الـعـرفـان المغـشـوش بين العرض والطلب
د. أحلام فـؤاد الســيد
القسـم الأول - في 15- 2- 2009
روي عن الإمام
جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام :
( أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم نهى عن الخلابة ، والخديعة ،
والغش ، وقال : منْ غشـنا فليس منا )
كما في : دعائم
الإسلام - القاضي النعمان المغربي - ج 2 - ص 27 -
30
ما هـي الخلابة ... ما هـي الخديعة ... مـا هـو الغـش ؟
الخلابة :
بكسر الخاء وخفة اللام : الخديعة باللسان بالقول اللطيف ، يقال : خلبه
يخلبه من باب قتل وضرب أي خدعه ، والإسم " الخلابة " بالكسر ، والفاعل
" خلوب " كرسول أي كثير الخداع . و" البرق الخلب " بضم
الخاء وتشديد
اللام المفتوحة : الذي لا غيث فيه ، كأنه خادع ، ومنه دعاء الاستسقاء "
اللهم سقيا غير خلب برقها ". والخلب أيضا : السحاب
يومض برقه
حتى يرجى مطره ثم يخلب وينقشع ، و " مخلب الطائر " بكسر الميم وفتح
اللام بمنزلة الظفر للانسان
.
ومن الحديث المروي في وصف المؤمن :
( ليس تباعده تكبراً ولا عظمة ،
ولا دنوه خديعة ولا خلابة )
هي بكسر الخاء
وخفة اللام : الخديعة باللسان بالقول اللطيف .
الخديعة :
الخدع : إظهار خلاف ما تخفيه لإجتلاب نفع أو دفع ضر ، ولا يقتضي أن
يكون بعد تدبر ونظر وفكر كما في الكيد .
الغـش :
غشش : الغش : نقيض النصح ، وهو مأخوذ من الغشش المشرب الكدر
، وغشه يغشه غشا بالكسر ، وشئ مغشوش ، واستغشه خلاف استنصحه . وقد غشه
غشا أي لم يمحضه النصيحة ، والشئ المغشوش ، أي الغير الخالص ، من الغش
.
الخلاصـة:
إذن
الخديعة هي إظهار خلاف ما تخفيه لإجتلاب نفع أو دفع ضر، والخلابة هي
الخديعة باللسان بالقول اللطيف ، والغش هو نقيض النصح ، والمغشوش هو
الغير الخالص ، من الغش ... الغير النقي ، من غيره ، كالذهب المغشوش
الذي يحتوي في تركيبته على معادن أخرى مثل الفضة التي تـُخلط مع الذهب
.
كما في :مجمع
البحرين - الشيخ الطريحي - ج 1 - ص 676 – 677 ، الصحاح - الجوهري - ج 3
- ص 1013 ، النهاية في غريب الحديث - ابن الأثير - ج 2 - ص 58 ، تاج
العروس - الزبيدي - ج 9 - ص 154 ، لسان العرب - ابن منظور - ج 8 - ص 63
وهنا لابد وأن
نشير الى أن العرفان المعتبرهو العرفان المستنبط من الأدلة الشرعية
المعتبرة ، وهو الذهب النقي المصفى ، وماعداه مغشوش دخيل يتسبب في خراب
الدنيا والأخرة معاً لأنه يقيل أعزّ مخلوقات الله سبحانه وتعالى ألا
وهو العقل ، وبعناوين خلابة لطيفة رومانسية ، وغايات عظيمة مقدسة لكن
الكلام أن تلك الغايات مهما كان مقدسـة وعظيمة ونبيلة فذلك لا يبرر
الوسـائل كما لايشرع ذلك إبتداع الطرق للوصول الى تلك الغايات ، هناك
تسويق وترويج للعرفان المغشوش ، وذلك بلاشك يعتبر مصداقاً لغش الأفراد
والمجتمعات لأن الغش لاينحصر في البيع والشراء بل يشمل الغش في الأفكار
... الغش في المواقف ... الغش في الأفعال ، وفي ردود الأفعال ،
والرواية
الشريفة :
( منْ غشنا فليس
منا
)
صريحة وتذهب في تهديدها الى مديات بعيدة ففي معنى قول النبي
صلى الله عليه وأله وسلم :
( منْ غشنا فليس منا )
أقوال منها :
- ليس منا يعني :
ليس من أهل ديننا .
