هل مراكز الدراسات العربية والإسلامية بائسة ... وفقط
لأنها في ذيل قائمة الإقتباس العالمية ؟ !
د. حسن البراري
مراكز الدراسات العربية بائسة.. وفي ذيل القائمة
العالمية !
انتشرت
مراكز التفكير والبحث (الثنك تانك) في العالم بشكل غير مسبوق في العقود
القليلة الماضية. وكان وما زال التحدي الرئيسي أمام هذه المراكز هو
إنتاج أبحاث بتوقيت مناسب لغايات خدمة السياسات والاشتباك مع صانعي
السياسات بشكل فعال، وإشراك الإعلام والجمهور حول قضايا في غاية
الأهمية تواجه الأمة محليا وإقليميا وعالميا. ومع هجمات الحادي عشر
الإرهابية، توجهت قنوات التلفزة والإعلام إلى خبراء ومحللين وأكاديميين
من مراكز الثنك تانك في الولايات المتحدة الأميركية تحديدا للإجابة عن
أسئلة محددة: لماذا قام الإرهابيون بمهاجمة الولايات المتحدة واستهداف
رموز القوة الأميركية؟ من هم هؤلاء الذين نفذوا هذه الهجمات بهذه
الدرجة العالية من التنسيق؟ ما هي دوافعهم؟ كيف لهذا الاختراق الأمني
غير المسبوق أن يحدث؟ كيف يجب أن يكون الرد؟ منذ ذلك الحين، ونحن نلاحظ
ظهور خبراء ومحللين من هذه المراكز بشكل يكاد يكون يوميا للتعليق أو
أحيانا للتحريض وبخاصة بعد أن تكشفت هوية المنفذين. ومن الطبيعي أن
يعبر هؤلاء الخبراء والمحللون عن رغبتهم في المشاركة في هذه اللقاءات
التلفزيونية والإعلامية لأن هدفهم الأساسي هو تسويق أفكارهم حول هذه
الظاهرة وغيرها من المشاكل التي تواجه الولايات المتحدة في العالم.
وزادت الحاجة إلى مراكز التفكير لزيادة طلب صانعي السياسات وطلب
الجمهور على معلومات موثوق بها ومفهومة وقابلة للوصول إليها ومفيدة في
الوقت نفسه. والإجابات الشافية كانت متوفرة في مراكز الثنك تانك. ووصفت
مجلة الاكونوميست الشهيرة أن مركز الثنك تانك الجيد هو المركز الذي
يستطيع أن يجمع ويمزج بين العمق المعرفي والفكري والتأثير السياسي
والشهرة ويكون له نوع من الخصوصية. ودون شك، فإن مراكز التفكير التي
تفشل في الجمع بين هذه المزايا مجتمعة تصبح مراكز ليست ذات صلة.
من هنا جاءت
فكرة وضع تقييم عالمي لهذه المراكز ومعرفة قوة تأثيرها. وبهذا الصدد،
لا بد من الإشارة إلى الدراسة الريادية التي قام بها معهد أبحاث
السياسة الخارجية في جامعة فيلادلفيا الأميركية والتي تناولت 5080
ويبين الجدول رقم 3 الدول التي يوجد فيها أكبر عدد من مراكز الثنك
تانك) مركز دراسات يعتقد أنها تجسر الفجوة بين العمل الأكاديمي
والمعرفة من جانب والسياسات من جانب آخر. وعملت هذه الدراسة على جمع
هذه المراكز وتصنيفها واختيار المراكز الأكثر تأثيرا على مستوى العالم
وعلى مستوى الأقاليم المختلفة. ويبين القائمون على هذه الدراسة المهمة
أن عملية إدخال أي مركز ضمن المراكز المدروسة (5080) لا يعني على
الإطلاق أن هذا بمثابة تأييد لهذا المركز أو منشوراته أو برامجه. وبنفس
الوقت فإن عدم ضم بعض المراكز إلى القائمة المختارة لا يعني أنها مراكز
تنقصها النوعية والفعالية أو التأثير.
