العدالة الانتقالية .. وسمات الارتقاء بالفرد والمجتمع والدولة!

 

سيف الدين كاطع

 

 

يشكل مفهوم العدالة الانتقالية، افقاً واسعاً وضرورياً لمستويات تطبيق مبادئ المساواة والحقوق والواجبات في المجتمعات الحديثة، ويكاد من فرط شموليته ان يضم متبنيات جديدة تدخل في صلب مجالات متعددة، مثل حقوق الانسان، العدالة الجنائية، مسألة معالجة الضرر، وبرامج التنمية البشرية وغيرها من الامور التي يرتكز عليها بناء المكونات الحقيقية والجوهرية لبناء الدولة والمجتمع الحديث.

تعود الارهاصات الاولية لانبثاق هذا المفهوم الى نهايات الحرب العالمية الثانية اواسط اربعينيات القرن الماضي، اذ برز على نحو كان اقل تداولاً على صعيد التداعيات التي خلفتها الحرب في بلدان اوروبا ومناطق اخرى من العالم، الاّ انه كان اكثر وضوحاً مع اقامة سلسلة محاكمات حقوق الانسان في اليونان منتصف السبعينيات من القرن الماضي ومع المتابعات ضد الحكم العسكري في الارجنتين، وكذلك جهود تقصي الحقائق التي عرفتها اميركا اللاتينية، حيث كان لعمل لجنتي تقصي الحقائق في الارجنتين 1983 وتشيلي 1990،الدور الابرز في هذه المسألة أذ اسهمت الدولتان في بلورة جملة من التدابير الاجرائية لصالح ضحايا انتهاكات حقوق الانسان، مثلما افضت جهود اوروبا الشرقية في التعامل مع انتهاكات الماضي، من خلال فتح ملفات وكالات الامن الداخلي السابقة وكذلك منع منتهكي حقوق الانسان السابقين من الوصول الى مناصب في السلطة عبر عملية التطهير.بيد ان اهم محطة تاريخية متميزة، هي تلك التي تتمثل في انشاء دولة دولة جنوب افريقيا للجنة ”الحقيقة والمصالحة“ في العام 1995 بغية تدبير ملف جرائم حقوق الانسان التي عرفها عهد الأبارتيد، كما اشتهرت كذلك المحكمتان الجنائيتان الدوليتان ليوغسلافيا ورواندا لكونهما اعتمدتا على مقتضيات القانون الدولي لحقوق الانسان، لكـن ابان العقود الاخيرة، تم تطوير مجموعة متميزة من آليات العدالة والاعتماد من جانب الحكومات الديمقراطية الخارجة لتوها من فترات حرب او حكم استبدادي التي لا تقتصر فقط على محاكمات الجرائم المحلية.

وفي هذا الاطار يمكننا الحديث عن العدالة الانتقالية لجهة علاقتها بمسألة الانتقال الديمقراطي الذي سيشكل احد ابرز الموضوعات الحديثة النشأة في مسار الديمقراطيات الجديدة، فكلا المفهومين يميلان الى مرحلة حاسمة في تحديد راهنية ومستقبل الامم المتطلعة لتكريس المنهج الديمقراطي السليم، ذلك ان هذه المرحلة تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات، الامر الذي يتطلب توفير جملة من الشروط الذاتية والموضوعية  تأتي في مقدمتها ضرورة مصالحة البلد مع ذاته.

وبهذا الصدد يمكن الاستفادة من مجموعة كبيرة من الاعمال والبحوث الاكاديمية والمنهجية والحقوقية وكذلك الاعلامية، التي تتوافر الآن على مناقشة هذه المسألة، بغية استحصال قدر من الخبرة والمساعدات التقنية من جانب هذه العناصر التي تشكل في اغلبها منظمات دولية وهيئات اجنبية ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات فاعلة في هذا المجال ولعلها مؤشرات مشجعة، لجهة تضميد الجراح والتركيز على اعطاء مفهوم العدالة الانتقالية قواعد وأسساً تعتمر في ضمير الفرد والمجتمع والدولة لأن هذا وبحسب المنطق الاجتماعي السليم، لابد من اجتراحه والدخول في عمق ما هيته لغرض تحقيق هذا المفهوم ونشر خطابه فعلياً وسلوكياً ومؤسساتياً، ليكون شكلاً ومعنى وهدفاً وغاية في تطوير المجتمع والارتقاء بتنميته مادياً وبشرياً وفي اطار هذا السياق يرى الباحث والكاتب العراقي عبد الحسين شعبان، بأن مفهوم العدالة الانتقالية، يعنى بقيم الانتقال من حالة النزاع الداخلي المسلح الى حالة السلم، كذلك يركز على مرحلة الانتقال من حكم سياسي تسلطي الى حالة الانفراجات الاجتماعية والسياسية ومتغيرات التحول الديمقراطي فيما رأى زهير كاظم عبود وهو باحث قانوني، من ان العدالة الانتقالية تعد هدفاً ومعنى لشكل المعالجة والمصارحة والتسامح، من اجل اعادة المجتمع في ظل السلام المدني والممارسة الديمقراطية واعتماد الشرعية في اسلوب الحكم.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alsabaah