- ليس منا : يعني
ليس مثلنا .
- ليس منا : يعني
ليس الغش من أخلاقنا ، ولا من فعلنا لأن ذلك ليس من أخلاق الأنبياء
والصالحين .
- ليس منا : يعني
لم يتبعنا على أفعالنا ، واحتجوا لذلك بقول إبراهيم عليه السلام في
سورة إبراهيم الأية المباركة - 36 - :
( فمنْ تبعني ،
فإنه مني ) ، فأي وجه من هذه الوجوه كان المراد بقوله : ( ليـس منا ) ،
فالغش منهي عنه .
إذن يجب الإنتباه
الى هذا الغش المنظم المكثف في الأفكار والذي يتمثل في تسويق العرفان
المغشوش والحذر والتحذير منه ، ومن تداعياته المدمرة ، وبموازاة صياغة
وتسويق وتكريس العرفان النقي الذي جسده الرسول الأكرم صلى الله عليه
وأله وسلم ، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء والأئمة المعصومين
عليهم السلام والأنبياء والصالحين لكي نكون حقاً منهم بإتباعنا لهم كما
تقدم في الأية المباركة من سورة إبراهيم .
قال الإمام علي
بن أبي طالب عليهما السلام :
( وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة ، وأفظع الغش غش
الأئمة . )
كما في : نهج البلاغة - خطب الإمام علي
(ع) - ج 3 - ص 27
رأيت أحد
المنجذبين عاطفياً نحو قسم من أقسام العرفان العديدة يهمل أشياءً عديدة
لكنه يكرر مع نفسه الدعاء المرسل المنسوب الى الرسول الأكرم الله صلى الله
عليه وأله وسلم :
( رَبِّ أرني الأشــياء َ كـما هـي ) ( 2 ).
كما في رسائل
المرتضى - الشريف المرتضى - ج 2 - ص 261
ودون غيره من
الأدعية فقلت له ما هو تفسير هذا الدعاء ؟
قال : أتوسل الى
الله تعالى أن يريني الأشياء كما هي .
فقلت : لمْ تفسر
لي الدعاء الشريف فأنا أريد معرفة مفهوم ( الأشياء ) ، والمراد بـ (
كما هي ) لأن لايوجد في في العالم أوسع من مفهوم الشيء فهو يشمل الدنيا
والأخرة كما يشمل أخاك وصديقك وجارك وبيتك وهذا الكرسي الذي تجلس عليه
والمسبحة التي بيدك والتصورات التي تدور في ذهنك وذهني و... الخ .
أجاب : نعم كل
ذلك مشمول بدعائي ومنه الدنيا و... الخ .
قلت : هناك رواية
وربما تعارض ما تطلبه من الله عز وجل بخصوص الدنيا فعن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم :
( لمّا قالَ رجل في دعائه : اللهم أرني الدنيا كما تراها : لا تقلْ
هكذا ، ولكن قلْ : أرني الدنيا كما أريتها الصالحين من عبادك ).
كما في المحجة
البيضاء : 7 / 347 .
فقال لي :
التجربة خير برهان فبعد فترة من الرياضات النفسية بدأت أرى أجسام لطيفة
متحركة أحياناَ ؟
اليس ذلك ولوحده
دليلاً على صحة الطريقة وإقترابي من الله عز وجل ؟
قلت : ربما ...
لكن ليس دائماً هو كذلك ، ومـاذا بعد ذلك ؟ ! ... وما جدوى ذلك .
فقال : وكيف ذلك
؟
أجبت : هناك
أفراد وربما البعض منهم لايؤمن حتى بوجود الله سبحانه وتعالى لكنهم
يقدرون على إنجاز أعمال غريبة توصف بالخارقة ،ويهتم برصدها وتفسيرها ما
بات يطلق عليه علم البارابسيكولوجيا ، والذي يتفرع منه :
1- الإستشفاء من
الأمراض .
2- التنبؤ
بالمستقبل .
3- السيكوكينيزيا
( تحريك الأشياء بقوة التركيز الذهني ) .
4- التخاطر (
التلباثي ) والجلاء البصري .
فقصة المعالجة
الغجرية الروسية جوانا معروفة ومصورة في أفلام وثائقية وهي صاحبة كتاب
"أصغي إلى أصابعي" ، وكذلك قصة السيدة الروسية ميخائيلوفا ، وغير ذلك
كثير .
