الشهيد السيد حسن الشيرازي عالماً مفكراً

 

 

ستقرأون فيما يلي نبذة علميّة أدبية عن المفكر الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره تتناول مؤلفاته في الدين والعلم والاقتصاد بقلم الأستاذ الأديب عبد الرحمن جابر والتي نشرتها جريدة الشمس اللبنانية في عددها المرقم بـ 2319 والصادر في 24 حزيران عام 1970 ميلادية.على شفتيه بسمة لا تفارقه .. يصافحك بحرارة .. يسد يديك .. ويقوم لك بقامته.. يتحدث اليك بهدوء.. ويدخل في قلبك بسهولة عندما ندخل معه في نقاش، قد لا توافقه على كلامه أول الأمر، ولكن عندما يشرف الحديث على الانتهاء تشعر انك لست مقتنعا بفكرته فحسب بل ومتحمس لها أيضاً.إذا حاولت تقريظ كتبه، يبذل كل جهده لكي يبعدك عن ذلك متواضع جداً وفي نفس الوقت له هيبة خاصة تحس بها وانت امامه.هذه هي صورة العلامة المفكر السيد حسن الشيرازي التي تنطبع في ذهنك في اللحظة الاولي من مقابتله أما ريشته الفنانة، المغموسة في الضياء - حسب تعبير اصدقائه - فقد سطرت للان أربعة عشر كتاباً في مختلف الموضوعات الدينية والادبية والاقتصادية والفنية وبذلك تعتبره الجماهير من قواعد الاشعاع الفكري ومصادر الفكر الانساني العملاق ولقد اغني المكتبة العربية بموسوعة «الكلمة» التي صدر منها حتى الآن: «كلمة الله» «كلمة الرسول الاعظم» «كلمة الامام الحسن» ولكي نبرهن على أن ادبه يحلق مع ادب الشاب العالميين لابد ان ننقل شيئاً من مقدمة كتابه «كلمة الله»: يقول في مقدمة كتابه «كلمة الله» «هذه الايات التي نزلت على نبي من أنبياء الله فأمن بها كل وديع فقير، لم يكن له هدف في الوجود، ولا ملجأ في الحياة الا ان يمني نفسه بالأمل او بالعمل في سبيل الخبز المعجون بدمعه ودمه فأوته تلك الآيات الي المرفأ الاعلى، وخلقت منه قائداً صلدا تميد الأرض. ولا يميد، ثم اعادته إلى الأرض، وقد ضاقت الارجاء بعزائمه الكبرى فأصبح يقتحم هازئا بالمخاطر التي تجتاح حياة الانسان ويتحدى الهموم ويصارع العواصف ويتغلب عليها ويرفع رأسه فوق تيار الزمن غير مغمور برذاذه، ويمضي على الدرب مصباحاً منيراً.

واكتسحت تلك الايات كل عتل مستكبر يرفع رأسه وبيده السيف ولا يحني رأسه للحق إذا لم يكن بيده السيف، وتركته في الفراغ ضباباً حائراً على سراب، مسافراً يبحث عن اياب، سؤالا يدور حول نفسه بلا جواب حتى اذا ضاق بنفسه ولم يجد ملجأ من الحق الا من يحمل لوائحه فقيراً كان أم غنيا، عاد اليه صاغرا ينفض عن رأسه اطياف الطغيان والكبرياء، فعاش تحت لواء الفقراء والودعاء، الذين طالما اضطهدهم، اسعد منه مما لو كان عثلا متكبرا، فللمستكبرين داخل اجسامهم الضخمة قلوب هزيلة لم تتمرس بالانطلاق خارج حدودها، فلا تبرر وجودها، الا بالاستكبار والاستعلاء، وللفقراء داخل اجسامهم الضامرة، قلوب شامخة اعطت الله عهداً ليجدنها ساعة يدعو وحيث يشاء فلا يتبرر وجودها الا باعطاء الحق نصيبه من نفسها ومن غيرها على حد سواء.بهذا الأسلوب الرفيع كتب العلامة الشيرازي أكثر من اربعة عشر كتاباً في أكثر من اربعة عشر كتاباً في أكثر من ثلاثة الاف وخمسمائة صفحة من الورق الكبير ولهذا الجمال الهادئ خلق ادبه مع ادب اشهر الكتاب والمؤلفين وبذلك اصبح اديباً كبيراً تربطه مع ادباء العالم قرابة الكلمة المفكرة، والخيال العملاق.

