مجلة أوقاف : العمل الخيري بين المفهوم والممارسة

 

ريهام أحمد خفاجي

 

إيمانا بالإمكانيات التنموية الهائلة للوقف كمفهوم وتجربة، دشنت الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت دورية أوقاف، وهي مجلة "فصلية محكمة تعنى بشئون الوقف والعمل الخيري" صدر العدد الأول منها في شعبان 1422 هـ- نوفمبر 2001.

ويميز إصدار أوقاف مرحلة مهمة من مراحل تنفيذ إستراتيجية النهوض بالقطاع الوقفي التي أقرها المجلس التنفيذي لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية منذ عام 1997، والمتمثلة في "إحداث نقلة نوعية في الكتابات الوقفية من خلال تشجيع الاجتهاد المنضبط بالقواعد الشرعية فيما يطرح على الوقف من مسائل نظرية وإشكاليات واقعية، وحث الباحثين على تقديم نماذج عملية في المجالات التنظيمية والاستثمارية والشرعية التي تحتاجها المؤسسات الوقفية لرفع كفاءتها والمساهمة الفعلية في تنمية مجتمعاتها".

أوقاف: الرسالة والأهداف

لفتت افتتاحية العدد الأول النظر إلى أن موضوع الوقف يعاني من وجوده على الهامش الأكاديمي؛ ولذا استهدفت أوقاف المساهمة في سد هذه الثغرة حيث استندت رسالتها على "قناعة مفادها أن للوقف مفهوما وتجربة – إمكانيات تنموية عالية تؤهله للمساهمة الفعالة في إدارة حاضر المجتمعات الإسلامية ومجابهة التحديات التي تواجهها".

ووفق هذه القناعة تتحرك مجلة أوقاف في اتجاه أن "يتبوأ الوقف مكانته الحقيقية في الساحة الفكرية العربية والإسلامية من خلال التركيز عليه كاختصاص، ولمّ شتات المهتمين به من بعيد أو قريب، والتوجه العلمي لتطوير الكتابة الوقفية وربطها بمقتضيات التنمية المجتمعية الشاملة. وبحكم أن الأصل في الوقف التطوع فإن هذه المطالب لا تستقيم إلا إذا ارتبطت مجلة أوقاف بمشاغل العمل الاجتماعي ذات العلاقة المباشرة مع القضايا الأهلية والعمل التطوعي وكل ما يتشابك معها من الإشكاليات التي تتلاقى على خلفية التفاعل بين المجتمع والدولة والمشاركة المتوازنة في صناعة مستقبل المجموعة، ودور المنظمات الأهلية في هذا".

وفي هذا الإطار حدد القائمون على أوقاف أهداف دوريتهم في التالي:

- إحياء ثقافة الوقف من خلال التعريف بدوره التنموي وبتاريخه وفقهه ومنجزاته التي شهدتها الحضارة الإسلامية حتى تاريخها القريب.

- تكثيف النقاش حول الإمكانيات العملية للوقف في المجتمعات المعاصرة من خلال التركيز على صيغه الحديثة.

- استثمار المشاريع الوقفية الحالية وتحويلها إلى منتج ثقافي فكري يتم عرضه علميا بين المختصين؛ وهو ما يسمح بإحداث ديناميكية بين الباحثين ويحقق الربط المنشود بين الفكر والتطبيق العملي لسنة الوقف.

- تعزيز الاعتماد على ما تختزنه الحضارة الإسلامية من إمكانيات اجتماعية نتجت عن تأصل نزعة العمل الخيري في السلوك الفردي والجماعي للأمة.

- تقوية الجسور بين فكر الوقف وموضوعات العمل التطوعي والمنظمات الأهلية.

- ربط الوقف بمساحات العمل الاجتماعي الأخرى في إطار توجه تكاملي لبناء مجتمع متوازن.

- إثراء المكتبة العربية في أحد موضوعاتها الناشئة، الوقف والعمل الخيري.

