خمس سنوات...إعادة
إعمار العراق والحلقة المفرغة
هلال الطعان
لا يخفى على
احد ان الاقتصاد العراقي هو اقتصاد شبه مدمر، لذا فان اهمية اعماره
استقطبت من قبل العديد من المؤسسات الدولية، حيث تمت دراسته وتحليله
بصورة شاملة منذ احداث 9/ 4/ 2003 وسقوط النظام المباد من قبل المنظمات
الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والعديد من المؤسسات
والهيئات الاخرى،
كما عضدتها
دراسات الحكومات العراقية المتعاقبة ابتداء من مجلس الحكم مرورا
بالحكومة المؤقتة فالحكومة الانتقالية ومن ثم الحكومة الدائمة الحالية.
لا شك بانه
لا توجد في العالم الا قلة من الدول التي ابتليت بتركة ثقيلة من
المعضلات الاقتصادية كالتي ابتلي بها العراق، لقد كانت اصوات قليلة
مطالبة لاصلاح شامل للاقتصاد الذي دمرته سنوات الحكم الدكتاتوري
والسيطرة المركزية للدولة وما آلت اليه الحرب والحصار الاقتصادي.
لقد خصص
مبلغ 55 مليار دولار لاعادة اعمار العراق هذا المبلغ الضخم يفوق ما خصص
لمشروع مارشال لاعادة اعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم
تراجعوا وصرحوا بان المبلغ خفض الى 33 مليار دولار بسبب عدم ايفاء
العديد من الدول المانحة بالتزاماتها ولكن المبلغ الحقيقي المخصص هو
18,400 مليار دولار خصص لمشاريع في المحافظات بطريقة المقاولات عن طريق
المتعهدين ولا احد يعرف اين ذهب هذا المبلغ والى جيوب من؟ فلا اعمار في
المحافظات ولا هم يحزنون. واذا ما نظرنا الى سبب القصور في الاصلاح
واعادة التنظيم في الحياة الاقتصادية في العراق نظرة علمية نجده يعود
بالدرجة الاساس الى ما يلي:
1. الضعف في
مواصلة رسم السياسة الاقتصادية.
2. التنفيذ
المضطرب لبرامج ومقترحات الاصلاح الاقتصادي الاساسية.
3. الهوة
الواسعة بين التصميم الجاد من جهة على التنفيذ المترابط للاصلاحات
الاقتصادية من قبل المؤسسات التنفيذية من جهة اخرى له الاثر البالغ على
مسيرة الاعمار في البلاد.
وينبغي
الاعتراف بان هناك جدلا بشأن مسألة العجز في تمويل عملية اعادة الاعمار
وقلة المعونة المتدفقة في تفسير ضعف استجابة الاقتصاد العراقي للتغيير
فضلا عن ان عمليات الهدر والتأخير كانت عالية جدا.
ان كلفة
اعادة الاعمار وما يتطلبه كبيرة وتتراوح ما بين 150 -200 مليار دولار
ولكن قابليتنا كعراقيين على استحداث الموارد وخصوصا من ظل مرحلة ارتفاع
اسعار النفط الخام الى ما فوق 90 دولارا للبرميل الواحد كبيرة ايضا لذا
فمن المحزن ان نرى النهج العام مستندا على الادعاء كون العراق سيبقى
بلدا ذا اقتصاد غير مستقل ومرتبطا بالمساعدات التي تحرك مسيرة الاعمار
فيه على الرغم من انه يمتلك ثاني اكبر احتياطي بترولي بعد المملكة
العربية السعودية والغريب في الامر ان العراقيين اصبح حالهم حال الشعب
البوليفي حيث تعتبر بوليفيا ثاني اكبر دولة في اميركا الجنوبية في
الاحتياطي النفطي بعد فنزويلا الا ان 70 بالمئة من الشعب البوليفي يعيش
تحت خط الفقر كما هو حال الشعب العراقي الان.
ومن ناحية
اخرى وبالرغم ما للوضع الامني من تأثير في عرقلة النمو الا ان ذلك لا
يجب ان يبرر استمرار اساليب الادارة والسياسات الخاطئة في العراق
فالاستمرار في اعتماد البرامج غير الموجهة والتي في ظاهرها مساعدات
للفقراء والمعوزين والافراط في البذخ من شأنها زيادة عبء الموازنة
العامة للدولة ومن ثم الاضرار بحال الطبقة الفقيرة بالمجتمع. لذا فان
اصرار بعض الافراد من داخل الحكومة وخارجها على الاستمرار بالدعم
الحكومي غير الموجه يعمل على استنزاف موارد الدولة المحدودة ولا يحقق
المنفعة المتوخاة وبالدرجة المطلوبة ولا يتيح استثمارها في الخدمات
الاساسية للمجتمع بل يحقق المصالح المادية لبعض المنتفعين ويجعل موارد
الدولة العراقية عرضة للفساد والضياع، لقد تجاوزت الحالة الحد المعقول
فاصبح لزاما العمل الجاد والمخلص على معالجة الهدر والفساد في هذا
البرنامج فمن دون العمل على اصلاحها يستحيل تحقيق الاصلاح المنشود
وزيادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة وهذا ما تدعو اليه
المنظمات الاقتصادية الدولية ودعاة الاصلاح الاقتصادي وتأكده تجارب
الدول التي سبقتنا بالاصلاح.