وبنظرة
سريعة نجد أن دول أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) لها حصة
الأسد في عدد هذه المراكز. فنهاك ما مجموعه 1924 مركزا في أميركا
الشمالية منها 1776 مركزا في الولايات المتحدة وحدها. يليها دول أوروبا
الغربية إذ يوجد فيها 1198 مركزا في حين يوجد في آسيا 601 مركز، وفي
أوروبا الشرقية 483 مركزا وفي أميركا اللاتينية 408 مراكز وفي إفريقيا
274 مركزا وفي الشرق الأوسط 192 مركزا. وبطبيعة الحال فقد انعكس الخلل
في توزيع هذه المراكز على عملية تقييمها. لذلك نجد القائمة التي تضم
أكثر مراكز الثنك تانك فعالية هي من دول أميركا الشمالية وأوروبا
الغربية. ويبين الجدول المشار إليه (رقم 3) التوزيع غير المتكافئ بين
أقاليم العالم. والسبب في تركز هذه المعاهد في أقاليم معينة متعلق
بتوفر التمويل في ذاك الإقليم. فمثلا توجد في الولايات المتحدة مصادر
كبيرة جدا للتمويل وكذلك في أوروبا، إذ إن معدلات التنمية وتوفر
المصادر لعبت دورا كبيرا في انتشار هذه المراكز. وهناك عدد أكبر من
الثنك تانك في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)
من بقية أقاليم العالم. ويفسر هذا- ولو جزئيا- وجود تمثيل أكبر لمراكز
الثنك تانك في أوروبا وآسيا في قائمة أفضل 30 مركزا في العالم في حين
أن أقاليم مثل إفريقيا أو أوروبا الشرقية هي أقل تمثيلا.
وأهم ما
حاولت هذه الدراسة أن تقوم به هو حصر أسماء مراكز الدراسات في العالم،
وتحديد أفضل عشرة مراكز تنك تانك على مستوى العالم ثم وضع قائمة بأفضل
30 مركزا في العالم. ومن الجدير بالذكر أن مراكز الثنك تانك في
الولايات المتحدة (1776 مركز دراسات) قد قيمت بشكل منفصل. ولو تم تصنيف
مراكز الثنك تانك الأميركية ضمن قائمة أفضل ثلاثين مركزا في العالم أو
ضمن قائمة أفضل عشرة مراكز في العالم لسيطرت وطغت مراكز الثنك تانك
الأميركية على القائمة. ولذلك جاء تقييمها في قائمة منفصلة حتى تعطى
صورة أفضل عن دور مراكز الثنك تانك الأخرى على مستوى العالم.
بدأ الإعداد
لهذه الدراسة المهمة منذ مدة طويلة (18 شهرا) لتحديد المراكز البحثية
القيادية في العالم. وجرت عملية تحديد أهم المراكز حسب معيارين: نوعية
البحث والإنتاج، وعدد مرات اقتباس إنتاج هذا المركز أو ذاك في الكتب
والدوريات الأكاديمية. واستخدمت آخر تقنيات البحث وأكثرها نجاعة وهي
ألـ (LexisNexis)
لمعرفة عدد مرات الاقتباس. واعتمدت الدراسة على تقييم خبراء عالمين في
(بزنس) مراكز البحث وخبراء إقليميين ومحليين من كل دولة. كما جرى توزيع
استبانة للمساعدة في عملية الاختيار. كما شارك في عملية الاختيار
والتقييم 50 خبيرا موزعين على مختلف الأقاليم. باختصار اعتمدت الدراسة
على منهجية متكاملة تجمع بين النوع والكم. والجدول رقم 1 يبين أفضل
عشرة مراكز في العالم، بينما يبين الجدول رقم 2 أفضل ثلاثين مركزا في
العالم.
وبالرغم من
هذه المنهجية في اختيار مراكز الثنك تانك وترتيبها وقوة تأثيرها إلا أن
المتابع للعلاقة بين مراكز الثنك تانك والتأثير في السياسات يلمس تفوق
مراكز الثنك تانك في الولايات المتحدة من حيث كونها مدخلا مهما في
صناعة القرار السياسي. وتتميز هذه المراكز الأميركية عن نظيراتها في
العالم في كونها قادرة على المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعة
السياسات، وفي حقيقة أن صانعي القرارات في واشنطن يأخذون نصائح من هذه
المراكز أحيانا.
