مصر إلي أين؟!
لا أحد يملك
إجابة واضحة ودقيقة علي سؤال إلي أين تتجه مصر الآن؟!
الفوضي لو
سادت قد يستغلها الجيش للنزول إلي الشوارع والسيطرة علي السلطة
عبدالناصر
ترك السلطة بالموت الطبيعي والسادات بالاغتيال ومبارك أعرب عن نيته
الاستمرار طالما بقي في جسده عرق ينبض
مبارك يركز
اهتمامه فقط علي كل ما من شأنه أن يشكل تحدياً لسلطته تاركاً الأمور
الأخري تحل بالقضاء والقدر
الظهور
المفاجيء والصعود السريع لنجم جمال مبارك تواكب مع إشاعات متزايدة عن
البحث عن سيناريو يضمن له خلافة والده
هناك بلادة
محيرة وعدم حساسية إلا تجاه كل ما من شأنه التأثير علي أمن النظام أو
مشروع نقل السلطة
عنوان دراسة مهمة وخطيرة أعدها أستاذ
العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة وهي رصد دقيق وواقعي
للأوضاع المتفجرة في مصر حالياً كما تتضمن الدراسة إشارة إلي
سيناريوهات المستقبل في مصر. الدراسة جاءت ضمن سلسلة تقدير المواقف
التي يعدها مركز الجزيرة للدراسات.. فإلي التفاصيل:
يتابع العالم العربي ما يجري في مصر باهتمام كبير تحول في
الآونة الأخيرة إلي قلق حقيقي لسببين، الأول:
يعود إلي إدراك متزايد بأن أوضاع العالم العربي ككل تزداد ترديا يوما
بعد يوم وبأن وقف هذا التردي مرهون بحدوث تغيير جوهري في توجهات
السياسة المصرية الراهنة، والثاني:
يعود إلي إدراك متزايد بأن احتمالات التغيير السلمي المنشود في مصر
تتضاءل يوما بعد يوم وعلي نحو ينذر بوقوع كارثة كبري يخشي أن تطال
الجميع. عمّق من هذا القلق في وعي النخب العربية مشهدان بثتهما
الفضائيات منذ أسابيع، وعلي نحو متزامن تقريبا،
الأول: مشهد تزاحم المواطنين إلي حد
الاقتتال للحصول علي رغيف الخبز في طوابير طويلة تبدو بلا نهاية
والثاني: مشهد طوابير
طويلة تقف أمام لجان الترشيح للانتخابات المحلية تبين فيما بعد أنها
تتكون من موظفين تم حشدهم للحيلولة دون تمكين المنتمين إلي جماعة
الإخوان المسلمين من تقديم أوراق ترشحهم
وبينما جسد المشهد الأول تفاقم واستحكام الأزمة الاقتصادية، وخاصة أزمة
المعيشة التي تعاني منها الأغلبية الساحقة في مصر، فقد جسد المشهد
الثاني تفاقم واستحكام الأزمة السياسية بسبب انسداد أفق واحتمالات
التحول الديمقراطي في البلاد ولأن أحدا لا
يملك في الوقت الراهن إجابة واضحة ودقيقة علي سؤال مصر إلي أين؟..فمن
الطبيعي أن تتعدد الاجتهادات حسب زوايا الرؤية
وفي جميع الأحوال فإن الإجابة علي هذا السؤال تتطلب
أولا فهم الأسباب التي أدت إلي وصول الأوضاع في مصر إلي ما
هي عليه الآن وفي تقديري أن ما نراه الآن هو
نتاج عوامل أهمها تباين أنماط القيادة السياسية التي تعاقبت علي حكم
مصر منذ عام 1952، وثانيها: طريقة
إدارة عملية الانتقال من نظام الحزب الواحد إلي نظام يمكن وصفه
بالتعددية الحزبية المقيدة.
