"جيتس" وضبط إنفاق أميركا العسكري

 

 * بنجامين فريدمان

 

 

وصف "الصقور" التخفيضات التي اقترحها وزير الدفاع الأميركي لبرامج الأسلحة بأنه هجوم شرس على المجمع الصناعي العسكري، متهمين "جيتس" بأنه سيتركنا متأخرين عن منافسينا، في حين أشاد القائلون بضرورة التركيز على محاربة قوى التمرد، برغبة "جيتس" في استبدال البرامج المتطورة وعالية التكنولوجيا بقدراتٍ عسكرية تناسب الحروب غير التقليدية التي نخوضها. والحال أن مقترح "جيتس" متواضع وغير كاف، لأنه في نهاية المطاف لا يقضي بخفض الإنفاق العسكري غير المتعلق بالحروب، بل يزيده قليلا إلى 534 مليار دولار وإذا تحقق لـ"جيتس" ما يريد، فإن الميزانية العسكرية المقبلة ستكون شبيهة إلى حد كبير بالميزانية الجديدة وستستمر في خدمة أهداف مبالغ فيها؛ حيث سنواصل الدفاع عن حلفاء يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، والقتال في الحروب الأهلية لشعوب أخرى ضمن جهود لا طائل من ورائها لـ"إصلاح" دولهم، وهدر دولارات دافع الضرائب خدمةً لفكرة تنم عن غير قليل من الغرور والتعجرف وترى أن الهيمنة العسكرية الأميركية، هي الشيء الذي يبقي العالم آمنا. والحال أنه من أجل الحفاظ على أمننا وسلامتنا، علينا أن نقلص حجم الإنفاق المخصص للدفاع. فالأميركيون عليهم أن يستعدوا لحروب أقل، وليس لحروب مختلفة، لأن موقفنا العسكري الحالي يعرضنا للخطر بدلا من أن يوفر لنا الحماية والدفاع، كما أنه يزج بنا في حروب الآخرين ويهدر مواردنا ويثير عداوات الشعوب. ولذلك، فإننا في حاجة إلى ميزانية دفاع جديرة بهذا الاسم، وإلى ضبط للإنفاق العسكري، وهو ما من شأنه أن يسمح لنا بتقليص إنفاقنا العسكري للنصف.ميزانية دفاعنا تعادل نصف ميزانية العالم الدفاعية، وذلك بدون احتساب الأسلحة النووية وقوات الأمن الداخلي. كما أنها تفوق ما أنفقناه في أي مرحلة خلال الحرب الباردة.

وهناك نقطتان تُظهران كيف أن مقترح "جيتس" ليس طموحاً:

أولا، لأنه لا يقضي سوى باستبدال معظم البرامج التي يتم إلغاؤها بأخرى من نوع آخر. فقد اقترح "جيتس" إنهاء إنتاج مقاتلات (إف. 22)، ولكنه بالمقابل يريد تسريع برنامج "جي. إس. إف" وشراء مزيد من طائرات إف 18. كما يريد إرجاء اقتناء البحرية الأميركية لطرادات وحاملة طائرات جديدة، ولكن لفترة قصيرة فقط؛ ويريد إنهاء برنامج المدمرة "دي. دي. دجي 1000"، ولكنه بالمقابل يريد شراء مزيد من المدمرات الأقدم من طراز "أرلي برك". 