ويحتل الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف الكويتية بحكم منصبه رئاسة تحرير أوقاف؛ والتي تولاها الدكتور فؤاد العمر (2001-2003) ثم الدكتور محمد عبد العزيز الشريف (2004- حتى الآن). كما أن مديري التحرير المتعاقبين قد تركوا بصمات واضحة على الدورية. فتولى الدكتور طارق عبد الله، مدير التحرير الأول، تفعيل القسمين الإنجليزي والفرنسي في إضافة نوعية بارزة في مجال الدراسات الوقفية في العالم الإسلامي. كما وسع الدكتور عبد الله غانم الشاهين، مدير التحرير الثاني، من المساحات المخصصة لعروض الكتب وتغطية الندوات ذات الصلة بقضايا الوقف والمجتمع المدني. وأخيرًا، ميزت كواكب الملحم، مديرة التحرير الحالية، بين قسم البحوث المحكمة علميا وقسم المقالات عميقة المضمون غير الخاضعة للضوابط الأكاديمية شكليا، كما أضفت شكلاً جديدًا على غلاف دورية أوقاف.

الوقف.. قضايا متشعبة ومناهج بحثية متعددة

حاولت أوقاف الجمع بين جهود تكثيف البحث العلمي حول المسائل الفقهية والاجتماعية والتاريخية للوقف، وبين إثارة هذا البحث العديد من التساؤلات حول العلاقات البينية للوقف وباقي مكونات المجتمع بداية من الدولة ومرورًا بالأفراد ووصولاً إلى المؤسسات الأهلية. فكما يرى القائمون على الدورية "فالوقف -مهما علا شأنه التاريخي أو حضوره الراهن- ما هو إلا أحد المكونات الاجتماعية التي بحوزة الأمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستحوذ على كل المساحة الأهلية". ولعل الشعار الفرعي لأوقاف "مجلة تعنى بشئون الوقف والعمل الخيري" يمثل الخلفية لهذه الفكرة. وتتصدر كافة أعداد أوقاف دعوة لكافة الباحثين والمهتمين للمساهمة في الدورية باعتبارها "تحتضن كافة المواضيع التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالوقف، كالعمل الخيري، والعمل التطوعي، والمنظمات الأهلية، والتنمية". وتفسح الدورية المجال أمام الدراسات الأكاديمية المحكمة وفق الضوابط العلمية، كما تقبل نوعية أخرى قد لا تلتزم شكلاً بقواعد البحث الأكاديمي إلا أنها تتقيد بعمق الطرح وسلامة اللغة وأهمية الموضوع. وتنشر المساهمات باللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية.

ويظهر الكشاف الموضوعي لدورية أوقاف، الذي صدر متضمنًا في العدد العاشر، التنوع في القضايا المتناولة وتشعب الحقول الأكاديمية ذات الصلة بها؛ فتعرضت الأبحاث المنشورة لتاريخ الوقف، وجهود تنمية موارد الوقف، والوقف الأهلي، والوقف الخيري، ووقف النقود، والأوقاف على القدس والأراضي المحتلة في فلسطين، وأوقاف النساء. وقد احتلت قضايا إدارة موارد الوقف واستبداله واستثماره صدارة الموضوعات محل البحث في الدراسات المنشورة بأوقاف، ويليها تاريخ الوقف ثم التجارب الوقفية المعاصرة والوقف والتنمية. وفي هذا الإطار، نشرت أبحاث ذات طابع اقتصادي واجتماعي وتاريخي وفقهي.

وبصورة عامة، غلب على منهجية البحوث العربية المنشورة في أوقاف الطابع الوصفي التحليلي، سواء على الدراسات ذات الطابع التاريخي أو المعاصر. وفي هذا الإطار، تميزت الدراسات الاقتصادية حول قضايا إدارة موارد الوقف واستثماره بتقديم بعض المقترحات والإرشادات العملية حول إمكانيات وفرص تحسين إدارة الوقف. ويذكر في هذا الصدد بحث محمد بوجلال في العدد السابع عن "دور المؤسسات المالية الإسلامية في النهوض بمؤسسة الوقف في العصر الحديث" ودراسة الدكتور أشرف محمد دوابه في العدد التاسع عن "تصور مقترح للتمويل بالوقف".

