نقص
فيتامين "د": خطر صحي
د.
أكمل عبد الحكيم
إذا ما حاولنا أن نضع
قائمة بأهم المواضيع الطبية التي حصلت على أكبر قدر من الاهتمام خلال
عام 2008، فلابد وأن يحتل فيتامين (D) أو (د)، مكانة متقدمة على مثل
تلك القائمة، فخلال العام الماضي تواترت الأخبار الواحد تلو الآخر، عن
العلاقة بين هذا الفيتامين، وبين طائفة واسعة من الأمراض والعلل.
فمثلًا في شهر مايو الماضي، صدرت دراسة عن جامعة "تورنتو" بكندا، أظهرت
شيوع نقص فيتامين (D) بين النساء اللواتي يصبن بسرطان الثدي، كما أن
هذا النقص يساعد على سرعة انتشار المرض، ووفاة المريضة في النهاية. فمن
خلال متابعة أكثر من 500 مريضة مصابة بسرطان الثدي على مدار 12 عاماً،
اكتشف العلماء أن النساء المصابات بنقص الفيتامين عند التشخيص، كن أكثر
عرضة بنسبة 94% لانتشار المرض، وأكثر عرضة للوفاة بنسبة 73% في غضون
عشرة أعوام من التشخيص، مقارنة بالنساء اللواتي كانت مستويات الفيتامين
في دمائهن طبيعية عند إصابتهن بالسرطان. وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى
التي تظهر مثل هذه العلاقة بين فيتامين (D) وبين انتشار سرطان الثدي،
وهي علاقة إذا ما ثبتت من خلال المزيد من الدراسات، فإنه يمكن حينها
خفض احتمالات انتشار سرطان الثدي والوفيات الناتجة عنه بشكل كبير، من
خلال إجراء طبي بسيط، يتمثل في جرعة يومية صغيرة من هذا الفيتامين. وهو
ما من شأنه أن يحدث ثورة طبية بجميع المقاييس، بالنظر إلى أن سرطان
الثدي هو ثاني أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً على الإطلاق بعد سرطان
الرئتين، بالإضافة إلى كون سرطان الثدي خامس الأمراض السرطانية من حيث
عدد الوفيات، إذ يتسبب في وفاة أكثر من نصف مليون امرأة سنوياً.
والخبر الثاني المتعلق
بنسبة فيتامين (D) في الدم، يتعلق أيضاً باحتمالات النجاة من نوع آخر
من السرطان، هو سرطان القولون. فحسب دراسة صدرت في شهر يونيو الماضي عن
معهد "دانا فاربر" للسرطان (Dana Farber Cancer Institute)، التابع
لكلية طب هارفارد في بوسطن بالولايات المتحدة، اكتشف العلماء أن المرضى
المصابين بسرطان القولون، وكانت مستويات فيتامين (D) في دمائهم عند
التشخيص مرتفعة، كانوا أقل احتمالًا في الوفاة من مرضهم، مقارنة
بالمرضى الذين كانت نسبة الفيتامين منخفضة لديهم، وهو التأثير الشبيه
بتأثير الفيتامين على انتشار سرطان الثدي كما يتضح من الخبر الأول.
وعلى رغم أن هاتين الدراستين لا تظهران أن فيتامين (D)، يقلل من
احتمالات الإصابة بهذا السرطان أو ذاك، إلا أنهما تظهران تأثيره
البيولوجي المتمثل في إبطاء نمو وتكاثر الخلايا السرطانية، من خلال
ارتباطه بمستقبلات خاصة على سطح الخلايا السرطانية، مما يعيقها عن
الانتشار بشكل أسرع، وبالتالي يمنح المرضى فرصة أكبر في الشفاء
وبخلاف السرطان وانتشاره، صدرت دراسة أخرى في شهر أغسطس الماضي
عن كلية "ألبرت آينشتاين" للطب في نيويورك (Albert Einstein College of
Medicine)، وربطت بين انخفاض مستويات فيتامين (D) في الدم، وبين الوفاة
المبكرة. فمن خلال متابعة الحالة الصحية وأسباب الوفيات لثلاثة عشر ألف
شخص ضمن دراسة قومية صحية، اكتشف القائمون على الدراسة أن الأشخاص ذوي
التركيز الأقل من فيتامين (D) في دمائهم، كانوا أكثر تعرضاً للوفيات من
أسباب مختلفة، وبنسبة 26%، مقارنة بالأشخاص ذوي التركيز الأعلى من
فيتامين (D) في دمائهم. ولم تستطع هذه الدراسة التعرف على السبب الذي
يؤدي إلى هذا الفارق الهائل في احتمالات الوفيات بين المجموعتين، وإن
كان البعض قد رده إلى الشبهات التي تحيط بالعلاقة بين نقص فيتامين (D)،
وبين الإصابة بمجموعة متنوعة من الأمراض، مثل السكري، والسمنة، وارتفاع
ضغط الدم، والسرطان. وهي الشكوك التي أكدتها دراسة صدرت بداية الشهر
الحالي عن معهد القلب بمدينة كنساس في ولاية ميسوري الأميركية، وأظهرت
وجود عدد من الأدلة على تسبب نقص فيتامين (D) في زيادة احتمالات
الإصابة بأمراض القلب، من خلال تسببه في الإصابة بأمراض أخرى، تعتبر
جميعها عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب، مثل السكري، والسمنة، وارتفاع
ضغط الدم. وهو ما يعني حسب هذه النظرية، أن نقص فيتامين (D)، ربما كان
يسبب الإصابة بالمنظومة الأيضية الشهيرة بأمراضها المختلفة - السمنة
والسكري وارتفاع ضغط الدم- والتي تؤدي بدورها لتلف الشرايين، ومن ثم
الإصابة بالذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، والوفاة.
ننهي المقال هنا بحقيقة
مهمة، وهي أن هذا الفيتامين، يوجد بكميات قليلة جداً في الغذاء، لا
تكفي لسد حاجة الجسم ويمكن فقط الحصول على
قدر كافٍ من فيتامين (D)، من خلال تعريض الجلد لأشعة الشمس، لفترة عشر
دقائق مرتين في الأسبوع، بين الساعة العاشرة صباحاً والثالثة عصراً،
حيث يعتبر تصنيع فيتامين (D) في الجلد عند تعرضه للشمس، هو المصدر
الأساسي لحصول الجسم على احتياجاته. ويمكن أيضاً الحصول على الاحتياجات
الضرورية من فيتامين (D)، من خلال تعاطي كبسولات تباع في الصيدليات دون
الحاجة إلى وصفة طبية. وإن كانت مشكلة فيتامين (D) الأساسية، هي عدم
إدراك الكثيرين لتعرضهم لنقص فيه. وهو النقص الذي ينتج من حقيقة أننا
أصبحنا نقضي معظم أوقات يومنا داخل أماكن مغلقة. وعند خروجنا من
منازلنا أو مكاتبنا، نحاول قدر جهدنا تجنب التعرض لأشعة الشمس. وهذا
السلوك البشري، الحديث نوعاً ما، جعل نقص فيتامين (D) وما ينتج عنه من
أمراض، أحد أكثر العلل انتشاراً حالياً بين البشر، وخصوصاً بين الأطفال
والنساء.
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصاً ودون تعليق .
المصدر :alittihad.ae
|