العدالة الانتقالية

 

عدنان شيرخان

 

 

لن تحتاج الدول الخارجة من حقبات حكم شمولي او حرب اهلية او حكم بوليسي ان تبدأ من الصفر، امامها اكثر من نموذج، وتجارب نحو 30 دولة تعاملت مع ارث انظمة اهانت ومزقت حقوق الانسان شر ممزق، الكلام يتركز بشأن كيفية التعامل مع المشاكل التي تركتها تلك الحقب، وسيكون على ارض الواقع ضحايا وجناة وتعويضات، واجراءات تهدف الى كشف كامل للحقائق ومعرفة ما حصل وهذا هو جوهر عملية العدالة الانتقالية. يشترك الجميع في الامل ببداية جديدة تستطيع من خلالها اعادة بناء السلم الاهلي، والدخول في عملية مصالحة واسعة، تكون نتيجتها وضع النظام السابق وجرائمه وراء الظهور.

ان عملية المصالحة الحقيقية عملية تداخلية معقدة فيها العديد من العناصر والعوامل التي يجب التفكير بها، وهي ليست عملية تهيئة اجواء ومناخ  للتحايل واجبار الضحايا على المغفرة والسماح وايجاد مبررات للمذنبين والمجرمين للافلات من المحاسبة ولكن من المهم ان تتجاوز المجتمعات مسألة الثأر الشخصي وحتى اجراءات المحاكم الجزائية التي تسعى غالبا الى معاقبة المجرم وترك الضحية، الى تطبيق العدالة الانتقالية، التي تهتم بالنظر الى المستقبل وكيف يمكن ارجاع الجناة الى المجتمع بعد اصلاحهم، واعترافهم بتحمل كامل مسؤوليتهم عن الاعمال التي اقترفوها، وتعويض الضحايا.

امام الدول نموذجان رئيسان هما نموذج التعامل مع ارث المانيا النازية وهو مبني على المحاكمة والاجتثاث والاقصاء لاعضاء الحزب النازي، ونموذج جنوب افريقيا الذي اعتمد المصالحة والصفح بعد مرور الجناة والضحايا بلجان الحقيقة والمصالحة. النموذج الالماني والذي وضعت قواعده اميركا بشكل رئيس ومن ورائها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، كان يهدف الى منع عودة الحزب النازي الى الحياة باي شكل، ومحاكمة رموز النظام النازي في محاكمات نورنبيرغ الشهيرة، وابعاد اعضاء من الحزب والمتحمسين للفكر النازي العنصري بهدوء وبدون اية ضجة اعلامية عن اية وظيفة حكومية مؤثرة. واستطاعت المانيا وخلال فترة قصيرة من التغلب على جراح الماضي وبنت دولة ديمقراطية عريقة تستند على اقتصاد قوي عد الاقوى في اوروبا. في جنوب افريقيا استخدمت آلية مختلفة استندت على التفاوض للوصول الى اجراء انتخابات حرة يشترك فيها ويقبل بنتائجها الجميع، ثم شكل مانديلا لجنة الحقيقة والمصالحة التي اختصت بالنظر بالجرائم التي حدثت في حقبة الحكم العنصري، ولكن بعد الاستجابة الى اصرار قادة الحزب الوطني (يمثل الاقلية البيضاء) طوال المفاوضات ألا يضطرّوا إلى مواجهة محاكمات جنائية بعد الانتخابات، ومنح العديد من الجناة ما سمي بالحصانة بعد ذهابهم الى لجنة الحقيقة والمصالحة واعترافهم بما قاموا به من جرائم، وقد وجهت انتقادات قاسية الى (الحصانة)، وقال كثيرون ان مجرمين عتاة خرجوا من لجنة الحقيقة والمصالحة دون اي عقاب بعد اعترافهم، ودار جدل بشأن من له حق الصفح والعفو باسم الضحايا.اننا ازاء مسألة تتعلق بشكل خاص باختلاف الثقافات، فما حدث في جنوب افريقيا لايمكن ان يحدث مثلا في انحاء اخرى من العالم، تحديدا فيما يتعلق بروح الصفح العالية والتسامح ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة.على اية حال اصبح موضوع الكشف عن الحقيقة احد التحديات الكبرى في تجارب الشعوب في مرحلة العدالة الانتقالية، وزالت عقبات كبرى بعد قبول الجناة النادمين اعلان مسؤولياتهم، وفي نهاية المطاف كانت مرحلة العدالة الانتقالية ردة فعل المجتمعات الايجابية تجاه الحقبات الدموية التي عانت منها.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alsabaah