الإمام
الشهيد والاقتصاد الاسلامي
الاقتصاد الذي يتبناه
الشهيد الشيرازي (قدس سره) هو اقتصاد إنساني عالمي يعتمد على الشريعة
الإسلامية السمحاء، وتراعى فيه مصلحة الفرد إلى جانب مصلحة الجماعة،
دون إفراط أو تفريط، وهو اقتصاد واقعي حر، لاتحده إلا حدود الشريعة،
وله ضوابط أخلاقية على خلاف الأنظمة الأخرى، وأن المتأمل في نظرية
الاقتصاد الإسلامي للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي، يجد هناك ربطاً
رائعاً بين الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وسيرة
أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وبين المبادئ الاقتصادية
الغربية لتكون حافزاً في توجيه المجتمعات الإسلامية المعاصرة نحو تنظيم
اقتصادياتها تنظيماً إسلامياً متكاملاً، لذلك فإن هذه النظرية تعتبر
مدخلاً إلى دراسة المبادئ الاقتصادية الإسلامية ووضعها في مكانها
الطبيعي المتقدم في دراسة علم الاقتصاد في العالم المعاصر.
تقوم نظرية الاقتصاد
الإسلامي على أسس الدراسة والاستقراء والتحليل والمقارنة والنتائج
ليؤكد إن الإسلام يعطي الحرية لرب العمل أن يقدح ذهنه ويشحذ عبقريته
ويصل ليله بنهاره إذا أراد، ولكنه في الوقت نفسه يحمي العامل، ويحرص
على أن يوفر له العيش الكريم الذي لا يقل من حيث الأساسيات عن عيش رب
العمل.لاشك أن الناس درجات في الرزق، ولكن الفرص أمامهم جميعاً متكافئة
للتعلم والعمل والتقدم، الإسلام أخوة وتضامن، وعلى الحاكم أن يضمن
تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم لكل من رعيته عن طريق الفرد بسعيه
وجده، وإذا قعدت به سبل الحياة عن الكسب الكافي، فبيت المال هو الكافل
وهو الضامن، وللحاكم أن يعمل وفقاً لما تقضي به التوجيهات الإسلامية،
وان يتصرف عند اللزوم، تبعاً لما تقتضيه المصلحة العامة، حتى ولو اقتضى
أن يضع يده على كل ما يراه ضرورياً من الثروات والموارد العامة، إن لم
يتوفر من يقوم بحمل أعبائها في الحقل الخاص بصدق وإخلاص وعدالة، ويؤدي
الخدمات العامة بها دون تعسف أو إساءة لاستعمال الحقوق، وكل ذلك يدور
ويرسو حيث تدور المصلحة العامة، ومصلحة الفرد لها قيمتها على أن لا
تطغى على المصلحة العامة، ومصلحة الأفراد بمجموعها تشكل المصلحة التي
هي من أهم أسس الاقتصاد الإسلامي السليم. في الإسلام عز وعمل وتطلع إلى
الأعلى مع التكاتف والتضامن وليس هناك حد لطموح الفرد إلا ما تحده حدود
الشريعة الملزمة بتأمين العدالة الاجتماعيـــــة للجميــــع.
في الإسلام الكل صفوف
تتقدم وتعمل، والعمل شرف وفخر، ومن يتعثر بين الصفوف يأخذ بيده من يحيط
به فيواسيه ويعينه، وهل من غضاضة إنسانية على المتعثر أن يأخذ يد أخوه
في الإنسانية، وهل تخلو من متعثرين أو متخلفين ضاقت بهم السبل، وهل
هناك في الدنيا فردوس كما تتصور بعض الأنظمة الأخرى الحاكمة؟
الدنيا عمل وكدح وتسابق
وتنافس وتضامن، والمتعثر تمتد إليه يد العون، وعندما لا يجد من يمد
إليه هذه اليد، تمد إليه الدولة يداً قوية لتحمية وتحمي غيره من العوز
والمرض والعجز والشيخوخة، وتعني أول ما تعني به إيجاد عمل له.الإسلام
كفالة وضمانة للمجتمع ليبنى على أفضل القواعد، وكل ما تطغى به المصلحة
العامة التي يجب أن يأتلف عندها مختلف الفرقاء يحكم به الإسلام،
والإسلام دين ثابت ومتطور، ثابت بنظراته الأساسية، ومتطوراً بأحكامه
الزمنية التي تنبثق عن أسسه الثابتة، لكل حالة حل، وليس هناك جمود.
