيوعاً، وبرنامج نظم التشغيل الذي اتقنته من إحدى الشركات الصغيرة لتطوير برامج بسياتل لتجعل منه النظام القياسي MS-DOS على مستوى العالم.

الوضع العربي: موقف البحوث التطبيقية ليس أحسن حالاً من نظيره في البحوث الأساسية، ومعظم هذه البحوث تقوم بها الجامعات ومراكز البحوث، ويسودها التكرار ما بين البلدان العربية.

إن الهدف الرئيسي في رأي الدكتور نبيل علي هو توثيق الصلة بين البحوث التطبيقية وقطاعات الانتاج والخدمات، لذا يقترح هذا الخبير هنا إنشاء ساحات علمية Science Parks حول الجامعات لتقوم بأعمال التجريب والتطبيق في مناخ وسط بين الطابع الأكاديمي وطابع إدارة الأعمال، وكذلك إنشاء ساحات بحثية Research Parks حول المصانع للقيام بأعمال التطوير حتى مستوى النموذج الأولي Prototype. ولا بد كذلك من استغلال نظم المعلومات العلمية والتكنولوجية كوسيلة أساسية للربط بين قطاعي البحوث والإنتاج، وكذلك الاستفادة من تجارب مؤسسات التصنيع العسكري في هذا الصدد كما أوصى الخولي ومدكور في دراستهما عن السياسات التكنولوجية في القطاعين المدني والعسكري.

ويقترح الدكتور نبيل علي إنشاء شبكة من مراكز البحوث التطبيقية موزعة على الوطن العربي في مجالات المعلوماتية المختلفة، والتالي تصور أولي بتخصصاتها والدول المستضيفة لها. وهي على النحو الآتي :

مركز بحوث معالجة اللغة العربية آليا- السعودية، مركز بحوث الترجمة الآلية-سوريا، مركز تكنولوجيا المعلومات والإدارة- الكويت، مركز تكنولوجيا الاتصالات-تونس، مركز تكنولوجيا المعلومات والتعليم- الجزائر، مركز تكنولوجيا المعلومات والزراعة- السودان، مركز تكنولوجيا المعلومات والتراث العربي- المغرب، مركز تكنولوجيا المعلومات والثقافة- مصر، مركز تكنولوجيا المعلومات والتحكم- العراق، مركز تكنولوجيا المعلومات والصحة- الصومال، مركز تكنولوجيا المعلومات في المجال العسكري- ليبيا، مركز تكنولوجيا المعلومات والبيئة- دولة الإمارات(9).

..................  

الهوامش:

1.  د. جون ب. ديكنسون: العلم والمشتغلون في البحث العلمي في المجتمع الحديث، ترجمة شعبة الترجمة باليونسكو، الكويت: عالم المعرفة (عدد 112- نيسان 1987) ص371.

2. د. جون ب. ديكنسون: المرجع السابق، ص284.

3.  المرجع نفسه، ص95.

4.  جون ب. ديكنسون: المرجع السابق، ص96.

5.  مذكورة لدى ديكنسون، المرجع السابق، ص274.

6.  د. مصطفى عبد الله خشيم: موسوعة علم السياسة، طرابلس، الدار الجماهيرية 1994، ص33.

7. في التوسع، انظر: د. عبد القادر الشيخلي: قواعد البحث القانوني، عمان: دار الثقافة، 1999م، ص11.

8.   دينكسون: مرجع سبق ذكره، ص117-119.

9. د. نبيل علي: العرب وعصر المعلومات، الكويت- عالم المعرفة (عدد 184-نيسان 1994) ص213 وما بعدها.

----------

 (*) كلية القانون- جامعة اليرموك- المملكة الاردنية الهاشمية . والبحث نشر ضمن منشورات المؤتمر العربي الثالث في القاهرة مايو/2003 م

  afaq:المصدر