أولا: أزمة
القيادة السياسية
تعاقب علي حكم مصر منذ منتصف القرن
الماضي، إذا استثنينا محمد نجيب، ثلاثة زعماء ينتمي كل منهم إلي نمط
مختلف تماما من أنماط القيادة هي: النمط الثوري ومثله جمال عبد الناصر،
والنمط المغامر ومثله أنور السادات، والنمط البيروقراطي ومثله حسني
مبارك ورغم التباين الهائل في السمات
الشخصية والتوجهات العقائدية لهذه الأنماط الثلاثة وما ترتب علي ذلك من
تباين هائل في سياساتهم الداخلية والخارجية، إلا أن النظام السياسي
الذي استحدثته ثورة 1952 بقي كما هو دون أي تغيير يذكر سواء من حيث
الشكل أو آليات العمل، وهو ما قد يفسر وجود سمات مشتركة بين هذه
القيادات يمكن إجمالها في ثلاثة أبعاد:
البعد الأول:
انتفاء الرغبة في التخلي طواعية عن السلطة. فالرئيس عبد الناصر ترك
السلطة بالموت الطبيعي، والرئيس السادات تركها بالاغتيال، أما الرئيس
مبارك فما زال يمارسها وسبق له أن أفصح صراحة عن نيته الاستمرار في
السلطة طالما بقي في جسده عرق ينبض !.
البعد
الثاني: تركة ثقيلة تورثها قيادة سابقة لقيادة لاحقة لم
يشارك الشعب في اختيارها. فالرئيس عبد الناصر رحل وسيناء ما تزال محتلة
وجرح هزيمة 67 ما يزال مفتوحا لم يندمل بعد، والرئيس السادات رحل في ظل
حالة من الاحتقان الداخلي والقطيعة مع العالم العربي لم تشهد مصر لهما
مثيلا من قبل. ورغم صعوبة التكهن بما ستكون عليه أحوال مصر عن انتقال
السلطة إلي خليفة الرئيس مبارك، إلا أن المؤشرات المتاحة لا تبشر بأي
خير.
البعد
الثالث: آمال كبيرة في التغيير تنطلق مع بداية ولاية كل
رئيس جديد، ثم تضعف تدريجيا إلي أن تتلاشي تماما مع تحول الرئيس إلي ما
يشبه حاكما مطلقا لتبدأ حالة من السخط العام عادة ما تصل ذروتها في
نهاية كل حقبة. فخلال فترة زمنية لم تتجاوز خمس أو ست سنوات كان عبد
الناصر قد أنجز إصلاحا زراعيا واسع النطاق وأنهي الاحتلال البريطاني
وأمم قناة السويس وشرع في بناء السد العالي وأقام وحدة اندماجية مع
سوريا، ثم ما لبثت النكسات أن توالت بعد ذلك تباعا بدءا بانفصال سوريا
مرورا باندلاع حرب عربية - عربية علي أرض اليمن وانتهاء بهزيمة 67. ثم
جاء السادات فحقق إنجازا عسكريا مهما بعد ثلاث سنوات فقط من توليه
السلطة وشرع في عملية انفتاح سياسي واقتصادي بدت واعدة، لكنه رحل مخلفا
وراءه تركة ثقيلة بدأت بتنامي ظاهرة العنف والتطرف الديني وانتهت
بمغامرة القدس وانتكاسة عملية الإصلاح السياسي. واستطاع الرئيس مبارك
في بداية عهده تخفيف حدة الاحتقان السياسي واحتواء ظاهرة العنف والتطرف
الديني وأعاد الجامعة العربية إلي مقرها بالقاهرة قبل أن تبدأ حالة غير
مسبوقة من الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي تهدد بانفجار شامل
غير أن هذا التشابه الظاهري في أداء النظام السياسي المصري يجب
ألا يخفي عمق الاختلافات في الرؤي والسياسات المتبعة في كل مرحلة. فقد
كان لعبد الناصر والسادات، بحكم تكوينهما الشخصي وتاريخهما النضالي،
رؤية سياسية واضحة افتقدها الرئيس مبارك تماما. صحيح أن رؤية السادات
تناقضت كليا تقريبا مع رؤية عبد الناصر، لكن كلتا الرؤيتين استندتا إلي
قواعد سياسية واجتماعية وبالتالي أيديولوجية محددة حيث عبرت إحداهما
إجمالا عن اليسار والأخري عن اليمين المصري بشكل واضح.