وفي إضافة منهاجية مهمة ركزت دراسة محمد بدوي في العدد الحادي عشر على "تطوير أدوات البحث في مجال الوقف: مكنز علوم الوقف نموذجًا". واستعرضت الدراسة مشروع "مكنز علوم الوقف" الصادر عن الأمانة العامة للأوقاف الكويتية بوصفه تجربة علمية معاصرة في التعامل مع المعلومات المتخصصة في العالم العربي وبالتحديد في مجال تصميم أدوات التحليل الموضوعي بالاعتماد على الثورة التكنولوجية. ومن جانبها، اهتمت معظم الدراسات المنشورة باللغتين الإنجليزية والفرنسية بتحليل الأبعاد الاجتماعية للوقف، مثل دراسة زكية بلهاشم في العدد السابع عن "الوقف كنموذج لسياسة ثقافية في إدارة المجتمعات" وبحث "أشفق علي" في العدد الثالث عن "الدور الاجتماعي والاقتصادي للوقف في تقدم المسلمين".

وبرغم تنوع الدراسات المنشورة في أوقاف وتعمقها في بحث قضايا الوقف فإن الدورية افتقرت بصورة ملحوظة إلى دراسات تعنى بشئون العمل الخيري، الشق الآخر من عنوانها الفرعي. فمن الملاحظ أن العدد الأول ضم ثلاث دراسات لامست موضوعات مرتبطة بالعمل الخيري من جانب والمساحات المشتركة بينه وبين الوقف من جانب آخر؛ وهي: دراسة محمد محفوظ "العمل الأهلي والتنمية الثقافية: رؤية أولية"، وبحث الدكتور جمال الدين عطية "الوقف والنظم الشرعية والحديثة ذات العلاقة: محاولة للتصنيف ومقترحات للتفعيل والتعاون"، وبحث الدكتور ياسر الحوراني "آفاق التعاون المشترك بين مؤسسة الوقف والمنظمات الأهلية". وباستثناء دراسة وصفية تحليلية لحالة مؤسسة فورد كنموذج على دور المؤسسات الخيرية في توجيه الأكاديميات الإفريقية، منشورة في القسم الإنجليزي في العدد العاشر، لم يتم التركيز على مؤسسات العمل الخيري وقضاياها وآليات عملها.

الوقف والمعرفة.. تلازم لا انفصام

على صعيد التأسيس المعرفي، تضمنت افتتاحيات الأعداد الأولى لأوقاف والدراسات المنشورة بها تأكيدًا على العملية التبادلية بين مساهمة الأبعاد الثقافية والفكرية في تشكيل الوعي الاجتماعي في العالم الإسلامي وبلورته في صورة حركة مجتمعية فاعلة من جانب، ودور هذا الوعي في تعضيد العملية المعرفية في المجتمع. ففي العدد الأول يقول محمد محفوظ في بحثه حول: العمل الأهلي والتنمية الثقافية رؤية أولية: "إن المجتمع المدني القادر، هو الذي يحتوي على بنية مؤسساتية أهلية متطورة، تكون خير سند للمجتمع في مجالات التعليم والثقافة والاجتماع والاقتصاد... وعبر التاريخ كان للعمل الأهلي التطوعي حضور شعبي في زمن غياب الدولة أو اهتراء هياكلها أو قوتها أو منعتها".

كما ركزت افتتاحية العدد الثاني على أهمية العلاقة بين الأوقاف والعملية التعليمية وصناعة المعرفة في الحضارة الإسلامية، مشيرة إلى اقتران العودة للحديث عن مؤسسة الوقف باهتمام مواز بالبحث العلمي حول تاريخه وأثره الاجتماعي والتربوي والقيمي في الحضارة الإسلامية. واهتمت الدراسات المنشورة بهذا العدد بما شهدته الحضارة الإسلامية من توازن بين مستويين: تفرد أنظمتها الاجتماعية (الأوقاف، الحسبة، الزكاة، مؤسسات التنشئة الاجتماعية، الخ) وتخصصها من ناحية، ووجود تعاون وثيق فيما بينها من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار، تضمن العدد بحثا للدكتور عبد الستار الهيتي بعنوان "الجامعة الوقفية الإسلامية" بهدف صياغة مشروع علمي لإنشاء جامعة إسلامية ذات نفع عام تعتمد في تمويلها على الحجج الوقفية العلمية. وقد أكدت افتتاحية العدد السادس مجددًا على العلاقة المزدوجة بين الوقف والعلم، "حيث عملت الأوقاف طوال التاريخ الإسلامي ولا تزال على رعاية العلماء والمراكز العلمية وكل ما تستوجبه العملية المعرفية من خدمات أساسية. في نفس الوقت استفادت المؤسسات الوقفية من جهود العلماء لتطويرها الذاتي وحل الإشكاليات التي تتعرض إليها تجربتها بهدف تقديم أفضل الحلول لها".