في العراق
هناك مشكلات تتعلق بالاطار الاجتماعي والسياسي والاداري والقانوني التي
تحكم عل الموازنة العامة للدولة والاستثمار في القطاع الخاص فعلى سبيل
المثال لا الحصر نجد ان الاستثمارات في القطاع الخـاص تعتمد على درجة
كبيرة على قوانين الحرية الاقتصادية وقوانين الملكية الى جانب المهارات
الادارية والفنية وهـذه هي من معاناة الوضع الاقتصادي والتي من الصعب
تجاوزها من دون وجود ارادة حازمة ومستمرة والتضحية بالاهداف القصيرة
اما المشاركة في المؤتمرات خارج البلاد وتحت اسماء براقة لاعمار العراق
فلم تجد نفعا وقد اثبتت فشلها على ارض الواقع، فالعراق لا يعمر
بالتصريحات الرنانة على الفضائيات وفي الصحافة والتحدث عن انجازات
وتخصيصات وهمية لا وجود لها وقد ادرك الشعب العراقي ذلك جيدا وخمس
سنوات مرت لم نجد اي اعمار حقيقي في البلاد وعليه فالتحدي الكبير يتمثل
بما يلي:
اولا: توفير
المواد الاولية لاعادة الاعمار.
ثانيا:
التأكد من كفاءة وعدالة الاستفادة من الموارد وعدم الوقوع في مشكلة
الدولة النفطية التي تتجسد بعدم الكفاءة والهدر ومن صور هذا التشوه
سعـر الصرف ومركزية اتخاذ القرارات من قبل الدولة والفساد الاداري وعدم
العدالة في توزيع الموارد وطغيان السلطة المركزية.
ثالثا:
اختيار العناصر الكفوءة والنزيهة المؤمنة بعراقيتها لا بطائفيتها او
قوميتها في المناصب العليا في الدولة لان تجربة السنوات الخمس اثبتت
فشل القيادات القائمة على اعمار العراق، لقد سئم الشعب ذلك واصبـح كل
شيء واضحا للقاصي والداني فالشعب يريد اعمارا على ارض الواقع لا
تصريحات فاسلوب التصريحات قد ولى من دون رجعة.
رابعا: كما
ان السبيل الى ضمان نجاح اعادة الاعمار والاصلاح الاقتصادي هو الاصلاح
الاداري والعمل على تحسين الاداء، ان ادارة البلاد يجب ان ترتقي لتصل
الى الدرجة المقبولة والتي تتمتع بها اقتصاديات الدول المتقدمة وهذه
تشمل رفع نوعية اجهزة الحكومة ومن دون الالتزام طويل الامـد بالاصلاح
فستبقى الحالة اية حالة عـدم الكفاءة مضرة باي عمل ينشد التطور حيث ان
القطاع العام له وجود مـهيمن في الاقتصاد العراقي فان كفـاءة ادائه سوف
تقرر مسيرة الاقتصاد العراقي وان هذا القطاع يعاني من مشكلات ادارية
فلا عجب ان يكون الوضع الاقتصادي مترديا وخير دليل على ذلك التجربة
اليابانية في الادارة.
خامسا: اما
بشأن تطوير واقع القطاع الخدمي وتشجيع الاستثمارات الاجنبية فان هذا لا
يتحقق بمجرد اعلان الحكومة باهمية دور الاستثمارات الاجنبية في نمو
القطاع الخاص العراقي وانما يجب ان تصاحب ذلك سياسات اقتصادية ثابتة
وتشريعات قانونية بعيدة المدى تـوفر الاجواء المناسبة لاستثمـارات
القطاع الخاص لذا يجب ان تكون القوانين واضحة وصريحة وان تحافظ الدولة
على مصداقية العقود التجارية.
وان تكون
المحاكم حيادية في اجراءاتها وسريعة الاداء وهنـاك علاقة طـردية بين
حسن اداء القطاع ومصداقية القوانين التي تخص الملكية والتشريعات
التجارية.
سادسا:
يتطلب من الحكومة ان تعالج المؤسسات المملوكة من قبلها وقضية الخصخصة
خلال العامين المنصرمين لان هناك غموضا في توجه الدولة فالمعلوم ان
الخصخصة هي ليست غاية بحد ذاتها ولكنها وسيلة لرفع كفاءة المؤسسات
وتحسين ادائها كما ان لها اثرا ايجابيا في تنمية اسواق المال وخلق
المناخات للاستثمارات الخاصة كما اثبتت التجارب العالمية بان العديد من
الشركات المملوكـة للدولة يمكن ان يتحسن اداؤها اذا ما تمت خصخصتها كما
اثبتت التجارب العالمية بان العديد من الامثلة على نجـاح مؤسسات القطاع
العام اذا ما تمت ادارتها باسلوب تجـاري وتحت ضوابط مالية فعالة وما
يجب ذكره ان القطاع الحكومي العراقي يحتاج الى استثمارات كبيرة لاعـادة
تجهيزه بالمعدات لتحسين انتاجه وخدماته والحقيقة ان مؤسسات القطاع
العام هي مؤسسات غير كفوءة بمعنى ان ايراداتها لا تغطي كلف انتاجها
وهذا ما يوضحه مقدار الدعم الذي تقدمه الدولة لهذه المؤسسات وهو بمقدار
900 مليون دولار سنويا في ظل ظروف العراق الحالية المتمثلة بشحة
الايرادات مقابل ضخامة الاحتياجات.
لذا فاننا
لا نستطيع الاستمرار بنهـج القطاع العام رغم فوائده الاجتماعية.
لذا يجب
توفر الارادة السـياسية والعـلمية الحقيقية والرجال البناة والمخلصين
لوطنهم فعلا وفي خـلاف ذلك فان اعادة اعمـار العراق ستأخذ الوقت والمال
والجهد وتـدور في حلقة مفـرغة كحــلقة التضـخم الجهنمية .
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في لمصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alsabaah
|