رؤية قانونية في المعاهدة العراقية - الأميركية المرتقبة
المحامي طارق حرب
خلال هذه
الايام يمكن ان تحدد بداية المشاورات والمناقشات والمحاورات ولا اقول
المفاوضات بشأن المعاهدة الاميركية المزمع عقدها خلال سنة 2008 والتي
حددت ملامحها الرئيسة وثيقة اعلان النوايا التي تمت بين رئيس الوزراء
نوري المالكي والرئيس بوش قبل شهرين من هذا التاريخ.
فقد عقد في
هذا التاريخ لقاء موسعا وان كان متأخرا عن الوثيقة بين الجهات العراقية
التي تختص بالجانب الاقصادي برئاسة الدكتور برهم صالح نائب رئيس
الوزراء ونظرائهم من الاميركان برئاسة ريان كروكر السفير الاميركي.
هناك ملاحظة
يمكن ان تؤشر على المستوى الوظيفي والسياسي بين الوفدين، فالوفد
العراقي تمثل بنائب رئيس الوزراء وعدد من الوزراء كوزير المالية ووزير
النفط ووزير التخطيط في حين كان الطرف الاخر ممثلا بالسفير وعدد من
الخبراء، ولكن لابأس في ذلك طالما ان هذا الاجتماع يقصد به تحقيق مصلحة
العراق قبل كل شيء فهو مؤتمر اصحاب الاختصاص في امور النقد والعملة
والتجارة والاقتصاد والمال والصناعة والزراعة وسوى ذلك من المواضيع
الفنية البحتة وليس السياسية او الامنية والهدف منه رفع مستوى الاقتصاد
العراقي وتشجيع الاستثمار واقامة المشاريع والبحث عن افضل السبل
لاستثمار الموارد الطبيعية العراقية بما يؤمن فرص عمل للعراقيين
بانطلاقة اقتصادية عراقية طالما ان الوجه الامني اخذ وجها ايجابيا بما
يمثله من استقرار ولمصلحة العراق الوطن ولمنفعة العراقي المواطن تتلاشى
كل الدبلوماسيات والرسوم والتقاليد، فالقاعدة القانونية تقول: ان
الضرورات تبيح المحظورات، فنحن امام ضرورة النهوض باقتصادنا بعد ان
نهضنا بقواتنا الامنية.
دستورية المعاهدة
ان اية
معاهدة يبرمها العراق مع اية دولة اخرى تحكمها العديد من قواعد القانون
الدولي والقانون الداخلي، ومن احكام القانون الدولي اتفاقية”فيينا “
لسنة 1969”اتفاقية قانون المعاهدات “ وميثاق الامم المتحدة ومن احكام
القانون العراقي قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 111 لسنة 1979
والدستور العراقي لسنة 2005.
جميع قواعد
ومبادئ الدستور يجب ملاحظتها عند عقد المعاهدة اذ لا يمكن ان يرد في
المعاهد حكما يخالف احكام الدستور باعتبار ان الدستور هو القانون
الاعلى ويجب ان يلتزم به المفاوضون العراقيون عند التفاوض مع الجانب
الاميركي، فان هنالك مواد دستورية تتعلق بعقد المعاهدات منها المادة
110 والتي تقرر ان عقد المعاهدات والاتفاقيات يكون من اختصاص الحكومة
الاتحادية في بغداد فقط وليس لحكومات الاقاليم وحكومات المحافظات عقد
المعاهدات، كذلك لابد من ملاحظة احكام المادة 7 من الدستور التي نصت
على”يرعى العراق مبدأ حسن الجوار ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدول الاخرى ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية وتقييم
علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ويحترم التزاماته
الدولية، والمادة 61/رابعا والتي نصت على”تنظيم عملية المصادقة على
المعاهدات والاتفاقات الدولية بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس
النواب “ والنص المذكور اشترط هذه النسبة الكبيرة من موافقة اعضاء مجلس
النواب للقانون الذي سيصدره مجلس النواب لتنظيم عملية المصادقة على
المعاهدات ولكن لا تشترط هذه النسبة عند مصادقة المجلس على المعاهدة
الواحدة كالمعاهدة التي سيتم ابرامها. وبالتالي فان هذه المعاهدة في
حالة ابرامها والاتفاق على احكامها من قبل مجلس الوزراء فتتم المصادقة
عليها من مجلس النواب بالاغلبية البسيطة لعدد اصوات اعضاء مجلس النواب
الحاضرين بعد تحقق النصاب اي 139 عضوا من اعضاء مجلس النواب، استنادا
الى احكام المادة 59 من الدستور، وحيث ان المعاهدة ستصدر بقانون فانه
يشترط موافقة مجلس الرئاسة بالاجماع استنادا الى احكام المادة 138/
رابعا من الدستور وهذا الاجماع يتم اشتراطه ايضا عند النقض.
