التفكير الإبداعي ضرورة ملحة في نظامها التكويني...دراسة حول أنظمة التعليم

 

د. خليفة علي السويدي 

 

المدرسة الذكية

في المقال السابق بدأنا الحديث حول تعاطي أنظمة التعليم مع قضية تدريب التلاميذ على التفكير، ولخصنا التوجهات العالمية في أربعة نماذج، حيث مثلت المدرسة التقليدية النموذج الأول، الذي لا يرى أن من أدوار المدرسة تعليم التفكير، لأنه مسألة تنمو طبيعياً مع تقدم الإنسان في العمر، ومع تعلمه للمواد الدراسية المختلفة. وعلقنا على هذا التوجّه بأن مخرجات هذه المدارس باتت لا تتناسب مع متطلبات التعليم العالي ولا سوق العمل. ثم عرّجنا على النمط الثاني، وهو من يرى أن التفكير سينمو لو غيّرنا من أساليب التدريس وطرق التقويم بحيث ننقلها من أسلوب المحاضرة أو الدرس التقليدي إلى أساليب تتيح للمتعلم التأمل والتفكر. ورأينا أن هذه المدارس تساعد المتعلمين على التفكير، لكنها لا تعطيهم الأدوات اللازمة لذلك. أما أصحاب المدرسة الثالثة، فهم من يرون تخصيص حصص محددة للتفكير، وهنا سيتعلم التلاميذ مهاراتِ التفكير المختلفةَ، لكن عبر منهج إضافي، وعلى يد معلم متخصص في هذا المجال، وربما في معزل عن بقية المواد الأخرى.

المدرسة الرابعة في هذا المجال، هي التي ترى تعليم مهارات التفكير لكن عبر المواد المختلفة بلغة أخرى، لا تعزل مهارات التفكير عن بقية المواد، فمثلاً في درس العلوم، ونحن ندرس التلوث البيئي نُدرب التلاميذ على مهارة حل المشكلة، ومن خلال تعلمهم هذه المهارة يتعلمون المادة التعليمية، وهي درس العلوم المرتبط بالتلوث وفي الوقت نفسه يتدربون على إحدى مهارات التفكير، وهي مهارة حل المشكلة، ولو كنا في درس التاريخ مثلاً، ونحن نتعلم معركة "واترلو" الشهيرة التي خاضها نابليون، نقول للتلاميذ: ما هي القرارات التي كانت أمام نابليون في هذه المعركة؟ وما الذي تخيّره؟ ولو كنت مكانه هل سيكون قرارك كقراره. وهنا نعلم التلاميذ مهارة اتخاذ القرار، وهي من مهارات التفكير، وفي الوقت نفسه، يتعلمون مادة التاريخ التي يظن البعض أنها مجرد قصص تذكر ليس فيها عِبر. وعندما ندرسهم المذاهب الفقهية في درس التربية الإسلامية، نعلمهم مهارة الاختلاف في وجهات النظر، وهي مهارة في التفكير الناقد. أما التفكير الإبداعي، فمن الممكن تعلّمه في كل المواد تقريباً، ففي مادة اللغة العربية، وقبل كتابة التعبير حول حب الوطن مثلاً ندرّبهم على العصف الذهني، وهو طريقة جماعية في التفكير الإبداعي. وبعد إجراء العصف الذهني من قبل التلاميذ وكتابة كافة الأفكار على السبورة يقوم كل تلميذ بكتابة موضوع التعبير كما يراه مناسباً، وهنا يتعلم التلاميذ التفكير الإبداعي، وفي نفس الوقت التعبير في اللغة العربية. وهكذا يرى أصحاب هذا التوجه إمكانية دمج مهارات التفكير المختلفة مع المواد الدراسية، مما يعني عدم إضافة منهج آخر على التلاميذ وفي الوقت نفسه، يتعلمون التفكير ومهاراته بشكل متكامل ومندمج مع المواد الدراسية، فنكون كمن اصطاد عصفورين بحجر.

شخصياً أميل إلى هذه النهج في تعليم التلاميذ التفكير، لكن هذه المدرسة كي تنجح لها متطلبات، لعل أهمها أن ندرّب كل المعلمين على مهارات التفكير وكيفية تطبيقها على موادهم المختلفة كلاً حسب تخصصه. وهذا أمر سهل لا يتطلب أكثر من دورة مدتها أسبوع واحد، كما أن هذه المدرسة تتبنى سياسة مختلفة في الامتحانات والتقويم، فلا ينفع أن ندرس التلاميذ كيفية التفكير، ثم تتلخص الامتحانات في الذاكرة وما تستطيع حفظه من بيانات ومعلومات. ومن الأمور المهمة في هذه المدارس أن لا يكون الكتاب المقرر هو الذي يحوي كل المادة التعليمية، ولكنه يحتوي على الأسس، ويكون دور المعلم والتلميذ في البحث عن المعلومات المستجدة عبر قنوات البحث والمعرفة المختلفة، والتي منها المراجع والكتب والدوريات، إضافة إلى الإنترنت الذي يعد أضخم مكتبة مجانية في العالم لمن أحسن التعامل معه. بمثل هذه التوجهات وما شابهها تتحول المدرسة التقليدية إلى مدارس مفكرة يتزود فيها التلاميذ بأهم مهارات العصر ألا وهي مهارات التفكير المختلفة.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:wajhat-31-5-2008