علم الاجتماع والدراسات الوقفية

من جانب آخر وفيما يتعلق بموقع الدراسات الوقفية من علم الاجتماع، رصدت افتتاحية العدد الثالث من أوقاف إعراض العديد من المتخصصين في علم الاجتماع عن الاقتراب من موضوع الوقف لاعتبارات من أبرزها: "حصر هذا الموضوع في بعده الفقهي أو في أحسن الأحوال في جانبه التاريخي والاكتفاء عند اللزوم ببعض الإشارات العامة والأمثلة التاريخية؛ والتركيز على الدور السلبي لنظام الوقف في تاريخ المسلمين من خلال استعمال موسع لصورة نمطية عن الوقف الأهلي وتعميمها على كل التجربة الوقفية؛ وتأخر البحث الاجتماعي بشكل عام عن دراسة الظواهر ذات البعد العقائدي على خلفية ارتباط هذه الأخيرة بمباحث الإلهيات وأقسام "الدراسات الدينية؛ وحداثة دراسة القطاع الأهلي في المجتمع العربي المعاصر".

وفي إشارة ضمنية لعلمية الدراسات الوقفية أشارت المجلة إلى أن "إعادة الاعتبار لدور الأوقاف والعمل الخيري عمومًا -كجزء من نهضة هذه الأمة- ترتبط بداية بتجاوز التصورات النمطية التي ارتبطت بموضوع الوقف وهذا يعني بالتحديد إعمال طرق البحث الاجتماعي والتحليل العلمي". كما أولى العدد الرابع اهتماما خاصا بالإمكانيات المنهجية للوقف وبالتحديد بما تقدمه تجربة/مادة الوقف التاريخية من أدوات تحليلية يمكن الاستفادة منها في قراءة متفردة وبعيدة عن التصورات النمطية التي أسقطت بشكل متعسف على كثير من مفاصل التاريخ الإسلامي.

الوقف والتنمية.. تجارب وآفاق

على صعيد الأبعاد التطبيقية للوقف، نشرت أوقاف العديد من الدراسات تناولت قضايا إدارة موارد الوقف واستثمارها وتنميتها. وركزت بعض هذه البحوث على دراسة نماذج وقفية تاريخية أو معاصرة للوقوف على الجوانب الإيجابية والسلبية فيها.

وفي هذا الإطار، تناول العدد السابع قضية تنمية موارد الوقف؛ حيث عالجت الافتتاحية عدم وضوح الرؤية العامة للدور الاقتصادي والتنموي للوقف اللهم إلا ما يساق من العموميات؛ كما أظهرت ضعف العلاقة بين الجوانب النظرية من ناحية والجوانب العملية من ناحية ثانية. وأرجعت الافتتاحية عزوف الكتاب عن البحث الدقيق والمتعمق في الدور الاقتصادي للوقف إلى ندرة الأرقام في المجال الوقفي، وبالتالي تتضاءل فرص تحليل إمكانياته التنموية بعيدًا عن التعميم وترديد المسلمات. وتقارن الافتتاحية هذا القصور في العالم الإسلامي بالخطوات السريعة للمقاربة العلمية في الغرب لموضوع لصيق بالوقف وهو العمل التطوعي، مرجعة هذا القصور إلى "الاعتبارات التاريخية التي تحمل الوقف جزءًا من الإرث التاريخي لتقهقر دور المؤسسات الأهلية في العالم العربي خلال القرن الماضي". وترى الافتتاحية أن "إدارة القطاع الوقفي بجناحيها الرسمي والأهلي بحاجة اليوم لمقاربة علمية لواقع الوقف، ولن يتسنى ذلك إلا من خلال توفير معلومات دقيقة وبيانات محدثة عن أعيان الوقف ونشاطاته وكل ما يمكن أن يساعد الباحثين على التعمق في موضوعه، معتبرة أن أحد الأهداف الرئيسية لمجلة أوقاف هو تثبيت هذا التوجه".