اما ما
يذكره البعض من عرض المعاهدة على الشعب لبيان رأيه في استفتاء عام فان
الدستور لم يشترط الاستفتاء الشعبي ولكن يجوز ان ينص قانون المصادقة
على المعاهدة الذي سيصدره مجلس النواب اجراء استفتاء شعبي.ان المعاهدات
تعتبر من المصادر الاصلية للقانون الدولي كما حددت ذلك المادة 38 من
النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية الملحق بميثاق الامم المتحدة اذ
ان اول ما تطبقه هذه المحكمة من ادلة عن الفصل في المنازعات التي تدفع
اليها هي المعاهدات الدولية، واذا كانت المعاهدة تعرف اصطلاحا بانها كل
اتفاق يعقد بين اعضاء الاسرة الدولية ويهدف الى احداث نتائج قانونية
وهي هنا اتفاق بين العراق من طرف واميركا من طرف اخر يهدف الى احداث
آثار قانونية تتمثل بحقوق والتزامات لكل طرف وقد اشترطت اتفاقية فيينا
ان تكون مكتوبة وخاضعة للقانون الدولي، وهناك امثلة كثيرة لمعاهدات
عقدها العراق مع دول اخرى اهمها المعاهدة العراقية البريطانية والتي
قررت انهاء الانتداب البريطاني على العراق وقبول العراق كدولة مستقلة
وعضو كامل العضوية في عصبة الامم حيث تم عقد هذه المعاهدة سنة 1930
ودخل العراق عصبة الامم سنة 1932 واذا كانت المعاهدات تقسم من الناحية
الشكلية الى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية فان هذه المعاهدة الجديدة
هي معاهدة ثنائية بين العراق واميركا فقط، كما ان هذه المعاهدة هي من
المعاهدات العقدية وليست من المعاهدات الشارعة ذلك ان هذه المعاهدة
تهدف الى تحقيق عملية قانونية وليس وضع قواعد قانونية كما تقرر
المعاهدات الشارعة.
مقومات المعاهدات
ان ابرام
المعاهدات كالمعاهدة الجديدة تستغرق اربع مراحل شكلية هي:
1-المفاوضة
2-التحرير3 -التوقيع 4-التصديق والتسجيل.
المفاوضة
فهي وسيلة
لتبادل وجهات بين ممثلي الحكومة العراقية وممثلي الحكومة الاميركية قصد
توحيد آرائهما ومحاولة الوصول الى حل او تنظيم للمسائل التي سوف
تتضمنها المعاهدة. اي ان هناك تفصيلات كثيرة لابد من مناقشتها بين
الطرفين اذ لابد ان تنص المعاهدة ماهية الاجراءات والخطوات التي تتخذها
الحكومة الاميركية لدعم الاقتصاد العراقي وتقديم المساعدة في تجهيز
وتدريب القوات الامنية العراقية وما هو السبيل الذي ستبحثه اميركا في
اطفاء الديون العراقية والحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية وكيف
يمكن رفع المستوى العلمي للطلبة العراقيين والمؤسسات والجامعات
العراقية. حيث ان المعاهدة المزمع ابرامها تتناول وجوها متعددة لذا فان
هنالك عددا كبيرا من المفاوضين العراقيين يمثلون جميع الجهات ذات
العلاقة بموضوع المعاهدة اذ لابد ان يوجد من يمثل وزارات الدفاع
والداخلية والمالية والتعليم العالي والتربية والاسكان والصحة ومن يمثل
مجلس الوزراء او الجهات غير المرتبطة بوزارة طالما ان لتلك الجهات شأنا
وعلاقة للوقوف على رأي تلك الجهات بشأن الاحكام التي تخصها والتي يتم
التفاوض بشأنها وقد يترأس المفاوضات نائب رئيس الوزراء او وزير
الخارجية، ذلك ان المعاهدة عمل يدخل في اختصاص هذه الوزارة باعتبارها
من المسائل الخارجية
تحرير المعاهدة
في حالة
الوصول على اتفاق وجهات النظر بين الطرفين الى الاتفاق تبدأ مرحلة
تدوين وتسجيل ما اتفق عليه في مستند مكتوب بعد ان يتم الاتفاق على
تحديد اللغة او اللغات الواجب استعمالها في تحرير المعاهدة وكتابتها
وقد نظمت المادة 7 من قانون عقد المعاهدات العراقي هذه المسألة بنصه اذ
قررت كتابة المعاهدة باللغة العربية اللغة التي تعتمدها الدولة
المتفاوضة الاخرى وهي هنا اللغة الانكليزية. لذا فانه لابد من اعتماد
الدقة في استعمال الالفاظ والكلمات والعبارات وحتى الحروف فاختلاف
الالفاظ يؤدي الى اختلاف المفاهيم القانونية وتباين العبارات يقود الى
تباين الاعتبارات وتفاوت الاسماء يترتب عليه تفاوت المسميات وبالامكان
الركون الى مبدأ استعمال اكثر من مصطلح او كلمة او لفظ للتعبير عن
المعنى المقصود لكي لا تكون المعاهدة محل اجتهاد يخالف مقاصدها ويناقض
اهدافها.