ثانياً، لأن حجم القوات المسلحة لن يتغير وفق هذا المخطط. صحيح أن الجيش سيصبح 45 فرقة قتالية بدلا من 48، مثلما كان مخططا له من قبل، غير أن الجنود الذين كان من المفترض أن يتوزعوا على الفرق الثمانية والأربعين سيتوزعون على 45 فريقاً. هذا ومن المرجح أن تتقلص القوات البحرية إلى 10 مجموعات قتالية بدلا من 11، لكن عملية التخفيض ستستغرق عقوداً. أما القوات الجوية، فلن تقلص حجمها إلا قليلا حيث يريد جيتس وقف خفض الجنود في القوات الجوية والبحرية ومواصلة توسيع الجيش والمارينز بـ90 ألف جندي ولفهم لماذا وصفنا خفض الإنفاق هذا بأنه محتشم ومتواضع، لنتأمل حجم إنفاقنا العسكري مقارنة مع منافسينا المفترضين ومع ماضينا. فاللافت أن ميزانية دفاعنا تعادل تقريباً نصف ميزانية العالم الدفاعية، حتى من دون احتساب الأسلحة النووية والحروب وقدماء المحاربين والأمن الداخلي. كما أنها تفوق ما أنفقناه في أي مرحلة خلال الحرب الباردة؛ ذلك أنه حين انتهت تلك الحرب، قمنا بكل بساطة بالتخلي عن عملية الحشد العسكري التي بدأها ريجان، ولكننا واصلنا الإنفاق بمستويات الحرب الباردة. وبعد ذلك، شرعنا في عملية حشد عسكري أخرى في 1998 ضاعفت تقريباً الإنفاق العسكري غير المرتبط بالحرب. والحال أنه لا يوجد أعداء لتبرير مثل هذا الإنفاق؛ كما أن الغزو والحرب الأهلية أمران لا يمكن التفكير فيهما حالياً. صحيح أن كوريا الشمالية وسوريا وإيران بلدان تضايق مواطنيها وجيرانها، غير أنه بالنظر إلى اقتصادياتها الصغيرة وجيوشها الأقل قوة وتطورا وحرص أنظمتها على البقاء والاستمرار، فإنها لا تطرح تهديدات كبيرة لنا؛ كما أن إنفاقها العسكري مجتمعةً لا يمثل سوى نسبة صغيرة من حجم إنفاقنا وعلاوة على ذلك، فإن روسيا والصين غير قادرتين على توسع ترابي يمكن أن يشكل مصدر قلق اللهم إلا إذا قمنا بنشر قواتنا على حدودهما؛ فالإنفاق العسكري الصيني أقل من خُمس حجم إنفاقنا؛ كما أننا ننفق على البحث والتطوير العسكريين، أكثر مما تنفقه روسيا على جيشها. ولما كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي أكبر من اقتصادنا، فإنه يستطيع الدفاع عن نفسه. أما أكبر مشكلة أمنية نواجهها - الإرهاب - فتلك مشكلة تتعلق بالاستخبارات في المقام الأول وبالتالي، فعلينا أن نقبل بهذا الحظ الجيوسياسي، لا أن نبحث عن المشاكل. والحقيقة أننا إذا قررنا تفادي عمليات احتلال شبيهة باحتلال العراق في المستقبل وعدم خوض الحرب إلا دفاعاً عن أنفسنا أو حلفاء مهمين بالنسبة لنا، فإننا نستطيع في الواقع تقليص قواتنا البرية للنصف. وإذا اعترفنا بأننا لن نخوض حرباً مع الصين في المستقبل القريب، فإننا سنستطيع سحب أجزاء كبيرة من القوات الجوية والبحرية عن الخدمة بعد انتفاء مبرر وجودها. ثم إنه حتى في ظل ميزانية دفاع أصغر بكثير، فإن ميزانيتنا الدفاعية ستظل الأكبر من نوعها في العالم، وإلى حد كبير. وهنا أقول إن مشروع القانون الذي سُن مؤخراً ويمنح قدماء المحاربين تعليماً جامعياً مدعوماً أو بالمجان يشكل وسيلةً للمساعدة على انتقال الموظفين العسكريين إلى الاقتصاد المدني بالطبع فإن ثمة مصالح قوية تستفيد من الإنفاق العسكري الكبير، وسيكون من الصعب إقناع الجميع بوجاهة فكرة تقليص الإنفاق. وفي هذه الأثناء، يعتقد كلا الحزبين في البلاد أن التفوق العسكري الأميركي هو السبيل إلى الأمن والسلامة، ولكنهما على خطأ لأن مقاربة أكثر انضباطاً من تلك التي نتبناها حالياً هي ما سيجعلنا أكثر أمناً وسلامة.

* باحث أميركي متخصص في دراسات الدفاع والأمن الداخلي بمعهد كاتو

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitiihaad - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"