أما الرئيس مبارك فقد اختلف عن سلفيه،
إضافة إلي افتقاده لأي رؤية سياسية، في أمرين آخرين علي جانب كبير من
الأهمية، أولهما: إدارة الدولة بمنطق التسيير الذاتي اليومي
والبيروقراطي وتركيز اهتمامه فقط علي كل ما من شأنه أن يشكل تحديا
لسلطته أو لإرادته كحاكم، تاركا كل الأمور الأخري لتحل بالقضاء والقدر،
وثانيهما: رفض تعيين نائب له، مع السماح في الوقت نفسه لنجله جمال بلعب
دور سياسي راح يتنامي بسرعة إلي أن استقر في الضمير العام، خطأ أم
صوابا، وجود عملية مخططة لتوريث السلطة. وكان لهذا الأسلوب في إدارة
الدولة أثره الخطير في حالة الاحتقان التي تشهدها مصر الآن.
ثانيا: أزمة
إدارة المرحلة الانتقالية
حظيت ثورة يوليو بإجماع شعبي نادر
جسدته رغبة واضحة في التخلص من نظام ملكي - إقطاعي كان قد بدأ يتداعي،
وفي إقامة نظام جمهوري حديث تطلع الجميع أن يصبح أكثر قدرة وكفاءة. ثم
راحت تتبلور تدريجيا، من خلال المعارك الداخلية والخارجية التي خاضتها
النخبة الحاكمة الجديدة أو فرضت عليها، سياسات داخلية وخارجية تمثلت
أهم ركائزها فيما يلي:
1- عملية تنموية للنهوض الشامل
بالمجتمع وتحديثه من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية موجهة لصالح
الطبقات المتوسطة والكادحة وتقوم علي تدخل الدولة وسيطرتها علي معظم
وسائل الانتاج.
2- سياسة خارجية غير منحازة لأي من
المعسكرين الدوليين المتصارعين تتحرك في إطار دوائر عمل عربية وإسلامية
وعالم ثالثية.
3- نظرية أمن قومي تنطلق من اعتبار
إسرائيل مصدر التهديد الرئيسي لمصر وللأمة العربية.
غير أن خلو النظام السياسي من آليات
للرقابة علي أداء السلطة التنفيذية وغياب الشفافية والمحاسبية أفضي إلي
كوارث ونكسات كان أخطرها هزيمة 1967. وهكذا راحت مطالب الديمقراطية
والإصلاح السياسي تتصدر جدول أولويات العمل الوطني منذ ذلك التاريخ
ومن هنا الترحيب الكبير بالخطوات الرمزية المحدودة لتخفيف قبضة
الدولة البوليسية التي بدأ الرئيس السادات في اتخاذها عقب الرحيل
المفاجئ للرئيس عبد الناصر. غير أن الرئيس السادات تصور أن حرب 73
تمنحه شرعية جديدة وتفويضا بالانقلاب علي مجمل السياسات الداخلية
والخارجية التي كانت ثورة يوليو قد رسختها في عهد عبد الناصر
ولأن السياسات الجديدة التي انتهجها الرئيس السادات جرت بدورها
في غياب آليات ديموقراطية فقد انتهت إلي مأزق داخلي راح يستحكم بعد
زيارة القدس عام 1977 ثم التوقيع علي معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل
عام 1979 لينتهي بأحداث سبتمبر ثم بالمشهد الدموي لحادث المنصة في
أكتوبر 1981.
كان الشعب المصري قد اعتاد علي نظام
سياسي تنتقل فيه السلطة تلقائيا من رئيس إلي نائب يختاره بنفسه، لكنه
ما إن بدأ يفيق من مشاكله العاجلة حتي راحت الأنظار تتطلع لمن عساه أن
يشغل موقع نائب الرئيس في عهد الجمهورية الثالثة !. وعندما طال
الانتظار وراح الناس يتساءلون عن السبب الحقيقي في عدم تعيين نائب أو
أكثر لرئيس بدا في سنوات حكمه الأولي زاهدا في السلطة والثروة معا
ومذكرا الجميع ب الكفن الذي ليس له جيوب ، تولد إحساس بقلق حقيقي علي
مصيرالبلاد راح يتحول بمرور الوقت إلي ثورة غضب واحتجاج تحت تأثير
عوامل متعددة، أهمها:
1- ظهور مفاجيء وصعودسريع لنجم جمال
مبارك علي مسرح الحياة السياسية في مصر تواكب مع إشاعات متزايدة عن
محاولات تجري وراء ستار للبحث عن سيناريو يضمن له خلافة والده في
السلطة.
2- ترهل واضح في أداء النظام علي كافة
المستويات بسبب عجز قيادات بدت تشيخ في مواقعها، وزيف وعود بدت فاقدة
لمصداقيتها، وخداع عبارات بدت مملة من فرط ترديدها.