صياغة المعاهدة
والذي جرى
عليه العمل ان المعاهدة تتألف من ثلاثة اقسام هي الديباجة
والمتن”النصوص والاحكام “ والخاتمة والديباجة.
التوقيع
ذلك انه
بعد الانتهاء من كتابة المعاهدة يوقع عليها ممثلو الدول المتعاقدة وقد
يتم التوقيع باسماء المفاوضين كاملة ومناصبهم في دولهم كأن يوقعها وزير
الخارجية عن الجانب العراقي ووزيرة الخارجية عن الجانب الاميركي والذي
يلاحظ ان التوقيع لا يعتبر ملزما للدولة مالم تنص المعاهدة على ان يكون
للتوقيع اثر نحو ما قررت اتفاقية
فيينا.
التصديق
اذ لابد من
اجراء اخر يتلو التوقيع وهو التصديق الذي يعني اقرار السلطات المختصة
في داخل الدولتين واعترافها بما تم الاتفاق عليه بين الطرفين والمحكمة
من التصديق تتمثل في اعطاء الفرصة لكل دولة قبل الالتزام نهائيا
بالمعاهدة والتفكير فيما تتضمنه هذه المعاهدة من حقوق والتزامات وافساح
المجال للسلطة التشريعية لابداء رأيها في المعاهدة وقد جرت وحصلت سوابق
في رفض التصديق مثاله رفض معاهدة التحالف البريطانية العراقية التي
وقعت في”بورث سموث “ سنة 1948 ورفض الكونغرس الاميركي التصديق على
معاهدة الصلح سنة 1919 ما ادى الى عدم انضمام اميركا الى عصبة الامم
وهي المنظمة التي سبقت الامم المتحدة ذلك ان الدستور الاميركي في
المادة 2/2 ينص على ان الرئيس الاميركي يتمتع بسلطة عقد المعاهدات بناء
على اقتراح مجلس الشيوخ وموافقته على ان تحصل هذه المعاهدة على اغلبية
ثلثي اعضاء هذا المجلس. واذ كان هناك عرف دستوري يقرر ان للسلطة
التنفيذية ممثلة بالرئيس الحق في عقد المعاهدات ذات الشكل المبسط من
دون التقييد برأي مجلس الشيوخ وهذا ما يميزها في المعاهدات ومنها
الاتفاقيات العسكرية، اما في العراق فان المادة 110 من الدستور قررت ان
عقد المعاهدات من الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية”مجلس الوزراء
ومجلس الرئاسة ومجلس النواب “ وان المادة 61/ 4 قررت تنظيم عملية
المصادقة على المعاهدات بقانون وطالما ان هذا القانون لم يصدر فان
الامر يتطلب عرض المعاهدة بعد التوقيع عليها على مجلس النواب لاصدارها
بقانون بالاغلبية البسيطة شأنها شأن القوانين الاخرى التي يصدرها مجلس
النواب حسب سلطته التشريعية والرقابية وان هذا القانون يجب ان يعرض على
مجلس الرئاسة للموافقة عليه طبقا لاحكام المادة 138 من الدستور.
التسجيل
وهذا ما نصت
عليه المادة 102 من ميثاق الامم المتحدة والتي نصت على”كل معاهدة او كل
اتفاق دولي يعقده اي عضو في هيئة الامم يجب ان يسجل في الامانة العامة
وان تقوم الامانة بنشره “ وقد وضعت الجمعية العامة للامم المتحدة سنة
1946 نظاما يقضي بان يحصل التسجيل بناء على طلب احد اطراف المعاهدة
واما تلقائيا بواسطة الامانة العامة للامم المتحدة عندما تنص المعاهدة
على التسجيل وعندما تودع المعاهدة لدى الامم المتحدة، واذا كان الكلام
والكتابة في موضوع مهم من مواضيع القانون الدولي والقانون الداخلي كبير
وكثير فان الذي ندين به ونعتنقه هو ان المعاهدة الجديدة لابد ان تكون
مصلحة العراق الوطن والعراقي المواطن موضوعا ومحلا ومقصدا وهدفا.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alsabaah
|