وتضمن العدد السابع بحثا للدكتور علي القره داغي حول "تنمية موارد الوقف والحفاظ عليها"، ركز فيه على أربعة عناصر تدخل في إطار تنمية موارد الأوقاف، وهي: تنمية القائمين على إدارة الوقف، والمحافظة على أموال الوقف، المسائل المتعلقة باستبدال عين الوقف، وأخيرًا استثمار موارد الوقف. كما شمل العدد نفسه بحث محمد بوجلال حول دور المؤسسات المالية في النهوض بمؤسسة الوقف خاصة في مجال الاهتمام باستثمار الأصول الوقفية حسب مواصفات فنية وعلمية دقيقة.

وبالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والإدارية النظرية، أفردت الدورية مساحة أساسية في عددها الثامن لبحث تجربة الوقف في الفترة العثمانية من خلال محوري: دراسة إحدى المساهمات الفريدة والمتميزة التي قام بها الوقف والمتعلقة بدوره في نشأة وتطور المدن؛ والبحث في أحد الأسباب التي ساهمت في تدني فاعلية الأوقاف في إحدى الولايات العثمانية (مصر المملوكية). فركز بحث نوبي محمد حسن "قيم الوقف والنظرية المعمارية" ودراسة فاروق بيليسي (بالفرنسية) "الأوقاف العثمانية في إستانبول خلال القرن السادس عشر: ناحية السلطان محمد الثاني (الفاتح)"، وكذلك بحث محمد موفق الأرناؤوط "دور الوقف في نشوء المدن الجديدة في البوسنة: سراييفة نموذجًا" على المحور الأول. وتعرض بحث كينيث كونو "الإيديولوجيا والخطاب الفقهي في مصر العثمانية" لمسألة الإرصاد وطرق التعامل معها واستغلال الأوقاف لتحقيق المكاسب المادية والسياسية، كدليل على المحور الثاني.

وأشارت افتتاحية العدد الثامن إلى أن أهمية التجربة العثمانية تنبع من "كون الوقف شكل أحد العناصر الرئيسية في المجتمع العثماني؛ كما كانت الدولة العثمانية أحد المراكز السياسية للحركة العلمية في الساحة الإسلامية وللوقف حضور خاص في هذه الحركية؛ وتأثر الوقف بالأزمات الداخلية التي واجهت الدولة العثمانية شأنه شأن كل المؤسسات العثمانية؛ وقد احتضنت السلطة العثمانية أول مشاريع إصلاح نظام الوقف في العالم الإسلامي المعاصر ضمن ما عرف بالتنظيمات العثمانية؛ كما بدأت مع العثمانيين أحد أهم التحولات التاريخية لنظام الوقف الإسلامي خاصة فيما يتعلق بالنقلة النوعية في إدارة الأوقاف من الإدارة الأهلية إلى الإدارة الحكومية".

الوقف والعولمة

وبالإضافة إلى التجارب التاريخية، أفردت أوقاف في العدد التاسع جزءًا أساسيا لملامسة الأدوار المحتملة للوقف في ظل نظام سياسي واقتصادي واجتماعي معولم، ومدى مساهمته في توفير جزء من الحصانة الذاتية للأمة الإسلامية. وأشارت افتتاحية العدد التي حملت عنوان "الوقف والعولمة" إلى أن "نظام الوقف تمكن من بناء شبكة كثيفة من العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على المستوى الدولي... وأنه إذا كان الوقف قد أوجد مجالاً محليا مشتركا تتعاون من داخله الدولة مع مكونات المجتمع الأهلي فإنه قد أوجد كذلك وبنفس الآلية فضاءً دوليا مشتركًا بين مختلف الدول والمناطق الإسلامية، تمكن من خلاله المسلمون بمختلف انتماءاتهم الجغرافية من بناء مؤسسات وقفية ذات مهام ووظائف دولية".

