المدنيين وليس المزيد من العسكريين...هذا ما يحتاجه الإصلاح في كل من
عراق وأفغانستان!
تحديات ضعف
الأداء الحكومي للدول النامية
خلال زيارته
الأخيرة للقارة الأفريقية، وقّع الرئيس الأميركي جورج بوش على برنامجين
رئيسيين هما: مبادرة مكافحة "الإيدز" و"حساب تحديات الألفية"، ويتوقع
لكليهما أن يعود بالنفع والفائدة على كثير من دول القارة. غير أنهما
يظلان قاصرين على التصدي لذلك الوباء الخطير الذي يعم الجزء الأكبر من
أفريقيا والشرق الأوسط معاً، ألا وهو الضعف الحكومي المتمثل في عجز
كثير من حكومات الإقليمين المذكورين عن بناء جهاز إداري ذي كفاءة تمكنه
من معالجة عناصر الضعف أو حتى الفشل، بحيث يصبح قادراً على تلبية حاجات
المواطنين، والتصدي للمخاطر الأمنية الإقليمية. وكان بوش نفسه قد اعترف
في استراتيجيته الأمنية القومية لعام 2006، بأن هذه الدول "لا تشكل
خطراً على شعوبها وعبئاً على الاقتصادات الإقليمية فحسب، وإنما تظل
عرضة للاستغلال من قبل الإرهابيين والطغاة والمجرمين الدوليين. وعليه
فإننا سنواصل العمل معاً من أجل تمكين هذه الدول المهددة، في سبيل
توفير المساعدات الإنسانية لها عند الأزمات، فضلاً عن تحسين أهليتها
بما يحفز نماءها وتقدمها". لكن، وبعد مضي عامين كاملين على الإعلان عن
تلك الاستراتيجية، لا تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية
فعلية من شأنها تعزيز تلك الدول التي تُعد الأكثر عرضة للتهديدات
الأمنية.
والمعضلة أن
صانعي السياسات والقرارات في الولايات المتحدة، ليس لديهم من الأدوات
ما يمكنهم من قياس الفوارق بين عشرات الدول الضعيفة، وتحديد الأسباب
وراء ضعف كل واحدة منها على حدة. وكما نعلم فإن لكل منها متلازمة فريدة
من مركبّات الضعف والأعراض التي تعانيها. وما لم ندرك الأسباب المحددة
لهذه الأعراض ومصادر ضعف كل واحدة منها، فإنه لا سبيل مطلقاً لضمان
فعالية أي تدخل من جانبنا لإصلاحها.
وحرصاً منا
على مساعدة صناع السياسات الأميركيين والدوليين في تحديد هذه الأسباب
والمصادر، فقد بادرنا إلى وضع "مؤشر الضعف الحكومي في الدول النامية"
برعاية مؤسسة بروكنجز. وميزة هذا المؤشر أنه يقوّم ويرتب الدول النامية
كافة البالغ عددها 141 دولة من حيث الأداء الحكومي في كل واحدة منها،
اعتماداً على الوظائف الأربع المنوط بكل حكومة القيام بها: توفير
الأمن، الحفاظ على شرعية المؤسسات السياسية، حفز النمو الاقتصادي
العادل والمتساوي، وتلبية الحاجات الإنسانية لشعبها. ومن خلال البحث
والاستقصاء تبين لنا أن ما يقارب 60 دولة من هذه الدول، أي ما يزيد على
ربع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، عاجزة عن النهوض بالمتطلبات
الأساسية الملقاة على جهاز الدولة. ورغم استئثار القارة الأفريقية
بالحصة الأكبر من الضعف الحكومي، إلا أن القائمة تطال دولاً أخرى تمتد
من هايتي إلى اليمن، ومن بورما إلى النيبال. وفي القائمة أيضاً
أفغانستان التي تعد دولة فاشلة تماماً، لكونها تلي الصومال مباشرة،
محتلة بذلك المرتبة الثانية. ثم تليهما في المرتبة الثالثة في العجز
الحكومي عن النهوض بأي من الوظائف الأربع الملقاة على عاتق الدولة،
جمهورية الكونجو الديمقراطية. ومن بعدها يأتي العراق في المرتبة
الرابعة لكونه أعلى بقليل من الكونجو وأدنى من بورندي والسودان
وزيمبابوي.
في قائمة
الدول ذات الأداء الحكومي الضعيف، تحتل أفغانستان المرتبة الثانية بعد
الصومال، تليها الكونغو، ثم العراق في المرتبة الرابعة!
والحقيقة أن
تعقيد وحدّة المشكلات التي نواجهها في كل من أفغانستان والعراق، هما
أبعد بكثير مما يعترف به المسؤولون الأميركيون.
ومن شأن هذا
"المؤشر" الذي وضعناه أن يمكّن صناع السياسات من معايرة واختبار كل
واحدة من الدول النامية، وتحديد مكامن ضعفها وقوتها، بما يساعد في
تفصيل الجهود والاستثمارات المطلوبة لكلٍ منها على ذلك الأساس. ولا
يزال في وسع إدارة بوش في عامها الأخير هذا، وضع اللبنات الأساسية
لاستراتيجية شاملة، من شأنها تعزيز الدول الضعيفة، والحيلولة دون
انزلاقها إلى هوة الفشل التام. وحسب رأينا، فإن العناصر الأساسية لهذه
الاستراتيجية تتلخص فيما يلي:
أولاً:
إعطاء الأولوية القصوى لجهود التخفيف من وطأة الفقر، لما للفقر من
علاقة وطيدة بضعف الأداء الحكومي، وتزايد النزاعات الداخلية
والإقليمية. ولهذا فلا بد للإدارة من ربط برنامج "حساب تحديات الألفية"
الذي بادرت به، بجودة الأداء الحكومي.
ثانياً:
استهداف ثغرات الأداء، بمعنى أن تستهدف المساعدات الأميركية مكامن ضعف
كل واحدة من الدول المعنية.
ثالثاً:
زيادة وتوسيع المساعدات الأميركية للدول النامية بما يحقق أهداف
الاستراتيجية.
رابعاً:
تعزيز وكالاتنا المدنية وتوسيع دورها في الدول النامية الضعيفة. فإلى
جانب الجهد العسكري، تزداد حاجة الولايات المتحدة إلى ذراع دبلوماسية
قوية وفاعلة، مما يعني تزايد حاجتنا إلى مهنيين مدنيين على أراضي تلك
الدول. وهذا هو عين ما لاحظه وزير الدفاع روبرت جيتس في الإفادة التي
قدمها أمام الكونجرس في شهر نوفمبر الماضي بقوله: "لم يعد بمقدور الجيش
الأميركي وحده، أن يعيد الحياة إلى دول مهترئة مزقتها الحروب والنزاعات
الداخلية". ومن هنا فعلى الكونجرس أن يستجيب لطلب إدارة بوش الخاص
بزيادة عدد المهنيين في كل من وزارة الخارجية والوكالة الأميركية
للتنمية الدولية.
خامساً:
بناء الشراكات. ذلك أنه ليس في وسع أميركا منفردة النهوض بواجب تمكين
الدول المستضعفة هذه والنهوض بها. وعليه فلا بد لنا من تنسيق جهودنا مع
حلفائنا والمؤسسات الدولية والدول النامية في التصدي لهذا التحدي
الأمني الأكثر إلحاحاً في قرننا الحالي.
وكل ذلك
بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alittihad
|