من المسؤول عن تشويه صورة الاسلام؟ 

 

عبدالحسين شعبان

 

 

شاعت في الغرب منذ سنوات، لاسيما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) ما سمّي “بالاسلامفوبيا” أي الرهاب من الاسلام، مثلما انتشر في الفترة الأخيرة ما يمكن اصطلاحه ب”العربفوبيا” أي كراهية العرب والعداء لهم، ولعل ذلك ليس بمعزل عمّا يمكن نحته من “الزينوفوبيا” Xenophobia أي الرهاب من الأجانب، بمعنى كراهيتهم وعدائهم، وقد اتسعت هذه المسألة على نطاق كبير بصعود وانتشار بعض التيارات والاتجاهات العنصرية والفاشية في أوروبا وقد تلمسنا حجم الهجوم الشديد على مؤتمر جنيف (ديربن-2)حول العنصرية وانسحاب الولايات المتحدة واسرائيل وعدد من دول الاتحاد الاوروبي منه، وتأييد مواقفها من لدن جهات وجماعات ودول غربية كثيرة، لمجرد استنكار ما ذهب اليه مؤتمر ديربن الاول العام 2001 من دمغ الممارسات الاسرائيلية بالعنصرية ولعل حدثاً مثل مؤتمر ديربن يمكن استحضاره دليلاً على أن هناك اكثر من جهة هي التي تقف مسؤولة أمام تشويه صورة الاسلام في أعين العالم، فإضافة الى سيل الدعاية الصهيونية، التي سعت الى تصوير الصراع العربي - “الاسرائيلي”، باعتباره صراعاً بين أديان، أي بين الاسلام واليهودية، وبين قوى متخلفة عربية لا تؤمن بحق الوجود والديمقراطية و”دولة” يهودية تسير في طريق الممارسة الديمقراطية، في حين ان الصراع بين حقوق مغتصبة وأرض محتلة وشعب مشرد في غالبيته الساحقة، وبين مغتصب اجلائي استيطاني، رغم أنه يتعكز على حقوق “سماوية” بأرض الميعاد المقدسة لشعب الله المختار، في حين أن الصراع دنيوي لتحرير الأرض والوطن، وليس حول تعاليم الدين الاسلامي وتشريعه وبين اليهودية وتلمودها أما في الغرب بشكل عام فتندفع بعض الاطروحات الرسمية وغير الرسمية لتساوي بين الاسلام كدين للتسامح والرحمة والمغفرة والجدل والتنوّع والحوار والسلام، وبين بعض الاتجاهات المتطرفة والمتعصبة الاسلاموية والتي تستخدم تعاليم الدين أحياناً على نحو مشوّه ضد الدين ذاته، وهو ما نطلق عليه إسم “الاسلاملوجيا” أي توظيف التعاليم الاسلامية بالضد منها رغم أنها ترفع راية الاسلام. ولعل العرب والمسلمين دفعوا ثمن هذه الاتجاهات قبل غيرهم، ورغم أن هذه الاتجاهات حتى وقت قريب وقبل حدوث زلزال 11 سبتمبر (ايلول) لقيت تشجيعاً علنياً ومستتراً من بعض القوى والجماعات والدول الغربية مباشرة أو بصورة غير مباشرة. وأستطيع القول إن الكثير من النخب الفكرية والسياسية والثقافية الحاكمة وغير الحاكمة في الغرب، لم تتفهم حتى الآن وربما بصعوبة طبيعة العلاقة مع العرب، طالما يتم تصوير الصراع العربي- الاسرائيلي على نحو مشوّه، لاسيما من خلال ممارسات خاطئة وضارة يقوم بها بعض المتطرفين بهدف اثبات افضليات الاسلام على المسيحية وعلى اليهودية، وجعل مسألة النصوص الواردة في القرآن الكريم مبرراً لمواصلة هذا الصراع بطريقة لا تخلو من عبثية، بحيث يمتد من أقصى المعمورة وحتى أقصاها، وكأن لا علاقة للمصالح الدولية بذلك، بما فيها مصالح المسلمين أنفسهم، والسياسة منذ بدء الخليقة وحتى تنتهي ستبقى تحكمها الصراعات واتفاقات المصالح .لا شك في أن هناك نظرة ارتيابية مسبقة لدى الغرب والشرق بما فيه الاسلامي إزاء الآخر، والغرب ليس وحده المسؤول عن ذلك، فثمة مساهمات نحن مسؤولون عنها، لاسيما وقد انتشرت لدينا تيارات “أصولية” متعصبة ومتطرفة ومعادية للغرب، وهو ما نطلق عليه اصطلاحاً “الغربفوبيا “ أي كراهية الغرب، والعداء لكل ما هو غربي بما فيه الحضارة الغربية وانجازاتها العلمية والتكنولوجية والفنية والجمالية والعمرانية الهائلة، بكل ما لها وما عليها.