وقد تطورت
هذه المراكز عبر الزمن وأخذت تنتشر كالمشروم في السبعينيات إلى
التسعينيات من القرن الماضي. فالطبيعة اللا مركزية في الولايات المتحدة
وعدم وجود انتظام حزبي صارم وكذلك وجود فائض من رأس المال الذي تقدمه
الجمعيات الخيرية قد ساهم في زيادة عدد هذه المركز في المرحلة المشار
إليها. ويمكن تعريف هذه المراكز في الولايات المتحدة بأنها مراكز غير
حزبية تقوم بعمل أبحاث للتأثير في الرأي العام والسياسة العامة. وقد
بدت المرحلة الأولى في تأسيس هذه المراكز في الولايات المتحدة مع بداية
القرن العشرين. وقد تمكنت ثلاثة مراكز على سبيل المثال من احتلال حيز
واضح في أميركا في العقدين الأولين من القرن العشرين. ونشير هنا إلى
مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (أسس عام 1910) ومعهد هوفر عن الحرب (أسس
عام 1919) الذي أسسه رئيس الولايات المتحدة الأسبق هيربرت هوفر، وكذلك
مجلس العلاقات الخارجية (أسس عام 1921) وهو معهد نما وتطور كونه نادي
عشاء شهري لكي يصبح واحدا من أهم مؤسسات البحث في العالم. وقد نشأت
مراكز أخرى مثل معهد الأبحاث الحكومية (أسس عام 1916) الذي أصبح فيما
بعد معهد بروكينغز في عام 1927 وكذلك معهد المحافظين الجدد الذي يعرف
باسم معهد الانتربرايز الأميركي والذي أنشئ عام 1943.
أما المرحلة
الثانية فهي مرحلة بدايات الحرب الباردة. وهنا الحديث عن المرحلة التي
تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة وتحول النظام الدولي إلى ثنائية
القطبية، إذ اختلف شكل التنافس الدولي وطبيعته بعد أن أخذ طابعا
أيديولوجي (الرأسمالية والاشتراكية). والحقيقة أن الولايات المتحدة
شعرت أثناء الحرب بنقص الخبراء الذين يفهمون لغات الآخرين وتاريخهم
إلخ. من هنا ظهر في العلوم الاجتماعية ما يطلق عليه اسم الدراسات
الإقليمية. والهدف من وجود مثل هذه الدراسات سياسي بحت. وبعد أن أدركت
الولايات المتحدة بان لها مسؤوليات جمة بوصفها قائدا للمعسكر الغربي
فقد احتاج صانعو القرار في واشنطن إلى آراء وأفكار خبراء الثنك تانك
لكي تطور الإدارات الأميركية سياسة أمنية وطنية ممتازة ومنسجمة. وفي
عام 1948 أنشئت مؤسسة راند لترويج وحماية المصالح الأمنية للولايات
المتحدة. وتطورت راند التي تعتمد على تمويل الحكومة إلى درجة أنها
أنشأت مراكز فرعية على شكل متعهدين لتتعاقد معهم. وهكذا أقيم معهد
هدسون عام 1961 ومعهد الريف عام 1968.
المرحلة
الثالثة هي مرحلة ظهور مراكز الثنك تانك التي تقوم بالترويج والكولسة
لقضية معينة (advocacy).
فهذه المراكز تقوم بإجراء دراسات وأبحاث وتجمعها مع تقنيات تسويقية.
وهذه هي الوظيفة التي تجمعهم مع جماعات المصالح وجماعات الضغط. وهذه
المراكز غيرت من دور الثنك تانك التقليدي. فاشتركت بهذا المعنى بالجدل
العام. وهنا يمكن الإشارة إلى مؤسسة هريتج (1973) ومعهد كاتو (1977) و
مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (1962).
وتعتمد هذه
المراكز على مجموعة من الاستراتيجيات لتحقيق أهدافها في التأثير في
الرأي العام وفي صانعي القرار. فتقوم بعقد المؤتمرات الصحافية،
والمؤتمرات العامة وحلقات البحث حول قضايا متعددة تهم السياسة
الخارجية. ويقوم خبراء من هذه المراكز بالإدلاء بشهاداتهم أمام لجان
الكونغرس المختلفة وبالأخص لجنة الشؤون الدولية في محاولة مباشرة
للتأثير في التشريعات ومواقف الكونغرس حيال الكثير من بؤر التوتر في
العالم.