وحاولت الدراسات المنشورة في العدد التاسع إعطاء صورة متكاملة عن "تفاعل الوقف في الأفق الدولي من الناحية المعرفية التي تتفاعل مع عالم الأفكار من خلال إعادة صياغة فكر الوقف وفلسفته حسب الزمان والمكان، وتحول هذه الأفكار إلى قيم اجتماعية واقتصادية وثقافية تستجيب لاحتياجات الداخل الإسلامي، في نفس الوقت الذي ترتبط فيه بالأفق الإنساني".

فعلى المستوى النظري، طرح الدكتور نصر عارف في دراسته "الوقف والآخر: جدلية العطاء والاحتواء والإلغاء" مساهمة الوقف في الآليات التي ترتب شبكة العلاقات داخل الأمة الإسلامية وخارجها، منطلقًا من نقد فكرة الآخر السائدة في الأدبيات الغربية في مقابل المنظومة القيمية الإسلامية التي لا تعترف بالفوارق الطبيعية وإنما تؤسس للعلاقة معه على أساس اختياراته الفكرية والعقائدية الحرة. ومن خلال دراسة تجربة الأمانة العامة للأوقاف في الكويت ونشاطها في ملف التنسيق الدولي وكذلك تجربة البنك الإسلامي للتنمية في جدة في إنشاء الهيئة العالمية للوقف يدرس الدكتور طارق عبد الله "الأوقاف الدولية والعولمة" متناولاً أهمية تفعيل النشاط الوقفي الدولي في زمن اقترن بتكوين الفضاءات السياسية والاقتصادية الواسعة.

وقد احتفلت أوقاف مع ظهور العدد العاشر بأعوامها الخمس الأولى، مشيرة في افتتاحيتها إلى كون الدورية "باتت تعد إحدى أهم واجهات مشروعات التنسيق بين الدول الإسلامية في مجال الوقف، والتي أسند تنفيذها في عام 1997 إلى دول الكويت ممثلة في الأمانة". وأكدت الافتتاحية على أن طموحات أوقاف "ترتبط بإحياء ثقافة الوقف والتركيز على دراسة تجربته من منظور حضاري، وبمنهجية التلازم بين التعمق في مفاهيمه وأحكامه الشرعية من جهة، ورصد علاقاته بباقي الدوائر ومساحات الفعل الاجتماعي من جهة أخرى". ونشرت الدورية داخل العدد العاشر كشافها التحليلي الأول للأعداد العشرة التي نشرت ما بين سنة 1422 و1426 (2001-2006) وهو تكشيف موضوعي، بعناوين البحوث وبأسماء الكتاب للدراسات الصادرة باللغة العربية. أما الدراسات المنشورة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، فقد رتبت هجائيا باسم المؤلفين نظرا لعددها المحدود.

وبنظرة أكثر شمولية وأوسع آفاقًا، سعت أوقاف في عددها الحادي عشر إلى إيجاد روابط بين الوقف ومشاريع النهضة من خلال ما قامت به التجربة الإسلامية في مجال التطوع من إنتاج خبرات مدنية تم تطويرها لتصبح أحد المميزات الرئيسية للحضارة الإسلامية. وأشارت الافتتاحية التي حملت عنوان "الوقف ومشاريع النهضة: أية علاقة" إلى أن "إنشاء المؤسسة الوقفية برؤية واسعة منفتحة، مكنت المسلمين من إدراك مقومات المجتمع المتكامل والوصول إلى حيثيات غاية في الدلالة ترجمها شمول الانتفاع بالوقف لكل المكونات الاجتماعية وبالتالي تم تجاوز الانتماء الطائفي والمذهبي والعائلي بل وحتى العقيدي. من ناحية أخرى اتسم عمل المؤسسة الوقفية بتنوع شديد في مجال مقاصدها التي تراوحت بين حفظ كرامة الإنسان والرفق بالإنسان".

وأخيرًا، فإنه كما ذكر رئيس تحرير أوقاف السابق الدكتور فؤاد العمر في نهاية افتتاحية العدد الأول فإن "المأمول من وراء نشر هذه المادة المتنوعة.. هو دفع البحث في موضوع الوقف وفتح نقاش جاد ورصين حوله: تاريخًا وتأسيسًا واستشرافًا... إنها مسئولية الجميع!".

وكل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر: biblioislam