يقول السيد «جوزف انطوان الحاج» في نقد كتابه «العمل الأدبي»: ان العمل الادبي نظر إلى كل شيء في الكون والحياة والانسان، ولكن بمنظار الشعور لا بمنظار الذهن حيث هناك، لا توجد فواصل حاسمة. بين المناطق الشعورية في عملية اطلاق الصواريخ الي القمر، أو انزال انسان على سطح القمر مثلاً حقيقة علمية، قد يصفها «خبير المعمل» وقد يتأثر بها شاعر او اديب أو قصصي يرى فيها مولد عصر جديد، ويلمح من ورائها وحدة الاشياء والحركات الكونية ويصف تأثره بها بتعبير موح، من هذه العملية، فيكون عمله هذا عملا اديباً فالمادة المعروضة هنا، أكانت علمية أو اجتماعية أو أي شيء اخر، ليست مناط الحكم وانما المناط هو كون لوضوع تجربة ذهنية أو تجربة شعورية ولا يفهم من ذلك: أن الادب مطرود عن الحياة العلمية والاجتماعية، وانما المفهوم ان الحقائق مطرودة من اجواء الادب، ما دامت تعيش في المنطقة الذهنية الباردة، ولم تتبلور في المنطقة الشعورية الحارة.

بل الواقع: أن الادب الرفيع لا يستعرض غير الحقائق، مهما شط به الخيال. لان العمل الادبي، هو «التعبير الموحي عن تجربة شعورية». فكلمة «التعبير هي تصوير لطبيعة العمل، وكلمة الموحي هي كلمة لتحديد الشرط الاساسي للعمل، وكلمة «عن تجربة شعورية» تبين موضوع العمل فاذا لم يكن «التعبير الموحى، عن تجربة شعورية، وانما كان «التعبير الموحي عن تجربة تاريخية فليس عملاً ادبياً بينما هناك من يدعي مثل «لانسون» ان الادب يسع كل تعبير جميل، مهما كان نوعه – في كتابه «منهج البحث في الادب» - ، ولكن هل يصح هذا القول ؟ اعتقد ان هذا الادعاء ليس بمنطقة الموافقة على هذه السعة التي يدعيها «لانسون» وغيره من الادباء مثل «الشايب» في كتابه «اصول النقد الادبي» لان مجرد وصف - حقيقة طبيعية - مثلاً - وصفا علمياً بحتا، ليس عملا ادبيا، وان كانت صفة التعبير موحية والا لوجب دمج جميع الكتب العلمية والتاريخية في مخازن الادب اذن «العمل الادبي» مجرد التعبير الموحي عن تجربة شعورية، فهل يستحق ان يستهلك الانسان وقته المحدود، في مجرد التعبير، ولا يواجه وقته الي الاعمال العلمية والاعمال الحركية النافعة؟

ومن المعروف جيداً، أن الجواب عن هذا السؤال هو نعم، نعم، يستحق «التعبير» اكثر من ذلك، لانه يجسد الفرد في عمله الادبي شعوره.او ليس عظيماً، أن يوجد الانسان المحسوس؟ في الحقيقة، أراني في لحظة حرج وانا اثبت الجودة المتفوقة التي تتمثل في «العمل الادبي» كتاب السيد حسن الشيرازي الذي قدم له رئيس الجامعة اللبنانية، الاستاذ فؤاد افرام البستاني، فمن الصعب ان يتكلم طالب جامعي عن استاذه ولكن استطيع القول ان الكتاب حديث – قديم يجمع الفكر الحديث، والفكر القديم، ويتحدث عنهما» الشيرازي عالماً مفكراً وبالاضافة إلى ادبه العظيم، فان العلامة الشيرازي يعتبر من مشاهير علماء الدين في العراق، ويقوم علاوة على تدريس السطوح العالية، بأدارة معهد ابن فهد للدراسات الاسلامية بكربلاء ولكن، لا تقتصر معلوماته علي «العلوم القيمة فحسب بل انه يعرف من الجديد بمقدار ما يعرف من القديم، وليس كتابه «الاقتصاد العالمي» الا دليلاً صغيراً على ذلك كما انه ليس عالماً دينيا فقط بل انه مفكر ديني ايضاً، ولا شك في ان هناك فرقاً كبيرا بين «المفكر» و «العالم» فالاخير يحتوي فقط، على كمية من «المعلومات» وقد يكون مجرد مخزن امين لها، بينما الاول هو الذي قد تبلورت لديه «المعلومات» واصبح منصرفاً فيها!

مثلاً: كثيرون هم الذين درسوا قوانين الاسلام في كيفية ادارة «الدولة» ولكن لم نشاهد الا نفرا قليلاً تمكن من تحليل هذه القوانين، وتطبيقها مع القوانين المعاصرة، ومن اثبات رقيها على هذه القوانين كما فعل العلامة الشيرازي في كتابه كلمة الاسلام حيث عرض أولا – فكرة الاسلام على الدولة واثبت ثانياً – افضلية تكتيك هذه الفكرة على «التكتيكات» الموجودة حالياً.

المصدر: s-alshirazi