والآن سأعرض
عددا من هذه المراكز بالإضافة إلى مراكز أوروبية ذات تأثير كبير في
مجتمعاتها. فمثلا هناك معهد الانتربرايز الأميركي الذي أسس عام 1943.
وهو معهد غير ربحي وغير حزبي ضم العديد من الخبراء الذين نظّروا للحرب
على العراق. وهو معهد يميني متطرف يوصي أن تتبع أميركا أجندة في
السياسة الخارجية تعتمد تصدير الديمقراطية للخارج لكي تصب في مصالح
الولايات المتحدة والمعهد يدعم إسرائيل بشكل مطلق. ولا يتلقى المعهد
تمويلا حكوميا. ربما يكون معهد بروكينغز من أكثر المراكز سمعة ومصداقية
في الولايات المتحدة وهو الأكثر اقتباسا في الإعلام والصحف. وهو معهد
ذو ميول يسارية، ومع ذلك يتهمه النقاد أنه أيد الكثير من سياسات بوش.
وكان هذا المعهد من أعداء الرئيس نيكسون في السبعينيات. والحقيقة اعتمد
عليه الرئيس كارتر كثيرا وصاغ بعضا من سياساته نحو الشرق الأوسط بناء
على دراسات من هذا المعهد. وتقدر موجودات المعهد بنحو 258 مليون دولار.
أما المعهد الأميركي للسلام فقد أسس عام 1984 ويتلقى تمويلا كبيرا من
الكونغرس الأميركي. والمركز مستقل بالرغم من التمويل الفيدرالي ويركز
على منع نشوب النزاعات، وحاليا يركز بشكل كبير على الموضوع العراقي.
ويتبنى المعهد مشاريع داخل العراق تشجع على المصالحة الوطنية بين مختلف
الطوائف العراقية. تأثير المعهد كبير نظرا لارتباطه بالكونغرس وهو الذي
موّل تقرير بيكر-هاملتون ونشره. أما راند فهي مؤسسة بحثية مهمة لها
أفرع عديدة، وتركز على الدراسات العسكرية وفيها 1600 موظف. ونظرا
لطبيعة مصادرها السرية، فهناك صعوبة من التحقق في المنهجية التي يستنتج
فيها القائمون على راند في تقديم توصياتهم. وكثيرا ما يتناول اسم مؤسسة
راند عند المؤمنين بنظرية المؤامرة. وهناك أيضا مؤسسة هريتج التي ينظر
إليها بوصفها واحدة من أكثر المؤسسات ذات الخلفية المحافظة وقد أنشئت
عام 1973 في واشنطن دي سي. ومعهد ودور ويلسون أقيم عام 1968 بأمر من
الكونغرس نسبة للرئيس ودرو يلسون وهو الوحيد من بين رؤساء الولايات
المتحدة الذي كان يحمل شهادة الدكتوراه. وهو مركز غير حزبي يتلقى
تبرعات خاصة وتبرعات أخرى. ويحتوي المعهد على عديد من البرامج التي
تعنى بالشأن الدولي. وهو مركز في الوسط بمعنى أنه غير محافظ متشدد ولا
يمكن أن ينظر إليه بوصفه مركزا يساريا. ومجلس العلاقات الخارجية الذي
أقيم عام 1921 هو الأكثر أهمية وتأثيرا في سياسة أميركا الخارجية بعد
وزارة الخارجية. وهو المركز الذي يصدر المجلة الأرفع مكانة والتي تصدر
مرة كل شهرين وهي مجلة الفورين أفيرز (الشؤون الخارجية).