الغرب ليس كله غرباً، فإلى جانب الغرب الامبريالي- العنصري في الماضي والحاضر، هناك الغرب التقدمي المؤيد لحقوق الانسان وحقوق الشعوب في تقرير المصير، وهو ما حاول مفكر بريطاني مرموق مثل الفريد هاليداي أن يضع اصبعه عليه في كتابه الموسوم “ ساعتان هزتا العالم” وقبله كتابه “الاسلام والغرب”. وكان عرفان نظام الدين قد تناول العلاقة بين العرب والاسلام في الغرب بوجهيها وذلك في كتابه “العرب والغرب” مثلما، أطلّ اعلامياً على ذلك في كتاب “الاسلام والاعلام” مؤشراً الى التقصير لدى الجانبين، خصوصاً في فهم العلاقة المتميزة والمتناقضة والمتداولة، إضافة الى التعقيدات والاوهام والتشويهات التي صاحبتها ورافقتها وهو ما أسماه الدكتور غازي القصيبي الأساطير الاربعة التي حكمت نظرة الغرب الى الاسلام ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر).

ما زالت بعض تفسيراتنا قاصرة عن فهم ما نطلق عليه “الصراع التاريخي” الذي يستمر بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وهو ما ندعوه الحروب الصليبية والمقصود “حروب الفرنجة” التي حدثت في القرن الحادي عشر الميلادي، ومن ثم الصراع مع الدولة العثمانية، وذلك لتأكيد حتمية الصراع باعتباره صراعاً تناحرياً غير قابل للحل أو التوافق، رغم أن الصراع يمكن أن يؤدي الى اتفاق مصالح حسب منطوق السياسة الدولية تاريخياً ان الابقاء على صورة العدو حاضرة في الأذهان، رغم اختلاف المواقف، حملت معها خرافات وأوهام كل طرف إزاء الآخر، فالاسلام حسب بعض الاطروحات الغربية يشجع على الارهاب ويحض على العنف، ويستند بعض هذه التصورات على عدد من غلاة الاسلامويين، الرافضين لكل تقدم أو حضارة باعتبار الغرب كلّه “شر مطلق”، وهكذا تستكمل صورة العدو، وإن لم يوجد بالفعل، فقد تم صناعته مثلما حصل بعد انهيار الشيوعية الدولية، فوجدت بعض التيارات في الغرب، اختراع الاسلام عدواً بديلاً، وحسب أحد المعلقين البريطانيين جورج مونبيت Georges Monbiot ، فلو لم يكن ابن لادن موجوداً، لكان على امريكا أن تخترعه، فقد اخترعته ال CIA العام 1979 واليوم تبحث عنه ال FBI، وهكذا تم استبدال مصطلح المجاهدين الافغان أيام الغزو السوفيتي الى أبالسة وشياطين بسبب مواجهتهم للسياسة الامريكية لاحقاً ان صورة العدو الذي تتم صناعته في الغرب ليست بعيدة عن الخرافات والاختلاقات بمجابهة مزعومة مع الاسلام، وهي الصورة التي يقابلها لدى الاسلامويين والتيارات المتشددة، بوضع الغرب في صورة العدو المستمر والمواجهة الحتمية الأبدية، ويميل هاليداي الى اعتبار نموذج صموئيل هنتنغتون بشأن الصدام الحتمي للحضارات هو الأكثر رواجاً لدى الفريقين، ولذلك لقي كتابه “صدام الحضارات” اهتماماً منقطع النظير مثل كتاب فرانسيس فوكوياما “نهاية التاريخ” وهذه الصورة التي تمت صناعتها لم تكن كلها من جانب الدعاية الصهيونية والتيارات الغربية المتعصبة والعنصرية التي هي المسؤولة الأساسية عن اعتبار الاسلام عدواً على الدوام، بل كان بعضها من صنع بعض الاتجاهات المتطرفة والمنغلقة والتي اعتبرت الغرب خطراً على الاسلام لأنه يمثل الجاهلية والفساد والالحاد، وعندها يكون التعارض والصراع أمراً حتمياً.

* كاتب ومفكر عربي

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.

المصدر: alkhaleej.ae