والإسلام كذلك دين العدالة المطلقة والحقيقة الناصعة، فلا يعترف بأي
ملكية تقوم على أي أساس آخر غير العمل وصراع الإنسان من أجل الرزق صراع
خير (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) [سورة الانشقاق:
الآية6]. و...(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً...) [سورة
الكهف: الآية 110]، لذلك يؤكد الإسلام حق الإنسان في ملكية كل ما يكون
نتيجة عمله، ومبادلة ما يمتلكه بالأجر العادل حيث حرم الله الربا،
ولكنه احل البيع والتجارة، لذلك يكون لكل سلعة ثمن يحصل عليه الذي
امتلكها نتيجة عمله في كل مرحلة من مراحل إنتاجها، أما الأشياء التي
تتوفر في الطبيعة والتي لا يمتلكها أي من العاملين نتيجة عمله يستطيع
البشر جميعاً الحصول عليها دون مقابل، أما عندما يمتلكه عامل في أي
صورة من الصور يصبح حقاً له بامتلاكه، وبذلك يستطيع أن يطالب الغير
بثمن عادل له عند مبادلته معهم إذا رغبوا في شرائه وإضافة إلى موضوع
الملكية في الإسلام وتفاصيلها العريضة وجانب العمل والنشاط التجاري،
طرح الشهيد كذلك محاور عديدة أخرى في الاقتصاد، كـ: الفرد في نظر
الإسلام، القوانين والعطاء، البنوك والبنوك الإسلامية، القرض، المكاسب
المحرمة، الجزاء بلا عمل، الغش، السرقة، الجزاء على الحرام، الجزاء على
الفرائض ، الرشوة، الاحتكار، الامتيازات، برامج العمل، منابع ثروة بيت
المال، وكذلك جملة كبيرة من الموضوعات والمسائل ذات الصلة بالشأن
الاقتصادي ومتعلقاته في الإنتاج والصناعة والثروات والتجارة والنقد
(العملات)، وتلك في كل مفردة من مفرداتها تحتاج إلى بحوث في مفاهيمها
ومؤشراتها كدليل ونهج عمل اقتصادي سليم، ولعل أبرز ما تضمنه فكر الشهيد
إزاء مسألة الاقتصاد باعتباره جانباً هاماً وركناً أساسياً من أركان
البناء الذي يقوم عليه كيان المجتمع والدولة الإسلامية، هو تحديده
خصوصيات الرؤية الإسلامية للمسألة الاقتصادية وأبرزها:
الخاصية الأساسية -
الاقتصاد الإسلامي فريد في نوعه ومستقل عن غيره ونسيج وحده.
- الخاصية الأولى: الأرض
تتسع لبني البشر مكاناً ورزقاً مع امتداد الزمن.
- الخاصية الثانية:
المالك هو الله سبحانه وتعالى وليس الإنسان.
- الخاصية الثالثة: حق
الملكية المنسوب للإنسان مقيد بشرع الله.
- الخاصية الرابعة:
المصلحة العامة هي المصلحة التي تتفق وشرع الله.
- الخاصية الخامسة: الحق
المعلوم في المال لغير مالكه.
- الخاصية السادسة:
مشروعية المال وحله.
- الخاصية السابعة: وضع
المال في محله.
- الخاصية الثامنة: تحريم
تعطيل الطاقة البشرية.
- الخاصية التاسعة: مصارف
توزيع الثروة وعدم جواز انحصارها بأيد قليلة.
- الخاصية العاشرة: وجوب
تداول الثروات وعدم جواز انحصارها بأيد قليلة.
- الخاصية الحادية عشر:
الاقتصاد الإسلامي جزء لا يتجزأ من حياة الأمة الإسلامية.
- الخاصية الثانية عشرة:
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد موجّه.
- الخاصية الثالثة عشرة:
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي.
- الخاصية الرابعة عشرة:
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد إنساني عالمي.
- الخاصية الخامسة عشرة:
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد واقعي.
- الخاصية السادسة عشرة:
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد عقائدي.
- الخاصية السابعة عشرة:
التعامل في الاقتصاد الإسلامي حرّ ما لم يصطدم بمانع شرعي أو يتعدّ
حقوق الآخرين.
- الخاصية الثامنة عشرة:
الاقتصاد الإسلامي لا يأبى الاقتباس من غيره فيما لا يتعارض مع خصائصه
الذاتية.
هذه بعض نظرات الشهيد
الخاصة بالاقتصاد الإسلامي وقد عرضناها بشكل عام ومختصر كما إن للشهيد
نظرةً خاصة في أخلاقية الاقتصاد الإسلامي.
|