أما خارج
الولايات المتحدة فهناك عدد من مراكز الثنك تانك التي لعبت دورا
وتأثيرا ملحوظين في بلادها. وهنا أذكر على سبيل المثال لا الحصر المعهد
الملكي للشؤون الدولية والمعروف باسم (تشاتم هاوس) وهو موجود في لندن
وأسس عام 1920. وهذا المركز هو مستقل وغير حكومي يقوم بتقديم فهم أفضل
للأزمات وبؤر التوتر في العالم. وهو يعد واحدا من أفضل مراكز الثنك
تانك في العالم. ويوجد في بريطانيا أيضا المعهد الدولي للدراسات
الاستراتيجية، وهو معهد يصفه القائمون عليه أنه المعهد الرائد في دراسة
النزاعات السياسية العسكرية. وقد أقيم المعهد عام 1958 مركّزا في
البداية على دراسة الردع النووي والحد من التسلح. ويوجد في فرنسا
المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وله تأثير واضح في وزارة الخارجية
الفرنسية. والقائمة تطول ولا يتسع المقال الحالي لعرض كل المراكز ذات
التأثير الكبير والتي وردت في قوائم أفضل المراكز في العالم.
وبعد
استعراض الدراسة المهمة، يتساءل الواحد منا: أين هي مراكز الدراسات
العربية؟ واللافت أن المركز العربي الوحيد الذي ورد ضمن قائمة أفضل
ثلاثين مركزا في العالم هو مركز الأهرام للدراسات السياسية
والاستراتيجية. وقد يكون ذلك إنجازا، لكن الصورة الكلية في العالم
العربي قاتمة. فغياب المراكز العربية أمر يطرح عديدا من التساؤلات
ويلقي بالشك على صدقية هذه المراكز. ومن ثم تسقط مقولة طالما رددها بعض
القائمين على هذه المراكز في الأردن أن هذا المركز أو ذاك وضع البلد أو
الجامعة التي تحتضنه على الخارطة الدولية! ويبدو أن المطلوب قليل من
التواضع وكثير من العمل كي يكون لدينا مراكز أبحاث يشار إليها بالبنان.
وكنت أنا
شخصيا من بين الذين اعتقدوا أن لبعض المراكز العربية حضورا على الساحة
الدولية إلى أن عملت كبير باحثين في المعهد الأميركي للسلام في واشنطن
في الأعوام 2007-2006. عندها عرفت كيف أن دراسات عربية كثيرة منها
الكمية ومنها الكيفية لا تقتبس ولا يشار إليها ولا يثق بالكثير منها
لغياب الموضوعية العلمية عنها. وبعدها بدأت أراجع بعض المسلمات بعين
نقدية ولعل طفرة ما تحدث في عالم مراكز الأبحاث في العالم العربي بحيث
نرى مراكز أخرى غير مركز الأهرام الذي هو بالفعل المركز الوحيد الذي
ينشر دون كلل وبنوعية جيدة. ولكن الموضوعية تتطلب أن نذكر أن هناك
مراكز دراسات عربية ساهمت ولو بالقليل محليا. ففي الأردن على سبيل
المثال يمكن الإشارة إلى ثلاثة مراكز تلعب دورا وإن كان متواضعا على
المستوى المحلي. وفي الإمارات يمكن الإشارة إلى مركز الإمارات للدراسات
والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، وفي السعودية هناك مركز الملك فيصل
للدراسات والأبحاث الإسلامية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية
في الكويت، والمركز اللبناني للدراسات السياسية في بيروت.
غابت أغلب
هذه المراكز العربية عن البحث العلمي الأصيل وربطت جزءا كبيرا من
نشاطاتها بشكل أكثر من اللازم بالإعلام (ضمن حملات علاقات عامة) على
حساب دراسات جدية حسب أجندات وطنية. فمثلا لم يقدم أي مركز دراسات في
الأردن قراءة استراتيجية للإقليم وحركته وخيارات الأردن السياسية منها
أو الاقتصادية بحيث يضع أمام صاحب القرار بدائل، وهنا القيمة العليا
للدراسات التي تربط بين الأكاديميا والسياسات. فالأصل ألا نقوم بدراسة
لمناكفة أصحاب القرار وتحقيق امتيازات بل لمساعدتهم. وأكثر من ذلك، فإن
انهماك هذه المراكز في العالم العربي في الشأن المحلي تلبية لأجندة
الممولين الغربيين (وبعضها لتحقيق الثراء السريع) ساهم في إضعاف دورها
في التقدم للأمام بأجندة استراتيجية حقيقية تخدم الوطن وليس القائمين
على بعض هذه المراكز .
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:
al-majalla
|