فقال : لم أسمع
بذلك من قبل فربما يكون ذلك من أبواب السحر .
قلت : سأذكر لك
قصة من تاريخ الأئمة المعصومين ، ترتبط بالإمام الحسن العسكري عليه
السلام والذي نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية الثانية لتفجير بيوت
أبناء النبي الأكرم صلى الله عليه وأله في سامراء ، وكيف أنه بعلمه
الإلهي كشف أمراً خارقاً فدفعَ الفتنة والإفتتان لأنه كما لكل مادة
خصوصيات وأثار كذلك هوالحال بدرجة أخرى للإدراكات والقصة بإيجاز :
عن علي بن الحسن
بن سابور قال :
كان في زمن الحسن
الأخير عليه السلام قحط فخرجوا للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يمطر عليهم ،
قال : فخرج يوم الرابع بالجاثليق مع النصارى فسقوا ، فخرج المسلمون يوم
الخامس فلم يمطروا فشك الناس في دينهم ، فأخرج المتوكل الحسن عليه
السلام من السجن وقال :
أدرك دين جدك يا
أبا محمد ! ، فلما خرجت النصارى ورفع الراهب يده إلى السماء قال أبو
محمد لبعض غلمانه :
خذ ْ من يده
اليمنى ما فيها فلما اخذه كان عظماً اسوداً ثم قال :
استسق الآن ،
فاستسقى فلم يمطر وأصحت السماء فسأل المتوكل عن العظم قال :
لعله اخذ من قبر
نبي ولا يكشف عظم نبي إلا ليمطر .
كما في : مناقب
آل أبي طالب - ابن شهر آشوب المتوفى عام 588 هـ - ج 3 - ص 526 – 527 -
لجنة من أساتذة النجف الأشرف- 1376 - 1956 م- مطبعة الحيدرية - النجف
الأشرف.
فقال : لو رأيت
الأشخاص مثلاً كما هم في الحقيقة لتمكنت من تمييز المنافق من غيره ،
والصادق من الكاذب ، و... الخ .
فقلت : وثم مـاذا
؟ ... ومـاذا بعد ذلك ؟
ثم استعرضت
لمحاوري قصة إبراهيم عليه السلام والتي أوردها الحر العاملي من كتاب
الاحتجاج كما رواها الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن بن الوليد عن
الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير ، والرواية بحسب الحر العاملي
- ر - :
بالسند المذكور
في الكتاب عن أبي أيوب يوسف بن محمد بن زياد وأبي الحسن علي بن محمد بن
سيار عن أبويهما ، وكانا من الشيعة الإمامية ، قال : حدثنا مولانا
الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن
رسول الله صلى الله عليه وأله ، قال في جملة كلام طويل مع أبي جهل :
يا أبا جهل أما
علمت قصة إبراهيم الخليل لمّا رفع في الملكوت قوى الله بصره لما رفعه
دون السماء حتى أبصر الأرض ، ومنْ عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلاً
وامرأة على فاحشة ، فدعى عليهما فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعى عليهما
فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما فهلكا ، فأوحى الله إليه يا إبراهيم
فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما فهلكا ، فأوحى أنا الله الغفور الرحيم
لا تضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ
كسياستك فاكفف دعوتك عن عبيدي وأمالي ، فأنما أنت عبد نذير لا شريك في
المملكة ولا مهيمن عليّ ، ولا على عبادي ، وعبادي بين خلال ثلاث :
اما تابوا إلي -
فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم أو كففت عنهم عذابي لعلمي بأنها
سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين وأتأني بالأمهات
الكافرات ، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا
تزايلوا حل - بهم عذابي وحاق بهم بلائي وان لم يكن هذا ولا هذا ، فإن
الذي أعددته له من عذابي أعظم مما تريده به ، فان عذابي لعبادي على حسب
جلالي وكبريائي يا إبراهيم فخلْ - بيني وبين عبادي فاني أرحم بهم منك ،
وخلْ بيني وبين عبادي فاني أنا الله الجبار العلام الحكيم أدبرهم بعلمي
وانفذ فيهم قضائي وقدري .
كما في : الجواهر
السنية - الحر العاملي- 1104- ط 1384 - 1964 م- النعمان - النجف
الأشرف- المكتبة العلمية – بغداد- ص 20 - 22
ـ للحديث صـلة بإذنه تعـالـى ـ
|