3- إحساس متزايد بعدم الأمن، سواء علي
الصعيد الداخلي، بسبب تفاقم الفجوة الطبقية والطائفية، أو علي الصعيد
الخارجي، بسبب تآكل قدرة مصر علي التأثير في محيطها الإقليمي والدولي.
4- بلادة محيرة وعدم الحساسية إلا تجاه
كل ما من شأنه التأثير علي أمن النظام أو مشروع نقل السلطة.
في هذا السياق بدأت مصر تدخل مرحلة
اضطراب سياسي واجتماعي تبدو مختلفة نوعيا عما سبقها، مما فتح الباب
أمام احتمالات تبدو جميعها محفوفة بالمخاطر، ساعد عليها:
1- تفاقم المشكلات الاقتصادية
والاجتماعية وتدهور مستوي أداء الخدمات المختلفة في البلاد بمعدلات
متسارعة، خاصة التعليمية والصحية منها، وانتقال الحال من سييء إلي أسوأ
علي الدوام دون أن تبدو في الأفق أي مؤشرات علي احتمال وقف التدهور
العام خلال فترة زمنية معقولة.
2- تدني مستويات المعيشة بالنسبة
للأغلبية الساحقة من المواطنين، رغم كل ما يقال عن تحقيق الاقتصاد
الوطني لمعدلات نمو مرتفعة، وهبوط شرائح متزايدة من الطبقة المتوسطة
إلي مستويات أدني ودخولها دائرة الفقر بعد أن بدأت تعجز عن سد احتياجات
أبنائها من السلع الأساسية بسبب الغلاء الفاحش في أسعار السلع
والخدمات.
2- عجز الحكومة عن إدارة أزمات بدأت
تتفجر في كل المواقع وظهور بوادر تشير إلي احتمال انفلات الأمور في أي
لحظة، خصوصا بعد انفجار أزمة الخبز الأخيرة التي أدت إلي وقوف
المواطنين في طوابير طويلة وحدوث احتكاكات واشتباكات سقط فيها قتلي
وجرحي، وهو أمر يحدث في مصر لأول مرة.
4- تكاثر حركات الاحتجاج الاجتماعي
وتصاعد مطالبها علي نحو ينذر بزيادة الأمور سوءا وتعقيدا بالنسبة
للدولة و بالنسبة للمجتمع علي السواء. فبينما بدأت تظهر علي المؤسسات
الرسمية بمختلف مستوياتها علامات ارتباك وتشنج عكستها زيادة حدة
الممارسات الأمنية والقمعية ولجوء متزايد وغير مبرر لأساليب التضييق
والحصار بعد اتساع نطاق عدوي الإضرابات والمظاهرات.
يري بعض المراقبين والمحللين السياسيين
أن الحركات الاحتجاجية الراهنة لم تعد تشكل خطرا وأن النظام بدأ يعتاد
عليها ويتعايش معها وما زال في جعبته الكثير من الوسائل التي تمكنه من
الاستمرار بنجاح في لعبة تفتيت المعارضة أو احتوائها وبالتالي ليس
واقعا تحت ضغط يجبره علي القيام بالإصلاحات السياسية المنشودة. غير
أننا لا نتفق مع وجهة النظر هذه ونعتقد أن الحركة الاحتجاجية التي
انطلقت في مصر منذ حوالي ثلاث سنوات خلقت، رغم ضعفها وتفتتها الظاهرين،
حالة من الزخم والتراكم الكمي لن يمر وقت طويل قبل أن يتحول إلي تراكم
نوعي. وبوسعنا أن نتوصل بسهولة إلي هذه النتيجة إذا ما تأملنا بدقة
مسيرة هذه الحركة الاحتجاجية والتي مرت في تقديري بثلاث مراحل متميزة:
المرحلة
الأولي: قادتها عناصر من خارج الأحزاب الرسمية القائمة أو
متمردة عليها وركزت علي مطالب الإصلاح السياسي واستفادت من ظرف دولي
بدأ ضاغطا لنشر الديمقراطية. ولا جدال في أن حركة كفاية لعبت دورا
تاريخيا مهما في هذه المرحلة لكنها لم تظل وحيدة علي الساحة لفترة
طويلة حيث سرعان ما بدأت تلحق بها أو تظهر إلي جانبها جماعات أخري،
خاصة في أوساط أساتذة الجامعة والقضاة والصحفيين والمحاميين، اتفقت
معها في الأهداف واختلفت في الوسائل.
المرحلة
الثانية: شهدت تحولا من المطالب السياسية والمجتمعية العامة
إلي المطالب الاقتصادية والاجتماعية لفئات أو مهن بعينها. ساعد علي
إحداث هذا التحول شلل الأحزاب السياسية الرسمية، وانكشاف حقيقة الموقف
الأمريكي والأوروبي من المسألة الديمقراطية وتراجع الضغوط الغربية علي
الأنظمة العربية، خاصة عقب فوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي، وإحساس
الأجهزة الأمنية بأنها باتت طليقة الحركة لقمع المعارضة وإلحاق اكبر
قدر من الأذي بها.
المرحلة
الثالثة: والتي راحت تتبلور منذ فترة قصيرة نسبيا تشهد
حاليا بداية التحول من المطالب الفئوية والمهنية الخاصة إلي مطالب
اقتصادية واجتماعية عامة يشترك فيها الجميع وتركز علي رفع الأجور
وتحسين مستوي الاداء والخدمات، خاصة الصحية والتعليمية منها، ومكافحة
الغلاء والفساد وغير ذلك.صحيح أن الحركة الاحتجاجية ماتزال تبدو، حتي
في شكلها الراهن، أقرب ما تكون إلي جزر معزولة ومحاصرة منها إلي تيار
عام يجمع برنامجا متفقا عليه وإطارا مؤسسيا يوحد حركتها ويحدد بوصلتها
ويسير أمورها. ومع ذلك يمكن القول أن طبيعة المرحلة الحالية تفرض عليها
أن لا تظل كذلك لفترة طويلة. وهناك في الواقع عملية غير منظمة وتكاد
تكون لا إرادية تدفع نحو مد الجسور بين الجزر المعزولة وتحويلها إلي
فروع لأنهار لن تتأخر كثيرا قبل أن نراها تصب في مجري واحد
وهناك عوامل عديدة تدفع نحو الإسراع صوب هذه الوجهة، منها:
الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية وانخراط شرائح متزايدة من
الطبقة المتوسطة ومن الأغلبية الصامتة في الحركة الاحتجاجية، ووضع
إقليمي ودولي مضطرب ومرشح لزيادة حدة احتقان الأزمة الداخلية.
ثالثا:
سيناريوهات المستقبل
هذه الصورة العامة تدفع في اتجاه تغيير
قد يتم من خلال أحد سيناريوهات ثلاثة:
السيناريو
الأول: انخراط الأحزاب الرسمية والتيارات والجماعات الفكرية
والسياسية المختلفة، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، في جبهة موحدة
تقوم بتشكيل غطاء سياسي للحركة الاحتجاجية الشعبية علي نحو يسهم في مد
الجسور بين مطالب القوي والفئات الاجتماعية المختلفة وبناء إطار تنظيمي
قادر علي الجمع بين جناحيها السياسي والاقتصادي - الاجتماعي لإحداث
التغيير السياسي المنشود. وتتوافر عوامل مرشحة للمساعدة علي إنضاج هذا
السيناريو أهمها خشية الأحزاب السياسية من عزلة عن الشارع قد تعرضها
للذبول والموت.
السيناريو
الثاني: استمرار وضع الأحزاب والقوي السياسية الرسمية علي
ما هو عليه وعزوفها عن الانخراط في الحركة الاحتجاجية، إما بسبب الضغوط
الواقعة عليها من جانب الأجهزة الأمنية أو بسبب أزمة الثقة التي ما
تزال مستحكمة بين فصائلها، وبالتالي ترك الحركة الاحتجاجية المتبلورة
حول مطالب اقتصادية واجتماعية تتحرك وفق منطقها وقدراتها الخاصة، وهو
ما قد يعرقل مسيرتها نحو الوحدة لكنه لن يحول دونها.
السيناريو
الثالث: انفلات الوضع الأمني بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية
وغياب غطاء سياسي وقيادة تنظيمية للحركة، وبالتالي تطور الأمور إلي
حالة من الفوضي قد يستغلها الجيش للنزول إلي الشارع والسيطرة علي
السلطة واستلام زمام الأمور في البلاد.
وكل
ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alrayah
|